عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 30-03-2006, 11:07 PM
فلوجة العز فلوجة العز غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 415
إرسال رسالة عبر MSN إلى فلوجة العز
إفتراضي

لقد كان جسده في الأرض , و روحه في السماء ... و كانت نظارته الشمسية تخفي خلفها عينين باكيتين حالمتين بالجهاد في سبيل الله ,
لقد أثار تدافع الطلاب على أبواب الحافلة ابتسامة ساخرة من جعفر , الذي أصبح "غير عادي" في مجتمع العاديين , حيث يكون حب الدنيا و عبادتها و التقاتل من اجلها هو" العادية ", و حب الجهاد في سبيل الله و القتال لإعلاء كلمته هو "الشذوذ" عن تلك العادية ,
لقد شعر جعفر و كأنه ضيفا على هذه الدنيا لا ينوي أن يجاوز الثلاثة , أو مسافرا حط في إستراحة ,


كان ينظر إلى الناس في الحافلة , نظرة شفقة لحالهم و رأفة , فهم يتدافعون من أجل الوصول إلى الجامعة في الموعد , و لم يتدافع أحد منهم للوصول إلى الفردوس الأعلى !!

"مساكين يا أيها الجارين وراء السراب , مساكين يا أيها المتدافعين على أبواب الحافلات و الوظائف , مساكين يا أيها المصطفين أمام عتبات السلاطين "المقدسة" ,
مساكين يا أيها العاديين ,

مساكين يا أيها الغافلين ,
مساكين يا زاهدين برضى الله وجناته ,
أتضحكون ؟ و والله وكأني أرى فوق رأس كل منكم تاريخ ولادته و وفاته , فعلمتم الأول , و جهلتم الثاني , فاحتفلتم بما علمتم و غفلتم عما جهلتم , ولو علمتم ما جهلتم , ما ضحكتم ..
أتفرحون؟ , و والله وأكني أرى الجنة و النار أمامي , وأرى معظم أهل الأرض يلقون في النار و القليل منهم يدخلون الجنة , فعجبي لمن يفرح لغير الجنة , و يحزن لغير النار ..

لا أفهمكم ولا تفهمونني , و لا ضير , فلست أخاف في حبي ملامة ...
لست أساوم على معشوقتي " الجهاد" ..
هذا فراق بيني و بينكم ,
يا عاديين ..."

كان هذا هو ما يجول في خاطر جعفر و ينعكس على شكل همسات و تمتمات خفية تداعب شفتيه و هو ينظر في الحافلة يمينا و شمالا , مخفيا نظراته خلف عدسات نظارته المعتمة,
لكنه كان عاجزا عن مسح دموعه التي تتسلل بين الحينة و الأخرى ...شوقا لمعشوقته ,
نعم , فلقد تيقن جعفر أن " حب الجهاد" قد أمسى "عشقا" يشغل عقله و يسكن قلبه .
حرص جعفر عل صلاة العصر في مسجد الجامعة , الذي لم يدخله من قبل , فلقد كان يتكاسل عن صلاة الجماعة ,
اصطف في السطر الأول , و بقي معتكفا حتى إقامة الصلاة , و في الخروج , رأى زميله " محمد خير " يقضي ما فاته من الصلاة , ففرح فرحا شديدا , و تأمل أن يجد من يفهم رغبته , و الأهم من ذلك ,من يدله على طريق إلى أرض الخلود.
لقد كان "محمد خير" شابا دمثا ملتحيا , من الحركة "الإسلامية" , و له نشاطات عديدة في مجلس طلبة الجامعة ,و يشارك في المهرجانات و الفعاليات " الإسلامية " وكان دوما ينصح جعفر بالإلتزام بالصلاة في المسجد , فيرد عليه جعفر ويقول : خيرا إن شاء الله , جزاك الله خيرا .

عندما أنهى "محمد خير" صلاته , و هم بالخروج من المسجد رأى صديقه جعفر ينتظره في آخر المسجد ,
تقابلت عيناهما من غير ميعاد , و تعانقت نظراتهما على استحياء , و تبادلا إبتسامات الإخاء ,
سلما على بعضهما و تعانقا عناقا حارا ,
قال محمد : الحمد لله الذي قر عيني برؤيتك في بيت الله ,
جعفر: الحمدلله على الهداية , نسأل الله القبول و الثبات...
محمد : آمين ..جميعا
جعفر : أخي الحبيب , هل لي من وقتك الثمين صدقة ؟
محمد : عيب يا أخي , كل وقتي هو لك .
جعفر : يا أخي الحبيب , هذه المقتلة التي يتعرض لها أهلنا في فلسطين و العراق و أفغانستان , إغتصاب الحرائر في أبي غريب , كل هذا و نحن في سبات عميق لا حياة و لا حراك ..
محمد : الله المستعان, صدقت ..
جعفر ( وقد تشجع كثيرا بعد سماع جواب محمد) : والله الذي رفع السماء بلاعمد أننا آثمون لجلوسنا , والله فالق الحب و النوى أننا آثمون لتخاذلنا , كيف نزهد بالجنة , كيف نزهد بالفردوس الأعلى , كيف نزهد بمغفرة الله عز ووجل , كيف تطيب حياتنا و كلاب الصليب ينهشون لحوم الموحدين ؟
لقد كان صوت جعفر يرتفع تدريجيا , و وجهه يحمر , و عيناه تصارعان الدموع , بينما بدأت إبتسامة "محمد خير" بالبرود لتترك مكانها لنظرات توجس و جمود , لقد تغير مناخ " محمد خير " و جعفر لا يلاحظ ذلك في خضم " إنفعاله "
تابع جعفر كلامه : اليس هو عقد بين العبد و ربه , أجاهد في سبيل الله فأقتل و انال رضوان ربي و جنته ؟ أليست المسألة بهذه البساطة ,اليست هي إحدى الحسنيين ؟ ابشرك يا أخي الحبيب محمد أنني عزمت على الذهاب إلى العراق للجهاد في سبيل الله عز وجل و أفوز بوعده لعباده و أتمنى منك إعانتي للذهاب أو إرشادي إلى ...
هنا قاطعه " محمد خير " وقال له كلمة واحدة , كانت كفيلة لصفع جعفر و إيقاظه من نوبة إنفعاله ,
محمد : و دراستك ؟
هنا استيقظ جعفر , و أفاق من نوبته ,
هنا علم أنه يتكلم إلى إنسان "عادي " من " عاديي المجتمع" ....
صدم جعفر و ذهل , و شعر للحظة بغربة , و وحشة , مرت و كأنها قرونا طويلة ,
سكت لوهلة , ثم استجمع قواه , و عاد لحوار "محمد خير "
جعفر : أخي الحبيب أنا أتكلم عن الفردوس الأعلى و أنت تسألني عن دراستي ؟
محمد : الأمة تحتاج للمهندس الملتزم كما تحتاج للمجاهد ...و هناك الكثير لتعمله , هناك النشاطات الدعوية , و إنتخابات مجلس الطلبة التي اقتربت و نحن نعد لمهرجانات طلابية دعائية و نحتاج لجهودك معنا , و صدقني ستجد سعادة كبيرة و أنتم تقدم جهدك و وقتك في سبيل الله ,

يتبع...........
__________________
الرد مع إقتباس