اين مرقدها اذن
بعد هذا العرض اليسير لآراء الفريقين القائلين بأنها دفنت في ضواحي دمشق والقائلين بأنها في محلة الفسطاط من القاهرة وما أبديناه من الملاحظات عليها اتي كما ارى تثير اكثر من الشفك في صحة ما يقال انها دفنت في احد هذين القطرين ، فلم يبق أمامنا سوى القول الذي يرجح قائلوه انها دفنت في مدينة جدها الرسول (ص) بعد رجوعها من السبي بأشهر معدودات أو سنوات معدودات واثبات ذلك لا يحتاج الى مزيد من الاستدلال والبحث بعد العلم القطعي انها رجعت إلى المدينة على رأس تلك القافلة من السبايا والاسرى وتؤكد جميع المصادر انها بقيت في المدينة لمدة من الزمن تندب وتبكي وتتلوى هي والهاشميين والهاشميات على ما حل بأهلها واخوتها ويبكي لحالها القريب والبعيد والعدو والصديق واستمرت على ذلك حتى تاثرت المدينة بكل فئاتها بمواقفها ومواقف العلويين وأحزانهم وأصبحت بكل فئاتها كالبركان المهيأ للإنفجار بين لحظة وأخرى ، فرجوعها من الشام إلى المدينة لا يختلف فيه اثنان اما خروجها من المدينة بعد خمس سنوات على رجوعها اليها الى ضاحية من ضواحي الشام مع زوجها ووفاتها فيها كما يدعي القائلون بأن المرقد الزينبي الموجود في تلك الضاحية هو مرقدها ، او خروجها الى مصر بعد اشهر معدودات من رجوعها الى المدينة ووفاتها في مصر وفي محلة الفسطاط من القاهرة فلم يخرج عن دائرة الشك او الاحتمال لان الادلة التي اعتمدها انصار القولين لا تكفي لنقض اليقين السابق المتعلق بوجودها في المدينة ولا تفيد اكثر من احتمال خروجها منها ووفاتها في خارجها وما لم يوجد لدينا دليل يفيد العلم او الظن المعتبر شرعا يتعين الرجوع الى استصحاب بقائها في المدينة الى حين العلم بوفاتها .
وهذا النوع من الاستصحاب ليس مثبتا كما تخيله بعض المؤلفين في هذا الموضوع لان المقصود منه اثبات عدم خروجها من المدينة الى زمان العلم بوفاتها فأحد جزئي الموضوع يثبت بالاستصحاب والثاني وهو وفاتها بالوجدان ، وهذا غير ما يسميه الاصوليون بالأصول المثبتة ويدعون ان أدلة الاستصحاب لا تشمل هذا النوع من الأصول التعبدية لان المقصود من الأصول المثبتة الأصل الذي يثبت امرا عاديا او علقيا لم يكن موضوعا للآثار الشرعية ، كاستصحاب حياة زيد لهذه المدة يكون حجة شرعية لناحية الآثار الشرعية المترتبة على حياته كبقاء زوجته في عصمته ووجوب الاتفاق عليها وعلى اولاده وعدم انتقال امواله الى ورثته ونحو ذلك ، أما نبات لحيته وزيادة طوله ووزنه مثلا فالاستصحاب لا يكون دليلا شرعيا بالنسبة لهذا النوع من الآثار ، ومن ذلك استصحاب بقاء زيد حيا الى زمن يلزمه بالقياس اليه ان يكون قد بلغ التسعين من عمره فان كونه من ذوي التسعين او المائة من اللوازم العقيلة او العادية لبقاء زيد حيا لسنة الثمانين فيما لو كانت ولادته سنة تسعين وحصل الشك في بقائه حيا سنة ثمانين من القرن الثاني مثلا فأدلة الاستصحاب لا تشمل هذا النوع من الآثار ، وما نحن بصدد اثباته بأصالة عدم خروجها من المدينة هو بقاؤها فيها الى زمان القطع بوفاتها ، ويرافق القطع بوفاتها القطع بأنها لم تنقل بعد وفاتها من البلد الذي توفيت فيه الى بلد اخر قد وقع عليه الاختيار ليكون مدفنا لها .
وممن رجح انها دفنت بالمدينة في البقيع الى جوار مرقد زوجها عبدالله بن جعفر عباس قلي خان في كتابه الطراز المذهب عن كتاب بحر المصائب والشيخ ميثم البحراني كما نقل عنه الشيخ مهدي المازندراني في كتابه معالي السبطين والسيد محسن الامين في المجلد الثالث والثلاثين من أعيان الشيعة (1).
