مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 12-04-2006, 06:18 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

عمر في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام

أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال: حدثنا ابن أبي ثابت، وحدثني به علي بن صالح بن الهيثم عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي والزبيري والمدائني ومحمد بن سلام، قالوا: قال أيوب بن سيار، وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد العزيز بن عمران عن أيوب بن سيار عن عمر الركاء قال: بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناسٌ من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده: أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر غداة غدٍ أم رائحٌ فمهجر
حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: الله يابن عباس! إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلام مترفٌ من مترفي قريش فينشدك: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيخزى وأما بالعشى فـيخـسـر
فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ فقال: قال: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشى فيخـصـر
فقال: ماأراك إلا وقد حفظت البيت! قال: أجل! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها. قال فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. وفي غير رواية عمر بن شبة: أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها، ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحاً. قال: وهذا غاية الذكاء. فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قط. فقال: لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان ابن عباس يقول: ما سمعت شيئاً قط إلا رويته، وإني لأسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول. قال: ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة: "أمن آل نعم..." فقال: إنا نستجيدها.
وقال الزبير في خبره عن عمه: فكان ابن عباس بعد ذلك كثيراً ما يقول: هل أحدث هذا المغيري شيئاً بعدنا؟ قال: وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: كان عبد الله بن الزبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة: فيضحى وأما بالعشي فيحضر
قال: لا، بل: فيخزى وأما بالعشي فيخسر
قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير في حديثهم: ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد، فأنشده: تشط غداً دار جيراننا
وسكت، فقال ابن عباس: وللدار بعد غدٍ أبعد
فقال له عمر: كذلك قلت - أصلحك الله - أفسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.

شعره وخلقه وشهادة الشعراء فيه
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن إسحاق قال: كانت العرب تقر لقريشٍ بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقر لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة، فأقرت لها الشعراء بالشعر أيضاً ولم تنازعها شيئاً.
قال الزبير: وسمعت عمي مصعباً يحدث عن جدي أنه قال مثل هذا القول. قال: وحدثني عدةٌ من أهل العلم أن النصيب قال: لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال.
قال المدائني قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة: ما يمنعك من مدحنا؟ قال: إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء. قال: وكان ابن جريجٍ يقول: ما دخل على العواتق في حجالهن شيءٌ اضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة.
قال الزبير وحدثني عمي عن جدي - وذكره أيضاً إسحاق فيما رويناه عن أبي هفان عنه عن المدائني - قال قال هشام بن عروة: لا ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطاً، وأنشد: لقد أرسلت جـاريتـي وقلت لها خذي حذرك
وقولي في مـلاطـفةٍ لزينب: نولي عمرك
أخبرنا علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن الزبيري قال حدثني أبي عن سمرة الدوماني من حمير قال: إني لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخٍ في الطواف، فقيل لي: هذا عمر بن أبي ربيعة. فقبضت على يده وقلت له: يابن أبي ربيعة. فقال: ما تشاء؟ قلت: أكل ما قتله في شعرك فعلته؟ قال: إليك عني. قلت: أسألك بالله! قال: نعم وأستغفر الله.
قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن حمادٍ الراوية: أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال: ذاك الفستق المقشر.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال: سمع الفرزدق شيئاً من نسيب عمر فقال: هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته وبكت الديار، ووقع هذا عليه. قال: وكان بالكوفة رجلٌ من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم، فذكر يوماً شعر عمر بن أبي ربيعة فهجنه. فقالوا له: بمن ترضى؟ ومر بهم حمادٌ الراوية فقال: قد رضيت بهذا. فقالوا له: ما تقول فيمن يزعم أن عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئاً؟ فقال: أين هذا؟ اذهبوا بنا إليه. قالوا: نصنع به ماذا؟ قال: ننزو على أمه لعلها تأتي بمن هو أمثل من عمر.
قال إسحاق: وقال أبو المقوم الأنصاري: ما عصي الله بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وحدثني قيس بن داود قال حدثني أبي قال: سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول: لقد كنت وأنا شابٌ أعشق ولا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. ولقد لقيتني فتاتان مرةً فقالت لي إحداهما: أدن مني يابن أبي ربيعة أسر إليك شيئاً. فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضني، فما شعرت بعض هذه من لذة سرار هذه.
قال إسحاق: وذكر عبد الصمد بن المفضل الرقاشي عن محمد بن فلان الزهري - سقط اسمه - عن إسحاق عن عبد الله بن مسلمة بن أسلم قال: لقيت جريراً فقلت له: يا أبا حزرة، إن شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحب أن تسمعني منه شيئاً. فقال: إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب، وإن أنسب الناس المخزومي. يعني ابن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وذكر محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن خاله عبد العزيز بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال: أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيسٍ، وبنو أخيه معه وهم محرمون، فقال لبعضهم: خذ بيدي فأخذ بيده، وقال: ورب هذه البنية ما قلت لامرأةٍ قط شيئاً لم تقله لي، وما كشفت ثوباً عن حرام قط. قال: ولما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعاً شديداً. فقال له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنه بي، والله ما أعلم أني ركبت فاحشةً قط! فقال: ما كنت أشفق عليك إلا من ذلك، وقد سليت عني.
قال إسحاق: حدثني مصعبٌ الزبيري قال قال مصعب بن عروة بن الزبير: خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجين، فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلي فيه، فإذا شيخٌ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له. فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال: من أنتما؟ فأخبرناه. فرحب بنا وقال: يا ابني أخي، إني موكل بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه، ثم قام، فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة.
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك قال: عاش عمر بن أبي ربيعة ثمانين سنة، فتك منها أربعين سنةً، ونسك أربعين سنة.
قال الزبير وحدثني إبراهيم عن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: حججت مع أبي وأنا غلامٌ وعلي جمة. فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلمت عليه وجلست معه، فجعل يمد الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه، ويقول: واشباباه!. حتى فعل ذلك مراراً. ثم قال لي: يابن أخي، قد سمعتني أقول في شعري: قالت لي وقلت لها، وكل مملوكٍ لي حرٌ إن كنت كشفت عن فرجٍ حرامٍ قط! فقمت وأنا متشككٌ في يمينه، فسألت عن رقيقه فقيل لي: أما في الحوك فله سبعون عبداً سوى غيرهم.

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت: مررت بجدك عبد الله بن مصعب وأنا داخلةٌ منزله وهو بفنائه ومعي دفتر، فقال: ما هذا معك؟ ودعاني. فجئته وقلت: شعر عمر بن أبي ربيعة. فقال: ويحك! تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة! إن لشعره لموقعاً من القلوب ومدخلاً لطيفاً، لو كان شعرٌ يسحر لكان هو، فارجعي به. قالت: ففعلت.
"قال إسحاق": وأخبرني الهيثم بن عدي قال: قدمت امرأةٌ مكة وكانت من أجمل النساء. فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلمها، فلم تلتفت إليه. فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها. فقالت له: إليك عني يا هذا، فإنك في حرم الله وفي أيامٍ عظيمة الحرمة. فألح عليها يكلمها، حتى خافت أن يشهرها. فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: أخرج معي يا أخي فأرني المناسك، فإني لست أعرفها، فأقبلت وهو معها. فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها، فتمثلت المرأة بقول النابغة:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له ** وتتقي صولةً المستأسد الحامـي


قال إسحاق: فحدثني السندي مولى أمير المؤمنين أن المنصور قال -وقد حدث بهذا الخبر-: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث.
قال إسحاق: قال لي الأصمعي: عمر حجةٌ في العربية، ولم يؤخذ عليه إلا قوله: ثم قالوا تحبها قلـت بـهـراً عدد الرمل والحصى والتراب
وله في ذلك مخرجٌ، إذ قد أتى به على سبيل الإخبار. قال: ومن الناس من يزعم أنه إنما قال: قيل لي هل تحبها قلت بهرا
نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة وغنى فيها المغنون إذ كانت لم تنسب هناك لطول شرحها
شعر عمر الذي غنى فيه المغنون
منها ما يغنى فيه من قوله:


أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فـمـبـكـر** غداة غـدٍ أم رائح فـمـهـجـر
لحاجة نفسٍ لم تقل في جـوابـهـا** فتبلغ عذراً والـمـقـالة تـعـذر
أشارت بمدراها وقالت لأخـتـهـا ** أهذا المغيري الذي كـان يذكـر؟
فقالت: نعم لا شـك غـير لـونـه ** سر الليل يطوي نصه والتهـجـر
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت** فيضحى وأما بالعشي فيخـصـر
أخا سفرٍ جواب أرضٍ تـقـاذفـت ** به فلواتٌ فهو أشـعـث أغـبـر
وليلة ذي دوران جشمتني السـرى ** وقد يجشم الهول المحب المغـرر
فقلت: أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم ** وإما ينال السـيف ثـأراً فـيثـأر


