عرض مشاركة مفردة
  #54  
قديم 05-09-2005, 01:27 AM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
إفتراضي



أما قولُهُ ـ تعالى ـ : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ، وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُُولَى([19])} .

ويناقش الاستدلال بهذه الآية من وجهين :

الوجه الأول : إنها خاصة بنساء النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فهي ـ مع ما سبقها وما لحقها من آيات ـ تخاطبُ نساءَ النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ففي تلك الآيات ما يؤكد أن نساء النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لَسْنَ كغيرِهِنَّ من النساء ، وفي تلك الآيات تخييرُ النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أزواجَه ، ولكون هذه الآية خاصة بنساء النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ اعترض عمرُ على سَودةَ حين رآها تمشي خارجَ بيتِها ـ كما سيأتي في الوجه الثاني ـ بينما كان نساءُ الصحابة يمشين ، ولم يرد أنه اعترض على واحدة منهن([20]) .

الوجه الثاني : على فرضِ أن الآيةَ عامةٌ فإنّ أياً من نساء الصحابة لم يفهم منها ما فهمه من يحرم الاختلاط ، من عدم الخروج من البيوت ، فقد كان نساء الصحابة يخرجن إلى الأسواق ، كما كان نساء النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يخرجن لقضاءِ حوائِجِهِنَّ ، فقد قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ((خرجت سَوْدةُ ـ بعدما ضُرب الحجاب ـ لحاجتها … فرآها عمر بن الخطاب فقال : يا سَوْدةُ ، أما والله ، ما تخفين علينا..قالت : فانكفأتُ راجعةً ، ورسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في بيتي..فدخلتُ ، فقلتُ : يا رسولَ الله ، إني خرجت لبعض حاجتي ، فقال عمر : كذا وكذا ، قالت : فأوحى الله إليه ، ثم رفع عنه … فقال : إنه قد أُذن لكنَّ أن تخرجْنَ لحاجتِكُنَّ([21]))) . فهذه زوجة رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ تخرج من بيت زوجها ، بعد ضَرْبِ الحجاب عليهن ، وطلبِ القرارِ منهن في البيوت بخطابٍ موجهٍ إليهنّ . والبخاري يُعَنْوِنُ لهذا الحديث (باب خروج النساء لحوائجهنّ) .

ويقول ابن حجر عن نساء النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : ”وقد كنّ يَحْجُجْنَ ، ويَطُفْنَ ، وكان الصحابة يسمعون منهنّ الحديث ، وهن مستتراتُ الأبدان ، لا الأشخاص([22])“ . وستأتي وقائعُ في عهد النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كثيرةٌ في أدلة من قال بإباحة الاختلاط تدل على أنّه لا يراد من الآية حبسُ النساء في البيوت ، ومنعُهنّ من مزاولة الأعمال ، ولا شكّ أنّ فعل النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مبين للمراد من الآية .

وأما قولُهُ ـ تعالى ـ : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ : يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ، إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ، أَوْ آبَائِهِنَّ ، أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ، أَوْ أَبْنَائِهِنَّ ، أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ، أَوْ إِخْوَانِهِنَّ ، أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ ، أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ، أَوْ نِسَائِهِنَّ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ...وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ؛ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ([24])} .

وهذه الآية ـ أيضاً ـ تأمر بالاستتار ، وتدعو إلى غض البصر ، ولا يلزم من الاختلاط عدمُ الاستتار ، ولا إطلاقُ البصر ، بل لعل في الأمر بغض البصر ما يدلّ على وجود الاختلاط في العصر النبوي ، وإلاّ فَعَمَّا يغضُّ الرجالُ أبصارَهم ؟ وقد قال سعيدٌ بنُ أبي الحسن لأخيه الحسن البصري : (إن نساءَ العجم يكشفْن صدورَهنّ ورؤوسَهنّ ، فقال الحسن البصري : اصرف بصرك ، يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ : يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ، وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ([25])}([26])) .

وأما قولُهُ ـ تعالى ـ : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً ، فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ([27])} .

وقبل مناقشة هذه الآية لا بد من عرضها بتمامها ، قال ـ تعالى ـ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ، إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ، وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا ، فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ، وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ؛ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ ، فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ، وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ، وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً ، فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ، وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ، إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} .

