الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
فإني لا أرى كلمات أحق بالسماع وأولى بالتأمل من كلمات الأذان ، ولا أرى داعيا أقرب إلى الرشد من المؤذن ... إن الكلمات الجهيرة المدوية في الآفاق ، تذكير بالله وحقوقه ، وتذكير بالعمل الذي خلقنا من أجله ، إنها مناشدة لأبناء آدم أن يعرفوا الصراط المستقيم ويثبتوا عليه ، وأن يحذروا السبل المعوجة وينأوا عنها :
عندما يقول المؤذن (( الله أكبر ، الله أكبر )) ويؤكدها ، فكأنه يقول للإنسان : لا تدر حول نفسك ، واذكر من رباك وسواك ، واجعله غايتك من مسعاك ، يبارك لك في وقتك وجهدك (( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه )) الشورى 20 .
وعندما يقول (( أشهد أن لا إله إلا الله )) ويكررها مرة أخرى ، فكأنه يقول للإنسان : لا تخش آلهة أخرى في الأرض ، الأمور كلها صائرة إليه وحده ، يبتّ فيها ، ولا رادّ لحكمه ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، فانتصبْ عزيز النفس ، رفيع الرأس ، واذهب لتسجد لله ، فإنك لن تذل بعده لأحد .
وعندما يقول (( أشهد أن محمدا رسول الله )) ويكررها مرة أخرى ، فهو يرسم أمام بصيرتك صورة الكمال الإنساني لتقتدي به ، وتقتفي آثاره ، محمد وحده الأسوة الحسنة في الإيمان ، والتقوى ، والخلق ، والاستقامة .
وعندما يقول (( حي على الصلاة )) ويكررها مرة أخرى ، فهو يدعوك لتتشرف بالمثول بين يدي ربك كي تسبح بحمده وتستزيد من رفده ، وتشترك مع إخوان العقيدة في التجمع عليه والتحابّ فيه
وعندما يقول (( حي على الفلاح )) ويؤكدها مرة أخرى ، فهو يدلك على الجهد المثمر ، والسعي الناجح ، فما أكثر الذين يزرعون ولا يحصدون ، أو يمشون ولا يصلون ، أما أهل الصلاة فلا يضيعون (( وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم )) الحج 54 .
وعندما يقول مرة ثالثة (( الله أكبر ، الله أكبر )) فهو يؤكد الغاية الصحيحة من الحياة ، والكدح طوال العمر .
إن المرء يخرج من بيته لعمله ، وليحصّل ما يقدر عليه من نفع لنفسه وأهله ، وصيحة التكبير التي يسمعها تهيب به أن يقصد ربه ، ويجعل له عمله ، وعندما يقدّم نفسه لربه فسيجدها موفورة معذورة ، أما من آثر نفسه ، فسيفقدها (( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم )) الحشر 19 .
ويختم الأذان بصيحة التوحيد ، لإسقاط الوثنيات كلها ، إن العالم الآن لا ينحني لصنم من حجر ، ولكنه يتفانى في أصنام حية قامت شواخص مهيبة في دنيا الحكم والمال ، وخافها الناس أكبر مما يخافون رب الأرباب .
إن كلمات الأذان منهج كامل ، ودعوة تامة ، ما يمكن أن يغني عنها بريق نار ، ولا رنين جرس ، ولا صفير بوق .
إنها هتاف من الملأ الأعلى ، يهيب بالبشر أن يرجعوا إلى أصلهم السماوي العريق .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم