خامس عشر تصالح بلا تفريق: إن استعادة الريادة الحضارية والسيادة العالمية لأمة الإسلام تتطلب المصالحة الشاملة بين فاعليات الأمة، والتعاون التام بين دوائر النفوذ فيها، ويشمل ذلك:
أ: المصالحة بين جماعات العمل الإسلامي:
يمكن لجماعات العمل الإسلامي أن تعمل على توحيد الكلمة وفق التوجهات التالية:
1 الإجماع على أمر واحد في فروع الدين أمر مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة هذا الدين، لأن الاختلاف في الفروع ضرورة واقعة تفرضها الأحداث لذا ينبغي:
رد التنازع الى الله ورسوله صلى .
الإيقان بأنه لا عصمة لأحد إلا للنبي صلى، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم ص.
تصحيح النية وتحري أن يكون القصد هو وضوح الحق وبلوغ الصواب.
إحسان الظن بعلماء الأمة وتوقيرهم والتماس العذر لهم.
ضرورة الجمع بين النصوص والأقوال قبل القطع بالحكم عليها في ضوء نص واحد مع مراعاة السياق اللفظي والمعنوي والظرفي، فيحمل المبهم الخفي على الواضح الجلي، والمشكل على المفسر، والمجمل على المفصل والعام على الخاص والمطلق على المقيد، ويرجح المنطوق على المفهوم والعبارة على الإشارة والمتأخر على المتقدم وذلك تحقيقاً للإنصاف.
ضرورة حمل الكلام على أحسن المحامل إن اتسع لها التأويل، وساغ لها الفهم، ومسالك الأئمة كثيرة في هذا المعنى.
لا يحل التشنيع والإرجاف على طائفة ما؛ بسبب مسائل تحتمل وجوهاً في الفهم ومتسعاً للرأي ومسرحاً للنظر، ولا يحل التضليل والتكفير لخطورتهما.
إدراك أن الاتفاق العام على أصول المنهج، لا يلزم منه الاتفاق على تفاصيله، والمخالفة الفرعية لاتخرج المرء عن أصول المنهج؛ ومن ذلك اختلاف السلف في بعض فروع العقيدة: كمسألة رؤية الرسول صلى عليه وسلم ربه في المعراج وتفاضل الصحابة ونحو ذلك.
ضرورة التوسط والاعتدال، حتى عند شنآن العداوة واستحكام الخلاف فلا بد من الإنصاف والنظر بعين العدل.
الأئمة والدعاة المشهود لهم بالإمامة في الدين تنغمر سيئاتهم في خضم حسناتهم وفضائلهم، فلا ينبغي الحرص على تتبع سقطات الأعلام وعثرات الهداة، بل نثبت لأهل الفضل والسابقة فضلهم وسابقتهم.
2 إن لم تتضح الحجة عند الاختلاف عَذَر كل أخاه، ووكل سريرته الى الله عز وجل، وداوم على أخوته؛ فنعمل فيما اتفقنا عليه من الأصول والكليات والقطعيات والمحكمات، ويعذر بعضنا بعضاً في الفروع مما للاجتهاد فيه نصيب وللنظر فيه مسرح وللرأي فيه متسع أي بضابط إمكان الاجتهاد في مثل هذا القدر من الخلاف الذي يسمح به المنهاج.
3 القبول بمبدأ التعددية الحركية وأن تسعى كل جماعة لما وهبت نفسها له.
4 إبقاء الألفة والأخوة ورعاية الحقوق وصون الحرمات.
5 الوقوف في خندق واحد إزاء قضايا الأمة الكبرى وهمومها المصيرية.
6 تجنب ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة في فهم النصوص وتنزيلها على الواقع.
7 إحياء فقه الاجتهاد والجماعة المركب من فقه النصوص ومقاصدها وفقه الواقع وملاءمته للظروف الطارئة.
ب المصالحة بين جماعات العمل الإسلامي والتيارات الوطنية والقومية:
يمكن لجماعات العمل الإسلامي والتيارات الوطنية والقومية أن تجتمع على الآتي:
1 المحافظة على الهوية والثوابت: خاصة وأنه في ظل العولمة الثقافية والفكرية تسعى دوائر كثيرة لتمييع ثوابتنا وإبعاد أجيالنا عن هويتها الحقيقية.
2 تأمين الأمن والاستقرار: ذلك أن عدم وجود الأمن في ربوع أوطاننا يؤدي إلى تضييع الطاقات وتهجير الكوادر وخروج رؤوس الأموال وتعطيل التنمية.
3 إرساء قواعد الحوار وممارسته: حيث إنه توجد قواسم مشتركة، ومن ثم فإن الأمة تحتاج مزيداً من الحوار وممارسته سواء بين مكونات المجتمع المدني أو بين الهيئات الرسمية.
4 تفعيل العمل الشعبي: إن أهم قوة لدينا هو الالتفاف الشعبي حول مشروع الأمة الذي نحمله، ولذلك كان لزاماً علينا أن نفعِّل العمل الشعبي في أطره المختلفة سواء فيما يتعلق بالهوية والثوابت أو في التَّصدي للمشروع الصهيوني والمشروع التغريبي أو فيما يتعلق بوحدة الأمة وبعث الأمل.
5 بعث التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية: إن الأمة تحتاج وفي كل الأوطان إلى بعث التنمية في جوانبها المختلفة، خاصة وأن الهوة بيننا وبين غيرنا عميقة والبون شاسع، لذا يتعين الاهتمام بذلك لتفعيل قدرات الأمة التنموية والارتقاء بها، وتقليل الفوارق الاجتماعية بين الطبقات.
ج المصالحة بين المؤسسات الرسمية والشعبية:
إن خطابنا الإسلامي سيكون قاصراً؛ إن تجاهل أو استعدى المؤسسات الرسمية التي تؤثر بإصدراتها وأنشطتها في عدد كبير من أفراد الشعب، بل وربما تؤثر على الحكومات وقراراتها؛ لذلك ينبغي أن نبذل لها من التقدير والاحترام ما يليق بمكانتها العلمية، وأن ندأب على نقاشها ومحاورتها مستهدين بما يلي:
1 هناك عدد كبير من العلماء الذين لاينتمون للجماعات الإسلامية لأسباب عديدة منها ما هو إداري ومنها ما هو فكري، يتعلق بوجوب الانتماء للجماعات الإسلامية وعدمه؛ وإساءة الظن بهم لاتجوز شرعاً.
2 المناصب الرسمية التي تتعلق بالشؤون الدينية لا تدخل متقلدها في زمرة العلماء، والعمدة في هذا الأمر هي العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى والفهم لهما والعمل بهما والدعوة إليهما. فمتى حصل ذلك فهو العالم وإن لم يتقلد المناصب الحكومية ومن لم يحصل ذلك فليس بعالم وإن تقلد المناصب الحكومية.
2 شعار "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" يشمل كل المسلمين ولا شك أنه يجمع بين المؤسسات الشعبية والرسمية.
د المصالحة بين الشعوب والأنظمة:
تختلف الحكومات في قربها وبعدها من الإسلام بقدر ماتطبقه من شريعة الله، وتختلف كذلك في أسباب عدم تطبيقها لشرع الله كاملاً، ومهما يكن من أمر فإن المواجهة بين جماعات العمل الإسلامي والحكومات لا تثمر إلا زيادة تمزيق الأمة، وفتحاً للباب للتدخل الأجنبي، لذلك لابد من إيجاد مصالحة بين الشعوب والأنظمة للأسباب الآتية:
التعاون والتفاهم يوفر المناخ المناسب للأمن والاستقرار الذي تحتاجه الأمة الإسلامية لتحقيق التنمية وتوفير سبل العيش الكريم.
التدرج في تطبيق أحكام الإسلام يوفر الوقت المطلوب لإزالة شكوك المتشككين ولإيجاد مؤسسات إسلامية بديلة، الأمر الذي يؤمن نجاح التجربة.
التعاون والتفاهم يسقط دعوى من يتهمون جماعات العمل الإسلامي بالتطرف والعنف ويوفر الطاقات لمواجهة الأعداء الحقيقيين.
التعاون والتفاهم يجعل الشعوب والأنظمة في صعيد واحد، الأمر الذي يؤمّن معرفة كل طرف للآخر وللأسباب التي تحول دون أسلمة المجتمع، وللقوى التي تعمل على زرع الخلاف وإهدار طاقات الأمة، ويجعل الطرفين يعملان معا لتجاوز هذه العقبات.
سادس عشر صدع بالحق بلا انهزام: الخطاب الإسلامي يجهر بفكرته في وضوح وقوة ولا يطلب رضا المخالفين باعتذار أو تبرير لأحكامه، فالحجاب والحدود الشرعية وتعدد الزوجات وتحريم الربا والجهاد كلها قضايا يقف الخطاب الإسلامي فيها موقفاً واضحاً يؤمن بها ويدعو لها ولا تحمله الهجمة الغربية الشرسة على التنكر لها أو التنصل منها أو محاولة تبريرها.
خاتمة:
في عصر العولمة تتعاظم الحاجة إلى خطاب إسلامي يقوّم المسير ويحدد الطريق ويشيع الرحمة ويرتقي بالبشرية.
الخطاب الإسلامي يتعرض إلى تشويه متعمد، وإلى ماهو أشد خطراً منه، ألا وهو التشويه غير المتعمد، الذي يتطوع للقيام به بعض المحسوبين على الدعاة وهم لايشعرون.
على الدعاة أن يحسنوا عرض الإسلام بثوابته المرتبطة بالمبادئ والغايات والقيم والأخلاق والآداب والشرائع والجماليات، ومتغيراته المرتبطة بالوسائل والأساليب حتى تقام حجة البلاغ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة.
|