إلى ابني دعوه ودمعة
خرج من غرفته بجفنين مثقلين ، وفم يتدافع منه التثاؤب ، أزارير ثوبه مفتوحة واضعاً شماغه فوق كتفه ممسكاً بيده هاتفه النقال وهو ينادي الخادمة بصوت عالٍ لتحضر الشاي ثم يتبع سؤال متكرر : هل إتصل علي أحد ؟ ونظرات يبعثرها يمنة ويسرة عله يجد سبباً للنزاع مع من حوله ، فلما لم يجد عاود النداء على الخادمة أين الشاي ؟ على أثرها دخل والده قادماً من المسجد بعد أن أدى صلاة المغرب وعندما أبصر ابنه بهذه الحالة هز رأسه يمنة ويسرة وهو يحوقل ، أما الإبن فتجاهل الوضع وكأنه لم ير شيئاً محاولاً تجنب حوار قد يعيقه عن موعد مع أحد أصدقائه ، لكن والده هذه المره قد عقد العزم على الفصل في وضع ابنه ، جاءت الخادمه تحمل الشاي والخوف يدفعها ، قال لها الأب ضعيه في المجلس فارتسمت على محيا الابن علامات الضجر وبرغم علمه أنه المقصود قال هل سيأتيك ضيوف يا والدي ؟ قال الأب : لا ، لكنني أود الجلوس معك على انفراد
ومضى الأب إلى المجلس وتبعه الابن بخطوات مثقلة ، وأخته تتبعه بنظرة شماته عليه وفرح بموقف والدها ، بعد أن جلسا رفع الأب بصره إلى السماء ودفع من صدره آهة كبيرة ولسان حاله يسأل الإعانة في حوار يأمل أن يكون تربوياً ونافعاً ، وقال : يا بني عمرك الآن ثمانية عشر عاماً وأنت إلا الآن تجرجر أفعالك من زمن الصبا ... تنام عن الصلوات المكتوبة ولا تبالي متى تؤديها ولا كيف تؤديها ، وعندما تستيقظ يسبقك حالة من الطوارئ ، كل من في البيت يحاول جاهداً تجنب مقابلتك أو الصدام الخاسر معك ، تبذل وقتك في السهر مع رفاقك ، وتأبى أن تصحب إخوتك إلى الطبيب ، أو أمك إلى السوق ، يأتينا الضيوف فلا يجدونك ونذهب إليهم فلا ترافقنا ، تمضي الساعات الطوال مع أصحابك في لعب الورق ومشاهدة القنوات الفضائية أو في الأحاديث الذابلة ، وتبخل على مستقبلك بساعة تقضيها في مراجعة دروسك ، همك أن تجد سيارتك مجددة النظافة وملابسك قد أعيد كيها وتسأل عن أدق التفاصيل فيها ولا يخطر ببالك أن تسأل عن جدتك المريضة ، أهذه حياة ترضاها لنفسك ؟ أهذه طريق نأمل أن تقودك إلى السعادة الحقة ؟
أتحدى أن تكون قد أمضيت خمس دقائق تتأمل فيها وضعك ووضع أصحابك الذين تصحبهم إلى ما بعد منتصف الليل حين تعود إلى المنزل وكأنك فارس زمانك ، إسأل نفسك كم مرة مضى على آخر مرة تناولت فيها العشاء معنا ؟ إسألها متى آخر مرة زرت فيها جدتك ؟ بل إسألها متى آخر مرة صليت فيها فرضاً غير الجمعة في المسجد ؟ بل إنك حتى صلاة الجمعة كثيراً ما تفوتك الركعة الأولى منها ، أنا لا أطلب منك المستحيل ولا أنتظرك أن تعفيني من بعض متبعاتي تجاه أسرتي ، بل أريد أن تضع قدمك على الطريق الصحيح ، ولك أن أفرش دروبك بالورد ما استطعت
بعد الليلة الأولى من رمضان الماضي لم أرك تقرأ في كتاب الله الكريم غير أنك تمضي الساعة والساعتين تقرأ كل سطر في الصحف ، لا يا بني هذه ليست عيشة أرضاها لفلذة كبدي
وفجأة .. قطع حديث الأب صوت كوابح سيارتين في الشارع المجاور ثم صوت ارتطام شديد . خرجا - وهما يسألان الله اللطف - ليستطلعا ما حدث ، وبعد خطوات من الجري توقف الابن وهو يردد لا .. لا
