الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته ( 73 )
مواصلة الفرع الثاني: آداب القتال أثناء المعركة
1): النساء والصبيان.
ورد النهي صريحاً عن قتل النساء والصبيان..
كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
"
إن امرأة وُجِدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان". [البخاري رقم الحديث 3014، فتح الباري (6/148) ومسلم (3/1364)].
ففي هذا الحديث دليل على عدم جواز قتل النساء والصبيان كما هو واضح.
وفي حديث الصعب بن جثامة ما قد يفهم من ظاهره ما يخالف حديث ابن عمر السابق، ونصه:
"
مرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أو بودَّان، وسئل عن أهل الدار يبيتون من المشاركين فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: (
هم منهم ) [البخاري رقم 3012، فتح الباري (6/148) ومسلم (3/1364)].
وقد حمل العلماء الحديث الأول - حديث ابن عمر - على العمد، أي لا يجوز للمسلمين أن يتعمدوا قتل النساء والصبيان، وحملوا الحديث الثاني – حديث الصعب – على حالة عدم تميز النساء والأطفال، كما في حالة التبييت.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم عند الكلام على حديث ابن عمر:
"
أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان ما لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون". [شرح النووي على صحيح مسلم (12/48)].
وقال في شرحه على حديث الصعب:
"
والمراد إذا لم يتعمدوا من غير ضرورة وأما الحديث السابق – أي حديث ابن عمر – في النهي عن قتل النساء والصبيان فالمراد به إذا تميزوا ". [المرجع السابق (12/49)].
2): الرهبان والشيوخ الزمنى والاجراء.
ذهب الحنفيون والمالكيون والحنبليون إلى أن هؤلاء كلهم لا يقتلون ما لم يقاتلوا [انظر فتح القدير لابن الهمام، وحواشيه (5/452) فما بعدها، والشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك (2/277) وكذلك كتاب الكافي لابن عبد البر (1/466) والمغني لابن قدامة (9/311)].
وذهب الشافعيون إلى أن هؤلاء كلهم يقتلون في أظهر القولين عندهم، من عدا المرأة والصبي [انظر حواشي تحفة المحتاج على المنهاج (9/240-241) وتكملة المجموع للعقبي (18/77)]، وهذا ما نصره ابن حزم في المُحَلَّى [(7/297)].
أدلة من رأى عدم قتلهم جميعا
استدل القائلون بعدم قتل الأصناف المذكورة ما لم يقاتلوا بأدلة:
الدليل الأول: الآية القرآنية السابقة الذكر ((
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )) [البقرة: 190]،
قالوا: فكل من لم يقاتل ولم يبد منه ما يضر المسلمين من رأي يفيد الكفار أو تحريض أو مال ونحوه، فإنه لا يجوز قتله.
الدليل الثاني: ما ورد في بعض كتب السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن بعض الصحابة من النهي عن قتل بعض من ذكر.
ففي حديث رباح بن الربيع رضي الله عنه قال:
"
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلاً، فقال: (
انظر على ما اجتمع هؤلاء؟ )
فجاء فقال على امرأة قتيل، فقال: (
ما كانت هذه لتقاتل وعلى المقدمة خالد بن الوليد )،
قال: فبعث رجلاً، فقال: (
قل لخالد لا تقتلن امرأة ولا عسيفاً ) أخرجه أبو داود [جامع الأصول (2/598) قال المحشي: رقم 2669 في الجهاد، باب في قتل النساء، وإسناده صحيح].
واستدل بالحديث من وجهين:
الوجه الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (
ما كانت هذه لتقاتل ) فجعل صلى الله عليه وسلم العلة في النهي عن قتلها كونها لا تقاتل، وهذا يوضح معنى قوله تعالى: ((
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ.. )).
الوجه الثاني: النص على العسيف، وهو الأجير، والغالب أنه لا يقاتل كالمرأة والصبي.
وفي حديث أنس بن مالك:
"
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (
انطلقوا باسم الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً، صغيراً ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) [سنن أبي داود (3/86)، وهذا سنده: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم، وعبيد الله بن موسى عن حسن بن صالح، عن خالد بن الفزر، حدّثني أنس … إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس، نشر وتوزيع محمد علي السيد. والآية في سورة البقرة: 195، والحديث في جامع الأصول (2/596) رقم 1 الحديث 1076 بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط، قال في الحاشية: وفي سنده خالد بن الفزر، الهادي عن أنس، لم يوثقه غير ابن حبان، وبقية رجاله ثقات، وله شواهد يتقوى بها].
الدليل الثالث:
وصية أبي بكر رضي الله عنه لأمير له:
"لا تقتلن امرأة ولا صبياً ولا كبيراً هرماً، إنك ستمر على قوم قد حبسوا أنفسهم في الصوامع، زعموا لله، فدعهم وما حبسوا أنفسهم له"… [جامع الأصول (2/599) قال المحشي: وفيه انقطاع لأن يحيى بن سعيد لم يدرك أبا بكر].
موقع الروضة الإسلامي
http://216.7.163.121/r.php?show=home...enu&sub0=start