يا أبتي : سمعت أن شابا صغيرا مرَ بجواره شيخ كبير ، فوجده يبكي . فقال الشيخ للشاب : ما لك يا بني رحمك الله تبكي ؟؟ فقال الشاب : رأيت أمي تشعل التنور بصغير الحطب ، فخشيت أن يشعل الله بي و بأمثالي نار جهنم يوم القيامة ، فذلك الذي أبكاني ..... يا أبتي : لماذا لا أحس بما يحس هذا الشاب ؟ و لماذا لا أعيش كما يعش ؟ لأنك يا أبتي _ و بكل صراحة_ ما ربيتني كما تربى و لا علمتني كما تعلَم ..... و اسمح لي _ يا أبتي _ أن اقسوا في العبارة قليلا ، يشجعني على ذلك حلمك بي و عطفك عليَ و استماعك الجميل لي ....... إنك ربيتني لأكون عبدا للدنيا فعليها اعيش ، و من أجلها ألهث و في سبيلها أغالب ، فهي محط آمالي و منتهى أحلامي ، و لم تربني لأكون عبدا لله كما يحب الله ، أستعد للقائه و أومن بقضائه ، و أقف مذعنا عند نهيه ... و هل خلقت الدنيا إلا من أجل الآخرة ؟؟؟؟؟ و سأبرهن لك ذلك بمثال ، و إن كانت الأمثلة كثيرة : فأنت تذكر _أيها الحبيب_ عندما تأخرت عن المدرسة يوما بدون عذر ، و لم أصلي لله ركعة واحدة في ذلك اليوم ، و أنت على علم بهذا .... إنك يا ابتي عاقبتني على تأخري على المدرسة و لكنك لم تعاقبني و لم تلمني مجرد اللوم على عدم صلاتي و وقوفي موقف العز بين يدي خالقي و مولاي ....... فهل تريدني أن أهتم بالدنيا أكثر من الدين ؟؟ و هل ترغب أن أخاف منك أكثر من خوفي من الله تعالى ؟؟ و هل تبتغي أن أعمر دنياي و أخرب آخرتي ، فأنتقل من العمار إلى الخراب عندما ينتهي زمن المهلة و يأتي زمن النقلة ؟؟؟ لماذا حذرتني _يا أبتي_ من سخطك و عقابك ؟ و لم تحذرني و تنذرني من سخط الله و عقابه و أليم عذابه ؟ أكانت الدنيا أحب إليك من الآخرة ؟ أم كان الحطام الفاني العاجل خيرا عندك و أحب إليك من النعيم الباقي الآجل ؟؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه و جمع له شمله و أتته الدنيا و هي راغمة ، و من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه و فرق عليه شمله و لم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ." ....... و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت و هو غاش لرعيته ، إلا حرَم الله عليه الجنة ." . ......