ثم جثا على ركبيته وهو يجهش بالبكاء ، وعاد إليه والده قائلاً ما بك ؟ هل تعرفه ؟
أجابه نعم إنه صديقي الذي كنت على موعد معه قبل حديثك معي . كان المفترض أن أكون معه الآن لولا إرادة الله . ثم حديثك معي ، أتدري يا والدي كنت أتمنى أن ينتهي حديثك معي سريعاً ليس لأنني مللته ولكن لأني كنت قد عزمت الأمر على مصارحة صاحبي بأن يتغير مسار حياتنا إلى ما يرضي الله ثم يرضي والدينا ، غير أن ما ترى من قضاء الله وقدره قد سبقني إليه
و إني لأندم أشد الندم على يوم ينقص فيه عمري و لا يزيد به عملي ، و إني لأندم أشد الندم على يوم ينقص فيه جهدي و لا يزيد فيه ثوابي ... اللهم إغفر و آرحم و آعف ... يا الله .. يا الله ... و تب علي . "و من يتصبر يصبره الله و ما أعطي أحد خيرا و أوسع من الصبر." جزاك الله خيرا كثيرا .. ولك مني كل التقدير ، و لا تحرمنا من كتاباتك المشوقة . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
__________________
سلام اذا حان وقت مماتي ... وغطى التراب الطهور رفاتي.. وصرت بظلمة قبري وحيدة .. ولا من شفيع سوى حسناتي .. فلا تذكروني بسوء فيكفي .. الذي قد جنيت طوال حياتي .. دعوني أنم في قبري سعيدة .. وعذرا عن كل ماضٍ وآتي .. .................................................. .
لئن باعدت بيننا الدنيا ففي...جنات عدن للأحبة مجمع...نستودعكم الله
يقول صاحب هذه القصة :-
بداية أحمد الله تعالى أنْ منَّ عليّ بالهداية وأنقذني مما كنت فهي فلولا فضل الله عليّ ونعمته لكنت من الخاسرين في الدنيا والآخرة فالحمد لله الذي هداني لهذا وإليكم قصتي مع التوبة:-
ولدت وتربيت في أسرة محافظة بين أبوين صالحين بذلا كل ما بوسعهما تجاه أبنائهم ، وكنا ننعم وما زلنا بحياة طيبة هادئة ولله الحمد على ذلك.
توقفت عن الدراسة في مرحلة مبكرة رغم محاولات والدي ونصائحه لي بعدم فعل ذلك قبل أن يلبي لي جميع طلباتي ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل تحت إصراري على الإتجاه للمجال الوظيفي بحجة الإعتماد على النفس.
وبعد الإلتحاق بالوظيفة تعرفت من خلالها على زميل لي كان يبدو عليه أنه شخص أكثر من عادي بعكس ما كان يخفيه من أفكار شيطانية، وظل يغويني ويقنعني بهذه الأفكار شيئاً فشيئاً حتى وقعت في دوامة المخدرات، ويوماً بعد يوم كان إدماني لها وتعلقي بها يزداد حتى أصبحت أزيد على الكميات المعتادة وبدأت آثارها تظهر على صحتي ومظهري وحالتي المادية فقد كان كل ما يقع في يدي من مال يذهب بطريق المخدرات وتدهورت علاقاتي بأهلي كثيراً وأمي خصوصاً وبعد أن كنت شاباً مفعماً بالحيوية والنشاط معروفاً بالإنضابط في عملي ومشهود له بالسلوك الحسن أصبحت شخصاً انطوائياً كئيباً واصبح سلوكياً شيئاً وعدوانياً حتى مع والديّ ولا حول ولا قوة إلا بالله وبدأ مسلسل الإهمال في عبادتي ووظيفتي وكل ماهو حولي وأصبحت لا أبالي بالحياة كثيراً وبالمقابل فقد كان ذلك الزميل أشد تدهوراً مني إلى أن وقع في قبضة رجال الأمن وتم تحويله بعد ذلك إلى مستشفى الأمل لعلاجه من الإدمان وخسر بذلك سمعته ونفسه وقبل كل شيء دينه وأهله.
ولأن علاقتي بذلك الزميل أصبحت مشبوهة ابتعدت عنه لفترة من الزمن ولكن لم أستطع التحمل حيث أنه هو الذي كان يحدني بالمخدرات عن طريق أحد المروجين وفكرت كيف أستطيع أن أحصل على المخدرات بدونه وخطر في بالي أن أذهب إلى ذلك المروج وحدي، وهنا بدأ مسلسل الضياع العميق..
لقد استقبلني ذلك المروج استقبالاً حافلاً.. لم أعرف سببه إلا فيما بعد، حيث إنه كان من الشاذين جنسياً وكان يطلب مني مراراً وتكراراً أن أفعل به الفاحشة.. ورفضت ذلك كثيراً.. ولكن مع مرور الأيام وضغط الحاجة حيث أنه هو الذي كان يعطيني ما أحتاجه من كميات مخدرة ومع ذلك فقد كان هذا الفاسق يغريني بالمال أيضاً وبتوفير الفتيات الساقطات وتحت هذه الظروف جميعاً وافقت لدرجة أنه كان يدفع لي أحياناً إلى حدود عشرين ألف ريال نقداً وفي مرة واحدة.. وانغمست في هذا المستنقع القذر إلى القاع.. واهماً أنني سأجد السعادة في كل هذه القذارات...
وفي ليلة من الليالي كنت في أحد أوكار السموم برفقة أحد أصدقاء السوء لنشتري كمية من المخدر وبعد أن تعاطيناه خرجنا من هناك وأخذنا ما تبقى من الكمية وكنت حريصاً على أن تكون الكمية المتبقية معي أنا بالذات.. وبعد أن خرجنا نمشي أنا ورفيق السوء شعرت أن صدري بدأ يضيق حتى فقدت القدرة على التنفس ثم بدأ سمعي وبصري لا يستجيبون لما هو حولي وفي هذه الأثناء كان كل هم رفيق السوء الذي كان معي هو أن يحصل على ما تبقى معي من هذه السموم وفقدت القدرة على التوازن ولم يكن أمامي إلا العودة إلى ذلك الوكر الخبيث كما أشار علي رفيق السوء الذي تركني لأصارع الموت وألتقط آخر أنفاسي وحيداً... وعدت إلى ذلك الوكر في حال لا يعلمه إلا الله وجميع من كان في ذلك الوكر لم يعبئوا بي ولم يلتفتوا إليّ حتى إن أحدهم رفض أن أتمدد على سريره حتى لا أوسخه عليه كما يزعم ولم أجد مكاناً أتـمدد فيه إلا بين السرير وجدار الغرفة في مكان ضيق قذر... وهناك شعرت بقيمة نفسي... في ذلك الموقف العصيب والمهين في نفس الوقت.. أحسست بعظم ذنبي وفداحة خطيئتي... هناك علمت أن الله كما يقول في كتابه العزيز ( ومن يهن الله فما له من مكرم ).
لقد استرجعت ذاكرتي في ذلك المكان الضيق وذلك الموقف المهين شريط الحياة الكالح ... ورجوت الله هناك ... نعم رجوته هناك رجوته أن يخفف عني وأن يرحمني حتى أخرج من ذلك المكان .
لقد خرجت من هناك برحمة الله فقط... خرجت بعد أن أخذت درساً استوعبت جميع فصوله أصوله.. خرجت من هناك لأعلنها توبة نصوحاً بإذن الله لأصبح شاباً ملتزماً بتعاليم ديني وقد بدلت مجالس السوء بحلقات تحفيظ القرآن في ظل الرفقة الصالحة الذين وجدت معهم السعادة الحقيقية التي كنت ألهث ورائها دوماً ولم أكن أعلم أنها يمكن أن تكون في هذا الطريق المستقيم الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليّ بالثبات فيه حتى الممات.
الإنترنت ، أنتر نت حديث خلاني في السكن وزملاءِ في الفصل ونفسي على الفراش، لا أنسى ذلك اليوم حبن سلمني سكرتير القسم ((اليوزنيم )) اسم المعرف (( والباسورد )) الرقم السري
كانتا بالنسبة لي الذهب والفضة بل أغلى ، أنها تمكنانِ من الإبحار في محيط أنا ذاهب إليه ، والتنجوال في عمق أنا متلهف إليه
هرعت إلى أقرب (( لاب )) معمل وفتح الشباك ويندوز ونقرت الكشاف إنترنت اكسبلورر، فقال الكشاف لن أتيح لك الطريق حتى تدفع (( يوزنيم والباسوورد )) الرقم السري والمعرف
وبكل سرعة وبكل شغف بذلت ولو سألني لما بخلت كل ذلك حباً فيك يا إنترنت
وهاهي اللحظة الحاسمة تقترب، لحظة الغوص في الأعماق والطيران في الآفاق لم يعد هناك شيء يمنعني سوى زر صغير مكتوب عليه (( او كي )) تذكرت كلاماً نفيساً قاله لي صديق منذ أيام
قال لي : أن الكنوز والمجوهرات متناثرة في قاع المحيط ، وأنه من المستحيل أن تحصل على بغيتك دون الإستعانه بمحرك البحث (( سيرش )) وهناك أجهزة كثيرة وأعطاني اسم جهاز لا أنساه وحتى إذا نسيت اسمه فاناديه بأعلى صوتي (( ياهووووو )) ، فأذا ظفرت به فأنه سيدلني ويرشدني وأنه عفريت يطيع الأمر وينفذ الطلب ويأتيني بما أشاء ، وقال لي لا تطلب منه إلا ما ينفعك ويرفعك وإياك أن تطلب منه ما يضرك ويضعك، واعلم أن لنفسك عليك حقاً ولجامعتك عليك حقاً ولربك عليك حقوقاً
وبالفعل فقد بدأت بالإستخدام وأكتب في محرك البحث فيأتيني بالأشياء ، وفي البداية وفاءاً لنفسي وصديقي المخلص، سمعت كلامه وتذكرت ما طلبه
وكانت لي ماده أنا متخلف بها ، فأعطيت عفريتي أسم الماده واسم الكتاب ، فجائني بالكتاب وصورة المؤلف وعنوان بريد المؤلف
وقلت في نفسي الآن أنا لست بحاجة إلى مدرسي في الجامعه ، فهاهو مؤلف الكتاب معي الآن على الشبكة ، أسألوه عبر البريد الإلكتروني ما أشاء
وهكذا توالت الأمور ، وفجأة نظرت إلى ساعتي، ما هذا أمضيت ثلاث ساعات أمام الشاشه وكأنما هي ثلاثة دقائق
وتذكرت كلام صديقي المخلص ، واعلم ان لنفسك عليك حقاً ، عدت إلى السكن
وهبطت من الآفاق وصعدت من الأعماق ، أنا في طريقي إلى السكن أمشي بجسمي ، لكن عقلي ليس معي ، أحس بنشوة وفرحه
لم يعد عقلي إلى جسمي إلا لما عاد جسمي إلى غرفتي
فتحت الباب فوجدت ثلة من أصدقائي أتوا لزيارتي ، كانت فاكهه حديثنا الإنترنت
وبكل شغف وهمه بدأت أحدثهم عن تجربتي القصيرة مع الإنترنت ، ولكنهم لم يدعوني أكمل حديثي
قالوا لي بكل سخرية وإستهزاء ، إذا أردت الغوص في عالم المتعة وإشباع الرغبات فإنه هناك عفريت أقوى من عفريتك اسمه الحائط الناري فاير ول))ـ ((
فكلما أراد عفريتك جلب ما يسعدك منعه هذا العفريت ، ونحن نعاني منه وياليت الحائط ينهدم فنستريح وياليت تلك النار تنطفأ فنطمأن ، فقال أحدهم لكن لا عليك يا صديقي ، لكل مشكلة حل ، والحاجة أم الإختراع والقاع مليء بالجواهر وأعرف عناوين مجموعة كبيرة من المجوهرات إذا طلبتها ، جاءتك سراعاً من فوق الحائط الناري ، دون أن تتعثر أو تحترق وسأعطيها لك مجاناً
لكن لا تعطها إلا لمن تثق به أو تأمنه أو تستأنس إليه ، ,وإياك أن تدخل بالطريقة المعتادة ، فيرصد أسمك عند المسؤلين في الجامعة
ولم ينهي صديقي كلامه إلا وفي يده قصاصة من ورق عليها مجموعة من العنواين ، ناولني إياها خفيفة وودعني على أثرها بحرارة
وعدت إلى الفراش ، بدأت أفكر في الإنترنت كم أنا مغفل إلا يكفيني شرح مدرس الفصل حتى ألجأ إلى شرح مؤلف الكتاب في الأنترنت
ألا تكفيني المذكرات ، والمختصرات التي عندي ، حتى أبحث عن مصادر أخرى
دع الهموم واستمتع بالحياه ، غداً أبدأ صفحه جديده بعيد عن الدراسه وهمومها في الإنترنت ، ووبطأ وتتدرج فارقت عالم اليقظة ورحلت عالم الأحلام والصباح رباح
أستيقظت من نومي مبكراً الساعه السابعه والنصف عندي محاضره الساعه 9 هناك فراغ ماذا أفعل ، الطيران إلى عالم المتعة عبر الإنترنت ، بقي على الحصة لأستفيد من هذا الوقت هرعت إلى أقرب (( لاب )) معمل واخترت جهازاً في أبعد ركن حتى أكون في مأمن من الأنظار وأخرجت بخفية قصاصة الورق التي فيها عنواين المواقع اللذيذة
وأدخلت أول عنوان بكل لهفه وشوق ، أني أرى شاشه يطلب مني الدخول فقط إذا كان عمري يزيد عن 21 سنة ، لا شك أن هؤلاء قوم شرفاء ونبلاء أنهم يعطفون على الصغير ولا يريدون تشويش عقولهم بالدخول إلا ما لا يليق بهم ، بدأت أحسب عمري ،نعم أن عمري يزيد عن 21 إذا لا مانع من الدخول نقرت على كلمة (( انتر )) ـ
أن المنظر الذي شاهدته بعد ذلك لا أستطيع وصفه ، ولكن سأصف رده فعلي
أولاً أقفلت عيناي لا شعورياً ، وثانياً خرجت من فمي نصف كلمه وهي (( أستغ... )) غير معقول لعلي شاهدت خيالاً ، لكنها هي الحقيقة
لم أفكر يوماً من الأيام أن أرى صور كهذه ، كم أنا محظوظ الآن أنفتح أمامي عالم المتعه يا نفسي هذه فرحتك فتمتعي ويا عين هذه المناظر فشاهدي ويا أذن هذه الأصوات فاسمعي
وبدأت الإبحار في محيط اللذة وبدأت إدخال العناوين واحداً تلو الآخر ، مضت ساعه كأنها دقيقة ، عندي حصة الآن لكن لن أتخلى عن فرصة العمر لتذهب الحصص إلى الجحيم ، واستمريت في الغوص ومضت ساعات وفجأة تذكرت قول صديقي القديم ، واعلم ان لجسمك عليك حقاً
