عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 03-06-2006, 03:20 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

مصطلح الأمة بين التفاخر الفضفاض والواقعية المفقودة

قد يحدث أن يعلو صياح أحد أبناء حي ما في بلدة ما ، مهددا ومنذرا ومعربدا ، ظنا منه أنه بين عصبيته و أهله ، فيستمد قوته منها و يتعالى صوته ، حتى يبرز إليه من يتحداه ، وقد يكون أقوى منه أو معه من يعينه ، فيوسعه ضربا ويطرحه أرضا ، فيكتشف صاحب الصوت العالي أنه خذل ، ولم ينصره أحد ، فيكظم غيضه ، ولكنه يبقي على جذور مبررات صوته العالي ، وقد يستخدمها في مناسبة أخرى ، ظنا منه أنه قد عالج سبب الخذلان الأول ..

كما أن للبيضة حدود ولقطعة الأرض المملوكة من قبل مالك حدود ، فإن للجماعة حدود ، وبما أن الأمة هي جماعة بمفهومها العام فإن لها حدود ، وحدودها تتشكل بالقدر الذي يلتزم أفرادها بالإيمان المحوري الذي تشكلت منه جماعتهم ( أمتهم ) .. وبقي أفراد تلك الجماعة على جاهزية كاملة في الدفاع عن مفهوم تماسك جماعتهم و تحويل ( الإيمان ) الى إجراء دائم ..

إن الجماعة التي تصلي صلاة الجماعة وراء إمام ، تلتزم بالإشارات الصادرة منه ، وتكتسب صفة الجماعة ، طالما أنها التزمت بقيادة الإمام لها ، وتأخذ صفة جماعة حتى لو كان المصلين ثلاثة .. وهذا ينسحب على فصيل عسكري أو وفد تفاوضي أو كتيبة أو فيلق أو جيش أو أمة أو أممية ( إسلامية ) أو (شيوعية ) .. فطالما أن هناك إمام واحد ( قائد ) .. فمن يتبعه هو أمة ..

لكن إذا استخدم مصطلح أمة ، ولم يكن سلوك الأفراد ، الذين يفترض أن يكونوا بإمرته ، بما يقول أو يصدر عنه من أوامر .. فإن استخدام المصطلح هنا لا يعدو ظاهرة التفاخر والتباهي ، ومحاولة للتذاوت الوجداني لا أكثر .. وقد يكتسب نقطة واحدة لصالحه في هذا المجال ، بأنه يصلح أن يكون فضاءا يضخ به النشاط الذهني ليحوله من حالة المفاخرة الى حالة العملياتية ، التي يستحق عندها أن يكون فيها مصطلح الأمة معبرا عن حالة جماعة حقيقية طبيعية ، تتحرك بتناغم مع ما يقول أفرادها في مجال التباهي ..

عندما كان القائد (الفتى ) محمد قاسم الثقفي ، يخوض حربه في هضاب الصين ، كان هو وعسكره و جنده يستندون الى مفهوم الأمة بشكليها المتطابقين التفاخري و الحقيقي (العملياتي ) .. وعندها كان مفهوم الأمة الإسلامية ، يستحق النظرة إليه كمصطلح معبر عن الحالة التي ينشدها الكثيرون هذه الأيام في صورة الأمة ..

ولكن عندما تداخلت الأوامر، لتجد في مساحة معينة تنسب كلها للمسلمين ، ولكن قادتها متنافرون كما في عهد تزامن دولة بني عباس و الدولة الأغلبية والدولة اليعفرية و الدولة الفاطمية والدولة الأندلسية وغيرها من الدول الكثيرة التي تعايشت في زمان واحد .. فإن مفهوم الأمة الإسلامية ، ليس له أي معنى إجرائي ، والكلام به أشبه بمن يصف البشر الذين يحملون زمرة دم (A) .. فقد تجد منهم بالمكسيك والهند وروسيا ، ولكنهم لا يشكلون جماعة لها أي قيمة عملياتية ..

وهذا الكلام وإن كان يعني بأتباع ديانة معينة ، ونحن لم ندخل في الطوائف والمذاهب و التي تتصاعد الخلافات فيها لدرجة قد تتساوى مع الحالة العدائية التي تكون بين أتباع الديانات الأخرى ، وأمثلة الصراع بين أتباع الطائفة الأرثوذكسية و البروتستانت ، أو الشيعة و السنة ، وغيرها من الصراعات الطائفية المعروفة على مر الزمان ..

أما الجماعات الأممية السياسية ، التي تم إيجادها على هامش مفاهيم الحداثة التي حاذت الثورة الصناعية في أوروبا ، فإن الخلاف فيما بينهم قد تخطى حجم الخلاف فيما بين أبناء الديانات و الطوائف .. ونتذكر الخلاف الصيني السوفييتي والخلاف السوفييتي واليوغسلافي و من قبله خلاف تروتسكي مع رفاقه .. ونتذكر كيفية إلغاء فكرة ديكتاتورية البروليتاريا في كل من إسبانيا و إيطاليا وغيرها .. وهي خلافات ، تشير الى تنصل جماعات من تبعية الالتزام بفقه نظري لقيادات ، تم التشكيك في استحقاقها للقيادة على من تخلى عن التبعية .

إذن ألا يحق لنا أن نسأل عن جدوى صيحات القومية و صيحات الأممية و صيحات الدعوة لنشوء أو استعادة تكوين أمة الإسلام .. وان كنا نستهجن مثل تلك الصيحات ، فهل هذه دعوة للركون للحالة القطرية ، والتي هي الأخرى أصبح وضعها غير مأمون البقاء ، فالشرذمة والتفكك يهددها من كل صوب ؟

يتبع
__________________
ابن حوران