عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 13-04-2006, 09:05 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

أما في مسقط فقد أرسل الإمام سعود إلى هناك مبعوثاً يدعى محمد بن سلامة في مهمة للتوصل إلى تسوية مع السيد سعيد، كما كلف ذلك المبعوث أيضاً بالاتصال من هناك بحكومة بومبي للتوصل معها إلى تفاهم وصداقة. وقد وصل محمد بن سلامة إلى مسقط في الأول من شهر ربيع الأول 1229هـ/21 فبراير 1814م، وبدأ مفاوضات طويلة مع حاكم مسقط، كما بعث برسالة إلى السير إيفان نبيان، حاكم بومبي، أبلغه فيها بأنه وصل إلى مسقط "للمفاوضة مع السيد سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد، لتسوية الأمور بينه وبين الإمام سعود"(66). وقد كتب الوكيل المحلي لشركة الهند الشرقية في مسقط؛ كوسي غولاب (Cossee Gholab) رسالة إلى حاكم بومبي نفسه، مؤرخة في 13 ربيع الأول 1229هـ/5 مارس 1814م، يذكر فيها وصول محمد بن سلامة إلى مسقط لمفاوضات سلام مع السيد سعيد، وأن تلك المفاوضات استمرت لفترة طويلة ولكن الأمور ما تزال كما هي، ولم يتم التوصل إلى حل للمشكلات. وأضاف الوكيل غولاب أنه أثناء سير المفاوضات وصل خبر يفيد بأن سعود بن عبدالعزيز قد مات، وأن ابنه قد خلفه. وأكد غولاب بأن هذه الظروف قد حالت دون التوصل إلى سلام، لأن كلا من الطرفين كان ينتظر التأكد من صحة الخبر، وأنه إذا صح هذا الخبر فإنه لن يكون هناك اتفاق(67). أبلغ السيد سعيد المقيم البريطاني بروس بنتائج مفاوضاته مع مبعوث الإمام سعود، وأكد له أنه لم يتوصل معه إلى شيء. وقد نقل المقيم بروس مضمون رسالة السيد سعيد إلى السيد واردن رئيس سكرتارية حكومة بومبي في رسالة مؤرخة في 8 يونية 1814م (20 جمادى الآخرة 1229هـ) ذكر فيها أن حاكم مسقط لم يتوصل مع محمد بن سلامة، مبعوث سعود إلى أي شيء لأمور لم يمكنه قبولها، لكنه لم يذكر تلك الأمور، وأضاف المقيم بأن وكيل الشركة في مسقط بعث إليه برسالة يذكر فيها تلك الأمور، وهي أن محمد بن سلامة طلب تضمين الاتفاق شرطاً سرياً مفاده أن يزود السيد سعيد الوهابيين عند اللزوم بمراكب لمهاجمة ساحل مليبار، ولذلك اضطر السيد سعيد إلى طرد المبعوث السعودي من بلاده، وذلك ما حدث في الرابع والعشرين من أبريل (الرابع من جمادى الأولى)، وعلق المقيم على ذلك قائلاً: إن هذا العمل يصعب فهمه، وهو يوضح مدى افتقار الوهابيين للإخلاص، ومدى ضعف الاعتماد على تعهداتهم(68). يتضح مما تقدم أن الإمام سعود كان حريصاً - قبيل وفاته - على التوصل إلى سلام واتفاق مع حاكم مسقط. فلم يكتف بإرسال مبعوث خاص لهذه المهمة ظل يتفاوض مع ذلك الحاكم أكثر من شهر لكي يتوصل إلى اتفاق معه، بل كلف ذلك المبعوث أيضاً بالاتصال بحكومة الهند لإبلاغها برغبته في الوصول إلى تفاهم وصداقة معها وسلام واتفاق مع حاكم مسقط، لعلمه بأن تلك الحكومة حليفة لحاكم مسقط وحريصة على حمايته. لكن وفاة الإمام سعود أثناء سير المفاوضات، ومقتل قائده القدير مطلق المطيري قبل ذلك، وهما اللذان أوصلا النفوذ السعودي في عمان إلى قمته، أوقف تلك المفاوضات، وأحيا بقوة الآمال لدى السيد سعيد، ليس في التخلص من ذلك النفوذ فقط، وإنما في توسيع نفوذ مسقط في جنوب الخليج على حساب تراجع النفوذ السعودي. أوقف السيد سعيد المفاوضات مع محمد بن سلامة عند وصول الخبر بوفاة الإمام سعود، وحين تأكد من صحة ذلك الخبر طرده من مسقط، وأبلغ البريطانيين الذين كانوا يحضونه على التوصل إلى تفاهم وسلام مع السعوديين بأنه لم يستطع التوصل مع المبعوث السعودي إلى أي شيء؛ لأن الأخير كان يشترط عليه تقديم المراكب اللازمة لغزو سواحل الهند. ولا تخفى هنا محاولة السيد سعيد تبرير عدم توصله إلى سلام مع السعوديين من ناحية، والتزلف إلى البريطانيين من ناحية أخرى. إن من الملفت للنظر أن السيد سعيد لم يبلغ البريطانيين بالأسباب التي حالت دون توصله إلى اتفاق مع المبعوث السعودي محمد بن سلامة بنفسه بالرغم من شدة علاقة تلك الأسباب بالبريطانيين والهند. وبدلاً من ذلك ترك تلك المهمة للوكيل المحلي للشركة الإنجليزية في مسقط، لكي لا يظهر ذلك بأنه محاولة منه للتهرب من التوصل إلى تفاهم مع السعوديين - وهو ما كانوا يدفعونه إليه - أو محاولة منه للتزلف إليهم. وقد نجح السيد سعيد بهذه الطريقة في استثارة المقيم البريطاني بروس وحكومة بومبي ضد السعوديين، حيث وصفهم بروس والسيد واردن بعدم الإخلاص وعدم الوفاء بالعهود(69). إن الأسباب التي قيل: إنها حالت دون توصل حاكم مسقط إلى سلام مع المبعوث السعودي محمد بن سلامة، تتناقض مع الحرص الشديد الذي أبداه ذلك المبعوث على التوصل إلى تفاهم وصداقة مع البريطانيين في رسالته إلى حاكم بومبي(70). ومن هنا، فإنه من المستبعد أن يعمل الإمام سعود على تحسين علاقته مع حكومة الهند - كما هو واضح من رسالة مبعوثه إليها - وفي هذه الظروف الصعبة التي تواجهها دولته في الغرب، وفي الوقت نفسه يقوم بوضع الترتيبات لمهاجمة سواحل الهند. شعر السيد سعيد بعد مقتل المطيري وضعف الحاميات السعودية في عمان ووفاة الإمام سعود واشتداد ضغط القوات العثمانية المصرية على السعوديين في الحجاز، بأن الوقت أصبح مناسباً لإعادة الكرة على رأس الخيمة لإعادة الشيخ سلطان بن صقر إلى مشيختها ومشيخة القواسم. فكتب إلى المقيم بروس في منتصف شهر مايو 1814م (حوالي 24 جمادى الأولى 1229هـ) يخبره بأنه عازم على مهاجمة رأس الخيمة مرة أخرى وأن الشيخ سلطان بن صقر وشيخ بني ياس وشيوخ قبائل آخرين يتوسلون إليه؛ لينضم إليهم في مهاجمة رأس الخيمة، ويؤكدون له إخلاصهم، وبذل كل ما يستطيعون لنصرته، وعدم تكرار ما حدث في العام السابق(71). وقد حرص حاكم مسقط - كعادته - قبل القيام بحملته على رأس الخيمة على الحصول على مساعدة الحكومة البريطانية، فكلف وكيله في بومبي بأن يطلب من حاكمها تقديم سفينتين حربيتين وقوة من الجند عوناً له، مستنداً في طلبه على معاهدتي عام 1213هـ/ 1798م وعام 1214هـ/1800م بين حكومة مسقط وحكومة الهند. لكن البريطانيين لم يقبلوا بزعمه أن هاتين المعاهدتين تنصان على حلف دفاعي هجومي، أو أنهما تضعان أية التزامات على أي من الطرفين بالمعاونة في حروب الطرف الآخر. إلا أن المسؤولين في حكومة بومبي وافقوا على مرافقة المقيم بروس للحملة الثانية ضد رأس الخيمة بدعوى المطالبة هناك بالتعويض عن الاعتداءات الأخيرة التي ارتكبها القواسم، وأن يعقد المقيم إذا أمكنه ذلك اتفاقاً جديداً مع تلك القبيلة(72). كما حدث في العام السابق، كانت الثقة معدومة بين حاكم مسقط وحلفائه، حيث كان كل طرف يعتقد أن الأطراف الأخرى على اتصالات سرية مع رأس الخيمة، ولهذا تعذر القيام بالهجوم عليها. فقد ذكر المقيم بروس في رسالة إلى حكومة بومبي مؤرخة في 16 يولية 1814م (28 رجب 1229هـ)، أن السيد سعيد توصل إلى معاهدة سريعة مع القواسم، وعاد إلى هرمز، وأن هذه المعاهدة نصت على أن يكون هناك سلام بين سكان الموانئ الواقعة بين كانكون والبحرين في الشمال وبين رأس الحد وجوادر في الجنوب(73)، وأن يعيد القواسم الغنائم التي استولت عليها مراكبهم التي كانت في عرض البحر في ذلك الوقت، والاعتراف بالشيخ سلطان بن صقر شيخاً في الشارقة. وأضاف المقيم أن حاكم مسقط قد توصل إلى هذه المعاهدة العاجلة بسبب تخلي شيخ بني ياس عنه، حيث غيب بنو ياس مراكبهم، وحين طلب منهم السيد سعيد مهاجمة رأس الخيمة براً في حين يهاجمها هو بحراً رفضوا ذلك، وأكد المقيم أنه قد تلقى رسائل من بعض الشيوخ تفيد أن هذه المعاهدة لن تستمر؛ لأن الشيخ سلطان بن صقر والشيخ بطي شيخ بني ياس غير راضيين عنها، وأن بروداً أصبح يشوب علاقتهما بالسيد سعيد، وأن حاكم مسقط سارع إلى التوصل إلى اتفاق مع رأس الخيمة؛ لأنه كان يعتقد أن حلفاءه كانوا على اتفاق سري مع القواسم، وأن أولئك الحلفاء كانوا يعتقدون أن السيد سعيد لن ينتصر في هذه الحرب(74). ترتب على فشل الهجوم على رأس الخيمة فشل الاتفاق الهش الذي جاء نتيجة له. فقد حرص السيد سعيد على أن يكون أكبر المستفيدين من التسوية التي توصل إليها مع أهل رأس الخيمة، فعدل عن هدفه السابق الرامي إلى إعادة سلطان بن صقر إلى مشيخة رأس الخيمة، وقرر أن يبقى حسن بن رحمة في مشيخة تلك البلدة، على أن يحتفظ حاكم مسقط بنفوذ فيها، وأجبر الشيخ سلطان على القبول بذلك الوضع والاكتفاء بمشيخة الشارقة. وهكذا خرج الشيخ سلطان بن صقر وشيخ بني ياس من هذه الحملة وما أعقبها من تسوية ساخطين على السيد سعيد(75).