وقد بدأت أشعر بإرهاق شديد ، ولكن لن أتخلى عن فرصة العمر ، وضربت بنصيحة صديقي عرض الحائط
ومرة اخرى تذكرت نصيحة صديقي القديم ، وعلم ان لجامعتك عليك حقاً ، ان الابحار في عالم الإنترنت ليس مجاناً ، نعم هو مجاني بالنسبه لنا كطلاب والجامعة تتحمل التكاليف ، لكنها فرصة العمر ، واستمريت
وفجأة تذكرت قول صديقي مره ثالثه وأعلم ان لربك عليك حقوقاً ، كانت تلك الكلمة كالصاعقة
نعم لربي علي حقوقاً ، ألم يهب لي السمع ، الم يمنن علي بالبصر ، لماذا أستعين بنمعته على معصيه إذن
وتذكرت قول الباري عز وجل ( ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا))ـ ، وتذكرت قول ربي جل جلاله : - (( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا آبصاركم ولاجلودكم ولكن ظننتم ان الله لا يعلم كثيراُ مما تعلمون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم آرداكم فأصبحتم من الخاسرين )) وتذكرت قول الله يحانه وتعالى ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعلمون محيطا )) ـ
وهذه المره خرجت من فمي تلك الكلمه (( استغفر الله )) وعلى الفور أعرضت عن تكلم الصفحات وخرجت من ذلك المحيط المبوء
وألقيت بتلك القصاصه في سله المهملات أيضاَ فلا خير في صديق يريددني للمهالك
وحيا هلا بذلك الصديق الناصح الذي أفادتني عبارته الثمينة في ديني ودنياي0
جلست بجوارها في إحدي الحلقات، وحين بدأت تتلو بعض الآيات ...لم أتمالك نفسي، بكيت وكأنها أول مرة أبكي فيها... لم يفهم الحضور لماذا كنت أبكي. فأختي في الله لم تكن تتلو إلا سورة القدر. ولكن سبحان الله كأن الكلمات سياط تمزق احشائي كلما تفوهت هي بكلمة ازددت في البكاء.
كيف بعدت كل هذا البعد عن ديني. صوتها عذب صافي تستريح له الآذان وتنشرح له الصدور. وكنت أستمع ولكن التلاوة انقطعت وسمعت صوتها يقول عودي يا أمة الله الي الله ولا تعودي إلى ماكنت عليه. مسحت دموعي ونظرت إلى وجهها المضيء وتعجبت ... ما زالت تتلو نفس السورة والحضور يستمعون لها بإنصات ..ألم يسمعوا ما قالت؟
انتهت الحلقة ولكني لم أسمع شيئا ... كل ما كان يتردد في ذهني هو صوتها العذب يقول : عودي يا أمة الله إلى الله ولا تعودي إلى ماكنت عليه.
في صباح اليوم التالي استيقظت مبكرة ....فتوضأت وصليت وجلست أسترجع الأسابيع والشهور الماضية وكيف تبدل حالي. قبل شهور كان ذهابي إلى المسجد قليلا. دائماً أتهرب بحجة أني منهكة من كثرة العمل وضيق الوقت.
الحقيقة هيّ أنني لم أكن أحب الذهاب لشعوري بنقص كبير بين هؤلاء النسوة. يتكلمن في أمور الدين الذي أصبح شيئا ثانويا بالنسبة لي . بهرتني أمريكا والحرية التي فيها التي طالما تقت إليها منذ الصغر..أو هكذا ظننت...أمريكا بلد الحرية!!
