أخي الكبير سلاف الصغير
أحببت أبياتك وجذبني ما فيها من صور وتعابير وأعدت قراءتها غير مرة.
من التعابير الجميلة فيها:
بُنَيات الوداع تعبيرا عن الدموع، وأظنك سابقا في هذاالتعبير
وهذا البيت رائع في صوره وتعابيره
وامتطى المحزون آهات الجوى………وارتمى ما بين أحضان الضياع
وكذلك : ارتمى قلبي على جمر الصراعْ
وقفزت الدمعة إلى عيني من تأثير البيت الأخير
أيها الصبح تنفّس باللـــــــــــقا ** إنّ هذا الطفل محروم الرضــــــاع
ورويّ العين الساكنة أضفى نوعا من جو الشجن واللوعة. وأراك وفقت به كثيرا
فلله درك متجها إلى قمة الشعر.
وفي طريقك إلى هذه القمة لي ملاحظات على ما لم أكن لألاحظ لو لم يكن وروده في سياق هذا السموق:
يجرع الأشجان من كأس النوى ** ثم يمضي الطفل مـــكلوم اليراعْ
البيت جميل ولكن لا أرى في (الطفل مكلوم اليراع) تعبيرا بنفس المستوى، فما للطفل واليراع؟ صحيح أنك تعني بالطفل الشاعر، كما تعني به الشاعر في البيت الأخير في قولك :" إنّ هذا الطفل محروم الرضــــــاع " وشتان بين اقتران الطفل بالرضاع واقترانه باليراع. فكأن اليراع هنا أملتها ضرورة القافية.
ولعل القول :" ثم يمضي الطفل يبكي في التياعْ" أكثر توفيقا في هذا المقام
--
ذكريات الأمس صارت كالسراب**كلمــــــا لاحت يغشيني الصداع
تسكين السراب هنا يخل بجمال البيت، وقد صرّع العرب في غير المطلع، ولو كان النص :
ذكريات الأمس قد رحنَ سراعْ **كلمــــــا لاحت يغشيني الصداع
لما رأيت بأسا في تسكين عين سراعْ، مع ملاحظة ما في تعبيرك بالسراب من توافق جميل مع العجز في قولك (كلما لاحت) والقول (كلما لاح) جميل كذلك.
---
والهوى بالموج يرمي زورقي ** كيف يحن الموج محطوم الشـــراع
لعلك تريد (يحني الموجَ محطومُ الشراع) ووقع خطأ مطبعي في حذف الياء، وهو هكذا تعبير لطيف مفهوم، وكنتُ قرأتها أولا (يحِنُّ) وقلت الياء في (يحنّ) تخل بالوزن مع ضرورتها للبناء اللغوي، وقد أشكل علي فهم العجز بقراءة تشديد النون كما أشكل علي ربطه بالصدر من حيث المعنى.
---
وكما تعلمنا في مدرسة العروض أو اللغة عن (م)/ع كمؤشر
أيها الصبح تنفّس باللـــــــــــقا ** إنّ هذا الطفل محروم الرضــــــاع
(2) (3) (2) 1 (3) (2) (2) 3 ** (2) 3 (2) (2) (3) 2 (2) 3 (ه)
(م)/ع لصدر البيت = 6/1=6، ولعجزه =6/3= 2
والفرق بين مؤشري الصدر والعجز مع ارتفاع كليهما فيه تعبير عن التباين بين اللهفة والأمل في الصدر واللوعة والأسى في العجز.
وللبيت = 12/4=3 وأظنها أعلى نسبة في كل الأبيات وهي تشي باضطرام العاطفة.
قارنها مثلا بمثيلتها في بيت يصف الشجى ولكن بعاطفة أهدأ من عاطفة البيت المذكور
قصتي يا هند يحكيها الأســـــى **" ذكريات كالسحابات الســـــــراع"
(2) 3 2 (2) (3) 2 (2) 3 ** (2) 3 (2) (2) 3 2 (2) 3 (ه)
(م)/ع = 9/8 =1 ,1
--
كما ترى فانطباعي عن جماليات الأبيات انطباع عام، وملاحظاتي جزئية. لو أن أستاذنا سامي بدران تناولها لأبرز من جمالها الكثير.
أهي هندٌ وحدها يا صاحبي
……………..…..من تولاك إليها الالتياعْ
بين سلمى وسعادٍ ومها
……………وفؤادي جرحُ َبيْنٍ في اتساعْ
والهوى مهما تكتمت على
.……….ما بقلبي من جوىً في الخلق ذاعْ
كلما أمّلت وصلا غاله
………………ألفُ سدٍّ فإذا حلمي ضياع
ما سوى راشيل يبدو وصلها
……….…لي متاحا، أهْوَ وصلٌ أم ضياعْ ؟
صوّروها بنتَ عمٍّ، كذبوا
………….أينَ من ريم الفلا بنتُ الضِّباع؟
آه كم هيجت بي من غصّةٍ
……..…..بالذي سطّرت عن أمر الصراع
إن ما حل بنا يا صاحبي
….……………..ليس إلا عبثيات اصطراعْ
"ذكريات الأمس كالآل غدت
…………….كلمــــــا لاحت يغشيني الصداع
والهوى بالموج يرمي زورقي
………… أيصدّ الموجَ محطومُ الشـــراع "
إنّ من في القلب نارٌ حبّها
……………..منعوا خطَّ اسمها سنّ اليراعْ
حذفوها من قواميس لهم
…….………كل ما فيها من الأسما اختراعْ
هم وآباء لهم في شأنها
…………..…….ما لهم للروم إلا الإتَباعْ
زعموها لم تكن مخلوقةً
…………….آه كم في القول هذا من خداعْ
إسمها الرحمن أعطاه لها
………………كلّ إسمٍ دونه محض ابتداعْ
هي في القلب وما انفكّ لها
………………مذ أطلت من ثنيات الوداعْ
ما اسم هندٍ وسليمى ومها
………..…….…..وسعادٍ يا أخي إلا قناعْ
هي في القبر وهم من خوفها
………….….…لهمُ في كلّ يومٍ اجتماعْ
كفروا بالغيب! لكن خوفهم
…………..منه لا من غيره أضحى يذاعْ
كلُّ ما فوق ثراها كدّسوا
……………لم يحل دون انبعاث للشعاعْ
غمر البحر وأجواز الفضا
……..…….…مثلما الغَورَ لدينا واليفاعْ
ريحهم نتْنٌ ومسكٌ ريحها
……..…….وشذاه في دروب الفكر ضاعْ
هي صنو الذّكر في روعتها
……..………وهم في إفكهم سقْط المتاعْ
أيها الشادي لهندٍ إستمعْ
……..….إنّ في القبر مخاضَ الإرتفاعْ
هو غيبٌ فاعلٌ في فكرنا
…………..ليس تسطيلاً ولا وهما يُباعْ
أونخشى من كلابٍ سُلّطتْ ؟
………….من يلذ بالله لا يخشى السباعْ
فاجعل الشدو لها لا تسلكنْ
………..دربَ من قد خططوا للإتضاعْ
في حدود جعلت من دارنا
……….…...ومن الناس قطيعا ومراعْ
وسياداتٍ وشرقا أوسطا
…………....ورموزاً وضفافا وقطاعْ
وهنا عرّج على ذي مرشفٍ
………كم (شرى في دمنا جهراً وباعْ )
صار فيهم قدوةً في قوله
………..….إن بيع الدار سلمٌ للشجاعْ
كَوْدكَ الميثاق واستنجى بما
………….من دمانا قد سكبنا في البقاعْ
آه يا مزروعُ كم ضللتنا
….…..…….أنت كوهينٌ وربّي للنخاعْ
عُدْ إلى السادة، ما دبّابَةٌ ؟
………..بهمُ جاءت وما معنى اقتراعْ ؟
أربع التسعات ها ها ها هَها
…………...تسخر الديدان منا واليراعْ
سل ذوي التيجان عن آبائهم
……..كيف جاؤوا؟ ما مواريث ابتضاعْ ؟
زرعوا الوهنَ بنا واستعذبوا
…..…….ظهرنا تحت شعار المستطاعْ
أمرَ ربّ العرشِ لم يمتثلوا
……….…..ولأمر الرّوم ما ثمّ امتناعْ
ألبوشٍ قد غدونا بغلةً؟
…………إن يشا بيعا لها شارونَ باعْ
كلّ ما فينا غدا محتقرا
……..….كم لنا كي يركبونا من مساعْ
من حدود الصين حتى مغربٍ
..….ومن الأقصى إلى الأرض المشاعْ
كم قراضايٍ علينا سلّطوا
……………كلهم من خيبرٍ أو قَيْنُقاعْ
كم قصور شيّدوا من مالنا
………..…بفتاوى الزورِ والبليون جاعْ
كم جيوشٍ موّلوا ما رفعت
…………..نحو إسرائيل في يومٍ ذراعْ
نارُها ذاتية ما بينها
…………وهي بردٌ إن أتى جيش الدفاعْ
جعلوا منهم رموزا، هَهَها
……..قد تماهى الرأس مع أدنى الكُراعْ
تهمةُ الفكر لديهم دُحِضتْ
….………مذ علا الأكتفَ للنجم التماعْ
كم لهم في نكسةٍ أو نكبةٍ
………….واصطلاحاتٍ لعارٍ إختراعْ
جفّ ماءٌ في وجوهٍ ما بها
…….غير ما في النعلِ إن ديس امتقاعْ
وإذا شبّهت أصناما بهم
…………ضجّ من ذاك يغوثٌ وَسُواعْ
ثعلبانٌ بال في أصنامنا – (1)
………....أين من بَولٍ من الرومٍ افتراعْ
ذلّ من كان مبالا للورى
……..……كيفَ للعزّةِ والبولِ اجتماعْ ؟
ما ثرى يافا مُضاعاً وحده
……..…….كلّ شبرٍ أمرهم فيه مُضاعْ
نصف قرنٍ جرحنا منثعبٌ
………….…وسيبقى ما بَقواْ في إتساعْ
أمةََ القرآن عودي للهدى
..……………وليكن لله منك الإستماعْ
وابعثي البركان يطوي هادراً
……..….…كلّ حدٍّ رسموا بالإصطناعْ
وارفعي رايتنا خفاقةً
…….…..….ما لغير الله من أمرٍ يطاعْ
---
إشارة لقول الشاعر الجاهلي وقد رأى ثعلبا يبول على رأس صنم
(1) أربٌّ يبول الثعلبان برأسه
……………لقد ذلّ من بالت عليه الثعالبُ
|