ويناقش الاستدلال بهذه الآية من وجهين :

الوجه الأول : إن هذه الآية خاصة بأزواج النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهي تتحدث عن حجاب (ساتر) للشخص يكون بين من يريد الحديث معهنّ ، وبينهنّ ، كما أنها تحرم على المسلمين الزواج بهن ، بعدما تحدث بعضهم عن نيته الزواجَ من بعضِهن بعد وفات النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم([28]) ـ ومع هذا فمن أراد لنسائه أمرا كهذا ، فهذا أمر يخصه ، لكن لا ينبغي أن يكون هو القانون العام في المجتمع الإسلامي ؛ لأنه يسبب حرجاً وعسراً شديدين .

الوجه الثاني : على افتراض أنها عامة فإنّ في الآية إباحةً للاختلاط ، لا نهياً عنه ، فإنّا إذا دقّقْنا النظر في هذه الآية نجدها تنهى المؤمنين أن يدخلوا بيوت النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ دون استئذان ، كما كانوا يفعلون ، ونبهتهم إلى أنّه إذا كانت لهم حاجة عندهنّ ، فعليهم أن يسْألوهنّ تلك الحاجة من وراء حجاب ، أي من وراء ساتر يستر أشخاصهنّ .

ففي الآية دليلٌ على أنّ لهم أن يدخلوا بيوت النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بعد الاستئذان ، إذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ موجوداً ، ومعلوم أنّ نساءَه كنّ في تلك البيوت ، كما يباح لهم الدخول إذا دُعُوا {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} . وأمرهم أن لا يُطيلوا الجلوس في البيت مستأنسين بالحديث ؛ لأن ذلك يؤذي النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ حيث إن زوجته في البيت نفسه ، فتتأذّى بطول وجود الرجال في مكان صغير {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ، وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ؛ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} .

ومما يؤيد هذا : ما ورد في سبب نزول الآية ، فقد قال أنسُ بنِ مالك ـ رضي الله عنه ـ : ((أوْلَمَ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ حين بنى بزينب بنت جحش ..ثم خرج إلى حُجَر أمهات المؤمنين ، كما كان يصنع صبيحةَ بنائِه ، فيسلم عليهنّ ويدعو لهنّ ، ويسلمن عليه ويدعون له . فلما رجع إلى بيته رأى رجلين جرى بهما الحديث ، فلما رآهما رجع عن بيته [وفي رواية هنا : وكان النبيُّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ شديدَ الحياء] فلما رأى الرجلان نبيَّ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ رجع عن بيته وَثَبَا مسرِعَيْنِ ، فما أدري أنا أخبرتُه بخروجهما أم أُخبِر ، فرجع حتى دخل البيت ، وأرخَى السترَ بيني وبينه ، وأُنْزِلَتْ آيةُ الحجاب([29]))) . فقد كان هؤلاء الرجال في الحجرة التي كان فيها إحدى زوجاته أي في حالة اختلاط ، وخرج وتركهم في حجرته ، مع زوجته([30]) ، فلما عاد وجدهم ، وقد أنساهم الحديثُ وجودَهم ، فلمّا رأوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ رجع عائدا حين رآهما ، وثبا مسرعَين ، ونزلت الآية .

وأما حديث عبدالله ، قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : ((المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان([36]))) . ففي هذا الحديث تحذير للمرأة من الخروج ، والاختلاط .

ويناقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين :

الوجه الأول : إنّ هذا الحديث معلول ، فقد أعله ابن خزيمة([37]) .

الوجه الثاني : على فرض صحته ، فإنّ المراد منه تحذير الرجال من فتنة النساء ، فهو لا يختلف عن الحديث الذي سيرد في الدليل الثامن ، لأنّه إذا لم يُرَدْ منه مجرد التحذير ، فما المراد منه ؟ هل المرادُ منه تحريمُ خروجِها ، أو كراهتُهُ ؟ لا يجوز أن يراد منه ذلك ؛ لأنه لو كان المراد من الحديث تحريمُ خروج النساء ، أو كراهتُهُ ، لما أباح ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لهنّ الخروجَ إلى المساجد ، إذ خروجُهُنّ إلى المسجد ليس من قبيل الضروراتِ التي تُبيح المحرماتِ ، بل ولا هو من قبيل الحاجيات ، وإذا لم يُرَدْ من هذا الحديث تحريمُ الخروجِ ، ولا كراهتُهُ ، لم تبقَ إلاّ إباحتُهُ ، وأنه ورد موردَ التحذيرِ من فتنةِ النساء ، كالدليل الثامن .


وأما ما جاء عن عن أبي أسيدٍ الأنصاريِّ ـ رضي الله عنه ـ : أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول للنساء ـ وهو خارج من المسجد ، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق ـ : ((استاْخِرْنَ ، فإنه ليس لكنّ أن تَحْقُقْنَ الطريقَ ، عليكُنّ بِحافَّاتِ الطريق)) . فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به([44]) .

ويناقش الاستدلال بهذا الحديث بأنه ضعيف ، لا تقوم به حجة ، وعلى فرض صحته فإنه ينبغي أن يفهم في إطار حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فقد كان الرجال والنساء يدخلون من باب واحد ، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : ((لو تركنا هذا الباب للنساء)) قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات([45]) . وما زال هذا الباب إلى الآن يُسمَّى باب النساء .

فإن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ما كان ليترك الرجالَ يزاحمون النساء عند باب المسجد ، ويكتفي بالتمني عليهم أن يتركوا باباً للنساء ، وما كان ليترك النساء يتزاحمن مع الرجال على باب المسجد ، ولا ينهاهنّ عن ذلك ، ثُمّ يأتي لِيُوجب عليهُنّ الابتعادَ عن الرجالِ في الطريق ، فالمرادُ منه ـ على فرض صحته ـ الأولويةُ ، وليس الوجوبَ ، كما سيأتي في المسألة الأخيرة ، أو لعلّه يتحدث عن حالة حصل فيها اختناقٌ شديدٌ اقتضى احتكاكاً بالأبدان ، ولا شكَّ أنّ المسلمة والمسلم منهيّان عن اللقاء على حالةٍ كهذه .

والنفس غير مطمئنةٍ إلى صحته لما يتضمنُه سندُه من تضييقٍ على النساء غير مُبَرَّرٍ ، ومخالفةٍ لما كانت عليه حياةُ الصحابةِ في لقائِِهِم النساء ، ووجودِ صفوفِهم في الصلاة خلفَ صفوفِ الرجالِ دون ساترٍ ، ولما تقدم من الكلام عن سنده .

غير أني أريد أن أضيف أمراً من باب االأمانة ..

يبدو ـ والله أعلم ـ أنّه لا ينبغي أن يُسمَح بالاختلاط في المدارس ، اعتباراً من الصف الرابع الابتدائي ، وكذا الجامعات ، لا لأن الاختلاطَ محرمٌ ؛ ولكن لأنّ مَن في الابتدائية لا يقدرُ خطرَ ما يصدر عنه من أفعالٍ تتصل بالجنس ، مما قد يترتب عليه إقدامُ الجنسين على ما لا تحمد عقباه .

وأما الأمر بالنسبة للثانويات والجامعات ، فإنّ الرغبة بين الجنسين تبلغُ ذِروتَها ، والاجتماع بينهم يطولُ ، مما يُزيل الحواجزَ بين الجنسين ، ويعرضُهما لخطرِ الوقوعِ في الرذيلة .

وفي دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أكدت فيها أن التعليمَ المختلطَ أدَّى إلى انتشارِ ظاهرةِ التلميذاتِ الحواملِ سِفاحاً (بالحرام) وأعمارُهُنَّ أقلُّ من ستةَ عشرَ عامًا ، كما أثبتت الدراسةُ تزايدَ معدلِ الجرائم الجنسية (الزنى) والاعتداءِ على الفتيات بنسبٍ كبيرةٍ([86]) .

وفي أمريكا بلغت نسبة التلميذات الحوامل سفاحاً (48%) من تلميذات إحدى المدارس الثانوية([87]) .
__________________
معين بن محمد