إن الزنادقة الذين أنشأوا هذا الدين ورتبوه ونقلوه الى المسلمين ولبسوا به عليهم هؤلاء واجهتهم الامة بالانكار ، واجهتهم بالرد والتكذيب حتى العوام من المسلمين ودفعوهم بالكفر والزندقة ، وقل أن تجد عالماً من كبار الصوفية إلا واتهم بالزندقة أما أن يكون قتل شبهة الزندقة أو أتهم بها أو سجن كما سجن ذو النون وكما أتهم الجنيد وقتل الحلاج وكثيرون من هذا النوع ، واستدل العلماء والمسلمون بظاهر حالهم هذا المخالف للشرع على خبث الباطن وخبث الطوية لانه ليس بوسع المسلم أن يرى رجلاً يمشى مشكوف العورة أو رجلاً يرتكب الفاحشة فى البهائم علانية ويترك الجمع والجماعات ويقر على ذلك فضلاً عن أن يعتقد أن هذا من رجال الغيب من أولياء الله .. لايمكن هذا أبداً .
الزنادقة أرادوا أن يخترعوا تقاة أو تقية ، حذيقة شيطانية أرادوا أن يوقعوا بها بها الناس وأرادوا أن يلبسوا بها على المسلمين فقالوا لهم هؤلاء القوم أولياء وصلت بهم جهدة النفس الى حد استعذاب الاذى فى ذات الله تعالى والى استجلاب تهمة الناس لهم . هم يدعون الناس الى أن يتهموهم هم يريدون بذلك أن ينقوا أنفسهم ومحبتهم لله وأن يتجردوا عن الرياء وعن الشهرة وأن يسقطوا من عين الخلق ويبقوا فى عين الحق كما يقولون ، فهم متعمدون فى هذا ويحبون أن يقول الناس أنهم زنادقة وأنهم مخالفون وأنهم كذا ويستمرون على اظهار هذه الاحوال على حد قول الشاعر كما هم يقولون :
أجـد المـلامة فى هـواك لذيـذة ***حباً لذكــرك فليلمنى اللـوام
لكن فى الحقيقة أن المسحور منهم المستهزأ بهم هم هؤلاء اصحاب الظاهر المغفلون الذين ينتقدون مثل هؤلاء الاولياء ، أو يلمزونهم أو يتكلمون فيهم بدعوى أنهم مخالفون لظاهر الشرع وهؤلاء شهدوا الحقيقة الكونية وأدركوا سر القدر واشتغلوا باصلاح القلب عن اصلاح الظاهر واشتغلوا بمحبة الحق عن سماع انكار الخلق ويقولن من جملة مايقولون ويتعللون به أنكم أنتم يا أهل الظاهر الفقهاء والعلماء تنكرون علينا أننا نترك صلاة الجمعة وأنتم تكتبون فى كتب الفقه أن من خاف ضياع ماله جاز له تركها لاجله ، ومن كان مسافراً ولو كان مسافراً للدنيا أو للتجارة يجمع المال تسقط عنه صلاة الجمعة – فكيف الذى فى الخلوة مستغرق مع الله سبحانه وتعالى وقلبه متعلق بمحبة الله الذى هو أغلى من الدنيا كلها ويقولون هذا لايمكن أن يترك الجمعة والجماعات ولايجوز له أن يعتكف فى خلوة ويترك الجمع والجماعات – يعنى اليس الله تعالى أغلى واعظم من الدرهم والدينار – المجتمع مع الله اليس هو أعظم ممن هو مجتمع على قليل من المال يخشى أن يضيع منه فيجوز له عندكم فى فقهكم أن يترك الجمعة لاجله !
ويقولون : أنتم تقولون أن الانسان اذا اغمى عليه فانكشفت عورته هذا جائـز ،وقد يكون هذا الاغماء بسبب ضربة شمس اغمى عليه فكشفت عورته هذا جائز ، أو لمرضٍ أو نحو ذلك لاحرج عليه أن تكشف عورته .
وتذكرون فى كتبكم يا أهل السنة أن زوج بربره كان يتبعها فى طرقات المدينة ودموعه تتخدر حباً لها ولم يحرج عليه كذلك ، وكان ذلك فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأشياء من هذا القبيل ، فكيف لاتنكرون ذلك وتنكرون على من يكون اغمائه لآية سمعها أو كشف جل له الحق فاغمى عليه وانكشفت عورته وأخذ يصرخ ويقول أنا الحق أنا الحق أنا الله الا حباً ووجداً وهياماً بالمعبود الحق وبالحبيب الاعظم وهو الله تعالى عندهم أقول رأى الزنادقة أن هذه هى أخر وسيلة لهدم دين الاسلام وابعاد الأوامر والنواهى وأبطالها وأبطال الجهاد وابطال الامر بالمعروف والنهى عن المنكر واندثار أمر الاسلام بالكلية . والقصص فى ذلك كثيرة منها ماذكره شيخ الاسلام وتحدث عنه فى كتاب (الاستقامة ) ان بعضهم كان إذا سمع المؤذن يقول له اسكت ياكلب ولعنك الله أو نحو ذلك ينهره ويشتمه وكثير منهم كان يصنع هذا ، فإذا قيل له كيف تقول ذلك ! قال هؤلاء أهل الظاهر يؤذن فى الظاهر وهو فى الباطن لايعلم حقيقة التوحيد الذى يقوله عندما يقول أشهد أن لا إله الا الله ، فإذا انتقدهم أحد كيف تقول للمؤذن هذا الكلام – يقول هذا من ولايته هذا من فهمه للتوحيد يشتم المؤذن لانه يقول أشهد أن لا إله الا الله وهو لايدرك التوحيد الى غير ذلك .
.. يتبع ..