عرض مشاركة مفردة
  #24  
قديم 03-10-2005, 12:29 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

هشاشة النحن الواحدة تستوجب تجزئتها من أجل إعادة تركيبها :



عندما نشأت الحركات الحضارية أو الفكرية العملاقة في التاريخ ، نسبت كل الانجازات العظيمة لها ، وما كتب حولها أصبح تراثا يضاف لتراث الأمة التي تنتسب اليها المجموعة الأولى صانعة خط البداية لانطلاق تلك الحضارة ..

و عندما بعدت المسافات الزمانية أو المكانية عن المجموعة المبادرة في صنع الحضارة ، أصبح الانتماء لتلك المجموعة ومبادئها ، أشبه ما يكون بالنمط الأسطوري .. حيث يمارس دون فهم كبير لكيفية النشوء و البدء في تلك الانطلاقة العملاقة الأولى ..

و يكثر المنتسبون لتلك الحضارة أو اسمها ، و يسود على السطح قيادات تدعي الانتساب ، و تعتقد في نفس الوقت أنها تسير على نهج السلف المؤسس لتلك الحضارة .. فينبري لها مجموعات مختلفة ، ترى في نفسها أنها أكثر تطابقا مع النموذج الأول للمؤسسين الأوائل .. فتظهر انشقاقات أشبه بظاهرة التطريد بخلية النحل ، عندما تضعف الملكة فيها .. حيث يرى كل طرف منشق أنه هو صاحب الرؤية الصحيحة المطابقة لرؤية السلف ..

انها ظاهرة تحدث ميكانيكيا في الصبات الكونكريتية ، اذ كلما اتسعت مساحة السطح المصبوب ، كلما تشققت أجزاءه .. فيلجأ المهندسون لصناعة الفواصل بين الصبة آخذين بعين الاعتبار ظاهرة التمدد و التقلص ..

اتسعت الرقعة التي ساد عليها المسلمون .. ظهرت الطوائف و الإمارات و الدول و تصدعت الدولة .. اتسعت الحركة الشيوعية في العالم ، ظهرت الاجتهادات وظهرت الخلافات فحدث التصدع ومن ثم الاقتراب من التلاشي .. ظهرت حركة المقاومة الفلسطينية ، فاتسعت فأصبحت بعينة من الوقت 72 فصيل كل واحد له رؤاه .. تقترب وتتضاد مع غيره في كثير من النقاط .

أبناء القومية العربية ، النحن الأساسية عندهم ( نحن العرب) ولكن يشاغلها مجموعة من النحنوات ، تدفع أصحابها في أغلب الأحيان لنسيان النحن الأساسية .. ما تفسير ذلك ؟

ان أقوى المجموعات الاصطناعية الفاعلة هي ( الفريق) فهي أقوى من الطائفة والرهط والفوج والعشيرة والقوم والشعب وحتى الأمة .. والمجموعات تلك هي مجموعات طبيعية ، و أكثر عددا من الفريق . لكن الفريق أكثر انضباطا وأكثر تعاونا و أكثر قدرة على فهم دور كل عضو في هذا الفريق لواجبه ..

ففريق كرة القدم يهيج الجمهور الذي يشجعه ويلعب بعواطفه ، وكلا المجموعتين اصطناعيتين .. والجمهور أكبر من الفريق .. كذلك يحدث في كل مجالات الاختراع و الاستكشاف وغيرها .. فالناس تتفاعل أكثر مع أشخاص تراهم و تعمل معهم ، و لا تتفاعل مع أشخاص توفوا منذ زمن أو لم يتم رؤيتهم أو تتعذر رؤيتهم .. و إعطاء الفرق حرية الحركة كمجموعات عمل ، ينتج ابداعا يجلب المجد السريع لأعضاء الفريق و يرفد المجموعة المؤسسة للحضارة أو الحالة الحضارية بأمجاد لا تنضب تنسب لها ..

اذن لماذا لا نستبق الأمور ، حتى لا تتشقق أجسام كياناتنا القائمة لتصبح أجزاء لا نتحكم بها ، ونصنع أجزاء ترتبط ببعض كارتباط صبة الكونكريت ، بين فرق لها أدوارها و مهامها و ساحات عملها .. ليست منفصلة عن الجسم الكبير بل تشكل فيه كما تشكل الوحدات المتناغمة في السجادة .. ليس قيمة للوحدة الواحدة دون اعتبار السجادة كلها ..

كيف سيحدث ذلك ؟ هل نمسك شريطا كرارا و نقسم الوطن مربعات و نبدأ بزركشته حتى يصبح سجادة جميلة ؟ .. حتما لا ، بل يحدث باستنهاض أوعية المجتمع المدني من نقابات و أندية و بلديات وإعطاءها كل عوامل الابداع .. و ربط تلك الممثليات بجسم أكبر يمثل تلك الأنشطة ، ويرفد الدولة بالنسغ الصاعد حنى تستطيع رفده بالنسغ النازل ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس