بسم الله ..... وبه نستعين
أما بعد :-
إستكمالاً لما أوردته في الموضوع السابق ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف من نوائب الخير أو الشر ، فيتفاوتان تفاوتا عظيما في تلقيها ، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح .
هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما ، فيحدث له السرور والابتهاج ، وزوال الهم والغم ، والقلق ، وضيق الصدر ، وشقاء الحياة ، وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار .
والآخر يتلقى المحاب بأشر وبطر وطغيان ، فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب ، بل مشتتة من جهات عديدة ، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته ، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالبا ، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى ، قد تتحصل وقد لا تحصل ، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضا قلق من الجهات المذكورة ، ويتلقى المكاره بقلق وجزع وخوف وضجر ، فلا تسأل عن ما يحدث له من شقاء الحياة ، ومن الأمراض الفكرية والعصبية ، ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوأ الحالات وأفظع المزعجات ، لأنه لا يرجو ثوابا ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه .
وكل هذا مشاهد بالتجربة ، ومثل واحد من هذا النوع إذ تدبرته ونزلته على أحوال الناس ،رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه ، وبين من لم يكن كذلك ، وهو أن الدين يحث علية الحرص على القناعة برزق الله ، وبما أتى العباد من فضله وكرمه المتنوع .
فالمؤمن إذا بتلي بمرض أو فقر ، أو نحوه من الأغراض التي كل أحد عرضة لها ، فأنه بإيمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له ، تجده قرير العين ، لا يتطلب بقلبه أمرا لم يقدر له ، ينظر إلى من و دونه ، ولا ينظر إلى من هو فوقه ، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية ، إذا لم يؤت القناعة .
كما تجد هذا الذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان ، إذا بتلي بشيء من الفقر ، أو فقد بعض المطالب الدنيوية ، تجده في غاية التعاسة والشقاء .
ومثل آخر : إذا حدثت أسباب الخوف وألمت بالإنسان المزعجات تجد صحيح الإيمان ثابت القلب ، مطمئن النفس ، متمكنا من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذي دهمه بما هو في وسعه من فكر وقول وعمل ، قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم ، وهذه أحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده .
كما تجد فاقد الإيمان بعكس هذه الحال إذا وقعت المخاوف انزعج لها ضميره ، وتوترت أعصابه ، وتشتت أفكاره وداخله الخوف والرعب ، واجتمع عليه الخوف الخارجي ، والقلق الباطني الذي لا يمكن التعبير عن كنهه ، وهذا النوع من الناس ، إن لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية التي تحتاج إلى تمرين كثير ، انهارت قواهم وتوترت أعصابهم وذلك لفقد الإيمان الذي يحمل على الصبر ، خصوصا في المحال الحرجة ، والأحوال المحزنة المزعجة .
فالبر والفاجر ، والمؤمن والكافر يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية ، وفي الغزيرة التي تلطف المخاوف وتهونها ولكن يتميز المؤمن بقوة إيمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه ، واحتسابه لثوابه _ أمور تزداد بها شجاعته ، وتخفف عنه وطأة الخوف ن وتهون عليه المصاعب ، كما قال تعالي " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون " النساء 104 ، ويحصل لهم من معونة الله ومعينه الخاص ومدده ما يبعثر المخاوف ، وقال تعالى : "واصبروا إن الله مع الصابرين " الأنفال 46
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وللكتاب بقية سنتواصل معها ( إن شاء الله )
ودمتـــــم ،،،،،
__________________
عين الرضى عن كل عيب كليــلة
لكن عين السخط تبدي المساويا
|