زهده
يقول هو عن الزهد : الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة , وحقق هو هذا القول في حياته , فقد اعرض إعراضا كليا عن الدنيا و اطرحها وزهد فيها , وعاش للآخرة , فلم يتول ولاية , ولم يتقلد منصبا , ولم يجمع مالا , ولم يأخذ أعطية , ولم يضع درهما على درهم أو دينارا على دينار , ولم يبن بيتا , ولم يتخذ سكنا , ولم يأخذ مزرعة , ولم يذهب في تجارة , ولم يعمر عمارة , ولم يكثر من الملابس , ولم يتأكل بالعلم , ولم يذهب في حاجته الخاصة الدنيوية , بل كان جل همه العلم النافع والعمل الصالح , فما عُرف في وقته أزهد منه , وكان يرضى بالقليل من الطعام , وكان لا يسرف في الأكل بل يكتفي بلقيمات , وكان يلومه أصحابه على قلة أكله , ومع ذلك لا يغير عادته , متقشفا في ملبسه , وما كانت تعرف له إلا غرفة واحدة بجانب المسجد , مع قلة الملابس وقلة ذات اليد , وما كان يميز بين الدراهم ولا بين الدنانير , وكان ما يأتيه من المال دون طلب منه يصرفه في الحال على الفقراء والمساكين , ولم يمس عنده فيما يُعلم درهم ولا دينار, فأقر له المواقف والمخالف والمحب والمبغض بأنه آية عجيبة في الزهد والانقطاع إلى الله , و إهانة الدنيا وعدم الالتفات إلى أصحابها , وعدم توقير خدمها , وإنما توقيره لأهل العلم والعبّاد والزّهاد , وللصالحين عموما .
.. يتبع ..