لم يكن الانتقال مفاجئا بل تدريجيا...رويدا رويدا تخليت عن هويتي واندمجت مع المجتمع الامريكي. قل عدد معارفي من المسلمين وتضاعفت الأعداد من غيرهم. بدأت أحضر حفلاتهم وأشارك فيها بل قد أقوم بالمساعدة في تنظيمها وإعداد العدة لها. ودخلت ميدان العمل وزاحمت الرجال على المناصب العالية إلى أن وصلت إلي منصب مساعد رئيس مجلس الإدارة لأحد البنوك. ومرت الأيام والشهور والأعوام وأنا على هذا الحال تطحننى رحى الحياة الأمريكية. أخرج مبكراً من البيت وأرجع في الساعات المتأخرة ولكن لما الشكوى هذه هي الحرية الأمريكية !! لا وقت للراحة.
استمر الوضع على هذا الحال إلى أن رجع زوجي في يوم من الأيام من المسجد ليخبرني أنه خلال شهر رمضان سيكون بالمسجد إفطار جماعي يومياً وإن العائلات المقيمة بالمنطقة تتسابق للمشاركة في إفطار الصائمين. وسألني ان كنت أريد أن أحدد يوماً لنفطر فيه الصائمين. ضحكت ملء فيّ وأخبرته أن وقتي ضيق بسبب العمل ولن أستطيع أن أفعل ذلك ولكن لا مانع من الذهاب للإفطار في المسجد فهذا شيء طيب لأنه قد يصعب علي إعداد الطعام في وقت يتناسب مع موعد الإفطار.
وبدأ شهر رمضان وبدأت أذهب إلي المسجد يوميا. وبدأت في التعارف على الأخوات ووجدتهن ذوات أقوال عذبة، كثيرات الدعاء، ليس لهن في القيل والقال. أحسست معهن براحة لم أحسسها من قبل، أصبحت أنتظر بفارغ الصبر انتهاء وقت الدوام حتى أنطلق إلي المسجد للقاء الأخوات والجلوس معهن والاستئناس بهن. بدأت الشهر باحثة عن من يريحني من عناء الطهو بعد يوم طويل في العمل وانتهيت بعد أيام قلائل إلى البحث عن الصحبة الطيبة سواء كان هناك طعام أم لا. سبحان مغير الأحوال.
وما أن انتهي الشهر حتى وجدت نفسي تتوق إلى الحلقات الأسبوعية ووجدتني أحس بالراحة خارج إطار العمل و بالضيق وأنا بداخله. وقررت أن أتخذ خطوة أخرى ألا وهي ارتداء الحجاب. فبعد مناقشات عديدة مع الأخوات علمت أن الحجاب ليس من العادات كما سمعت من الكثير ولكنه فرض لا بد من تنفيذه. ووضعت "الإيشارب" علي رأسي وذهبت لأودع زوجي قبل الذهاب إلي العمل. وما أن رآني حتى بدأ يقبلني ويبكي في آنٍ معاً وكأنه طفل صغير ويقول بين شهقاته "الحمد لله....الحمد لله ....هذا ما أردت منذ زمن بعيد."
بدأت معاملاتي وتصرفاتي تتغيير . لا أكثر الكلام فيما لا فائدة فيه وأحرص كل الحرص على حضور الحلقات. وأصبحت أكثر من الاستماع إلى الدروس والمحاضرات وأشرطة القرآن المسجلة. وكم كانت سعادتي كبيرة يوم أتلفت أشرطة الأغاني أو استخدمتها في تسجيل تلاوات مختلفة. وبدأت ابتعد كل البعد عن "أصدقائي" من الكفار وأتقرب أكثر وأكثر إلى أخواتي اللواتي أحببنني في الله . وبالرغم من كل هذا كان هناك شيئاً ينقصني ولم أكن أدري ما هو حتى أعطتني أختي الحبيبة "أمة الرحمن" مطوية بها آيات وأحاديث حول الربا. وفجأة علمت ما ينقصني. عودتي لم تكن كاملة. فأنا ما زلت أعمل في ذلك البنك في منصبي العالي وأوقع وأوثق مستندات القروض الربوية يمنة ويسرة.
