عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 09-11-2006, 04:04 PM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي


والحقيقة أننا لا نجد أي مبرر شرعي للحديث عن فكرة إعطاء الأكراد دولة ...

وكل كردي وعربي يدرك أن الحروب في الشمال العراقي كانت استنزافية للشباب العربي والكردي، ناهبة للثروات، مذهبة للأمن، مزيلة لاستقرار الدولة كدولة حتى جاء صدام حسين وبطريقته الاستئصالية المعروفة حرك الجيش العراقي فعالج هذا الثغر النازف، فتوقف النزف إلى يومنا هذا .... وهذا العلاج مع مافيه من ضحايا، إلا أن الأكراد جميعًا يدركون إلى أي مدى بلغ الحال سوءًا في الشمال آنذاك ... كما يعرفون المحاولات العديدة التي بذلتها الحكومة العراقية من اجتماعات وحوارات ووساطات وغير ذلك مع الأكراد أيام صدام حسين وكل ذلك لم يفلح ولم يجد شيئًا وقد تكون طبيعة صدام حسين نفسه هي عاملا في فقد الثقة بين الطرفين .!

ولو سُئِل المنصف سؤال محدد: أيما خير أن يستمر العراق بأكراده وعربه بتقديم ضحايا يومية وشهرية لا تنقطع مع ذهاب الأمن والاستقرار، ونزف الثروات على الطريقة القديمة للحكومات العراقية القديمة أم أن يتدخل الجيش بكل قوته ليستأصل الورم من جذوره، ويوقف الخسائر المتواصلة على جميع المستويات، وإن كان فيها ما فيها من خسائر؟ ...

لا شك أن خيار كل عاقل في مثل هذا الظرف لو كان حاكمًا حاسمًا هو العلاج الحاسم . لكن المشكلة في الأسلوب الرهيب الذي استخدمه صدام في هذا العلاج والذي كان فيه الاستئصال أعظم من الورم!

وأما أن أمريكا هي التي أعانت صدام على الأكراد، فهذا أمر بالإضافة إلى أن العقل ينفيه بحكم فارق القوة ما بين الجيش العراقي والأكراد ... فإنه قول لا دليل عليه إلا مجرد التوهمات الجزاف التي قيل مثلها كثيرًا من قبل الأكراد والإيرانيين وغيرهم عند تبرير العجز، وتبرير الهزيمة، ولسلب النصر روحه ... حتى مع إيران قيل الكثير من ذلك، لكن الذي ثبت أن السلاح الإيراني كان أمريكيا، والمساعدات الإسرائيلية العسكرية لإيران مقطوع بها ...

وفي العقد الأخير من حكم صدام أصدر قرارًا قبل سنة تقريبًا من زوال حكمه بتخصيص مبلغًا لإصلاح البنية التحتية وإنشاء مشاريع إنمائية في الشمال لمحافظة كركوك .. بمبلغ قدره خمسة وخمسون مليار دينار ؟

ويبقى السؤال الأخير للأكراد العلمانيين المتزعمين تلك الانتفاضات: ماذا قدمتم أنتم في مقابل كل هذا ؟! وماذا ستجنون بعد كل هذا ؟! وهل ستقيمون دولة بعد صدام كما كنتم تحلمون بها ؟!!

وهل ستصبحون قادرين على حمايتها من تركيا؟ وعلى أي دين ستقيمونها؟ وبأي حكم ستحكمونها؟!!

أم أن العمالة تقضي بتفضيل الحكم الذاتي مع أمريكا على الحكم الذاتي مع صاحب البلد الذي تنتمون إليه ..؟!

لقد أشار صدام ـ وصدق ـ في رسالته الأخيرة الموجهة إلى جلال الطلباني ومسعود البرزاني بوجود علاقات واتصالات ما بينهم وبين الصهاينة .

وهاهي الصحف تنشر يوم 29 / 4 / 2003 سعي إسرائيل لتهويد مناطق كردستان العراق ... كما استطاعت تركيا أن تمسك شحنة متوجهة إليها .

ولكن من لا دين له فإن دينه مصلحته، وغايته تبرر وسيلته، لأنه اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ...!

ويتساءل البعض: ماذا تريدون من حاكم بلد أن يفعل وهو يرى جماعة من بلده خانته في أخطر ظرفين: الحرب الإيرانية وحرب الخليج الثانية ؟ ابحثوا لنا عن حاكم في العالم حصل له ماحصل فماذا تريدون منه أن يفعل ؟!!! وكلنا نذكر بعض الجنسيات المسلمة في حرب الخليج الثانية لما وقفت مع العراق في ظلمه على دولة الكويت كيف كان الموقف منها في أحد البلدان، لقد تم اغتصاب بنات تلك الجنسيات المسلمات في حفلات جماعية وابتهاجية بالتحرير، وقدمن هدايا لجنود بعض الدول المشاركة في الحرب، ومنهن من حملن سفاحًا، ومنهن من قتلن نتيجة الاغتصاب الجماعي وفعل بهن من الأفاعيل مالا نستطيع ذكره، وملفات الأمم المتحدة مليئة بمثل هذه الأشياء ومكتوب فيهن الأسماء المغتصبة وصفات المغتصبين وجنسياتهم، ومع كل هذا ماتت قضاياهم ونجا المجرم لأنها باختصار سياسات عالمية يعاقب فيها أناس دون آخرين .

ويبقى بحث الأمر الأخير وهو ما طنطنت حوله الأجهزة الإعلامية العربية والعالمية على وجه الخصوص، وهو طرد الأكراد من منازلهم وتهجير آلاف الأسر العربية وتسكينهم في مساكن أولئك الأكراد بأمر من صدام حسين ..!

هكذا تناول الناس هذه القضية من الإعلام ـ كالمسلمة التي لا يشك فيها ـ وحسبت على أجندة النظام السابق المثقلة بالمظالم أساسًا !

لكن ديننا الإنصاف والعدل ... وقوام التاريخ الصحيح شهادة الحق وكل عراقي وخصوصًا من يعيش في الشمال يعرف جيدًا بطلان هذه الدعوى وهو يرى بعينه المساكن الخاصة التي بنيت لكل أسرة عراقية عربية انتقلت إلى الشمال بحيث ملكتها الحكومة ذلك البيت أو تلك الشقة .. فهي مبان جديدة بنتها الحكومة العراقية ولم تكن يومًا من الأيام للأكراد .. حتى يأتي اليوم الذي يأخذونها من أصحابها الحقيقيين بدعوى أنها كانت لهم ... نعم ربما أخذ بعض المسؤولين الكبار بعض بيوت الأكراد، فهذا علم والله لا نعلمه ولم يبلغنا، ولا نستبعد حدوثه لبعض البيوت الخاصة بهم أو بمن يخصونه .. والله أعلم .

إن من عرف أهداف هذه الحملة التهجيرية علم بعد النظرة ... لو أنها استمرت وتناسلت عليها الأجيال بعد ذلك ... فمن أهداف هذه الحملة ترسيخ وحدة العراق فعليًا بحيث لو جرى التصويت على بقاء مناطق الحكم الذاتي مستقلًا تابعًا للعراق أو منفصلًا عنه، كان للعرب دورهم وصوتهم في إثبات عراقية هذه المناطق، والعراقي العربي لا يرضى أبدًا باقتطاعه من العراق ... وعليه فستبقى هذه المناطق الكردية مناطق عراقية، وهذا هدف شريف وعظيم ربما لن يحتاج له صدام في عهده إنما سيبقى أثره أكبر ما بعد صدام وعلى مستوى الأجيال القادمة أكثر ... وبالتالي يكون صدام قد توصل إلى حل جذري لمشكلة مزمنة عجزت عنها الحكومات والأجيال ... وخصوصًا إذا ما تكاثرت هذه الهجرات إلى الشمال. ومن أهدافها المتحققة فعلًا:- هي تعليم الأكراد اللغة العربية ... فلو كانت عوائل معدودة مهاجرة إلى منطقة الأكراد لربما تحولت لغة هؤلاء إلى اللغة الكردية، أما أن تكون العوائل بالآلاف وفي وسط الأحياء الكردية فهذا ما يستعسر معه الذوبان اللغوي والخلقي ... وبحكم الحاجة والتعامل فستفشو اللغة العربية بين هؤلاء، وهذا بحد ذاته مكسب عظيم يظهر تأثيره أكثر على أبناء الجيل الصاعد، ويجعل هذه المناطق مهيئة لتعميم اللغة العربية، وهذا هو المعمول به في المناطق الكردية ومن تابع الفضائيات الكردية عرف كيف كان اثر هذه الحملة فأغلب برامجها عربية .

ولا يخفى ما لهذه الهجرة الكثيفة من تأثير مستقبلي في التركيبة الاجتماعية المستقبلية، حيث المخالطة والمصاهرة والأرحام بين العرب والأكراد ... ولا نريد أن نتجاوز إلى أهداف أخرى متكلفة وإن كانت متحققة شئنا أم أبينا، كانتشار الأخلاق العربية، والعادات العربية . ونحو ذلك ....

وهذا الذي فعله صدام يعتبر إنجازًا تاريخيًا نوعيًا، ومن الإنصاف أن يحسب له ومن الظلم أن يحسب عليه، بينما لا تكاد ترى دولة واحدة استطاعت أن تحل هذه المشكلة أو تسعى في حلها سعيًا صحيحًا جذريًا فهذه إندونيسيا خسرت تيمور الشرقية وهاهي المغرب تكاد تخسر الصحراء الغربية، وهاهي تركيا لم تستطع أن تحل المشكلة الكردية المستعصية وهاهو السودان يعجز أيضًا عن حلها في الجنوب ....

