
10-11-2003, 06:08 PM
|
من كبار الكتّاب
|
|
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
|
|
المبحث الثاني: المخالفات الشرعية لعمل البطاقتين
من خلال الوصف السابق لعمل البطاقتين، يتضح للباحث أن فيهما مخالفات شرعية جلية، يمكن إيضاحها كالتالي:
المخالفة الأولى: أنهما من قلب الدين المجمع على تحريمه.
فسداد الدين في هاتين البطاقتين يتم عن طريق قلب الدين.
وقلب الدين: هو زيادة الدين في ذمة المدين بأي طريق كان.
قال شيخ الإسلام:" وأما إذا حل الدين وكان الغريم معسرا : لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلب بالقلب لا بمعاملة ولا غيرها ; بل يجب إنظاره وإن كان موسرا كان عليه الوفاء فلا حاجة إلى القلب لا مع يساره ولا مع إعساره"(3).
وجاء في مطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى (4):( وحرم قلب دين ) مؤجل على معسر لأجل ( آخر اتفاقا ) قال الشيخ تقي الدين : ويحرم على صاحب الدين أن يمتنع من إنظار المعسر حتى يقلب عليه الدين , ومتى قال رب الدين : إما أن تقلب الدين , وإما أن تقوم معي إلى عند الحاكم , وخاف أن يحبسه الحاكم ; لعدم ثبوت إعساره عنده , وهو معسر , فقلب على هذا الوجه , كانت هذه المعاملة حراما غير لازمة باتفاق المسلمين , فإن الغريم مكره عليها بغير حق , ومن نسب جواز القلب على المعسر بحيلة من الحيل إلى مذهب بعض الأئمة فقد أخطأ في ذلك وغلط.
وقال الشيخ السعدي – رحمه الله - : " أعظم أنواع الربا قلب الدين على المدينين، سواء فعل ذلك صريحاً أو تحيلاً؛ فإنه لا يخفى على رب العالمين، فمن حل دينه على غريمه، ألزم بالوفاء، إن كان من المقتدرين، ووجب على صاحب الحق إنظاره إن كان من المعسرين"(5).
وقد اصطلح الحنابلة على تسمية هذه المعاملة بقلب الدين، بينما المالكية يسمونها : فسخ الدين بالدين.
قال الإمام القيرواني:" ولا يجوز فسخ دين في دين، مثل أن يكون شيء في ذمته، فتفسخه في شيء آخر لا تتعجله" (6) وقال: " وكان فسخ الدين أشد في الحرمة؛ لأنه من ربا الجاهلية"(7).
بل عده المالكية من أشد صور بيع الكالئ بالكالئ الذي هو محرم بالإجماع(8).
وقلب الدين له طريقان:
الطريقة الأولى:قلب الدين صراحة، وذلك بقول الدائن للمدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، ويقول المدين: أنظرني أزدك. وهذا هو ربا الجاهلية.
الطريقة الثانية: قلب الدين بالحيلة، وهذا ما يتفنن به أكلة الربا، فيعمدون إلى معاملات ظاهرها الصحة؛ لأجل قلب الدين على المدين، ولهذه الطريقة عدة صور:
1-منها: أن يكون في ذمة شخص لآخر دراهم مؤجلة فيحل أجلها وليس عنده ما يوفيه، فيقول له صاحب الدين: أدينك فتوفيني فيدينه فيوفيه، وهذا من الربا بل هو مما قال الله فيه : :(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ) [آل عمران:130] وهذه الصورة من أعمال الجاهلية حيث كان يقول أحدهم للمدين إذا حل الدين : إما أن توفي وإما أن تربي. إلا أنهم في الجاهلية يضيفون الربا إلى الدين صراحة من غير عمل حيلة وهؤلاء يضيفون الربا إلى الدين بالحيلة(9).
2-ومنها: أن يكون لشخص على آخر دين فإذا حل قال له: إما أن توفي دينك أو تذهب لفلان يدينك وتوفيني ويكون بين الدائن الأول والثاني اتفاق مسبق في أن كل واحد منهما يدين غريم صاحبه ليوفيه ثم يعيد الدين عليه مرة أخرى ليوفي الدائن الجديد.أو يقول: اذهب إلى فلان لتستقرض منه ويكون بين الدائن الأول والمقرض اتفاق أو شبه اتفاق على أن يقرض المدين. فإذا أوفى الدائن الأول قلب عليه الدين ثم أوفى المقرض ما أقترض منه، وهذه حيلة لقلب الدين بطريق ثلاثية(10).
3-ومنها: إذا حل الدين على المدين مثلاً(مائة ) ولا وفاء عنده، وأراد أن يدينه أيضاً مائة، جعل فائدة المائة الجديدة مضاعفة، فإن كانت فائدة المائة الأولى 2%، جعل فائدة المائة الثانية 4%، مراعاة للمائة الحالة، والمدين يلتزم بذلك لاضطراره(11).
