عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 15-02-2007, 06:47 AM
عماد الدين زنكي عماد الدين زنكي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2007
المشاركات: 350
إفتراضي

وافق الزملاء الستة واشترطوا عليه أن يكون هو رئيس هذا الحزب وزعيمه وله وحده حق القيادة العليا وتعيين المؤهلين لوظائف الحزب كما يرى مناسباً . وفي اليوم التالي ، أقسم الستة القسم ، فقرأ عليهم سعاده قراره الأول بتعيين المجلس الإداري الأعلى (7) .

راح الأعضاء المؤسسون ينشطون وكلما اتصل أحدهم بأحد المواطنين السوريين وأقنعه ، يأتي به إلى مكتب مجلة "المجلة" فيلتقي به سعاده ، ويتم القسم ، إلى أن فاق عدد الأعضاء في سان باولو على الخمسين عضواً ، كما تمّ إنشاء فروع للحزب في عدد من الولايات البرازيلية .

- بعد أن توقفت مجلة "المجلة" عن الصدور في آخر تموز 1925 ، تعاقد سعاده مع الشيخ وديع اليازجي لتدريس اللغة العربية في "الكلية السورية البرازيلية" ابتداء من أول العام 1926 . ومع متابعته التدريس في الكلية ، كان سعاده يتابع الاهتمام بشؤون حزبه "الأحرار السوريين" الذي كان ينمو ويزداد عدد أعضائه .

في هذه الأثناء تعرّف سعاده بحكم تردده على منزل صديقه ونائب رئيس الحزب الدكتور عبدو جزره ، على زوجته الروسية اميليا بوشكاروف التي كانت تتمتع بذكاء حاد ، وثقافة واسعة ، وتتقن بالإضافة إلى لغتها الروسية ، أربع لغات أخرى . ولقد أعجبت بسعاده وأبدت لزوجها دهشتها من عميق إطلاعه واتساع علومه ومعارفه .

درس سعاده على يد اميليا بوشكاروف جزره اللغة الروسية وتسلم منها قاموساً روسياً-المانياً وعدداً من الكتب الأخرى . فلم تمر ثلاث شهور حتى كان قد قطع شوطاً طويلاً وصار يقرأ الروسية بسهولة .

- في شهر أيار 1926 وكان قد مضى عام ونيف على انتماء سعاده للماسونية سعى خلالها مع والده لإقناع أعضاء "محفل سورية" تبني فكرة عقد مؤتمر لجميع السوريين الماسونيين في البرازيل يتدارسون فيه حالة الوطن ويتخذون قرارات تؤيد مطالب الشعب السوري بالحرية والاستقلال ، وإرسال مذكرة إلى المحافل الماسونية الكبرى في البرازيل ، والعالم ، تشرح فيها تصرفات فرنسا الجائرة المستبدة في الوطن ، وتدعو تلك المحافل إلى اتخاذ موقف من الحكومة الفرنسية .


إلا أن مساعيهما ، والجهود الكثيرة التي قاما بها ، اصطدمت بتعنت أكثرية أعضاء المحفل ورفضهم التدخل في السياسة . لذلك قرر سعاده الانسحاب من الماسونية ، باعتبار أن الدافع الأساسي لانتمائه إليها ، هي الرغبة في خدمة وطنه وتسخير كل الوسائل والإمكانات من أجل رفع الظلم عنه ، وقطع مخالب الاستعمار .

بتاريخ 24 أيار 1926 وجّه سعاده رسالة استقالته من المحفل الماسوني (8)، وكان والده الدكتور خليل قد سبقه إلى ذلك ، للسبب نفسه ، ووجه رسالة استقالته من المحفل في 10 أيار 1926 .

- في العام 1927 كان قد انكشف أمر "حزب الأحرار السوريين" في أوساط الجالية ، وسعاده كان ما زال يتابع التدريس في "الكلية السورية البرازيلية" .

- مع ابتداء العام 1928 ، انتقل سعاده للتدريس في "الكلية الوطنية للعلوم والأداب" لصاحبها المعلم لويس الحايك ، وقد أمكنه الحصول منها على أن يدرس أشقاؤه سليم، ادوار وغريس فيها مجاناً ، وأن يتولى شقيقه سليم التدريس مكانه في حال توقفه عن إعطاء الدروس . وكان سليم قد أصبح في الثانية والعشرين من عمره وعلى وشك أن ينهي دروسه في الكلية ليتابعها في إحدى كليات الحقوق (9) .

- إلا أن شقيقه سليم أصيب بمرض عضال لم تنجح معه عناية والده الدكتور خليل ولا غيره ومهارة غيره من الأطباء الأصدقاء ، فشعر سعاده كأن جزءاً منه قد سقط لأنه كان يحب شقيقه كثيراً وتشده إليه أواصر قوية من التفاهم (10) .

- بفضل إتقانه لغات عديدة ، تابع سعاده انكبابه على قراءة الكتب العديدة المتنوعة في التاريخ والفلسفة والأدب والعلوم الاجتماعية والانتربولوجيا حتى أصبحت ثقافته عميقة جداً وشاملة كأنه موسوعة حية جامعة ، فلم يكن هناك من موضوع أدبي أو فلسفي أو اجتماعي أو تاريخي يطرح أمامه إلا ويخوض فيه محيطاً بأدق تفاصيله .

- في منتصف العام 1928 ، وبفضل اختباراته العديدة ، كما تجربته في تأسيس "حزب الأحرار السوريين" ، وكان سعاده قد تيقن أن في الوطن ، لا في المهجر ، يصنع مصير الوطن ، وهناك يجب تأسيس الحزب الأفضل للعمل النهضوي ، دعا أعضاء مجلس قيادة حزبه وأعضاء آخرين إلى اجتماع فشرح لهم أفكاره وأطلعهم على قراره بالعودة إلى الوطن في أول فرصة تسنح له ، وعارضاً لهم موضوع تجميد العمل في الحزب ريثما يتأسس الحزب العتيد في الوطن ، فيكتب لهم ويطلعهم على كل شيء ، فمن رغب ينتمي إليه ويعمل على تأسيس فروع له ،

- بدأ سعاده يقتصد في نفقاته لكي يتمكن من شراء تذكرة السفر بالباخرة ، كما تأمين مبلغ آخر يحتاجه بعد وصوله إلى الوطن .

وفي شهر أيار 1930 قصد سعاده مكتب إحدى الشركات ليشتري تذكرة السفر بالباخرة إلى الوطن ، وخلال شهر حزيران راح يودع أصدقاءه وزملاءه ورفقاءه في "حزب الأحرار السوريين".

كثيرون استنكروا عزمه على السفر ونصحوه بالعدول عنه ، محدثينه عن المستقبل الجميل الذي ينتظره في البرازيل ، البلاد الكبيرة الغنية ، كما تقدم البعض بعروض سخية مغرية كي يعود عن قراره ، إلا أن كل ذلك لم يكن يؤثر في قرار سعاده بالعودة إلى الوطن والعمل على تأسيس حزب على قواعد علمية وأسس ثابتة .

- في أواخر شهر حزيران ذهب سعاده يودع والده للمرة الأخيرة ، وغرق الرجلان في عناق حار طويل ، كل منهما في أحضان الآخر ، دون أن ينبس أحدهما بكلمة واحدة ، ثم افترقا لينحدر سعاده بالقطار من سان باولو إلى مرفأ السانطوس ، يرافقه شقيقاه ادوار وغريس (عايدة) وكل من الدكتور عبدو جزره ، راجي أبو جمره ، حبيب أبو حمد ورشيد معلوف .وعلى رصيف المرفأ عانق أخويه وقبلهما قبلات حارة وودع أصدقاءه الآخرين وصعد إلى الباخرة .

- بعد أشهر وأيام قليلة من مغادرتها البرازيل كانت تلك الباخرة تقترب من الشواطئ السورية ، وسعاده واقف على ظهرها يحدق بمناظر بلاده الجميلة التي بدت له مرة جديدة بعد غياب أكثر من عشر سنوات ، وهو عاقد العزم على القيام بالدور العظيم الذي يتهيء له . كان ذلك في 30 تموز عام 1930 .


سعاده في الوطن :


- بعد وصول سعاده إلى الوطن وجد السبل مسدودة مقفلة في وجهه ، ليس فقط لجهة سيطرة المستعمر إنما أيضاً لتفشي الفوضى السياسية وضياع الشخصية القومية ، فهو يقول في حفلة أول آذار 1940 في بيونس أيرس : "إن جميع أراخنة السياسة والاجتماع كانوا مجمعين على أنه لا فائدة من فعل شيء ، وانه لا تقوم للأمة السورية قائمة . في ذلك الوقت وتجاه هذه الصعوبات لم أكن أقل ثقة بنهضة أمتي بعد نشوء النهضة السورية القومية الاجتماعية بالفعل" .

- في تلك الفترة كانت دمشق قد استقطبت العمل السياسي في المنطقة ، منذ المؤتمر السوري عام 1920 مروراً بالثورة السورية عام 1925 ، وقد وصفها سعاده في مقالته "سورية تجاه بلفور" بأنها كعبة الحركة الوطنية السورية .

لذلك بعد أن أمضى سعاده أشهر الصيف في بلدته ضهور الشوير ، كتب فيها قصته الثانية "عيد سيدة صيدنايا" . التي طبعها عام 1931 مع قصته "فاجعة حب" – توجه إلى دمشق حيث كانت أخبار الكتلة الوطنية تملأ الوطن والمغترب .

- في دمشق عمل سعاده مدرساً للغة الإنكليزية في "الجامعة العلمية" لصاحبها سليمان سعد (من بلدة رأس المتن – لبنان) ، ثم انتقل للعمل في جريدة "اليوم" التي كانت اشترتها "الكتلة الوطنية من الصحافي نصوح بابيل (11) .

فيهما تعرف سعاده إلى كل من معروف صعب (12) ، يعقوب جبور ، أديب بربر ، رياض حماده ، ومحمد روحي خياط الذين انتموا لاحقاً إلى الحزب ، كما إلى غيرهم من صحافيين وطلبة جامعيين ومدرسين .

كان سعاده قد بدأ عمله في "اليوم" مترجماً ، إلا أنه لم يكتف بالترجمة بل راح يكتب مقالات في السياسة الخارجية ، ونشر أيضاً في كل من "القبس" و "ألف باء" .

- في أوائل صيف العام 1931 عاد سعاده إلى بلدته الشوير ، ليمضي معظم أوقاته في عيادة الدكتور نسيب همام ، وفي العرزال الذي كان أقامه وإبن عمته وديع الياس (الأمين لاحقاً) فوق ربوة مطلة على جبل صنين ، وعلى مناظر عديدة أخرى خلابة ، فيه راح يفكر في ما هو عاد خصيصاً لأجله وهو تأسيس نهضة تكفل لأمته وحدتها ورقيها .

في هذا الصيف طبع سعاده قصتيه "فاجعة حب وعيد سيدة صيدنايا" . كما أمكنه إقامة أواصر وطيدة مع اتراب له انتمى معظمهم إلى الحزب لاحقاً ، منهم جميل عبدو صوايا ، أنيس أبو نعمة صوايا ، جورج أبو ناضر ، شفيق جرداق ، عمر اللبان ، رشدي معلوف ، سامي قربان ، جميل شكر الله .

- مع انتهاء فصل الصيف 1931 ، انتقل سعاده إلى منطقة رأس بيروت . صاحبة الدار التي سكنها سعاده (13) تروي أن سعاده كان معتاداً على ممارسة الرياضة يومياً ، وهو في سبيل تحقيق ذلك كان يصعد كل صباح إلى سطح المنزل ليزاول رياضة القفز مع الحبل ، وتضيف أنه كان دائماً يستأذنها قبل صعوده إلى السطح ، مخافة أن يسبب لها ، أو لغيرها ، إزعاجاً .

بعد ذلك استأجر سعاده غرفة في منزل جرجس حداد في شارع جان دارك بعد أن كان تعرف إلى ابنه فؤاد في المطعم الذي كان يملكه جرجس تجاه الجامعة الأميركية . إليه كان يتردد سعاده لتناول طعامه ، كالكثيرين من أساتذة وطلاب الجامعة الأميركية .

- في قاعة الأساتذة في مبنى "الوست هول" في الجامعة الأميركية تعرف سعاده إلى الدكاترة أنيس فريحة ، جبرائيل جبور ورئيف أبي اللمع كما إلى غيرهم . البروفسور بولس خولي (14) يعرف عنه ، معجباً به: الأستاذ سعاده رأس كبير ، له أراء عظيمة ، جديرة بالاهتمام ، إنه رجل غير عادي".

الدكتور أنيس فريحة يروي أنه عبر لعبة الشطرنج تعرف إلى سعاده : "كان سعاده الشاب الوسيم المغمور يتردد على قاعة المدرسين في "وست هول" حيث كان الأساتذة يشربون الشاي ويلعبون الشطرنج والنرد في أوقات الفراغ . كنت من المغرمين بالشطرنج ، فكنت ألاعبه مراراً وأذكر أن ميزان الربح كان إلى جانبه .

كان الدكتور فريحة يعطي الطلاب الراغبين دروساً في اللغة الألمانية . بواسطته أمكن لسعاده أن يتولى تدريس الألمانية لمن يرغب من الطلبة لقاء عشر ليرات عن الفصل الواحد بعد أن كان سعاده تقدم بطلب عمل إلى رئيس الجامعة الأميركية بايار دودج (15) .

- تلك كانت بداية اتصال سعاده بالوسط الطالبي الذي اختاره ليشيد من عناصره الصالحة أولى لبنات البناء القومي .

ولذلك فإن الفترة بين خريف العام 1931 وخريف العام 1932 كانت حاسمة بالنسبة لسعاده ، فيها كاشف أساتذة وطلاباً في أفكاره ، فوجد تراخياً لدى البعض ، كما استعداداً لدى البعض الآخر (16) . الاتصالات كانت منهكة ومضنية من جهة ، ومن جهة أخرى مثبطة للهمم ، إذ لم يكن هيناً أن يندفع أبناء من شعبنا ، في وطأة الانتداب الفرنسي وفي خضم التفسخ الروحي – القومي ، إلى الأخذ بتعاليم نهضة تريد أن تحقق ذلك الحلم الكبير .

في العدد 60 من جريدة "الزوبعة" يوضح سعاده الوضع بالقول : "كانت الحالة في الوطن حالة يأس وخوف ، الجاسوسية منتشرة في كل مكان والخيانة كامنة عند كل منعطف . الجيوش الأجنبية محتلة المواقع الاستراتيجية . مكاتب الاستخبارات تبث عيونها في جميع أوساط الشعب ، الاجتماعات محظورة وتأليف الأحزاب جريمة وخوف السجون والأحكام والرصاص يقطع طريق الأمل (17) .

الدكتور أنيس فريحة وقد كاشفه سعاده بما يرغب تحقيقه ، تحداه ممازحاً وكانت عرى الصداقة توثقت بينهما : "اسمك أنطون وتأمل أن يكون وراءك قاسم وعلي وعبد الساتر ، بدعسك على رقبتي إن نجحت في مسعاك" . آخر قال : "خير لك ، يا أستاذ ، أن تعود إلى مهجرك ، أنت مغشوش بهذا الشعب فالفساد قد غيّر قلبه ، ولا يمكن أن تجد خمسة يمكن أن يجرأوا على عمل كهذا في ظل الانتداب" .

أما سعاده فقد أعطى الجواب ، وفي السادس عشر من تشرين الثاني عام 1932 كان شمس آخر ينير في سمائنا ، وأصوات أخرى تعلو وأهازيج ، وستبقى .