ومع هذا نقول من منظور الإسلام، وهو المنظور الحق الوحيد: كان بإمكان صدام أن يتخذ أسلوبًا أفضل من هذا بالإضافة إليه ـ وهو الرجل القوي صاحب الإرادة المعروفة ـ وذلك بأن يعتمد الأخوة الإسلامية أساسًا لهذه الوحدة ـ بالإضافة للأساليب التي اتخذها ـ فأسلوب الأخوة الإسلامية هو الأسلوب الأوحد في ربط الأقليات وبناء المجتمعات، ويكفي دلالة على ذلك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمع المدينة بفئاته المختلفة وقد رأينا ماحصل من حكومة أربكان التركية لما تولت القيادة السياسية في ذلك البلد كيف أنها أكرمت الأكراد وحسّستهم بإنسانيتهم ووطنيتهم فتوقفت العمليات الكردية ضد الجيش التركي غير أن الجيش التركي رفضها لأنها ستجعل أربكان بإسلاميته أول زعيم تركي معاصر يحل مشكلة استعصت على غيره .

وقد كان بإمكان صدام ليحقق ذلك أن يحققه من خلال منهج شرعي لا يضعه هو بل يضعه أهل العلم والدعوة والتربية الصادقين الصالحين، ذلك أن الرابط المطلوب هنا ... ليس رابطًا ظاهريًا أو اجتماعيًا أو لغويًا فحسب، إنما هو في أساسه رباط القلوب وهذه لا يقدر عليها إلا الله وحده ... وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:

[وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم] آل عمران 103 .

كان بإمكانه أن يسخر الوسائل المناسبة لتحقيق تلك الأخوة كالمساجد وأجهزة الإعلام الخاصة وشباب الصحوة ثم يتكفل هو بمتابعة تلك الوسائل، والمستوى الذي بلغته تلك الأخوة الإيمانية على الأرض العراقية ولكن هيهات لصدام ذلك وهو له تفكيره الخاص وضوابطه الخاصة ونظرته الخاصة والتي تفتقد إلى ضوابط إسلامية كثيرة مفقودة في شخصه وإن كان هو يظن أنه قد بلغ الكمال فيها من خلال المطبلين حوله والمزمرين والذين كانوا دائمًا سبب هلاك كل حاكم وقائد.

إن البعض يرى أن هذا الأمر أشبه بالحلم والخيال، وأنا أقول نعم لمن نظر بمنظار واقع أغلب الحكومات القائمة، لكن من علم أن أُلْفة القلوب لا تأتي بملايين براميل البترول ولا دنانير الذهب، إنما هي من الله وحده، وأن الأمر فيها كما قال الله تعالى: ' ولكن الله ألف بينهم ' و ' وأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن '، وأنه إذا صدقت النوايا تنزلت إعانة الله وتحققت الألفة القلبية ... عندها نعلم أن الأمر ـ بإذن الله تعالى ـ يسير وخصوصًا إذا كانت وراءه قناعة وإرادة من صدام نفسه و الذي كان بمقدوره أن يحقق لنفسه ولدينه ولآخرته إنجازًا ...

إن الخطأ الواضح الذي اعتمده صدام في تحقيق هذه الألفة القلبية هو اعتماده على الخلايا الحزبية، والدوائر الأمنية بالدرجة الأساس ... ! وهذا للأسف راجع لطبيعته وقناعاته الشخصية بل وناتج عن بيئته التي خرج منها والمحيط الذي عاش فيه ... ولكن أنىّ للخوف أن يحقق أمنًا ! وأنى للقوة المجردة عن المحبة أن تربط قلبًا أو تستجلب حبًا ..؟!

إن خطبة جمعة واحدة يعمم فيها موضوع الأخوة منزلة على الواقع العراقي معززة بالأدلة الشرعية ... لكفيلة بتحقيق مالم تحققه هذه الدوائر الأمنية والخلايا الحزبية طوال سنة بأكملها ... هذا لو حققت هذه الخلايا وهذه الدوائر قطرة من محبة ...!

فكيف لو كان ثمة منهج شرعي متكامل بحيث يخضع لهذا المنهج تلك الدوائر الأمنية والخلايا الحزبية كي يبنيها الإسلام بناءً شرعيًا إيمانيًا حقيقيًا ... وليس تمثيليًا أو مرحليًا لتحقيق غاية ... فلربما لو تحققت الغاية تخلى هؤلاء عن إيمانهم !

إن الإسلام لا ينسف التنظيمات الإدارية والاجتماعية .. بل هو يؤيدها ويقويها ما سارت على منهجه، ناسفًا ما فيها من جاهليات مقيمًا إياها على عقيدة الإسلام الصافية، بانيًا أصحابها بناءً إيمانيًا خلقيًا على وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ... رابطًا إياها برباط الإيمان ... واضعًا أمامهم هدف مرضاة الله تعالى .

وعلى هذا الأساس سوف تكون هذه التنظيمات قوة شرعية موجهة في تحقيق الأخوة الإيمانية ومتابعة بلوغ أهدافها المرحلية ووصولًا إلى هدفها النهائي ...







العبرة الثانية ـ تزكية النفوس أولاً:



الملف الصحفي :عام :



العبرة الثانية ـ تزكية النفوس أولاً
__________________
السيد عبد الرازق