وهل حصلوا هؤلاء الولاة على البيعه من امة المسلمين حتى تنطبق عليهم احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؟؟ بل هؤلاء اختصبوا الحكم والمحكومين وعاثوا فسادا في البلاد فلا شرعية لهم بحكم بلاد المسلمين والخروج عليهم واجب شرعي في احقاق الحق ونصرة الدين.
إن من أشد ما ابتليت به هذه الأمة في عصر الإنحطاط هذا هم علماء السلاطين؛ المسلطين على عقول وأفهام شباب المسلمين، وهذا الصنف من العلماء عملهم الأساسي ووظيفتهم الدائمة هو أنهم أبواق لسلاطين الجور، يحرفون لأجلهم الكلم عن مواضعه، ويلوون أعناق الأدلة ليستقيم لهؤلاء العملاء الوضع، ويصفو لهم الجو ليعكرو على الأمة أفكارها ومفاهيمها، ويلبسوا عليها دينها الذي هو عصمة أمرها، ومن أخطر هذه الأحكام التي يحرفها هؤلاء الأجراء "ولاية الأمر" ووجوب طاعة " ولي الأمر " على الإطلاق دون قيد أو شرط فأضفوا على هؤلاء الشرعية لا شرعية الدساتير الوضعية فقط بل الشرعية في الإسلام. وسخروا لهم كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وعقدوا لهم الندوات في كل قطر من الأقطار الإسلامية وروجوا لهم الدعايات وأمنوا لهم الحماية ليتمكنوا من بث دعوته المنتنة.
ولخطورة هذا الواقع المستحدث وجد من الواجب الدق الشديد على هذا الوتر الحساس وهذا الاسفين الذي ينمى في عقول أبناء المسلمين ليفت من عضد هذه الأمة المنكوبة، وأن لا بد من البيان الذي لا لبس فيه خارج نطاق بحث ولاية الأمر في الإسلام كما بحثها الفقهاء بل في إطار آخر حتى لا يلتبس الأمر على أحد مطلقا وحتى لا يفهم الفهم السقيم أو أن يكون هناك لبس في فهم هذه الأحكام حتى يظهر زيف هذه البدعة المنكرة التي أقحمت إقحاما على أحكام الله تعالى، ولنزيل الغبار عن أحكام الشرع لتنجلي هذه الغمة النكراء، التي لم يقل بها صحابي ولا تابعي ولا عالم يتق الله تعالى على مدى تاريخ الأمة الطويل ولا حتى بعد سقوط الخلافة إلى أجل قريب
وهنا نسرد بعض الأدلة التي استند إليها القوم ومن ثم تفنيدها وبيان أنه لا يصلح الاستدلال بها وإنزالها على واقع هؤلاء الحكام ولا يشير إلى ذالك لا منطوق النصوص ولا مفهومها بكل دلالات المفهوم.
إن على رأس الأدلة التي استند إليها أولئك القوم على وجوب طاعة هؤلاء العملاء قول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.... ﴾ الآية.
2 ـ وما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصى الله «.
3 ـ وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اسمعو وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله
«.
4 ـ وروى البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك ذلك منا ؟ قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم «.
5 ـ وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: « بايعنا رسول الله صلى الله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم « وفي رواية مسلم « إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ».
وأدلة أخرى لا حصر لها كلها حسمت لصالح وجوب طاعة هؤلاء الحكام كل حاكم في دولته.
إن هذه الأدلة وما سواها والتي توجب طاعة " ولي الأمر " إنما هي فيمن ينطبق عليه هذا المصطلح شرعا وليس قانونا فهل هذا المصطلح فهل ينطبق على هؤلاء الحكام.
فلنحاكم هذه الأدلة:
إن كلمة " ولي " إذا أضيف إليها أمر يعني صاحب الشأن فولي الأمر تعني: أصحاب التصرف في شأن الأمة ؛ الذين يملكون زمام الأمور شرعا، وبيدهم قيادة الأمة.
وفي الحديث الصحيح: ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة.
وذلك لا يأتي دون تحقق ما شرعه الله تعالى لأن الأمر لا يؤول لأحد دون بيعة مطلقه, فلم يدل على ذلك لا الكتاب ولا السنة ولا إجماع الصحابة ولا إجماع الفقهاء لمن يتبناه ولا اجماع الأمة لمن يتبناه.
إن الحاكم في الإسلام حكم بأمر من الله كما تصبح الأجنبية ( التي هي مسلمة ولكن اجنبيه بالنسبه الى الرجل الذي سوف يتزوجها ) زوجة بكلمة من الله تعالى وهي العقد الشرعي المشتمل على الشروط والأركان.
ولنعد بعد هذه التوطئة ولنناقش الأدلة التي طرحها هؤلاء ولنبين كيف أنزلت على غير واقها التي شرعت له.
أولا قوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا ﴾.
وبعد الرجوع إلى الحكم الشرعي وحقيقة متى يكون المسلم ولي أمر شرعي للمسلمين تجب طاعته وتحرم معصيته والخروج عليه، وجدنا أن أية صبغة شرعية على أي عقد من العقود لا تستقيم دون وجود أركانها وشروطها وهي الرضا والقبول دون الإكراه ضمن ماحدده الشرع لذلك وأول الأمور التي تضفي بها الأمة على الحاكم شرعيته هي البيعة.
وهي تعني: إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للمبايع في غير معصية في المنشط والمكره وعدم منازعته الأمر وتفويض الأمور إليه، قال ابن خلدون: " اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في ذلك ويطيق فيما يكلفه من الأمر على المنشط والمكره..... " إلى آخر ما قاله ابن خلدون رحمه الله تعالى.
وهذه البيعة لا تنعقد إلا بشروط لا بد من تحققها وهي:
1 ـ أن يجتمع في المأخوذ له البيعة شروط الإمامة.
2 ـ أن يكون المتولي لعقد البيعة ـ بيعة الإنعقاد ـ أهل الحل والعقد.
3 ـ أن يجيب المبايع إلى البيعة.
4 ـ أن يتحد المعقود له بأن لا تنعقد البيعة لغير واحد لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ».
5 ـ أن تكون البيعة على كتاب الله وسنة رسوله قولا وعملا، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: « أطيعوني ما أطعت الله فيكم..... «
6 ـ الاختيار التام للمبايع في البيعة.
فإذا توفر هذا كله أصبح هذا المسلم وليا شرعيا لأمر المسلمين، وبهذا ينطبق عليه ما جاء في الآية السابقة الذكر.
قال ابن حجر في الفتح قال الطيبي: " أعاد الفعل في قوله: ﴿وأطيعوا الرسول﴾ إشارة إلى استقلال الرسول صلى الله عليه وسلم بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته، ثم بين ذلك في قوله: ﴿فإن تنازعتم في شيء﴾كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق، فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله ".
وهذا واضح جلي لكل ذي بصيرة. قال تعالى: ﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾.
والشاهد في هذه الآية أن الإمام المطاع يجب أن يكون من المسلمين وأنه مبايع على الكتاب والسنة وأنه إذا وقع خلاف بينه وبين رعيته فالحكم في ذلك كتاب الله وسنة رسوله، لا هواه وبطشه، فدل على ذلك تقييد سلطته باتباع الكتاب والسنة.
أما الأحاديث التي اوردها هؤلاء زورا وبهتانا بغير موضعها على طاعة الحكام الجبريين فهي واضحة وجلية في منطوقها ومفهومها أن الذي تجب له الطاعة شرعا هو الإمام المبايع بالرضا والاختيار وهو الذي أضفت عليه الشرعية البيعة فأصبح بذلك حاكما شرعيا للمسلمين استمد شرعيته وسلطانه منهم من حيث أن الله تعالى أسند إليهم هذا السلطان.
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي« فمن دلالة لفظة " استعمل " نصل إلى صراحة من استعمله وهو الذي بيده الصلاحية للاستعمال بشروطه كما ورد في آخر الحديث. وقوله: «ما أقام فيكم كتاب الله « فالمخوّل بإقامة كتاب الله هو المنوب من قبل من بيده النيابة وهي الأمة التي جعل لها وحدها السلطان.لأنه بهذه النيابة أصبحا وليا شرعيا للأمر من أنابه لتجب طاعة أمره.
__________________
من اعان الظالم على ظلمه ابتلاه الله بظلمه
آخر تعديل بواسطة abbud ، 06-01-2005 الساعة 12:44 PM.
|