بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك و رسولك النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم .
________________
وزاد في غلو المغالين أنهم يجدون سرعة الإستجابة لمطالبهم على حساب البحث والعلم والمصلحة العليا للطالب، فجهات التعليم –للأسف- لا تستمع للأصوب وإنما تستمع للأقوى، وهذا تناقض صارخ بما نعلمه للطلاب من قول الحق ولو كان مراً! وبين ضعفنا عن قول الحق للمغالي، خشية أن يشي بنا أو يتهمنا في خطبة أو محاضرة! وننسى أن لقول الحق تضحيات ومن أسهلها التضحية بشيء من السمعة والتعرض لشيء من التشويه فهذا ثمن كل مبدأ، والغريب أننا بعد هذا الخضوع للغلاة نطالب الطالب أن يتخلق بالأخلاق التي تدعوه إليها المقررات! ومن تلك الأخلاق الثبات على الحق! وعدم مراعاة الخلق في سخط الخالق، بينما نحن قد نكون أول من يخالف قوله فعله وتطبيقه عندما نستمع للأقوى مكانة ونراعي الخواطر على حساب الحقيقة: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)، (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر عند الله مقتاً أن تقولوا ما لا تفعلون)!
فنقد مقررات التوحيد خاصة في هذا الوقت خصوصاً يحمل صعوبة كبيرة نظراً لأن هذا النقد جاء بعد أحداث أمريكا، وبعد ضغوط معروفة للجميع على المملكة العربية السعودية، وتركزت الحملة على مناهجها التعليمية الدينية التي زعمت الولايات المتحدة – مصيبة أو مخطئة[6]- بأنها تحرض على العنف ونفي الآخر وعدم الإعتراف به..الخ.
وعلى هذا فكل نقد بعد هذه الحملة سيفسر بأنه استجابة للضغط الأمريكي حتى ولو كان هذا النقد صادقاً بناءً مقتصراً على نقد السلبيات التي كان البعض منا يكررها قبل أحداث سبتمبر.
ولو أن الجهات التعليمية سواء وزارة المعارف أو الجامعات الإسلامية استجابت لنداءات أبنائها بضرورة التجديد (الجاد) المبني على أسس صحيحة، مع فتح حوار مفتوح ودائم عن المناهج لكان هذا كله أفضل من إحداث التجديد بعد الضغوط السياسية والحملات الإعلامية، ذلك التجديد الذي سيفتقد الكثير من المصداقية، فكل تعديل ولو كان حقاً سيفسر من كثير من أبناء المجتمع تفسيراً سيئاً ولكن الخشية من هذا التفسير ليس مبرراً في ترك التجديد إذا أردنا مصلحة الطالب، أما إن راعينا مصالحنا وسمعتنا عند الغلاة فهذا شيء آخر لكننا نربأ بالمخلصين عنه، وثقتنا في الوزارة وجهات التعليم الأخرى أن يسيروا في طريقهم في التجديد الجاد، دون التفات لضغط خارجي ولا اتهام داخلي.
12- ولا بد من فتح باب الحوار الدائم عن المناهج والمقررات وأن يلتقي أصحاب الأفكار المتضادة، حتى تتبين وجهات النظر بوضوح، وأن يصاحب ذلك حسن الظن بالناقد المسلم المواطن –وإنما خصصت الناقد لأن المغالي لا يتلقى الاتهامات في دينه ووطنيته كالذي يرى التجديد-، وألا نسارع مع المسارعين في الاستنكار على الناقد واتهامه في نيته وتصديق الغلاة في الناقدين للمقررات، فقد كان الناقدون للمناهج الدينية يواجهون وحدهم كل الحملات المحلية الصادرة ممن المغالين تلك الحملات التي- للأسف- تجد صدى من بعض جهات التعليم ومن جهات أخرى كوزارة الإعلام ووزارة الداخلية فيتم منع الحوار في مناهج التعليم وكأن نقدها من المحرمات.
فسكت الناقدون على مضض وبقي الغلو والحث على كراهية الآخر متوسداً بطون مقررات التوحيد، ثم بعد أحداث سبتمبر أبصرت العيون ما كانت تتجاهله وعاد التفتيش عن الغلو الذي قاله أبناء الوطن من قبل!
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى *** فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد!
13- مما سيحزن له غيرنا من المسلمين أيضاً أنهم كانوا يصيحون من ثلاثة قرون ويطلبون منا (نحن السلفيين في المملكة)، أن ننصفهم ونعترف بإسلامهم، وألا نرميهم بالشرك الأكبر المخرج من الملة ولا البدع المهلكة، وهذا موجود في فكرنا وكتبنا العقائدية ومناهجنا التعليمية، وسيأتي إثبات هذا كله بالأدلة -التي يغفل عنها التربويون لعدم تمكنهم من معرفة هذا لكونهم عالة على كتب الغلاة أنفسهم!- ولكنها معلومة عند المنصفين من أصحاب العلم الشرعي، ولكننا للأسف لم نستجب لصوتهم لأنهم كانوا الأضعف.
وقبل هذا كان المسلمون في أيام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله يشتكون من وجود تكفير ضمني لهم في كلام ابن تيمية وابن القيم ولم نستجب لهم.
وكان المسلمون في القرون الأولى (الثاني والثالث والرابع) يشكون من توسع الحنابلة في التكفير لسائر الفرق الإسلامية الأخرى كالأشاعرة وأهل الرأي والصوفية والإباضية والزيدية فضلاً عن المعتزلة والشيعة والمعتزلة والجهمية والقدرية والمرجئة ولم نستجب لهم.
وكان المسلمون في عهد بني أمية و بني العباس يشتكون من ظلم علماء السلطة لهم وإفتاؤهم بتكفيرهم وقتلهم وتحريض السلطان عليهم ولم تتم الاستجابة لهم.
ونحن اليوم تحت هذا كله، إذ اختلط التاريخ بالمذهب والعقيدة، وأصبح الإتهام ايسر من شرب الماء الزلال، يرمى به كل من يحاول تنبيه إخوانه المسلمين إلى الجذور الفكرية للغلو المعاصر.
14- إذن فنحن اليوم تحت هذا (البرج التكفيري) كله، فهل ترون من أمل بأننا في شجاعة كافية لمراجعة هذا كله؟ ونقده؟ والرد على من أخطأ من هؤلاء العلماء الذين نقلدهم؟ أظن هذا من الصعوبة الكبيرة، مع أن بعضنا متفائل ولا يستبعد أن يكون عندنا (الشجاعة الأدبية) لوضع حل (جذري) ينكر الغلو وينمو نحو الاعتراف بأن (المسلمين أخوة) سواء قال بهذا كبير أو صغير، سلفي أو خلفي، سني أو غير سني..الخ.
وبعضنا متشائم ويستبعد هذا لأنه إما يائس من الإصلاح لارتباط الإصلاح التربوي بالإصلاح العام وبعضهم يرى بنظره القاصر أن الرد على الغلاة أخطاءهم هو رد على الإسلام نفسه!! لأنه لا يستطيع أن يرى الإسلام إلا من خلال الغلاة وكأنه لم يخالفهم من هو أقدم منهم وأعلم؟ بل كأن اقوالهم لها شرعية النصوص الشرعية، وكأنها لنا قدوة تضاهي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه في التعامل مع المسلمين والكفار على حد سواء.
________
يتبع بإذن الله .