وجاء في المرقد الزينبي للشيخ فرج القطيفي ان لجنة الأوقاف الدينية في كربلاء اوردت في كتابها اجوبة المسائل الدينية بأن للإمام علي (ع) ثلاثة من البنات كل منهن تعرف بزينب وتكنى بأم كلثوم اولاهن زينب شقيقة الحسين (ع) لأمه وابيه وهذه سقط عليها الحائط وتوفيت فصلى عليها الحسين (ع) ودفنها بالمدينة والثانية زينب الوسطى وهي من فاطمة ايضا وهذه تزوجها عبدالله بن جعفر وهي التي رافقت الحسين (ع) الى كربلاء مع ولديها محمد بن عبدالله وعون بن عبدالله وهي التي كانت تدير شؤون العائلة والسبايا ، ولما عادت الى المدينة سافرت مع زوجها الى ضواحي الشام على اثر مجاعة اصابت اهل المدينة وتوفيت فيها فدفنها في ضيعته واليها ينسب المرقد الزينبي الموجود هناك وتعرف بزينب الوسطى .
والثالثة كانت تسمى بزينب الصغرى وتكنى بأم كلثوم ولكنها ليست من فاطمة الزهراء وأضافوا الى ذلك انها كانت من أشدهن بكاء ولوعة على اخيها الحسين في كربلاء وغيرها من المواقف وبعد وقعة الحرة واستباحة المدينة كانت تقيم النياحات والمآتم على الحسين وتشنع على يزيد وجوره وهي التي نفاها عمرو بن سعيد الاشدق الى مصر وتوفيت فيها ودفنت في المكان الذي يقدسه المصريون ويتبركون به الى غير ذلك من الأقوال التي لا تعتمد على غير الحدث والظن الذي لا يغني عن الحق شيئا .
ولقد تعرض الشيخ المفيد في ارشاده لأخوات الحسين (ع) خلال حديثه عن اولاد امير المؤمنين وعد من نباته اللواتي ولدن له من غير فاطمة زينب الصغرى ، وخلال حديثه عن أحداث كربلاء وما رافقها من تقتيل وسلب وأسر وسبي لم يتعرض لغير زينب العقيلة شقيقة الحسين لأمه وابيه وأسهب في الحديث عنها وتعداد مواقفها وما تجرعته من آلام وغصص من اجل اخيها وعياله وأطفاله ، اما زينب الصغرى هذه فلم يتعرض هو وغيره من المؤلفين في مقتل الحسين لها ولم يسجلوا لها موقفها من المواقف خلال أحداث كربلاء وما تلاها من المواقف من الكوفة وقصر الحمراء وغيرهما وجميع أحاديثهم كانت عن العقيلة الحوراء . كما وان الذين كتبوا عن اهل البيت من أعلام الشيعة الأوائل كالكليني والصدوق والمرتضى والطوسي والحلي وغيرهم من المتقدمين لم يتعرضوا لزينب العقيلة وما جرى عليها بعد رجوعها من السبي الى المدينة بأكثر من انها كانت لا تدع البكاء والنحيب على اخيها ومن قتل معه ولا لمرقدها ومراقد غيرها من الزينبيات كما لم يتعرض لذلك أحد من المؤرخين القدامى ومن مجموع ذلك تبين ان اقرب الأقوال الى الواقع انها دفنت في المدينة وفي البقيع مقبرة المسلمين الأوائل ولم تخرج من المدينة بعد رجوعها اليها من السبي مع النساء والاطفال وابن اخيها السجاد ، واذا صح بأنه وجد على القبر الموجود في ضواحي الشام هذا قبر زينب الوسطى بنت علي بن أبي طالب كما يدعي الشيخ فرج القطيفي يمكن ان يكون القبر المذكور لاحدى بنات امير المؤمنين (ع) ولكن ذلك وحده لا يبعث على الاطمئنان بهذا الأمر ولا يمنع من ان تكون الصخرة وضعت على القبر بعد ذلك بمئات السنين حينما بني القبر وشيد بشكله الحالي اعتمادا على الشهرة او لأسباب اخرى .
ملاحظة اصل البحث هو عن المرقد الزينبي هل هو في مصر ام سوريا .
.
__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.
2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.
3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.
4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.
و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.
6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان
|