يتبع
على أنه ينبغي أن يعلم أن العفو إنما يكون عن مقدرة، أما من عجز أو تكاسل عن الأخذ بحقه فهذا إما:
(1) عاجز معذور، أو
(2) متكاسل مذموم،
وليس هو أهل لثواب الصابرين المتسامحين، أي أن «سلام الشجعان» الذي يتمشدق به الخونة في فلسطين، وعلى رأسهم المنافق الكبير المرتد ياسر عرفات، لا وجود له في العالم، مهما طبَّل له هؤلاء السفلة وزمَّروا، وفي الآيات التالية زيادة إيضاح لهذا سنذكره إن شاء الله بعد قليل.
وفي هذه الآية الكريمة نفسها ملمح آخر حيث سمَّى الله ما يصيبنا من ظلم ابتداءً «عقوبة»، مع أن العقوبة في الأصل لا تكون ابتداءً على الإطلاق، وإنما تكون عقوبة لذنب ارتكب، أي تترتب على قيام المعَاقَب بفعل مذموم سابق، وهي من ثم مشروعة حسنة. فلم سمَّى الله ما وقع علينا من ظلم عقوبة؟! هذا والله أعلم لبيان أن الظلم قد يقع تحت مسمَى «العقوبة»، فإذا كانت تلك العقوبة غير مشروعة، فهي على التحقيق ظلم وعدوان، بغض النظر عن مسمّياتها، ولنا الحق في معاقبة المعتدي بالمثل. وخير مثال لذلك «عقوبات» الأمم المتحدة الإجرامية الكافرة لليبيا والعراق، وغيرهما.
v وقال، جل جلاله، وسمى مقامه: }فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ v وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ v وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ v وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ v وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ v إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ v وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{، (الشورى؛42:36-43). هذا في غاية الوضوح والبيان: فيه، كما اسلفنا، الحث على الانتصار وطلب القصاص والنصرة، فإن تمكن الإنسان منه ثم عفى وصبر فتلك هي العزيمة بحق، وتلك هي الدرجة العالية بحق، وليس "سلام الشجعان" الذي يروج له الدجاجلة العملاء، الخونة السفلاء، في فلسطين.
لاحظ ها هنا ذكر السيئة جزاءً لسيئة سابقة أحدثها المعتدي مما يوجب القطع بأن المعاملة بالمثل مشروعة، ولو بفعل من جنس ما ارتكبه المعتدي، ولو كان ذلك الفعل سيئة في ذاته وعدواناً لو وقع على وجه المبادرة والابتداء، ولكنه ها هنا حلال جائز مسموح به على وجه الجزاء والمعاقبة والقصاص.
v وقال جل من قائل: }إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{، (التوبة: 9:36). ها هنا لفظة "كما" تفيد المماثلة والتشبيه، هي عامة في كل ما يتصور فيه المماثلة، كما بينته الآيات السابقة. نعم: التركيز هنا في هذه الآية الكريمة على القتال جميعاً كافة، كما يقاتلوننا جميعاً كافة، وصدق الله: هذا هو واقعهم عبر العصور في الحروب الصليبية الأولى، وفي الحروب الصليبية الأخيرة، كهذه التي شنت على العراق: لا يحاربون إلا في تحالفات كبيرة، وتكتلات ضخمة، مع أن أمريكا كانت كافية وفوق الكافية للعراق، بل ولعشرة أضعاف العراق، وهي الآن كافية وفوق الكافية لأفغانستان، ولمائة بلد في حجم وقدرات أفغانستان. فالواجب على المسلمين أن ينهضوا لحربهم كافة.
نعم: والقتال إنما يكون لمن قاتلنا، أما المسالم فلا يقاتل، بل لا تجوز مقاتلته ولا قتله، ودمه وعرضه وماله وكرامته وبشرته معصومة، محترمة مصونة. ولكن لا يقال أن ذلك غير منطبق على الشعب الأمريكي بشكل عام، لأن أفراده غير منغمسين في القتال بأعيانهم فرداً فرداً، لا يقال ذلك: لأن القتال ليس لأفراد الشعب الأمريكي بصفتهم الفردية، وإنما هو لأمريكا بوصفها دولة كافرة حربية، وكيان محارب معتد، وهي ليست مسالمة، بل هي التي اعتدت، وتعتدي حتى الآن، في العراق بالعدوان والاحتلال المباشر، وهي التي جاءت من وراء البحار للقيام بذلك، ولم يعبر المسلمون البحار إليها مبتدئين بعمل قتالي، وكذلك في فلسطين، ليس بقتالنا في الدين أو بإخراجنا بنفسها، فهذه تفعله إسرائيل مباشرة، ولكن بـ"المظاهرة" على ذلك، وتقديم الدعم المطلق للسرطان الصهيوني ال**** في فلسطين، أي بطريق غير ماشرة. فهي المبتدئة بالعدوان، وحالة الحرب معها متحققة. والواجب الشرعي حينئذ هو مقاتلتها بالطريق الشرعية، فلا تقتل النساء والأطفال، ولا تدمر المنشئات المدنية، وإنما تكون المنازلة في مبدان القتال محصورة في المقاتلين فقط، هذا هو الأصل، وهو الواجب الشرعي.
إلا أن الواقع أظهر بنقل التواتر، نقل الكواف عن الكواف، وباعتراف أجهزتها الإعلامية، أنها استهدفت المدنيين، في العراق مثلاً، من نساء ورجال وأطفال بالقتل مباشرة بالقصف والسلاح، واستهدفت المنشئات المدنية، وكافة المنافع والبنى التحتية، واستهدفت وتستهدف، المدنيين من نساء ورجال وأطفال بالقتل غير المباشر: بالحصار والتجويع والتسميم بالإشعاعات، وبانتشار الأمراض المترتب على تدمير محطات تنقية المياه، بل وبتسميم مياه الشرب، التخريب المتعمد لمرافق الصرف الصحي.. وقد توجت أمريكا ذلك مؤخراً بفظاعاتها المشهورة في جوانتانامو، وسجون العراق، لا سيما سجن «أبو غريب» المشؤوم، وقد فعلت إسرائيل بعضاً من ذلك في فلسطين (وإن كان بحذر وعناية شديدة) و«ظاهرتها» أمريكا على ذلك،.لذلك جازت معاملتهما بالمثل، من غير تجاوز حدود الاعتدال.
الدليل السادس: أن مشروعية الدفاع عن النفس أمر مقطوع به في جميع الشرائع، وبخاصة في هذه الشريعة المباركة الخاتمة. وحالة الدفاع عن النفس من أحوال الاضطرار التي يؤذن فيها بما لا يجوز فعله في الأحوال العادية من المحرمات، كقتل الصائل الذي لا يندفع شره إلا بالقتل. فمن باب أولى تجوز «المقاطعة» على النحو المشروح أعلاه، حتى ولو سلمنا جدلاً بأنها محرمة في الأصل، وهو قول باطل، لا شك في بطلانه.
ولقد أفتى الإمام الكبير العز بن عبد السلام ـ رضي الله عنه ـ بمقاطعة التتار وعدم بيع الأسلحة لهم أو بيع ما يعينهم على قتال المسلمين. وهكذا فعل صلاح الدين الأيوبي قبل موقعة حطين عندما أراد أن يوحد الأمة الإسلامية ضد الصليبيين الغزاة فأصدر أوامر واضحة بعدم التعامل التجاري مع الصليبيين، خاصة في مجال الأسلحة لعظم تأثيرها في المعركة.
والخلاصة: إن سلاح المقاطعة سلاح مشروع، وليس بدعة مستنكرة، وإنما هو سلاح ناجع مجرَّب:
جربته الهند بقيادة غاندي ونجحت في هز اقتصاد بريطانيا، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
وجربته كوبا مع أمريكا فلا يعرف شعبها ما يسمي بالمنتج الأمريكي أبداً،
وجربته اليابان مع أمريكا بتلقائية ووعي الشعب الياباني جعل العم سام يقوم بجولات مكوكية أكثر من مرة يستجدي فتح السوق الياباني وتشجيع شراء المنتج الأمريكي.
فلماذا يتردد المسلمون في استخدام سلاح المقاطعة السلبية، ليؤدي بعض النتائج، أو ليشعر المسلم على الأقل بأن له ثَمَّةَ دورا - ولو محدوداً- يستطيع أن يقوم به؟ إنه جزء من الإنكار القلبي أو العملي السهل الذي لا يخسر فيه المرء شيئاً، ولا يحتاج لأكثر من أن يختار بضاعة عربية أو إسلامية أو شرق آسيوية: من اليابان، أو الصين، أو حتى أوربية عند الحاجة، وربما تكون بالميزات ذاتها، وبالسعر ذاته.
ثم إن المقاطعة تعد إسهاماً من جميع المسلمين في جهاد أعداء الله؛ لإضعاف الحملة الصليبية الجديدة، ومناصرة إخوانهم المجاهدين.
وأخيراً: ففي ظل الانتفاضة المباركة في القدس الشريف، ومع فعاليات المقاومة العراقية الباسلة، وعودة الجهاد الأفغاني إلى الساحة بقوة، وفي ظل التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني والشعب العراقي والشعب الأفغاني، أطفالاً ونساءً ورجالاً؛ فإن أهم الأولويات وأول الواجبات أن ننادي بالمقاطعة الاقتصادية الشاملة الحازمة للعدو الكافر الحربي الأمريكي، وكذلك البريطاني، ولصنيعتهما: السرطان الصهيوني ال**** في فلسطين، وأن نكون جادين في هذه المقاطعة.
|