4- ومنها: أن يكون للرجل دين على آخر، فيحل أجل الدين، وليس عند المدين ما يوفي به دينه، فيحتال الدائن ويعطي المدين المعسر نقوداً على أنها رأس مال سلم، لمبيع موصوف مؤجل في الذمة، ثم إن الدائن يستوفي بهذه النقود عن دينه السابق (12).وجاء في الدرر السنية: ومنها – أي المعاملات الربوية - : قلب الدين على المعسر، إذا حل الدين على الغريم، ولم يقدر على الوفاء أحضر طالب الدين دراهم، وأسلمها إليه في طعام في ذمته، ثم أوفاه بها في مجلس العقد، ويسمون هذا تصحيحاً، وهو فاسد ليس بصحيح، فإنه لم يسلم إليه دراهم، وإنما قلب عليه الدين الذي في ذمته، لما عجز عن استيفائه؛ والمعسر لا يجوز قلب الدين عليه(13).
وقد حرر هذه المسألة الموفق رحمه الله وقال : إذا كان له في ذمة رجل دينار، فجعله سلماً في طعام إلى أجل، لم يصح. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم، منهم مالك، والأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وعن ابن عمر أنه قال: لا يصلح ذلك. وذلك لأن المسلم فيه دين، فإذا جعل الثمن ديناً كان بيع دين بدين، ولا يصح ذلك بالإجماع(14).
5-ومنها: من له دين على شخص قد حل أجله فطالبه به فوجده معسرا بجميعه , ووجد عنده سلعة لا تفي به فأخذها منه في جميع الدين , ثم باعها له بأكثر من الدين , فهذا لا يجوز أيضا ; لأن السلعة التي خرجت من اليد وعادت إليها تعد لغوا , وكأنه فسخ ما في ذمة المدين في أكثر منه ابتداء فهو ربا الجاهلية(15).
6-ومنها: ما جاء في الموطأ : ( قال مالك في الرجل يكون له على الرجل مائة دينار إلى أجل فإذا حلت قال له الذي عليه الدين بعني سلعة يكون ثمنها مائة دينار نقدا بمائة وخمسين إلى أجل قال مالك هذا بيع لا يصلح , ولم يزل أهل العلم ينهون عنه قال مالك , وإنما كره ذلك ; لأنه إنما يعطيه ثمن ما باعه بعينه , ويؤخر عنه المائة الأولى إلى الأجل الذي ذكر له آخر مرة , ويزداد عليه خمسين دينارا في تأخيره عنه فهذا مكروه , ولا يصلح , وهو أيضا يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهلية أنهم كانوا إذا حلت ديونهم قال للذي عليه الدين إما أن تقضي , وإما أن تربي فإن قضى أخذوا , وإلا زادوهم في حقوقهم وزادوهم في الأجل ) . أهـ. قال الباجي : وهذا على ما قال ; لأن من كان له على رجل مائة دينار إلى أجل فاشترى منه عند الأجل سلعة تساوي مائة دينار بمائة وخمسين فقضاه دينه الأول , وإنما قضاه ثمن سلعته , وزاد خمسين دينارا في دينه لتأخيره به عن أجله فهذا يشبه ما تضمنه حديث زيد بن أسلم من بيوع الجاهلية في زيادتهم في الديون عند انقضاء أجلها ليؤخروا بها , ويدخله أيضا بيع وسلف ; لأنه إنما ابتاع منه هذه السلعة بمائة معجلة وخمسين مؤجلة ليؤخره بالمائة التي حلت له عليه , ووجوه الفساد في هذا كثيرة جدا(16).
7-ومنها : ما جاء في فتاوى شيخ الإسلام : " وسئل عن رجل له مع رجل معاملة فتأخر له معه دراهم فطالبه وهو معسر فاشترى له بضاعة من صاحب دكان وباعها له بزيادة مائة درهم حتى صبر عليه . فهل تصح هذه المعاملة ؟ فأجاب : لا تجوز هذه المعاملة ; بل إن كان الغريم معسرا فله أن ينتظره . وأما المعاملة التي يزاد فيها الدين والأجل فهي معاملة ربوية وإن أدخلا بينهما صاحب الحانوت . والواجب أن صاحب الدين لا يطالب إلا برأس ماله لا يطالب بالزيادة التي لم يقبضها "(17).
فإذا تقرر أن ما يجري عمله في بطاقتي الخير والتيسير إنما هو من قلب الدين المجمع على تحريمه، فإن من تعامل بها فإنه سيقع لازماً بمخالفتين عظيمتين،:
أحدهما: الوقوع في ربا الجاهلية.
الثاني: التحايل على الربا.
وإليك إيضاح ذلك .
المخالفة الثانية :أنهما داخلتان في ربا الجاهلية" إما أن تقضي وإما أن تربي".
إن أسوأ أنواع الربا وأشدها تحريماً هو ربا الجاهلية الذي يزيد فيه الدين لأجل تأخير الوفاء، فإذا حل الأجل قال الدائن:أتقضي أم تربي؟ ويقول المدين: أنظرني أزدك. وهذا هو الذي نزل فيه قوله تعال :يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ) [ آل عمران:130].(18) وقوله جل شأنه: ( أضعافاً مضاعفة ) بيان لما يؤول إليه حال الربا من تضاعف الدين في ذمة المدين وما يترتب عليه من الظلم الفادح وأكل المال بغير حق. والأمة مجمعة على تحريم هذا النوع من الربا تحريماً قطعياً لا يتطرق إليه أدنى شك.
|
__________________
معين بن محمد
|