مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 16-03-2006, 04:00 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

عذرأ أخواتي و أخوتي على هذا الإنقطاع..
إنما تحتم علينا الظروف ما لا نريد..
سأعود لأكمال القصص بإذن الله قريباً..



أخوكم
محمد
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 20-03-2006, 02:25 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

لاحت رؤوس الحرابِ..تلمع فوق الروابي
هيّا لحفظ المبادي..هيّا فتوّة للجهادِ..
هيّا .. هيّا .. هيّا..
هيّا فتوة للجهاد


هذه الأنشودة الحماسية كانت الإشارة التي تبث في الإذاعة إلى فدائيي صدام للتجمع في مواقعهم. بالرغم من إرتباطها بالذكريات الأليمة سواءٌ في حرب عام 1991 أو في هذه الحرب، لكنني كنت و ما زلت أحب هذه الأنشودة..
سأروي لكم الآن معركة المطار كما رواها لنا أحد أفراد حماية صدام حسين..و العهدة على الراوي..
إقتباس:
في منتصف ليلة السبت 5-4-2003 كان هنالك اجتماع لصدام حسين بمن تبقّى من قادة الحرس الجمهوري الخاص في جامع أم الطبول (حالياً ابن تيمية) في منطقة اليرموك في بغداد و الواقع على نهاية طريق المطار و بداية طريق القادسية السريع المؤدي إلى القصور الرئاسية.و صار القرار أن يكون الزحف باتجاه المطار صباح السبت و بمساندة عدد قليل من فدائيي صدام. إلا أن فدائيو صدام رفضوا أن يشارك بعضهم فقط في المعركة و أبَوا إلا أن يشتركوا جميعاً. فكان القرار بذلك.
و توجّه الحرس الخاص و الفدائيون بالباصاتٍ لنقل المشاة لأنه لم يتبقّ لدى الجيش العراقي العدد الكافي من ناقلات الجنود لنقل كل جنوده . و كذلك للتمويه عن الجنود.
و عندما اقتربت القوات العراقية و بدأت المواجهة. كان الجنود العراقيون يُدركون أنهم ذاهبون إلى حتفهم و حاول سوّاق الباص برفع معنوياتهم بتشغيل أغنيةٍ وطنية لهم هي:
لا..لا..لا..
لا والله يا صدام..
نوكع زلم فوق الزلم..
و لا ما نطخ الراس..
هاذي الكاع ما تنداس..
و بدأت الإشتباك بين قوات الحرس الخاص و الأمريكان و بدأ الفدائيون بالإشتباك أيضاً مع قوات العدو بشكل غير مسبوق..فقد كان الفدائي يركض و سط الرصاص في الأرض الحرام باتجاه العدو حاملاً سيفاً و مجموعة صغيرة من القنابل اليدوية..و يعود بعد عدة دقائق إلى جهة القوات العراقية حاملاً رؤوس عدة أمريكان..!!!!
أخذت الحرس الخاص الحميّة و الغيرة فقرروا الدخول بقوةٍ..و استمرت المواجهات لعدة ساعات تراجع فيها الأمريكان بسبب شدة الهجمة العراقية و استمرار القصف المدفعي العراقي على القوات الأمريكية.
كان جزء من القوات العراقية قبل الإنزال الأمريكي قريباً من الحدود الخارجية للمطار كجزء من خطة تطويق بغداد لمنع إختراقها. شاركت هذه القوات أيضاً في إحكام الطوق على الأمريكان.
و بعد تكبّدهم خسائر كبيرة..قام الأمريكان باستدعاء الطائرات المروحية "Chenoke" لتأخذهم إلى خارج المطار..و من لم يستعجل في الهروب من الأمريكان كان نصيبه قطع الرأس على يد فدائيي صدام..!!
و عند منتصف اليوم شاهدت بأم عيني سيّاراتٍ للشرطة العراقية تدور في الشوارع و فيها فدائيو صدام يحملون حرباتٍ معلّقٌ بأعلاها رؤوسٌ الجنود الأمريكان..!!!
كانت سيارات الشرطة تعزف إحدى الإغاني الوطنية التي حُفرت فينا منذ الصغر بصوتٍ عالٍ جداً..
"و تظلي دايماً فوق..منصورة يا بغداد..
و نشوفك بعز دوم..منصورة يا بغداد.."

يا إلهي..
إننا نسحقهم..

ثم جاءت شاحنةٌ كبيرةُ محملة بالأسرى من الامريكان..!!!
دارت هذه الشاحنة بصحبة سيّارات الفدائيين في المناطق الغربية من بغداد و توقّفت عند جامع "المُلا حويش" في حي الجامعة و أخذ الناس يرمون الأسرى بالحجارة..
يا الله..
يا الله..
النصر مُمكن؟؟

و في هذه الأيام..و في مكانٍ آخر من العراق..في الجنوب..
كانت قيادة عمليات الجيش سُلّمت إلى شخصٍ لا علاقة له بالحرب و لا بالجيش..قصي صدام حسين.
كان قصي صدام حسين قبل الحرب مديراً لجهاز الأمن الخاص. الذي يُعني بالأمور الأمنية ذات الأهمية العالية. و لم يكُن قصي كثير الظهور مثل أخيه الأكبر عدي الذي كان يظهر كل يوم على شاشات "تلفزيون الشباب" الذي كان هو مالكه.
كان قصي أبعد ما يكون عن الحرب و قيادة الجيش. و كان الجيش العراقي يحارب هذه الحرب من دون غطاءٍ جوي و بتفوق جوي ملحوظ للأمريكان. و كل ما كان يفعله قصي هو إرسال الجيش ذهاباً و جيئةً بين محافظات الجنوب..و بين محافظات الجنوب و بغداد..مما كان يسبب بخسائر كبيرة جداً في الجيش نتيجة الزيارات غير المنقطعة لقاصفات بي-52 للجيش العراقي أثناء نقله.
كانت هذه التصرفات من جانب قصي صدام حسين تصرفاتٍ غير مدروسة كانت من الأسباب الكثير لخسارة الحرب. فعندما يسمع المقاتلون أن فيالقاً كاملةً في الجنوب العراقي سُحقت عن بكرةِ أبيها لا يستطيعون أن يُقاتلوا بعد. كان الجميع يعلم أن هذه الحرب لم تكُن حرب ككل حرب. إنما كانت هذه الحرب حربَ إرادات. فأما أن تتفوق نفسياً..أو تخسر الحرب.

خرجنا إلى الشوارع..رأيت وجوه الناس مبتسمةً مرّةً أخرى..لم تزل الحرب مستمرة..إلا أنك لا تستطيع أن تخفي فخرك بما فعلته القوات العراقية في ذلك اليوم.

بعد ظهر ذلك اليوم..

كان الأمريكان لا يزالون متواجدين في منطقة أبي غريب و الطريق المؤدي لها. بدأت المدفعية الأمريكية بالقصف و التقدم باتجاه بغداد..و بدأت القوات العراقية ترد عليها بالمدفعية أيضاً..
ثم بدأت القوات العراقية بالتراجع..و القوات الأمريكية بالتقدم..
و بيتنا في وسط هذه المنطقة..!!
كنا نرى القصف الأمريكي باتجاه القوات العراقية و القصف العراقي باتجاه القوات الأمريكية..و نحن في الوسط. كان موقفاً صعباً جداً..
تملّكني خوف شديد..و لم أعلم سبب هذا الخوف..هل هو الخوف على نفسي أم الخوف أمي و أخي الصغير و بقية أهلي.
كان صوت القصف يوتّر أعصابي..
و لكن لم يكُن أمامنا حل سوى الإنتظار..دون أن نعلم ماذا ننتظر..هو ربما الموت..و ربما النصر..و ربما الهزيمة..
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 23-03-2006, 02:23 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا :.:.: و حسّب المنايا أن يكُنّ أمانيا


صباح يوم الإحد..فتحت باب بيتنا، فوجدتُ أحد مدافع الحرس الجمهوري عند باب البيت..!!!
يا إلهي..لقد اقترب الوعد الحق..
توتّرت أعصابي أكثر و أكثر. كنّا نعلم أن القطعات العسكرية بين البيوت تعني المزيد من القصف. القصف الأمريكي بالصواريخ "الذكية" التي بدأت تزداد غباءاً شيئاً فشيئاً. بدأ القصف الأمريكي يحصد أرواح الناس الأبرياء. كلّما تجرّعوا المرّ من القوات العراقية كانوا يزدادون وحشيةً في قتل العراقيين الجنود و غير الجنود.

في خضم هذه الأحداث المتداعية، لم أعد أستطيع احتمال هذا الوضع أكثر. قررت أن أخرج من البيت. و طلب مني أبي أن أذهب إلى بيت أحد أصدقائي البعيدين جداً عن بيتنا و أن أبيت الليلة عنده لأن أبي لاحظ توتّر أعصابي الشديد.
خرجتُ من البيت..و بكل براءةٍ أوميت بيدي لسيارة تاكسي مرّت بين سيّارات الحرس الجمهوري..و سائق التاكسي توقّف. و صعدت معه و أخبرته أني أريد الذهاب إلى منطقة الكرّادة إلى بيت أعز أصدقائي "محمد". و في وسط القصف و أصوات المدافع..ذهبت إلى الكرادة.
و لو تعلمون الطريق الذي مررت به ذاهباً إلى الكرادة لأتهمتموني و سائق التاكسي بالجنون. فالطريق بين منطقتنا و الكرادة يمر بطريق المطار أولاً ثم بطريق القادسية السريع ثم بالقصر الجمهوري وصولاً إلى الجسر المعلّق في وسط بغداد و عبور نهر دجلة إلى الكرادة..!!!
و ربّما لا تصدقون..ولكن قبل أذان المغرب ذلك اليوم قام الجيش الأمريكي بالإنزال على كل هذه المناطق التي مررت بها و بعد مروري بها بساعات.
وصلت إلى بيت محمد صاحبي عند الساعة الحادية عشرة صباحاً. و فرح محمد برؤيتي أكثر من فرحته برؤية أي أحد بحياته. إذ إن الإتصالات بيننا انقطعت منذ فترةٍ و قد وصلته الأخبار عن إنزال المطار و ما تبعه من قصف و مواجهاتٍ عنيفة في المناطق المجاورة.
خرجنا سويّاً بسيارة محمد و قمنا بجولةٍ مجنونةٍ في بغداد بين القوات العراقية التي كانت تبدو صامدةً في وقتها. ذهبنا إلى العديد من المناطق نتفقد أحوال أصدقائنا. و عند الساعة الثالثة ظهراً سمعنا بإعلان في الراديو ينص على فرض منع التجوال إبتداءً من الساعة الخامسة عصراً في ذلك اليوم. و فيما بعد..فهمت سبب هذا القرار..
فسألني محمد إذا ما كنت أريد العودة إلى البيت أو المبيت عند محمد لأن الوقت يداهمنا و نحن نقترب من الساعة الخامسة. من الطبيعي أني قررت مخالفة طلب والدي بأن أبيت في بيت محمد صاحبي لأني لن أستطيع قضاء الليل بعيداً عن أهلي في مثل تلك الأيام العصيبة..خصوصاً مع الكابوس الذي كان يلازمني بأن بيتنا سوف يُقصف و سوف أكون الناجي الوحيد..!!!
كلما اقتربنا أكثر من بيتنا في العامرية غرب بغداد، كلما صارت أوضح و أوضح معالم القوات العراقية و المعارك الدائرة هناك..حتى وصلنا إلى بيتنا..
ترجّلت من السيارة و احتضنت محمد..و بكيت..
بكيت بشدّةٍ حتى أحسست أني لن أبكي على أحدٍ كذلك..
و كان آخر ما قلناه..
لا إله إلا الله..محمد رسول الله..

ما حدث صباح ذلك اليوم في مطار بغداد كان جريمة. جريمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فقد جرح العراقيون كبرياء الأمريكان بتحرير المطار صباح أمس..فلم يستطع الأمريكان إبتلاع الهزيمة دون رد فعلٍ قاسٍ. عندما لاحظ الأمريكان ضراوة مقاومة القوات العراقية..و بدأت القوات العراقية بتطويق الإنزال الثاني للأمريكان و بدأوا يحصدون رؤوس الأمريكان، قرر المجرمون أنهم بحاجة إلى الإمعان في الإجرام.
بعض القادة العسكريون أيّدوا القصة التالية لما حصل.
هنالك شبكة من الأنفاق تحت الأرض بين المطار و القصور الرئاسية في الرضوانية و كرادة مريم.و هذه الأنفاق كبيرة بحيث تكفي لدخول الدروع فيها. و بعد أن دخلها الأمريكان للوصول إلى القصور الرئاسية من المطار قام العراقيون بإغلاق جزء كبير من الأنفاق و قاموا بإغراقها بالمياه و بعد فترة قاموا إيصال التيار الكهربائي إلى الأنفاق..!!!
تستطيعون تصور عدد الأمريكان الذين قُتلوا في هذه العملية..
و في الخارج كانت القوات العراقية تحاصر الأمريكان حصاراً شديداً و تضربهم بقوة. بعد ذلك قام الأمريكان بالإنسحاب عن طريق طائرات Chenoke المروحية. ثم جائت الطائرات النفاثة و أظنها F-14 و قامت بقصف المطار بسلاحٍ يسمى "القنابل النووية التكتيكية". و هي قنابل نووية تغطي مساحات محدودة يمكن إستخدامها في أراضي المعركة. و البعض قال أن الأمريكان استخدموا القنابل الفراغية التي مزقت أجساد الجنود العراقيين و أبقت على البنايات. هذا بالإضافة إلى اليورانيوم المنضب الذي استخدمته القوات الأمريكية بشكل واسع في ضرب الدروع العراقية.
لا يهم نوع الأسلحة التي استخدمت..بالنسبة لي على الأقل..إنما المهم أن حصيلة هذه المعركة هي مجموعة من الكُتل الشحمية و العظام المحروقة و الدبابات العراقية المنصهرة...
هذا ما تبقى من الأبطال الذين حاربوا هناك..رحمة الله عليهم أجمعين..

و احتل الأمريكان المطار بعد ذلك..لأنه لم يبق شئٌ حي ليقاتلهم في تلك المنطقة..ولا حتى النخيل العراقي الأبي..

من هذه المعركة العنيفة..استنتجنا بما لا يقبل الشك. أن الأمريكان مستعدون أن يصلوا بهذه الحرب إلى ما هو فوق المعقول. و إن إحتلال بغداد سيكون عن طريق سحقها للأرض منطقةً تلو الأخرى.
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 22-04-2006, 02:00 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

الشمس أجمل في بلادي من سواها..و الظلام..
حتى الظلام هناكَ أجمل..فهو يحتضنُ العراق..


يوم الإثنين 7-4-2003 كان يوماً عصيباً آخر. في هذا اليوم كانت تبدو معالم إنتهاء "النزهة" التي تمتعنا بها لفترةٍ من الحرب. و ما أقصده بالنزهة هو محطات الوقود المفتوحة 24 ساعة يومياً و المخابز و الأسواق المفتوحة طيلة أيام الحرب. في هذا اليوم العصيب، فتحت باب البيت الخارجي و رأيت قطَعات الحرس الجمهوري تتخذ مواضعاً بين البيوت و في الشوارع..لقد جدّ الجد.
منذ ساعات الصباح الأولى و نحن نسمع أصوات الإطلاقات و المدافع. كان هنالك مواجهات عنيفة جداً بين القوات العراقية و قوات العدو في الأطراف الغربية من بغداد، في العامرية و أبي غريب و حتى على الطريق الدولي الذي يربط بغداد بالأردن و سوريا و ربما كانت الأعنف هناك.
كان ذلك اليوم مليئاً بلحظات الصمت. أقصد بلحظات الصمت اللحظات التي بين أن نسمع صوت صاروخٍ قادمٍ يقترب منا فنحبس أنفاسنا لنعرف وجهة هذا الصاروخ..ولا نستطيع التنفس حتى نسمع صوت إنفجاره في مكانٍ قريب.
"لقد بدأو بالإنتحار على أسوار بغداد الإعتبارية"..."لا وجود لعلوج الأمريكان في بغداد..أبداً"..هذه كانت آخر كلمات محمد سعيد الصحاف في آخر مرة زار فيها المركز الصحفي في فندق الميريديان في بغداد. كنا نعلم يقيناً أن هذا غير صحيح..فهذه المرة نحن في ساحة المعركة..نحن نسمع أصوات الإطلاقات تمزّق أجساد الجنود..و تُحرق قلوب الأمهات.
كلنا نعرف أن ثمن الحرّية هو الدم..و لم أزل أتمنى أن تكون هذه الدماء ضاعت في مواجهة صدام حسين لا في مواجهة المحتل..حتى تبقى أرضنا عزيزة كما كانت دائماً.
كان أحد أصحابي يقول لي دائماً.."لا تحزن إذا ما احتل الأمريكان العراق..فحروب الشعوب مع المحتلين دائماً تنتهي لصالح الشعب..على مر التأريخ..بينما حروب الشعوب ضد الطغاة..لا تنتهي دائماً لصالح الشعب". عبارةٌ تبدو صحيحةً..ولكن لا شئ في العالم يمكن أن يُقنعني بالقبول بالإحتلال. فأنا عراقي..و إن كنت أرفض أن أأتمر بأمرة أخي الكبير..فهل سأأتمر بأمرة الخنزير الصليبي الذي يدّعي أنه ممثل الله في الأرض؟؟
ليل يوم الإثنين و حتى صباح الثلاثاء كان نهاراً. لم نستطع الجلوس حتى ولن أقول النوم في تلك الليلة بسبب كثرة القصف و إقترابه. بدأنا حتى بسماع أصوات قذائف الدبابات الأمريكية تمزّق جسد بغداد الحبيبة شيئاً فشيئاً. و طائرات الـA10 تحوم فوقنا تضرب كلّ ما هو متحرك.
عسكر مجموعةٌ صغيرةٌ من قوات الحرس الجمهوري عند باب بيتنا. بدل أن يُشعرنا هذا بالأمان لوجود قواتنا، كان يُشعرنا بالفزع لأننا على يقينٍ أن طائرات العدو لن تترك أحداً منهم و سوف تقصفهم. و إن قصفتهم و أصابت فتلك مصيبة و إن قصفتهم و أخطأت فالمصيبة أكبر..و الله وحده عليمٌ بمصيرنا في الحالتين.
لم نكن نملك في تلك الليلة العصيبة غير الصلاة و الدعاء و قراءة القرآن الكريم..ألا بذكر الله تطمئن القلوب. لا أعلم كيف مرّت هذه الليلة العصيبة..ولكني أتذكر أن المجموعة الصغيرة التي كانت عند باب بيتنا تحدّثوا بأشياء لم أكن أفهم منها الكثير بسبب صوت القصف..و لم أسمع إلا في النهاية قولهم "الله أكبر"..و تحركوا سريعاً إلى الشارع الرئيسي ثم سمعنا صوت إطلاقات نارية شديدة كنا نميزها بأنها صوت الرشاشات نوع كلاشينكوف العراقية..و أغلب الظن أنها كانت نفس المجموعة في مواجهةٍ مع العدو..ثم سمعنا صوت صاروخ سريعٍ و إنفجارٍ كبير جداً..هزّ أركان البيت...
ثم انقطع صوت هذه المجموعة رحمة الله عليهم أجمعين..و وجدنا بُقيا من سيّارتهم العسكرية و خوذةِ أحدهم رحمة الله عليه و قد حطّت في حديقة بيتنا.

صباح يوم الثلاثاء رأينا سيّارات الشرطة تدور مسرعةً في الأزقة و الشوارع و تحدّثنا عبر مكبرات الصوت بأن نلازم البيوت. إستمر القصف و المواجهات العنيفة حتى أذان المغرب يوم الثلاثاء..
كنّا نسمع الأخبار من إذاعة بي بي سي و إذاعة مونتي كارلو..
إنزال القوات الأمريكية في معسكر التاجي..في القصر الجمهوري.. في ابي غريب .. على الطريق الدولي غرب بغداد..في شارع الزيتون المؤدي إلى القصور الرئاسية..في قصر الرضوانية..!!!
ما الذي يحدث؟؟
هل هذا الكلام صحيح؟؟ أين القوات العراقية؟؟..؟؟

في ليل الثلاثاء حتى صباح الأربعاء..لم نسمع صوت إطلاقة..!!!
إستطعنا النوم لأول مرة منذ بدء الحرب..
نمت و في ذهني تساؤلات عديدة..ماذا يحدث؟؟
ما هي خطّة صدام حسين؟؟


و صحوت صباح يوم التاسع من نيسان..عام 2003...
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
  #5  
قديم 25-04-2006, 02:23 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي إحتلال بغداد

مادام يحكمنا الجنون
سنرى كلاب الصيد تلتهم الأجنة فى البطون
سنرى حقول القمح ألغاماً وضوء الصبح ناراً فى العيون
سنرى الصغار على المشانق فى صلاة الفجر جهراً يـُصلبون
ونرى على رأس الزمان عويل خنزير قبيح الوجه
يقتحم المساجد والكنائس والحـُصون


يومٌ ليس ككُل الأيام. يوم أطول من باقي الأيام و أسوأ. إنه صباح التاسع من نيسان عام 2003.
صحوت صباحاً على صوت الراديو..
"الدبابات...الدبابات الأمريكية...ها نحن نشاهد الدبابات الأمريكية في ساحة التحرير في بغداد...ساحة التحرير..الدبابات الأمريكية تطأ أرضاً لم يطأها المحتل منذ أكثر من سبعين عاماً..
أحمد صبري..بغداد..راديو مونتي كارلو"...!!!
ركضت مُسرعاً و كنت أتخيل أني لم أزل نائماً، سألت أبي:"ماذا حدث؟؟".أجباني بصوت متحشرج:"أعتقد أن الحرب انتهت".
ظللتُ واقفاً في مكاني لا أستطيع الحِراك. و والدتي لا تفتأ تقول:"بالتأكيد لم تنتهِ الحرب..هذا الذي يحدث هو جزءٌ من الخطة". ظلت والدتي تردد هذا الكلام عدة مرات و دموعها تنزل دون أن تستطيع السيطرة عليها. و استمرت الأخبار تتوالى..
سقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وسط بغداد..!!
لا أثر للجيش العراقي في أي مكان..!!!

ما الذي يحدث؟؟
أخذت أفكر أنه ربما هذا الذي يحدث جزء من خطة الجيش العراقي، مثلاً أن ينسحب الجيش من الرصافة و يتمركز في منطقة الكرخ للحرب. ذلك أن كل ما يتحدثون عنه في الأخبار يحدث في مناطق من الرصافة. ربّما ستتحول الحرب إلى حرب شوارع غير تقليدية..ربّما .. و ربّما..و ربّما...
كنت أتمنى كل ذلك و أدرك بعقلي أنه مستحيل الحدوث. بغداد محتلّة...ولا شئ من امنياتي سيغير ذلك.

خيبة الأمل..هذا هو ما يصف الشعور الغالب في نفسي. خيبة أملٍ كبيرة جدّا. ليس لأنني كنت أرى صدام حسين قائداً فذاً..فأنا عراقي و أعرف الحقيقة. و لكني كنت أتمنى أن نتخلص من صدام حسين و في جعبتنا الشئ اليسير من الكرامة، لا أكثر و لا أقل.
شعورٌ غريب..شعور بالفرحة للتخلص من صدام حسين، و شعور بالأسى لأن وطني و حبيبي الأول صار محتلاً و انتُهك و اغتُصب، و شعور بالغضب..الغضب من صدام حسين لأنه تخلى عن الوطن بسهولة، و الغضب من الأمريكان لأنتهاكهم حرمة وطني، و الغضب من نفسي لأني لم أفعل شيئاً حيال ذلك..!!
أين رجال الحرس الخاص و الحرس الجمهوري و الجيش؟؟
أين رجال حزب البعث؟؟
أين رجال جيش القدس؟؟
أين رجال فدائيي صدام؟؟
هل هرب الجميع؟؟ هل هذا العمل مخطط له سابقاً؟؟ هل نحن المشاهدون الوحيدون لهذا الفلم و كل العالم ممثلون؟؟
هل كل من مات مُدافعاً عن العراق في هذه الحرب مات لقضيةٍ خاسرة؟؟
ما ثمن هذه الدماء التي سُفكت في أم قصر و البصرة و الناصرية و الديوانية و كربلاء و النجف و الحلة؟؟
هل كان قتالهم لا داعي له لأننا سنُفقدَ بغداد عذريتها بأيدينا؟؟؟

المحتلون في ساحة الفردوس..في ساحة التحرير..في القصر الجمهوري..في المطار..في قصر الرضوانية..في الكرادة..في شارع الزيتون...
لقد احتلوا بغداد بالكامل..و تلاشت مع ذلك أحلامنا بالكرامة.

في هذه الأثناء، كان صدام حسين في الأعظمية قرب مسجد أبو حنيفة النعمان..الناس حوله يهتفون له "بالروح بالدم نفديك يا صدام"..لم يفهموا اللعبة بعد. ظهر صدام هناك مع فردٍ واحدٍ من أفراد الحماية..شخصٍ من الحماية لم نرَه قبل الحرب. ظهر مع صدام حسين في منطقة المنصور في زيارةٍ لمواضع البعثيين في أحد أيام الحرب الأولى. لستُ أدري من هو هذا الشخص..و ما قرابته لصدام حتى أنه الوحيد الموجود معه خلال وقت الأزمة.
الناس تحمل صدام على الأكتاف..و تهتف بالدفاع عنه. الطائرات المروحية الأمريكية بدأت بالتحليق في بغداد. الطائرات الأمريكية تحوم فوق الأعظمية. القوات الأمريكية تبدأ بدخول الأعظمية. مواجهات عنيفة بين ما تبقى من قواتٍ عراقية في الأعظمية و القوات المحتلة. صدام حسين اختفى..!!!

تحدّث الكثيرون عن خياناتٍ بين قيادات الجيش الكبرى و قيادات الأجهزة الأمنية مع الأمريكان. أستطيع أن أجزم أن هذا غير صحيح. و إن حدثت خيانات فقد حدثت في مستوياتٍ قليلةٍ لم تكُن لتُمكّن الأمريكان من دخول بغداد بهذه السهولة.
فهمي الشخصي لما حدث هو التالي..
حالة الإنهزام النفسي عند المقاتلين العراقيين المتسببة من تساؤل منطقي هو (هل أقاتل ليبقى صدام حسين و أموت لأجله؟؟). عندما لا تملك الإجابة لسؤالٍ معين فإن ما تفعله هو..لا شئ..
و هذا ما فعله الجنود العراقيون، عندما جد الجد و احتاجوا أن يقرروا أن يموتوا لأجل الوطن..لم يتّخذوا قراراً..و لم يفعلوا شيئاً..مرّت الأحداث و تابعوها دون أن يحدث شئ. فصار الجنود في بغداد ينزعون عنهم ثياب المعركة و يلبسون ثياباً مدنية..و الكل قال "نفسي نفسي". و تداعيات الأحداث كانت سريعة جداً بحيث تحتاج إلى أن تتخذ قراراً في ثوانٍ إما أنت تموت أو لا.
و ليس ما حدث نتيجة خللٍ في نفوس المقاتلين، فقد أثبت نفس المقاتلين بسالتهم في الحرب مع إيران. إلا أن الإرهاق النفسي و الجسدي الذي مرّ على العراقيين في السنوات الأخيرة على يد صدام حسين لم يترك فيهم حب الجماعةِ الذي كان موجوداً سابقاً. فالمقاتل حين يفكر فيما إذا مات كيف أن عائلته سوف تموت جوعاً..يتردد في التضحية لأجل الوطن..تلك التضحية التي ناتجها العرَضي بقاء صدام حسين و المزيد من الإستبداد و الطغيان و الحياة التي ليس لها من الحياة غير الإسم.
لا أحاول أن ابرر لماذا نحن الآن أحياء و لم نمُت مع الأبطال الذين ماتوا في الحرب، ولكني أحاول أن أفهم ما الذي حدث..

الشعور بالإغتصاب..هذا هو ما أحس به. فعندما يتعرض شخص للإغتصاب لا يريد أن يخبر أحداً بما حدث..ولا يريد تذكر ما حدث..ولكنه يريد أن ينتقم..و غالباً لا يستطيع لوحده..
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
  #6  
قديم 02-05-2006, 01:44 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي اليوم التالي..

أطفال بغداد الحزينة
في الشوارع يصرخون
جيش التتار
يدق أبواب المدينة كالوباء
ويزحف الطاعون
أحفاد "هولاكو"
على جثث الصغار يزمجرون


لا أذكر شيئاً عن تلك الليلة..!!
كانت ليلةً طويلةً جداً جداً..و قد أفلحت القنوات الفضائية و خصوصاً القنوات العربية في إظهار العراقيين بصورة السرّاق الهمجيين الذين يدمرون كل ما أمامهم. تناسى الجميع عشرين ألف مجرمٍ أطلقهم صدام حسين قبل الحرب بفترةٍ يسيرةٍ. بل لمن لا يعلم فقد قام صدام بإطلاق مرضى الإيدز أيضاً من مستشفى الحجر الصحي في منطقة الحصوة غربي بغداد.
هؤلاء المجرمون بمساعدة القنوات العربية إستطاعوا أن يُثبتوا للعالم أن العراقيين هم عبارةٌ عن مجموعة من الهمج المدمرين السرّاق. لا اريد التعرض إلى هذا الموضوع أكثر لأنني سأشير بأصابع الإتهام في كثير من الدمار إلى دولةٍ جارةٍ عربيةٍ و أخرى غير عربية.

في صباح ذلك اليوم الأليم، جائني زائراً أحد أصدقائي ممن يقطنون نفس منطقتنا. بالطبع للتنقل في بغداد في ذلك اليوم يجب أن تحمل قطعة قماش بيضاء. علامة المدنيين كما يسميها الأمريكان، و علامة الإستسلام كما أسميها. عندما رأيت صاحبي للمرة الأولى احتضنني و رحنا نبكي لفترةٍ من الزمن. إنه الإحساس بالهزيمة الذي جعلنا نبكي. ليس لأننا نحب صدام حسين أو نريد بقائه، بل لأن لا شخصاً عاقل يرضى بالإحتلال.
جلسنا أنا و صاحبي احمد دون كلامٍ لفترة، ثم أخذنا نستمع إلى الأخبار في الراديو، الأخبار لم يكُن فيها ما يسُر. أكثر خبر جذب إنتباهنا هو أن مستشفى الكندي في الرصافة تتعرض إلى السلب و النهب و المرضى فيها بأمس الحاجة إلى المساعدة. كان قد تناهى إلى مسامعي أن المستشفيين الذين لا يزالا يعملان في الكرخ هما مستشفى اليرموك و مستشفى الطفل العربي. و بعد تفكير ليس بالطويل قررنا أنا و أحمد أن نذهب إلى مستشفى اليرموك لأننا توقعنا أن هناك من يحتاج إلى المساعدة. المسافة بين العامرية و مستشفى اليرموك طويلة جداً مشياً على الأقدام، ذلك لعدم وجود السيارات في الشارع إلا ما ندر جداً.
توكلنا على الله و بدأنا بالمسير. و كلما قطعنا مسافةً مرت بنا مجموعة من القوات الأمريكية و فتّشونا بشكل مُذل. إلا أننا كنا نحتسبها عند الله لما كنا ذاهبين إليه. فما قد سمعناه في الأخبار عن خلو المستشفيات من الأطباء و الكادر الطبي و إمتلائها بالمرضى جعلنا نتحمل كلما حدث في الطريق إلى المستشفى.
في الطريق، كنا نجد السيارات المدنية المحترقة و ليس بداخلها إلا كتل فحمية لا نستطيع نَسَبها إلى جزءٍ من جسم الإنسان. اليورانيوم المنضب، نعم. اليورانيوم المنضب هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يُحرق البشر و المركبات بهذه الطريقة الوحشية. و كلما قطعنا مسافةً وجدنا بين الأحياء مساحاتٍ من التراب و قد استُخدمت كقبور لشهداء و كُتب فوقها (هنا قبر شهيد). و من كان يتوفر له العلم العراقي عند الدفن كان الدفّانون (جزاهم الله خيراً) يضعون العلم فوق القبر.
من مسافةٍ بعيدةٍ عن مستشفى اليرموك بدأنا نشم رائحة الجثث..!!
يا إلهي..بيننا و بين المستشفى أكثر من مئتي متر و الرائحة تقطع الأنفاس..!!!
منظر المستشفى من بعيد كان رهيباً. كانت بعض العربات و الأسرّة و فوقها الجثث في الشارع. و بُقع الدماء تغطّي الأرض..و واضحٌ أن الكثير من الجثث كانت لناسٍ نزفوا حتّى الموت في هذا المستشفى الفارغ. لم ندخل المستشفى بعد..لأننا في الشارع و أحسسنا أنفسنا داخل المقبرة..!!
بعض الجثث كانت متروكةً منذ فترةٍ طويلةٍ حتى أن الذباب و الحيوانات بدأت تأكل منها..!!!
لقد كان الموقف رهيباً.

أمام المستشفى على الجهة الأخرى من الشارع كان هنالك حدائق صغيرة تفصل بين البيوت و الشارع. قررنا أنا و أحمد أن نستخدم هذا الحدائق لندفن فيها الموتى. و كانت البيوت كلها خاوية أو بدتْ كذلك.
بدأنا بالحفر بأيدينا لأننا لم نملك ما نحفر به. و جائت مجموعة من القوات الأمريكية و طوقونا و فتشونا ظانّين اننا نزرع ربما لغماً أو شيئاً من هذا القبيل. و بعد التفتيش أدركوا أننا لا نشكل خطراً عليهم إنما نريد أن نستر هؤلاء الموتى.
بعد ذلك دخلنا إلى المستشفى لنأتي بملابس أطباء حتى يعتقد الأمريكان أننا نعمل في المستشفى فلا يزعجوننا مرةً أخرى. و كان المنظر في المستشفى اسوأ بكثير من خارجها. وجدنا عدداً قليلاً جداً من كادر المستشفى يحاولون بلا أدواتٍ أن يُنعشوا من كان فيه من الروح شئ.
خرجنا مرةً أخرى لنكمل الدفن..دفنا الكثير الكثير من الناس بعد أن صلينا عليهم حتى وصلنا إلى مرحلةٍ أخذت بها أجسامنا ترتجف و دموعنا تنزل دون أن نشعر.
شعرت بالخَدرِ في يدي..و كان ذلك أفضل..فلم أعد قادراً على الشعور بالناس الذين نواري أجسامهم الثرى. قررنا أن نتوقف..
لم أستطع الإستمرار..
أحسست أن جبلاً أُلقي على صدري فلم أعد أستطيع التنفس..
احتضنت أحمد و رحت أبكي بشدّةٍ..
تركنا المكان و نحن تفوح منّا رائحةُ الموت..
إلى هذا اليوم لم استطع نسيان ما حدث..و لا أظنني أستطيع..!!
كل ما حدث لم يأخذ أكثر من ساعتين أو أكثر بقليل ربما..إلا أنها بدت لي كألف سنة..
رغم أن نيسان في بغداد حار..إلا أنني أحسست بالبرد الشديد..أحسستُ أن بغداد لم تعُد مدينة..بل أصبحث ثلاجةً كبيرةً للموتى...
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م