هذه الأبيات جمعت على غير توالٍ؛ لأنه إنما ذكر منها ما فيه صنعةٌ. غنى في الأول والثاني من الأبيات ابن سريج خفيف رملٍ بالبنصر عن أحمد بن المكي وذكر حبشٌ أن فيهما لمعبدٍ لحناً من الثقيل الأول بالبنصر.
وغنى ابن سريج في الثالث والرابع أيضاً خفيف ثقيلٍ بالوسطى، وذكر حبشٌ أن فيهما لحناً من الهزج بالوسطى لحكم. وغنى ابن سريج في الخامس والسادس لحناً من الرمل بالوسطى عن عمرو بن بانه. وذكر يونس أن في السابع والثامن لابن سريج لحناً ولم يذكر طريقته، وذكر حبشٌ أن فيهما لمالك لحناً من الثقيل الثاني بالبنصر.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي: أن عمر بن أبي ربيعة أتى عبد الله بن عباس وهو في المسجد الحرام فقال: متعني الله بك! إن نفسي قد تاقت إلى قول الشعر ونازعتني إليه، وقد قلت منه شيئاً أحببت أن تسمعه وتستره علي. فقال: أنشدني، فأنشده: أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر
فقال له: أنت شاعرٌ يا ابن أخي، فقل ما شئت. قال: وأنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري وهو راكبٌ، فوقف ومازال شانقاً ناقته حتى كتبت له.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني الحسين بن إسماعيل قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال: كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: هذا شعرٌ تهامي إذا أنجد وجد البرد، حتى أنشد قوله:

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ** فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر
__________________


و جعلنا من بين أيديهم سدا ً من خلفهم سدا ً فأغشيناهم فهم لا يبصرون

قال صلى الله عليه وسلم:

ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل
ً

كن كالنخيل عن الاحقاد مرتفعاً *** ترمى بحجرٍ فترمي اطيب الثمر
الموسوعة الكبرى للمواقع الإسلامية
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 12-04-2006, 08:20 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

بدء تعشقه ليلى
أخبرني بخبره في شغفه بليلى جماعةٌ من الرواة، ونسخت ما لم أسمع من الروايات وجمعت ذلك في سياقه خبره ما اتسق ولم يختلف، فإذا اختلف نسبت كل رواية إلى راويها.
فممن أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي، قالا: حدثنا عمر بن شبة عن رجاله وإبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، ونسخت أخباره من رواية خالد بن كلثوم وأبي عمرو الشيباني وابن دأبٍ وهشام بن محمد الكلبي وإسحاق بن الجصاص وغيرهم من الرواة.
قال أبو عمرو الشيباني وأبو عبيدة: كان المجنون يهوى ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة ابن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وتكنى أم مالكٍ، وهما حينئذ صبيان، فعلق كل واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما، فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت عنه، قال: ويدل على ذلك قوله:

تعلقت ليلـى وهـي ذات ذؤابةٍ** ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا** إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم


أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية ونسخت هذا الخبر بعينه من خط هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثني أبو عتاب البصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: بينا ابن مليكة يؤذن إذ سمع الأخضر الجدي يغني من دار العاص بن وائل:

وعلقتـهـا غـراء ذات ذوائبٍ ** ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ** إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

قال فأراد أن يقول: حي على الصلاة فقال: حي على البهم، حتى سمعه أهل مكة فغدا يعتذر إليهم.
وقال ابن الكلبي: حدثني معروف المكي والمعلى بن هلال وإسحاق بن الجصاص قالوا: كان سبب عشق المجنون ليلى، أنه أقبل ذات يوم على ناقة له كريمةٍ وعليه حلتان من حلل الملوك، فمر بامرأة من قومه يقال لها: كريمة، وعندها جماعة نسوةٍ يتحدثن فيهن ليلى، فأعجبهن جماله وكماله، فدعونه إلى النزول والحديث، فنزل وجعل يحدثهن وأمر عبداً له كان معه فعقر لهن ناقته، وظل يحدثهن بقية يومه، فبينا هو كذلك، إذ طلع عليهم فتىً عليه بردةٌ من برد الأعراب يقال له: منازل يوسق معزى له، فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون، فغضب وخرج من عندهن وأنشأ يقول:

أأعقر من جـرا كـريمة نـاقـتـي ** ووصلي مفروشٌ لوصل مـنـازل
إذا جاء قعقعن الحـلـي ولـم أكـن ** إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل
متى ما انتضلنا بالسهام نـضـلـتـه ** وإن نرم رشقاً عندها فهو ناضـلـي


قال: فلما أصبح لبس حلته وركب ناقة له أخرى ومضى متعرضاً لهن، فألفى ليلى قاعدةً بفناء بيتها وقد علق حبه بقلبها وهويته، وعندها جويرياتٌ يتحدثن معها، فوقف بهن وسلم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازلٌ ولا غيره؟ فقال: إي لعمري، فنزل وفعل مثل ما فعله بالأمس، فأرادت أن تعلم، هل لها عنده مثل ما له عندها، فجعلت تعرض عن حديثه ساعةً بعد ساعةٍ وتحدث غيره، وقد كان علق بقلبه مثل حبها إياه وشغفته واستملحها، فبينا هي تحدثه، إذ أقبل فتىً من الحي فدعته وسارته سراراً طويلاً، ثم قالت له: انصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وانتقع لونه وشق عليه فعلها، فأنشأت تقول:

كلانا مظهرٌ للناس بغضاً ** وكل عند صاحبه مكـين
تبلغنا العيون بمـا أردنـا ** وفي القلبين ثم هوىً دفين


فلما سمع البيتين شهق شهقةً شديدة وأغمي عليه، فمكث على ذلك ساعةً، ونضحوا الماء على وجهه "حتى أفاق" وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كل مبلغ.
خطبته لليلى واختيارها عليه وشعره في ذلك أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم عن هشام بن محمد بن موسى المكي عن محمد بن سعيد المخزومي عن أبي الهيثم العقيلي قال: لما شهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقةً حمراء، وخطبها ورد بن محمد العقيلي وبذل لها عشراً من الإبل وراعيها، فقال أهلها: نحن مخيروها بينكما، فمن اختارت تزوجته، ودخلوا إليها فقالوا: والله لئن لم تختاري ورداً لنمثلن بك، فقال المجنون:

ألا يا ليل إن ملكت فـينـا ** خيارك فانظري لمن الخيار
ولا تستبدلـي مـنـي دنـياً ** ولا برماً إذا حب القـتـار
يهرول في الصغير إذا رآه** وتعجزه ملمـاتٌ كـبـار
فمثل تأيم مـنـه نـكـاحٌ ** ومثل تمؤلٍ منه افتـقـار


فاختارت ورداً فتزوجته على كرهٍ منها.

حكاية أبيه عن جنونه بليلى وأخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا: حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة بن حريم المري قال: خرجت إلى أرض بني عامر لألقى المجنون، فدللت عليه وعلى محلته، فلقيت أباه شيخاً كبيراً وحوله إخوةٌ للمجنون مع أبيهم رجالاً؛ فسألتهم عنه فبكوه، وقال الشيخ: أما والله لهو كان آثر عندي من هؤلاء جميعاً، وإنه عشق امرأةً من قومه والله ما كانت تطمع في مثله، فلما فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوجه إياها بعد ما ظهر من أمرهما، فزوجها غيره، وكان أول ما كلف بها يجلس إليها في نفرٍ من قومها فيتحدثون كما يتحدث الفتيان، وكان أجملهم وأظرفهم وأرواهم لأشعار العرب، فيفيضون في الحديث فيكون أحسنهم فيه إفاضةً، فتعرض عنه وتقبل على غيره، وقد وقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فظنت به ما هو عليه من حبها، فأقبلت عليه يوماً وقد خلت فقالت:

كلانا مظهرٌ للناس بغضـاً ** وكل عند صاحبه مـكـين
وأسرار الملاحظ ليس تخفي ** إذا نطقت بما تخفي العيون


غنت في الأول عريب خفيف رملٍ، وقيل: إن هذا الغناء لشارية، والبيت الأخير ليس من شعره - قال: فخر مغشياً عليه ثم أفاق فاقداً عقله، فكان لا يلبس ثوباً إلا خرقه ولا يمشي إلا عارياً ويلعب بالتراب ويجمع العظام حوله، فإذا ذكرت له ليلى أنشأ يحدث عنها عاقلاً ولا يخطىء حرفاً، وترك الصلاة، فإذا قيل له: ما لك لا تصلي! لم يرد حرفاً، وكنا نحبسه ونقيده، فيعض لسانه وشفته، حتى خشينا عليه فخلينا سبيله فهو يهيم.

قصته مع عمر بن عبد الرحمن بن عوف
قال الهيثم؛ فولى مروان بن الحكم عمر بن عبد الرحمن بن عوف صدقات بني كعب وقشير وجعدة، والحريش وحبيب وعبد الله، فنظر إلى المجنون قبل أن يستحكم جنونه فكلمه وأنشده فأعجب به، فسأله أن يخرج معه، فأجابه إلى ذلك، فلما أراد الرواح جاءه قومه فأخبروه خبره وخبر ليلى، وأن أهلها استعدوا السلطان عليه، فأهدر دمه إن أتاهم، فأضرب عما وعده وأمر له بقلائص، فلما علم بذلك وأتي بالقلائص ردها عليه وانصرف.

وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم عن جماعة من الرواة: أن المجنون هو الذي سأل عمر بن عبد الرحمن أن يخرج به، قال له: أكون معك في هذا الجمع الذي تجمعه غداً، فأرى في أصحابك، وأتجمل في عشيرتي بك، وأفخر بقربك، فجاءه رهطٌ من رهط ليلى وأخبروه بقصته، وأنه لا يريد التجمل به، وإنما يريد أن يدخل عليهم بيوتهم ويفضحهم في امرأة منهم يهواها، وأنهم قد شكوه إلى السلطان فأهدر دمه إن دخل عليهم، فأعرض عما أجابه إليه من أخذه معه وأمر له بقلائص، فردها وقال :
رددت قلائص القرشي لما ** بدا لي النقض منه للعهود
وراحوا مقصرين وخلفوني ** إلى حزنٍ أعالجه شـديد


قال: ورجع آيساً فعاد إلى حاله الأولى، قال: فلم تزل تلك حاله، إلا أنه غير مستوحشٍ، إنما يكون في جنبات الحي منفرداً عارياً لا يلبس ثوباً إلا خرقه، ويهذي ويخطط في الأرض ويلعب بالتراب والحجارة، ولا يجيب أحداً سأله عن شيء، فإذا أحبوا أن يتكلم أو يثوب عقله ذكروا له ليلى، فيقول: بأبي هي وأمي، ثم يرجع إليه عقله فيخاطبونه ويجيبهم، ويأتيه أحداث الحي فيحدثونه عنها وينشدونه الشعر الغزل، فيجيبهم جواباً صحيحاً وينشدهم أشعاراً قالها، حتى سعى عليهم في السنة الثانية بعد عمر بن عبد الرحمن نوفل بن مساحق، فنزل مجمعاً من تلك المجامع فرآه يلعب بالتراب وهو عريان، فقال لغلام له: يا غلام، هات ثوباً، فأتاه به، فقال لبعضهم: خذ هذا الثوب فألقه على ذلك الرجل، فقال له: أتعرفه جعلت فداك؟ قال: لا، قال: هذا ابن سيد الحي، لا والله ما يلبس الثياب ولا يزيد على ما تراه يفعله الآن، وإذا طرح عليه شيء خرقه، ولو كان يلبس ثوباً لكان في مال أبيه ما يكفيه، وحدثه عن أمره، فدعا به وكلمه، فجعل لا يعقل شيئاً يكلمه به، فقال له قومه: إن أردت أن يجيبك جواباً صحيحاً فاذكر له ليلى، فذكرها له وسأله عن حبه إياها، فأقبل عليه يحدثه بحديثها ويشكو إليه حبه إياها وينشده شعره فيها، فقال له نوفل: الحب صيرك إلى ما أرى؟ قال نعم، وسينتهي بي إلى ما هو أشد مما ترى، فعجب منه وقال له: أتحب أن أزوجكها؟ قال: نعم، وهل إلى ذلك من سبيلٍ؟ قال: انطلق معي حتى أقدم على أهلها بك وأخطبها عليك وأرغبهم في المهر لها، قال: أتراك فاعلاً؟ قال: نعم، قال: انظر ما تقول! قال: لك علي أن أفعل بك ذلك، ودعا له بثياب فألبسه إياها، وراح معه المجنون كأصح أصحابه يحدثه وينشده، فبلغ ذلك رهطها فتلقوه في السلاح، وقالوا له: يابن مساحقٍ لا والله لا يدخل المجنون منازلنا أبداً أو يموت، فقد أهدر لنا السلطان دمه، فأقبل بهم وأدبر، فأبوا، فلما رأى ذلك قال للمجنون: انصرف، فقال له المجنون: والله ما وفيت لي بالعهد، قال له: انصرافك بعد أن آيسني القوم من إجابتك أصلح من سفك الدماء، فقال المجنون:

أيا ويح من أمسى تخلس عقلـه** فاصبح مذهوباً به كل مذهـب
خلياً من الخـلان إلا مـعـذراً ** يضاحكني من كان يهوى تجنبي
إذا ذكرت ليلى عقلـت وراجـعـت ** روائع عقلي من هوىً متـشـعـب
وقالوا صحيحٌ ما بـه طـيف جـنةٍ** ولا الهم إلا بافـتـراء الـتـكـذب
وشاهد وجدي دمع عيني وحـبـهـا ** برى اللحم عن أحناء عظمي ومنكبي
تجنبت ليلى أن يلج بك الـهـوى** وهيهات كان الحب قبل التجنـب
ألا إنمـا غـادرت يا أم مـالـكٍ ** صدىً أينما تذهب به الريح يذهب


ومما يغنى فيه منها قوله:

فلم أرى ليلى بعد موقـف سـاعةٍ ** بخيف منىً ترمي جمار المحصب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت بـه ** من البرد أطراف البنان المخضب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظـرٍ ** مع الصبح في أعقاب نجمٍ مغرب
ألا إنمـا غـادرت يا أم مـالـكٍ ** صدىً إينما تذهب به الريح يذهب
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 12-04-2006, 08:55 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

حجه مع أبيه إلى مكة لسلوان ليلى ودعوته هو استزادة حبها ودوامه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: ذكر هشام بن الكلبي ووافقه في روايته أبو نصر أحمد بن حاتم وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثني علي ابن الصباح عن هشام ابن الكلبي عن أبيه: أن أبا المجنون وأمه ورجال عشيرته اجتمعوا إلى ليلى فوعظوه وناشدوه الله والرحم، وقالوا له: إن هذا الرجل لهالكٌ، وقبل ذلك ففي أقبح من الهلاك بذهاب عقله، وإنك فاجعٌ به أباه وأهله، فنشدناك الله والرحم أن تفعل ذلك، فوالله ما هي أشرف منه، ولا لك مثل مال أبيه، وقد حكمك في المهر، وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل، فأبى وحلف بالله وبطلاق أمها إنه لا يزوجه إياها أبداً، وقال: أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأته أحدٌ من العرب، واسم ابنتي بميسم فضيحة فانصرفوا عنه، وخالفهم لوقته فزوجها رجلاً من قومها وأدخلها إليه، فما أمسى إلا وقد بنى بها، وبلغه الخبر فأيس منها حينئذٍ وزال عقله جملةً، فقال الحي لأبيه: أحجج به إلى مكة وادع الله عز وجل له، ومره أن يتعلق بأستار الكعبة، فيسأل الله يعافيه مما به ويبغضها إليه، فلعل الله أن يخلصه من هذا البلاء، فحج به أبوه، فلما صاروا بمنى سمع صائحاً في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخةً ظنوا أن نفسه قد تلفت وسقط مغشياً عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل اللوان ذاهلاً، فأنشأ يقول:
صوت
عرضت على قلبي العزاء فقال لـي ** من الآن فاياس لا أعزك من صبـر
إذا بان من تهـوى وأصـبـح نـائياً ** فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منـىً ** فهيج أطراب الـفـؤاد ومـا يدري
دعا باسم ليلى غيرهـا فـكـأنـمـا ** أطار بليلى طائراً كان في صـدري
دعا باسم ليلى ظلل الـلـه سـعـيه ** وليلى بأرضٍ عنه نـازحةٍ قـفـر


الغناء لعريب خفيف ثقيلٍ - ثم قال له أبوه: تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى، فتعلق بأستار الكعبة. وقال: اللهم زدني لليلى حباً وبها كلفاً ولا تنسني ذكرها أبداً، فهام حينئذٍ واختلط فلم يضبط. قالوا: فكان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل إلا ما ينبت في البرية من بقل ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها، وطال شعر جسده ورأسه وألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه، وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشأم، فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمر به من أحياء العرب عن نجدٍ، فيقال له: وأين أنت من نجد! قد شارفت الشأم! أنت في موضع كذا، فيقول: فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه وأن يكسوه فيأبى، فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه.
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي وأخبرنا حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن أبي مسكين قال:

خرج منا فتىً حتى إذا كان ببئر ميمونٍ إذا جماعة فوق بعض تلك الجبال، وإذا معهم فتىً أبيض طوال جعد كأحسن من رأيت من الرجال على هزالٍ منه وصفرةٍ، وإذا هم متعلقون به، فسألته عنه، فقيل لي: هذا قيسٌ المجنون خرج به أبوه يستجير له بالبيت، وهو على أن يأتي به قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو له هناك لعله يكشف ما به، فإنه يصنع بنفسه صنيعاً يرحمه منه عدوه، يقول: أخرجوني لعلني أتنسم صبا نجدٍ، فيخرجونه فيتوجهون به نحو نجدٍ، ونحن مع ذلك نخاف أن يلقي نفسه من الجبل، فإن شئت الأجر دنوت منه فأخبرته أنك أقبلت من نجدٍ، فدنوت منه وأقبلوا عليه فقالوا له: يا أبا المهدي، هذا الفتى أقبل من نجد، فتنفس تنفسةٍ ظننت أن كبده قد انصدعت، ثم جعل يسألني عن وادٍ وادٍ وموضعٍ موضعٍ، وأنا أخبره وهو يبكي أحر بكاءٍ وأوجعه للقلب، ثم أنشأ يقول:

ألا ليت شعري عن عوارضتي قناً** لطول الليالي هل تغيرتا بـعـدي
وهل جارتانا بالبتيل إلى الحـمـى ** على عهدنا أم لم تدوما على العهد
وعن علويات الـرياح إذا جـرت ** بريح الخزامى هل تهب على نجد
وعن أقحوان الرمل ما هو فاعـلٌ ** إذا هو أسرى ليلةً بثرىً جـعـد
وهل أنفضن الدهر أفنان لمـتـى ** على لاحق المتنين مندلق الوخـد
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمةٍ ** تحدر من نشزٍ خصيبٍ إلى وهـد


سؤاله زوج ليلى عن عشرته معها
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي والعتبي قالا: مر المجنون بزوج ليلى وهو جالسٌ يضطلي في يومٍ شاتٍ، وقد أتى ابن عم له في حي المجنون لحاجةٍ، فوقف عليه ثم أنشأ يقول:

بربك هل ضممت إليك ليلى** قبيل الصبح أو قبلت فاهـا
وهل رفت عليك قرون ليلى ** رفيف الأقحوانة في نداها


فقال: اللهم إذ حلفتني فنعم، قال: فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر، فما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه، وسقط الجمر مع لحم راحتيه، وعض على شفته فقطعها، فقام زوج ليلى مغموماً بفعله متعجباً منه فمضى.

مروره بجبلي نعمان وشعره في ذلك
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال قال محمد بن الحكم عن عوانة: إنه حدثه ووافقه ابن نصر وابن حبيب قالوا: إن أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادي القرى قبل توحشه ليمتاروا خوفاً عليه "من" أن يضيع أو يهلك، فمروا في طريقهم بجبلي نعمان، فقال له بعض فتيان الحي: هذان جبلا نعمان، وقد كانت ليلى تنزل بهما، قال: فأي الرياح يأتي من ناحيتهما؟ قالوا: الصبا، قال: فوالله لا أريم هذا الموضع حتى تهب الصبا، فأقام ومضوا فامتاروا لأنفسهم، ثم أتوا عليه فأقاموا معه ثلاثة أيام حتى هبت الصبا، ثم انطلق معهم فأنشأ يقول:

أيا جبلي نعمان بـالـلـه خـلـيا ** سبيل الصبا يخلص إلي نسيمهـا
أجد بردها أو تشف مني حـرارةً ** على كبدٍ لم يبق إلا صميمـهـا
فإن الصبا ريحٌ إذا ما تنسـمـت ** على نفس محزونٍ تجلت همومها


ارتحال أهل ليلى وما قاله في ذلك
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسين بن الحرون قال حدثني الكسروي عن جماعةٍ من الرواة قال: لما منع أبو ليلى المجنون وعشيرته من تزويجه بها، كان لا يزال يغشى بيوتهم ويهجم عليهم، فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه لهم، فأخبروه بذلك فلم يرعه وقال: الموت أروح لي فليتهم قتلوني، فلما علموا بذلك وعرفوا أنه لا يزال يطلب غرةً منهم حتى إذا تفرقوا دخل دورهم، فارتحلوا عنها وأبعدوا، وجاء المجنون عشيةً فأشرف على دورهم فإذا هي منهم بلاقع، فقصد منزل ليلى الذي كان بيتها فيه، فألصق صدره به وجعل يمرغ خديه على ترابه "ويبكي"، ثم أنشأ يقول، - وذكر هذه الأبيات ابن حبيب وأبو نصر له "بغير خبر" -:

أيا حرجات الحي حيث تحملوا** بذي سلمٍ لا جادكـن ربـيع
وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى** بلين بلىً لم تبـلـن ربـوع

ندمت على ما كان مني نـدامةً** كما يندم المغبـون حـين يبـيع
فقدتك من نفسٍ شعاعٍ فإنـنـي ** نهيتك عن هذا وأنت جـمـيع
فقربت لي غير القريب وأشرفت ** إليك ثنايا ما لـهـن طـلـوع


حديثه مع نسوة فيهن ليلى
وذكر خالد بن جميل وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته قبل أن يختلط أن تستزيره ليلةً إذا وجدت فرصةً لذلك، فمكث مدةً يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوفه، فأتى أهلها ذات يوم والحي خلوفٌ، فجلس إلى نسوة من أهلها حجرةً منها بحيث تسمع كلامه، فحادثهنّ طويلاً ثم قال: ألا أنشدكن أبياتاً أحدثها في هذه الأيام؟ قلن: بلى، فأنشدهن:

يا للرجال لهـم بـات يعـرونـي ** مستطرفٍ وقديمٍ كـاد يبـلـينـي
من عاذري من غريم غير ذي** عسرٍ يأبى فيمطلنـي دينـي ويلـوينـي
لا يبعد النقد من حقي فـينـكـره ** ولا يحدثني أن سوف يقضـينـي
وما كشكرى شكرٌ لو يوافـقـنـي ** ولا مناي سـواه لـو يوافـينـي
أطعته وعصيت النـاس كـلـهـم ** في أمره وهواه وهو يعصـينـي


قال: فقلن له: ما أنصفك هذا الغريم الذي ذكرته! وجعلن يتضاحكن وهو يبكي، فاستحيت ليلى منهن ورقت له حتى بكت، وقامت فدخلت بيتها وانصرف هو.
- في الثلاثة الأبيات الأولى من هذه الأبيات هزجٌ طنبوري للمسدود - قالا في خبرهما هذا: وكان للمجنون ابنا عم يأتيانه فيحدثانه ويسليانه ويؤانسانه، فوقف عليهما يوماً وهما جالسان، فقالا له: يا أبا المهدي ألا تجلس؟ قال: لا، بل أمضي إلى منزل ليلى فاترسمه وأرى آثارها فيه، فأشفي بعض ما في صدري بها، فقالا له: فنحن معك، فقال: إذا فعلتما أكرمتما وأحسنتما، فقاما معه حتى أتى دار ليلى، فوقف بها طويلاً يتتبع آثارها ويبكي ويقف في موضعٍ موضعٍ منها ويبكي ثم قال:

يا صاحبي ألما بـي بـمـنـزلة ** قد مر حينٌ عليهـا إيمـا حـين
إني أرى رجعات الحب تقتلـنـي ** وكان في بدئها ما كان يكفـينـي
لا خير في الحب ليست فيه قارعةٌ ** كأن صاحبها في نزع مـوتـون
إن قال عذاله مهلاً فـلان لـهـم ** قال الهوى غير هذا القول يعنيني
ألقى من اليأس تاراتٍ فتقتلـنـي ** وللرجاء بشاشاتٌ فـتـحـيينـي


الغناء لإبراهيم خفيف ثقيلٍ من جامع غنائه وقال هشام بن الكلبي عن أبي مسكين: إن جماعة من بني عامر حدثوه قالوا: كان رجل من بني عامر ابن عقيلٍ يقال له: قيس بن معاذ، وكان يدعى المجنون، وكان صاحب غزلٍ ومجالسةٍ للنساء، فخرج على ناقة له يسير، فمر بامرأة من بني عقيلٍ يقال لها: كريمة، وكانت جميلةً عاقلةً، معها نسوة فعرفنه ودعونه إلى النزول والحديث، وعليه حلتان له فاخرتان وطيلسانٌ وقلنسوةٌ، فنزل فظل يحدثهن وينشدهن وهن أعجب شيءٍ به فيما يرى، فلما أعجبه ذلك منهن عقر لهن ناقته، وقمن إليها فجعلن يشوين ويأكلن إلى أن أمسى، فأقبل غلامٌ شابٌ حسن الوجه من حيهن فجلس إليهن، فأقبلن عليه بوجوههن يقلن له: كيف ظللت يا منازل اليوم؟ فلما رأى ذلك من فعلهن غضب، فقام وتركهن وهو يقول:

أأعقر من جـرا كـريمة نـاقـتـي** ووصلي مفروشٌ لوصل مـنـازل
إذا جاء قعقن الحـلـي ولـم أكـن ** إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل

قال: فقال له الفتى: هلم نتصارع أو نتناضل، فقال له: إن شئت ذلك فقم إلى حيث لا تراهن ولا يرينك، ثم ما شئت فافعل، وقال:

إذا ما انتضلنا في الخلاء نضلتـه ** وإن يرم رشقاً عندها فهو ناضلي

وقال ابن الكلبي في هذا الخبر: فلما أصبح لبس حلته وركب ناقته ومضى متعرضاً لهن، فالفى ليلى جالسةً بفناء بيتها، وكانت معهن يومئذٍ جالسةً، وقد علق بقلبها وهويته، وعندها جويرياتٌ يحدثنها، فوقف بهن وسلم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره؟ قال: إي لعمري، فنزل وفعل فعلته بالأمس، فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل ما له عندها، فجعلت تعرض عن حديثه ساعةً بعد ساعةٍ وتحدث غيره، وقد كان علق حبها بقلبه وشغفه واستملحها، فبينا هي تحدثه إذ أقبل فتى من الحي فدعته فسارته سراراً طويلاً ثم قالت له انصرف، فانصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وامتقع وشق عليه ما فعلت، فأنشأت تقول:

كلانا مظهرٌ للناس بغضاً** وكلٌ عند صاحبه مكـين
تبلغنا العيون مقالـتـينـا ** وفي القلبين ثم هوىً دفين


قد نسبت هذا الشعر متقدماً فلما سمع هذين البيتين شهق شهقةً عظيمةً وأغمي عليه فمكث "كذلك" ساعةً، ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق، وتمكن حب كل واحدٍ منهما في قلب صاحبه وبلغ منه كل مبلغ.
حدثني عمي عن عبد الله بن أبي سعد عن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل القرشي قال حدثنا أبو العالية عن أبي ثمامة الجعدي قال: لا يعرف فينا مجنونٌ إلا قيس بن الملوح.
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 13-04-2006, 02:21 AM
على رسلك على رسلك غير متصل
سـحـابة ظــــل
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 6,053
إفتراضي

وإني لأخشى أن أموت فـجـاءةً** وفي النفس حاجاتٌ إليك كما هي
وإني لينسيني لقـاؤك كـلـمـا ** لقيتك يوماً أن أبـثـك مـا بـيا
وقالوا بـه داءٌ عـياءٌ أصـابـه ** وقد علمت نفسي مـكـان دوائيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ


اخي ماهر .موضوع رائع فعلا وجميل .اعجبتني الاشعار الموجوده فيه ..

شكرا لك .استمتعت كثيرا به ..
__________________
الرد مع إقتباس
  #5  
قديم 13-04-2006, 06:33 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

حديث اتصاله بليلى في صباه
قال: وحدثني بعض العشيرة قال: قلت لقيس بن الملوح قبل أن يخالط: ما أعجب شيء أصابك في وجدك بليلى؟ قال: طرقنا ذات ليلةٍ أضيافٌ ولم يكن عندنا لهم أدمٌ، فبعثني أبي منزل أبي ليلى وقال لي: اطلب لنا وقال لي: اطلب لنا منه أدماً، فأتيته فوقفت على خبائه فصحت به، فقال: ما تشاء؟ فقلت: طرقنا ضيفان ولا أدم عندنا لهم فأرسلني أبي نطلب منك أدماً، فقال: يا ليلى، أخرجي إليك ذلك النحي، فاملئن له إناءه من السمن، فأخرجته ومعي قعبٌ، فجعلت تصب السمن فيه ونتحدث، فألهانا الحديث وهي تصب السمن وقد امتلأ القعب ولا نعلم جميعاً، وهو يسيل استنقعت أرجلنا في السمن، قال: فأتيتهم ليلةً ثانيةً أطلب ناراً، وأنا متلفعٌ ببردٍ لي، فأخرجت لي ناراً في عطبةٍ فأعطتنيها ووقفنا نتحدث، فلما احترقت العطبة خرقت من بردي خرقةً وجعلت النار فيها، فكلما احترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النار حتى لم يبق علي من البرد إلا ما وارى عورتي، وما أعقل ما أصنع، وأنشدني:

أمستقبلي نفح الصبا ثم شـائقـي** ببردٍ ثنـايا أم حـسـان شـائق
كأن على أنيابها الخمر شجـهـا ** بماء الندى من آخر الليل عاتق
وما شمته إلا بعيني تـفـرسـاً ** كما شيم في أعلى السحابة بارق


ومن الناس من يروي هذه الأبيات لنصيبٍ، ولكن هكذا روي في هذا الخبر.

حدث الأصمعي أنه لم يكن مجنوناً
أخبرنا محمد بن خلف وكيعٌ عن عبد الملك بن محمد الرقاشي عن عبد الصمد بن المعذل قال: سمعت الأصمعي يقول - و"قد" تذاكرنا مجنون بني عامر - قال: هو قيس ابن معاذ العقيلي، ثم قال: لم يكن مجنوناً إنما كانت به لوثةٌ، وهو القائل:

أخذت محاسن كـل مـا ** ضنت محاسنه بحسنـه
كاد الغزال يكـونـهـا ** لولا الشوى ونشوز قرنه


قال: وهو القائل:

ولم أر ليلى بعد مـوقـف سـاعةٍ ** بخيف منىً ترمي جمار المحصب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت بـه ** من البرد أطراف البنان المخصب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظـرٍ ** مع الصبح في أعقاب نجمٍ مغرب
ألا إنمـا غـادرت يا أم مـالـكٍ صدىً** إينما تذهب به الريح يذهب


أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثني إبراهيم بن سعد الزهري قال: أتاني رجل من عذرة لحاجة، فجرى ذكر العشق والعشاق، فقلت له: أنتم أرق قلوباً أم بنو عامرٍ؟ إنا لأرق الناس قلوباً، ولكن غلبتنا بنو عامرٍ بمجنونها.

شيء من أوصافه
أخبرني أحمد بن عمر بن موسى بن زكويه القطان إجازةً قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال أخبرني عبد الجبار بن سليمان بن نوفل بن مساحقٍ عن أبيه عن جده قال: أنا رأيت مجنون بني عامر، وكان جميل الوجه أبيض اللون قد علاه شحوبٌ، واستنشدته فأنشدني قصيدته التي يقول فيها: تذكرت ليلى والسنين الخوالـيا وأيام لا أعدي على اللهو عادياً
أخبرني محمد بن الحسن الكندي خطيب مسجد القادسية قال حدثنا الرياشي قال: سمعت أبا عثمان المازني يقول: سمعت معاذاً وبشر بن المفضل جميعاً ينشدان هذين البيتين وينسبانهما لمجنون بني عامر:

طمعت بليلى أن تريع وإنمـا ** تقطع أعناق الرجال المطامع
ودانيت ليلى في خلاءٍ ولم يكن ** شهودٌ على ليلى عدولٌ مقانع


وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو خليفة "الفضل بن الحباب" عن ابن سلام قال: قضى عبيد الله الحسن بن الحصين بن أبي الحر العنبري على رجل من قومه قضيةً أوجبها الحكم عليه، وظن العنبري أنه تحامل عليه وانصرف مغضباً، ثم لقيه في طريق، فأخذ بلجام بغلته وكان شديداً أيداً، ثم قال له: إيه يا عبيد الله! طمعت بليلى أن تريع وإنمـا تقطع أعناق الرجل المطامع
فقال عبيد الله:
وبايعت ليلى في خلاءٍ ولم يكن ** شهودٌ عدولٌ عند ليلى مقانـع

خل عن البغلة. قال الصولي في خبره هذا: والبيتان للبعيث هكذا، قال: فلا أدري أمن قوله هو أم حكاية عن أبي خليفة!.

زيارة ليلى له وحديثه معها
أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري عن عبد الله بن خلف الدلال قال حدثنا زكريا بن موسى عن شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال: لما اختلط عقل قيس بن الملوح وترك الطعام والشراب، مضت أمه إلى ليلى فقالت لها: إن قيساً قد ذهب حبك بعقله، وترك الطعام والشراب، فلو جئته وقتاً لرجوت أن يثوب إليه "بعض" عقله، فقالت ليلى: أما نهاراً فلا لأنني لا آمن قومي على نفسي ولكن ليلاً، فأتته ليلاً فقالت له: يا قيس، إن أمك تزعم أنك جننت من أجلي وتركت المطعم والمشرب، فاتق الله وأبق على نفسك، فبكى وأنشأ يقول:

قالت جننت على أيشٍ فقلت لها ** الحب أعظم مما بالمـجـانـين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبـه ** وإنما يصرع المجنون في الحين


قال: فبكت معه، وتحدثا حتى كاد الصبح أن يسفر، ثم ودته وانصرفت، فكان آخر عهده بها.

سبب جنونه بيت شعر قاله
أخبرنا ابن المرزبان قال قال القحذمي: لما قال المجنون:

قضاها لغيري وابتلاني بحبها ** فهلا بشيءٍ غير ليلى ابتلانيا

سلب عقله. الغناء لحكم ثقيلٌ أول، وقيل إنه لابن الهربذ. وفيه لمتيم خفيف ثقيلٍ أول من جامع أغانيها. وحدثني جحظة بهذا الخبر عن ميمون بن هارون أنه بلغه أنه لما قال هذا البيت برص.

سبب تسميته المجنون واختلاف الرواة في ذلك
أخبرني الحسن بن علي "قال حدثنا محمد بن طاهر" القرشي عن ابن عائشة قال: إنما سمي المجنون بقوله:
ما بال قلبك يا مجنون قد خـلـعـا ** في حب من لا ترى في نيله طمعا
الحب والود نيطا بالـفـؤاد لـهـا ** فأصبحا في فؤادي ثابتـين مـعـا


حدثنا وكيعٌ عن ابن يونس قال قال الأصمعي: لم يكن المجنون، إنما جننه العشق، وأنشد له:

يسمونني المجنون حين يرونني** نعم بي من ليلى الغداة جنـون
ليالي يزهى بي شبابٌ وشـرةٌ ** وإذ بي من خفض المعيشة لين


أخبرني محمد بن المرزبان عن إسحاق بن محمد بن أبان قال حدثني علي بن سهل عن المدائني: أنه ذكر عنده مجنون بني عامر فقال: لم يكن مجنوناً، وإنما قيل له المجنون بقوله:

وإني لمجنونٌ بلـيلـى مـوكـلٌ ** ولست عزوفاً عن هواها ولا جلدا
إذا ذكرت ليلى بكـيت صـبـابةً ** لتذكارها حتى يبل البكا الـخـدا



أخبرني عمر بن جميلٍ العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عون بن عبد الله العامري أنه قال: ما كان والله المجنون الذي تعزونه إلينا مجنوناً، إنما كانت به لوثةٌ وسهوٌ أحدثهما به حب ليلى، وأنشد له: وبي من هوى ليلى الذي لو أبـثـه جماعة أعدائي بكت لي عيونـهـا
أرى النفس عن ليلى أبت أن تطيعني فقد جن من وجدي بليلى جنونـهـا
أخبرني ابن المرزبان قال قال العتبي: إنما سمي المجنون بقوله:

يقول أناسٌ عل مجنـون عـامـرٍ** يروم سلواً قلت أنى لـمـا بـيا
وقد لامني في حب ليلى أقاربـي ** أخي وابن عمي وابن خالي وخاليا
يقولون ليلى أهـل بـيت عـداوةٍ ** بنفسي ليلى من عـدو ومـالـيا
ولو كان في ليلى شذاً من خصومةٍ** للويت أعناق المطي الـمـلاويا


أخبرني هاشم "بن محمد" الخزاعي عن عيسى بن إسماعيل قال قال ابن سلام: لو حلفت أن مجنون بني عامرٍ لم يكن مجنوناً لصدقت، ولكن توله لما زوجت ليلى وأيقن اليأس منها، ألم تسمع إلى قوله:

أيا ويح من أمسى تخلس عقل** ـه فأصبح مذهوباً به كل مذهـب
خليعاً من الخلان إلا مجـامـلا ** يساعدني من كان يهوى تجنبي
إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت ** عوزاب قلبي من هوىً متشعب


خبرني به الحسن بن علي عن دينار بن عامر التغلبي عن مسعود بن سعد عن ابن سلام ونحوه.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني صالح بن سعيد قال أنشدني يعقوب بن السكيت للمجنون.
يسمونني المجنون حين يرونني ** نعم بي من ليلى الغداة جنون

قال: وأنشدنا له أيضاً:

وشغلت عن فهم الحديث سوى** ما كان فيك فإنه شـغـلـي
وأديم لحظ محـدثـي لـيرى ** أن قد فهمت وعندكم عقلـي


الحديث عن تكنيته ليلى بأم مالك
أخبرني ابن المرزبان عن محمد بن الحسن دينار الأحول عن علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة: أن صاحبة مجنون بني عامر التي كلف بها ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي "بن ربيعة" بن الحريش، وكنيتها أم مالكٍ، وقد ذكر هذه الكنية المجنون في شعره فقال:

تكاد بلاد الله يا أم مـالـكٍ ** بما رحبت يوماً علي تضيق

وقال أيضاً:

فإن الذي أملت من أم مـالـكٍ ** أشاب قذالي واستهـام فـؤاديا
خليلي إن دارت على أم مالـكٍ ** صروف الليالي فابغيا لي ناعيا
الرد مع إقتباس
  #6  
قديم 13-04-2006, 06:46 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

وقال أبو عمرو الشيباني: علق المجنون ليلى بنت مهدي بن سعد من بني الحريش، وكنيتها أم مالكٍ، فشهر بها وعرف خبره فحجبت عنه، فشق عليه فخطبها إلى أبيها فرده وأبى أن يزوجه إياها، فاشتد به الأمر حتى جن وقيل له: "مجنون بني عامر" فكان على حاله يجلس في نادي قومه فلا يفهم ما يحدث به ولا يعقله إلا إذا ذكرت ليلى. وأنشد له أبو عمرو:
الرائية

ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعـي ** بليلٍ ولا يجـري بـذلـك طـائر
بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت** بليلى ولكن ليس للطـير زاجـر
أزالت عن العهد الذي كان بينـنـا ** بذي الأثل أم قد غيرتها المـقـادر
فوالله ما في القرب لي منك راحةٌ ** ولا البعد يسليني ولا أنا صـابـر
ووالـلـه مـا أدري بـأية حـيلةٍ ** وأي مرامٍ أو خطـارٍ أخـاطـر
وتالله إن الدهر في ذات بـينـنـا ** علي لها في كل حـالٍ لـجـائر
فلو كنت إذ أزمعت هجري تركتني ** جميع القوى والعقل منـي وافـر
ولكن أيامي بـحـقـل عـنـيزةٍ ** وبالرضم أيامٌ جناها الـتـجـاور
وقد أصبح الود الذي كان بـينـنـا** أماني نفسٍ والـمـؤمـل حـائر
لعمري لقد رنقـت يا أم مـالـكٍ ** حياتي وساقتني إليك الـمـقـادر


قال أبو عمرو: وأخبرني بعض الشأميين قال: دخلت أرض بني عامر، فسألت عن المجنون الذي قتله الحب، فخبروني عنه أنه كان عاشقاً لجارية منهم يقال لها ليلى، ربا معها ثم حجبت عنه، فاشتد عليه وذهب عقله، فأتاه إخوانٌ من إخوانه يلومونه على ما يصنع بنفسه، فقال:

يا صاحبي ألما بي بمـنـزلةٍ ** قد مر حينٌ عليها أيما حـين
في كل منزلةٍ ديوان معـرفةٍ ** لم يبق باقيةٍ ذكـر الـدواوين
إني أرى رجعات الحب تقتلني ** وكان في بدئها ما كان يكفيني


جنونه بليلى وهيامه على وجهه من أجلها
أخبرني هاشمٌ الخزاعي عن "العباس بن الفرج" الرياشي قال: ذكر العتبي عن أبيه قال: كان المجنون في بدء أمره يرى ليلى ويألفها ويأنس بها ثم غيبت عن ناظره، فكان أهله يعزونه عنها ويقولون: نزوجك أنفس جاريةٍ في عشيرتك، فيأبى إلا ليلى ويهذي بها ويذكرها "فكان ربما استراح إلى أمانيهم وركن إلى قولهم"، وكان ربما هاج عليه الحزن والهم فلا يملك مما هو فيه أن يهيم على وجهه، وذلك قبل أن يتوحش مع البهائم في القفار، فكان قومه يلومونه ويعذلونه، فأكثروا عليه في الملامة والعذل يوماً فقال:

يا للرجال لهـمٍّ بـت يعـرونـي ** مستطرفٍ وقديمٍ كان يعـنـينـي
على غريم مليء غـير ذي عـدم ** يأبى فيمطلني دينـي ويلـوينـي
لا يذكر البعض من ديني فينكـره ** ولا يحدثني أن سوف يقضـينـي
وما كشكري شكرٌ لو يوافـقـنـي ** ولا منىً كمـنـاه إذ يمـنـينـي
أطعته وعصيت النـاس كـلـهـم ** في أمره ثم يأبى فهو يعصـينـي
خيري لمن يبتغي خيري ويأمـلـه ** من دون شري وشري غير مأمون
وما أشارك في رأيي أخاً ضعـفٍ ** ولا أقول أخي مـن لا يواتـينـي


وقال أبو عمرو الشيباني: حدثني رباح العامري قال: كان المجنون أول ما علق ليلى كثير الذكر لها والإتيان بالليل إليها، والعرب ترى ذلك غير منكرٍ أن يتحدث الفتيان إلى الفتيات، فلما علم أهلها بعشقه لها منعوه من إتيانها وتقدموا إليه، فذهب لذلك عقله ويئس منه قومه واعتنوا بأمره، واجتمعوا إليه ولاموه وعذلوه على ما يصنع بنفسه، وقالوا: والله ما هي لك بهذه الحال، فلو تناسيتها رجونا أن تسلو قليلاً، فقال لما سمع مقالتهم وقد غلب عليه البكاء:

فواكبدا من حب من لا يحبنـي ** ومن زفراتٍ ما لهـن فـنـاء
أريتك إن لم أعطك الحب عن يدٍ ** ولم يك عنـدي إذ أبـيت إبـاء
أتاركتي للموت أنـت فـمـيتٌ ** وما للنفوس الخائفـات بـقـاء


ثم أقبل على القوم فقال: إن الذي بي ليس بهينٍ، فاقلوا من ملامكم فلست بسامعٍ فيها ولا مطيعٍ لقول قائلٍ.
قصة حبه ليلى برواية رباح العامري
أخبرني عمي ومحمد بن حبيب وابن المرزبان عن عبد الله بن أبي سعد عن عبد العزيز صالح عن أبيه عن ابن دأبٍ عن رباح بن حبيب العامري: أنه سأله عن حال المجنون وليلى، فقال: كانت ليلى من بني الحريش وهي بنت مهدي بن سعيد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش، وكانت من أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن جسماً وعقلاً وأفضلهن أدباً وأملحهن شكلاً، وكان المجنون كلفاً بمحادثة النساء صباً بهن، فبلغه خبرها ونعتت له، فصبا إليها وعزم على زيارتها، فتأهب لذلك ولبس أفضل ثيابه ورجل جمته ومس طيباً كان عنده، وارتحل ناقةً له كريمةً برحلٍ حسنٍ وتقلد سيفه وأتاها، فسلم فردت عليه السلام وتحفت في المسئلة، وجلس إليها فحادثته وحادثها فأكثرا، وكل واحد منهما مقبلٌ على صاحبه معجبٌ به، فلم يزالا كذلك حتى أمسيا، فانصرف إلى أهله فبات بأطول ليلةٍ شوقاً إليها، حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى، ثم انصرف إلى أهله فبات بأطول من ليلته الأولى واجتهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك، فأنشأ يقول:

نهاري نهار الناس حتى إذا بـدا ** لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ** ويجمعني والهم بالليل جامـع
لقد ثبتت في القلب منك محـبةٌ ** كما ثبتت في الراحتين الأصابع


قال: وأدام زيارتها وترك من يأتيه فيتحدث إليه غيرها، وكان يأتيها في كل يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع حتى إذا أمسى انصرف، فخرج ذات يومٍ يريد زيارتها فلما قرب من منزلها لقيته جاريةٌ عسراء فتطير منها، وأنشأ يقول:

وكيف يرجى وصل ليلى وقد جـرى ** بجد القوى والوصل أعسر حاسـر
صديع العصا صعب المرام إذا انتحى ** لوصل امرىءٍ جدت عليه الأواصر


ثم سار إليها في غدٍ فحدثها بقصته وطيرته ممن لقيه، وأنه يخاف تغير عهدها وانتكاثه وبكى، فقالت: لا ترع، حاش لله من تغير عهدي، لا يكون والله ذلك أبداً إن شاء الله، فلم يزل عندها يحادثها بقية يومه، ووقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فجاءها يوماً كما كان يجيء، وأقبل يحدثها فأعرضت عنه، وأقبلت على غيره بحديثها، تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه، فلما رأى ذلك جزع جزعاً شديداً حتى بان في وجهه وعرف فيه، فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرة إليه فقالت: كلانا مظهرٌ للناس بغضنا وكل عند صاحبه مكين
فسري عنه وعلم ما في قلبها، فقالت له: إنما أردت أن أمتحنك والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك، وأعطي الله عهداً إن جالست بعد يومي هذا رجلاً سواك حتى أذوق الموت إلا أن أكره على ذلك، قال: فانصرفت عنه وهو من أشد الناس سروراً وأقرهم عيناً، وقال:

أظن هواها تاركي بـمـضـلةٍ ** من الأرض لا مالٌ لدي ولا أهل
ولا أحدٌ أفضي إلـيه وصـيتـي ** ولا صاحبٌ إلا المطية والرحل
محا حبها حب الألى كن قبلـهـا ** وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل


شعره بعد أن تزوجت وأيس منها أخبرني جعفر بن قدامة عن أبي العيناء عن العتبي قال: لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعةٌ فلم يرضهم أهلها، وخطبها رجل من ثقيف موسرٌ فزوجوه وأخفوا ذلك عن المجنون ثم نمي إليه طرفٌ منه لم يتحققه، فقال:

دعوت إلهي دعوةً ما جهلتـهـا ** وربي بما تخفي الصدور بصير
لئن كنت تهدي برد أنيابها العـلا ** لأفقر مني إنـنـي لـفـقـيرٌ
فقد شاعت الأخبار أن قد تزوجت ** فهل يأتيني بالطـلاق بـشـير


وقال أيضاً:

ألا تلك ليلى العامرية أصبـحـت ** تقطع إلا من ثقيفٍ حـبـالـهـا
هم حبسوها محبس البدن وابتغـى ** بها المال أقوامٌ ألا قل مـالـهـا
إذا التفتت والعيس صعرٌ من البرى ** بنخلة جلت عبرة العين حالـهـا


قال: وجعل يمر بيتها فلا يسأل عنها ولا يلتفت إليه، ويقول إذا جاوزه:

ألا أيها البيت الـذي لا أزوره ** وإن حله شخصٌ إلي حبـيب
هجرتك إشفاقاً وزرتك خائفـاً ** وفيك علي الدهر منك رقيب
سأستعتب الأيام فيك لعلـهـا ** بيوم سرورٍ في الزمان تؤوب


قال: وبلغه أن أهلها يريدون نقلها إلى الثقفي فقال:

كأن القلب ليلة قيل يغدى** بليلى العامرية أو يراح
قطاةٌ عزها شركٌ فباتت ** تجاذبه وقد علق الجناح


فلما نقلت "ليلى" إلى الثقفي قال قصيدته العينية

طربت وشاقتك الحمول الـدوافـع ** غداة دعا بالبـين أسـفـع نـازع
شحا فاه نعباً بـالـفـراق كـأنـه ** حريبٌ سليبٌ نازح الـدار جـازع
فقلت ألا قد بين الأمر فانـصـرف ** فقد راعنا بالبـين قـبـلـك رائع
سقيت سموماً من غراب فأنـنـي ** تبينت ما خبرت مـذ أنـت واقـع
ألم تر أنـي لا مـحـب ألـومـه ** ولا ببديلٍ بعـدهـم أنـا قـانـع
ألم تر دار الحي في رونق الضحى ** بحيث انحنت للهضبتين الأجـارع
وقد يتناءى الإلف من بـعـد ألـفةٍ ** ويصدع ما بين الخليطـين صـادع
وكم من هوى أو جيرةٍ قد ألفتـهـم ** زماناً فلم يمنعهم الـبـين مـانـع
كأني غداة الـبـين مـيت جـوبةٍ ** أخو ظمأ سدت عليه المـشـارع
تخلس من أوشـال مـاءٍ صـبـابةً ** فلا الشرب مبذولٌ ولا هو نـاقـع
وبيضٍ تطلى بالعـبـير كـأنـهـا ** نعاج الملا جيبت عليها البـراقـع
تحملن من وادي الأراك فأومضـت ** لهن بأطراف العيون الـمـدامـع
فما رمن ربع الدار حتى تشابهـت ** هجائنها والجون منها الخـواضـع
وحتى حلمن الحور من كل جانـب ** وخاضت سدول الرقم منها الأكارع
فلما استوت تحت الخدور وقد جرى ** عبيرٌ ومسكٌ بالـعـرانـين رادع
أشرن بأن حثوا الجمال فـقـد بـدا ** من الصيف يومٌ لافحٌ الحر ماتـع
فلما لحقنا بالحمـول تـبـاشـرت ** بنا مقصراتٌ غاب عنها المطامـع
يعرضن بالدل الـمـلـيح وإن يرد ** جناهن مشغوفٌ فهـن مـوانـع
فقلت لأصحابي ودمعي مـسـبـلٌ ** وقد صدع الشمل المشتت صـادع
أليلى بأبواب الخدور تـعـرضـت ** لعيني أم قرنٌ من الشمس طالـع



هيامه إلى نواحي الشأم وما يقوله من الشعر عند عوده ورؤبة التوباد
أخبرني "محمد بن مزيد" بن أبي الأزهر عن الزبير عن محمد بن عبد الله البكري عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني عمي عن "عبد الله" بن شبيب عن "هارون بن موسى" الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني ابن المرزبان عن ابن الهيثم عن العمري عن العتبي قالوا جميعاً: كان المجنون وليلى وهما صبيان يرعيان غنماً لأهلها عند جبلٍ في بلادهما يقال له التوباد، فلما ذهب عقله وتوحش، كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به، فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعاً شديداً واستوحش فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم، فإذا ثاب إليه عقله رأى بلداً لا يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم: بأبي أنتم، أين التوباد من أرض بني عامر؟ فيقال له: وأين أنت من أرض بني عامر! أنت بالشأم عليك بنجم كذا فأمه، فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن، فيرى بلاداً ينكرها وقوماً لا يعرفهم فيسألهم عن التوباد وأرض بني عامر، فيقولون: وأين أنت من أرض بني عامر! عليك بنجم كذا وكذا، فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد، فإذا رآه قال في ذلك: أبياته التي يصف فيها انصباب الدمع

وأجهشت للتوباد حـين رأيتـه ** وكبر للرحمـن حـين رآنـي
وأذريت دمع العين لما عرفتـه ** ونادى بأعلى صوته فدعـانـي
فقلت له قد كان حولـك جـيرةٌ ** وعهدي بذاك الصرم منذ زمان
فقال مضوا واستودعوني بلادهم ** ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
وإني لأبكي اليوم من حذري غداً ** فراقك والحيان مجتـمـعـان
سجالاً وتهتـانـا ووبـلاً وديمةً ** وسحاً وتسجاماً إلى هـمـلان
الرد مع إقتباس
  #7  
قديم 13-04-2006, 06:59 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

ندم أبي ليلى على عدم تزويجه بها

قال الهيثم: فحدثني جماعةٌ من بني عامر: أنه لم تبق فتاةٌ من بني جعدة ولا بني الحريش إلا خرجت حاسرةً صارخةً عليه تندبه؛ واجتمع فتيان الحي يبكون عليه أحر بكاء، وينشجون عليه أشد نشيج، وحضرهم حي ليلى معزين وأبوها معهم فكان أشد القوم جزعاً وبكاءً عليه، وجعل يقول: ما علمنا أن الأمر يبلغ كل هذا، ولكني كنت امرأ عربياً أخاف من العار وقبح الأحدوثة ما يخافه مثلي، فزوجتها وخرجت عن يدي، ولو علمت أن أمره يجري على هذا ما أخرجتها عن يده ولا احتملت ما كان علي في ذلك. قال: فما رئي يومٌ كان أكثر باكيةً وباكياً على ميتٍ من يومئذٍ.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني منها الصوت الذي أوله:

ألا يا غراب البين ويحك نبني ** بعلمك في لبنى وأنت خبير

الغناء لابن محرز ثقيلٌ أول بالوسطى عن الهشامي، وذكر إبراهيم أن فيه لحناً لحكمٍ. وفي رواية ابن الأعرابي أنه أنشده مكان: ألا يا عراب البين ويحك نبني بعلمك في لبنى وأنت خبير

ألا يا غراب البين هل أنت مخبـري** بخيرٍ كما خبرت بالنـأي والـشـر
وخبرت أن قد جد بـينٌ وقـربـوا ** جمالاً لبينٍ مثقلاتٍ مـن الـغـدر
وهجت قذى عينٍ بلبنـى مـريضةٍ ** إذا ذكرت فاضت مدامعها تجـري
وقلت كذاك الدهر مازال فاجـعـاً ** صدقت وهل شيءٌ بباقٍ على الدهر


الشعر لقيس بن ذريح، والغناء لابن جامع، ثقيلٌ أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لبحرٍ ثقيلٌ أول بالوسطى عن عمرو. وفيه لدحمان ثاني ثقيل عن الهشامي وعبد الله بن موسى.
ومنها الصوت الذي أوله.
كأن القلب ليلة قيل يغدى ** بليلي العامرية أو يراح

بكاء أبي ليلى على المجنون وشعر وجد بعد موت المجنون في خرقة
أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا الفضل الربعي عن محمد بن حبيب قال: لما مات مجنون بني عامر وجد أرض خشنةٍ بين حجارةٍ سودٍ، فحضر أهله وحضر "معهم" أبو ليلى - المرأة التي كان يهواها - وهو متذمم من اهله، فلما رآه ميتاً بكى واسترجع وعلم أنه قد شرك في هلاكه، فبينما هم يقلبونه إذ وجدوا خرقةً فيها مكتوبٌ:

ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضـى ** شقيت ولا هنيت من عيشك الغضا
شقيت كما أشقيتني وتركـتـنـي ** أهيم مع الهلاك لا أطعم الغمضا
كأن فؤادي في مخالـب طـائرٍ ** إذا ذكرت ليلى يشد بها قبضـا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتـمٍ ** علي فما تزداد طولاً ولا عرضا


عوتب على التغني بالشعر فقال
أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب قال حدثني بعض القشيريين عن أبيه قال: مررت بالمجنون وهو مشرفٌ على وادٍ في أيام الربيع، وذاك قبل أن يختلط، وهو يتغنى بشعر لم أفهمه، فصحت به: يا قيس، أما تشغلك ليلى عن الغناء والطرب! فتنفس تنفساً ظننت أن حيازيمه قد انقدت، ثم قال:

وما أشرف الأيفاع إلا صـبـابةً ** ولا أنشد الأشعـار إلا تـداويا
وقد يجمع الله الشتيتين بعـد مـا ** يظنان جهد الظن أن لا تلاقـيا
لحي الله أقواماً يقولون إنـنـي ** وجدت طوال الدهر للحب شافيا


التقاؤه بقيس بن ذريح وطلبه منه إبلاغ سلامه لليلى

أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: اجتاز قيس بن ذريح بالمجنون وهو جالسٌ وحده في نادي قومه، وكان كل واحد منهما مشتاقاً إلى لقاء الآخر، وكان المجنون قبل توحشه لا يجلس إلا منفرداً ولا يحدث أحداً ولا يرد على متكلم جواباً ولا على مسلم سلاماً، فسلم عليه قيس بن ذريح فلم يرد عليه السلام؛ فقال له: يا أخي أنا قيس بن ذريح فوثب إليه فعانقه وقال: مرحباً بك يا أخي، أنا والله مذهوبٌ "بي" مشترك اللب فلا تلمني، فتحدثا ساعة وتشاكيا وبكيا، ثم قال له المجنون: يا أخي، إن حي ليلى منا قريبٌ، فهل لك أن تمضي إليها فتبلغها عني السلام؟ فقال له: أفعل. فمضى قيس بن ذريح حتى أتى ليلى فسلم وانتسب؛ فقالت له: حياك الله، ألك حاجة؟ قال: نعم، ابن عمك أرسلني إليك بالسلام؛ فأطرقت ثم قالت ما كنت أهلاً للتحية لو علمت أنك رسوله، قل له عني: أرأيت قولك:

أبت ليلةٌ بالـغـيل يا أم مـالـكٍ ** لكم غير حب صادقٍ ليس يكذب
ألا إنمـا أبـقـيت يا أم مـالـكٍ ** صدىً أينما تذهب به الريح يذهب


أخبرني عن ليلة الغيل، أي ليلة هي؟ وهل خلوت معك في الغيل أو غيره ليلاً أو نهاراً؟ فقال لها قيس: يابنة عم، إن الناس تأولوا كلامه على غير ما أراد، فلا تكوني مثلهم، إنما أخبر أنه رآك ليلة الغيل فذهبت بقلبه، لا أنه عناك بسوء؛ قال: فأطرقت طويلاً ودموعها تجري وهي تكفكفها، ثم انتحبت حتى قلت تقطعت حيازيمها، ثم قال: اقرأ على ابن عمي السلام، وقل له: بنفسي أنت! والله إن وجدي بك لفوق ما تجد، ولكن لا حيلة لي فيك؛ فانصرف قيسٌ إليه ليخبره فلم يجده.

رأى ليلى فبكى ثم قال شعراً
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عمي عن ابن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال: مر المجنون بعد اختلاطه بليلى "وهي" تمشي في ظاهر البيوت بعد فقدٍ لها طويل، فلما رآها بكى حتى سقط على وجهه مغشياً عليه، فانصرفت خوفاً من أهلها أن يلقوها عنده، فمكث كذلك مليا ثم أفاق وأنشأ يقول: بكى فرحاً بلـيلـى إذ رآهـا محب لا يرى حسناً سواهـا
لقد ظفرت يداه ونال ملكاً ** لئن كانت تراه كمـا يراهـا
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م