قرأت تلك المطوية بتمعن قبل ذهابي إلى الحلقة مباشرة وهذا ما أبكاني. ولم يكن أحد يدري لماذا بكيت . لم تكن سورة القدر خاصة ولكن مدوامتي على قراءة كتاب الله عامة هو ما جعلني أفيق لنفسي واتخذ القرار الحاسم ...تركت منصبي العالي في هذه الدنيا الزائلة رجاء أن يبدلني الله مكانا خيراً منه في الآخرة. تركت المنصب لا لشيء إلا ابتغاء وجه الكريم.
التفت حولي صديقات السوء ليشككونني في قراري. منهن من قلن: تتركين هذا الدخل الكبير
وأخريات يقلن الآن تشحذين من زوجك؟
وأخريات يقلن تجلسين بين أربع جدران يوميا؟!
إنه شيء عجيب...عندك الحرية وتنبذينها...ياليت لنا فرصة مثل التي عندك!! ولكني والحمد لله تمسكت بقراري و داومت علي أن أذكر نفسي بأن " ..وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه..." (الطلاق 2-3)ُ. والحمد لله رزقنا الله الكثير وبارك لنا في أشياء لم تكن في الحسبان.
وها أنا الآن بعد أعوام عديدة من ذاك اليوم أحمد الله وأشكره علي فضله وكرمه ومنه....لم أندم يوماً على الراتب الذي انقطع أو على الحرية المزعومة. ولكني ندمت أشد الندم على الوقت الذي أضعته بحثاً عن الحرية الزائفة. ومايخفف عني هو تذكري لقوله تعالى: "قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر 53).
فسبحان الله وجدت حريتي في العودة إلى الله وفي عباءتي، وجلبابي وخماري ونقابي. حريتي في اعتزازي بهويتي الإسلامية وليس في تقليد الغرب. أيقنت بعد مضي الكثير من عمري أن الحرية الحقة هي العبودية التامة لله تبارك وتعالى.
فيا من يعيشن في بلاد الغرب اعلمن أنه لا سعادة إلا بالرجوع إلى الله فلا تبهركن أضواء الغرب، فهي تحرق من يلتف حولها .ويا من يعشن في بلاد الإسلام احفظن عليكن دينكن ولا يستهوينكن الشيطان، فأنتن في نعمة يتمناها الكثيرون.
وختاماً أسأل الله السميع المجيب أن يبارك لي ولكنّ فيما بقي من أعمارنا وأن يتقبل توبتنا وأن يثبتنا على طاعته وأن يبدل سيئاتنا بحسنات وأن يظللنا بظله يوم لا ظل إلا ظله. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أحسن الخلق أجمعين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه إلى يوم الدين.
أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا...
ويُقال انها قصته الشخصية: لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت
أذكر تلك الليلة بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.
أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه..
أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني.
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق...والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع
كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد…أنا تعبة جداً ..
الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع .
حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها.. فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني.
بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي.
صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم.
قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..
دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..
لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..
خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً.
اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها.
كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً.
أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه !
كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي..
فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً.
مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.
كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة
بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر.
في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل
فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!
إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات
مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه
وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!
حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين.
ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!
وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته.
رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.
أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد.
ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.
أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..
قال: نعم ..
نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟
قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..
قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..
دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.
لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل.
استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..
بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة >..
حتى وجدتها.
أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه مغمضتان ... ياالله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ... فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...
لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !! ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.
عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..
من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء.. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على نعمه.
ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة. تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض... لكن حدث العكس !
فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً.
توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...
تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ... آآآه كم اشتقت إلى سالم
تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.
كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..
قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ...وسكتت...
أخيراً عدت إلى المنزل. طرقت الباب.
تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.
تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟
قالت: لا شيء .
فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟
خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها...
صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ...عند الله...
لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.
عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده ..
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله