مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 22-04-2006, 02:44 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

اللجوء إلى العدو الحقيقي

غير أن عبد الله بن متعب رأى من الخير لنفسه أن يلتجئ إلى العدو الحقيقي (ابن سعود) ويسلم نفسه وحدها إليه، ويدع مدينة حائل إلى أهلها يحمونها ولا يسلمها براً بقسمه؛ إذ آلى على نفسه أنه لن يسلمها وفيه نفس يتردد وسيجد عند عدوه السلام والغنم إذا ذهب إليه طائعاً! أما إذا مكث في المدينة فلا بد أن يعتدي عليه ابن عمه ويقتله. هذا ما ظنه فحار في أمره، ولم يدر ما يصنع، فنادى سليمان العنبر، وخلا الاثنان ليلاً فقال ابن متعب:

ـ يا سليمان، الحال مثلما ترى وأنا بين عدوين فلا أستطيع قتل ابن عمي لمجرد الظن ولا أستطيع انتظاره حتى يقتلني!.. وأردف أبن متعب يقول: لقد انتقض بعض الناس علينا، وكتب بعضهم إلى ابن سعود، وأخش من ابن طلال، فما ترى؟ فرد عليه سليمان العنبر يقول: والله يا عم لو طلبت أن أخوض معك البحر لما تأخرت، فأفصح عن قصدك فأنا طوع بنانك!.

ويقال أن عبد الله المتعب قال للعنبر أرى أن تمضي إلى ابن سعود ونسلمه أنفسنا ونترك البلد ينعى من بناه.. فقال له العنبر: كما ترى!

ـ قال عبد الله المتعب:ـ أعد أمرك، فسنغادر المدينة في الفجر والملتقى في خارجها… فقال له العنبر:ـ كما ترى، وليوفقنا الله…

فمضى سليمان إلى داره كاسفاً مشغول الفكر ونادى ابنه "غاطي" وقال له:

يا بني سنمضي غداً إلى ابن سعود..

فأجاب غاطي: أتستشيرني يا أبي.

قال: لا إنما أخبرك بالأمر الذي نويناه على كل حال، فاستعد.

قال غاطي: والأمير؟!

فأجاب سليمان: معنا!.. فقال غاطي: صحيح؟!.

قال سليمان: نعم.. فتمتم غاطي.. ثم قال: الله يكتب الذي فيه خير!.

والتقى الأمير عبد الله المتعب وبعض رجاله وهم: درعان، والذعيت، وعبد الله آل بجاد، وصقيه (مملوك الأمير) بسليمان العنبر وابنه في الموعد فجراً، ومشوا يريدون ابن سعود، وكلهم يمشي على قدميه، وعلم أهل حائل في الضحى بأمر الهاربين فقرروا اللحاق بهم وردهم إلى المدينة، ولكنهم تركوهم أخيراً وكتبوا إلى محمد بن طلال الذي كان في البر يجمع قبيلة شمر لقتال ابن سعود، فتوجه أبن طلال إلى حائل ودخلها وتولى الإمارة وقد سعت إليه من نفسها.

لم يكن مع الهاربين زاد ولا ماء، فاشتد بهم العطش وأظلم الطريق، والشائع أن هناك خطة سعودية لتهريب أمير حائل عبد الله المتعب، ويقود هذه الخطة سليمان العنبر، وأنهم ركبوا الإبل من حائل حتى وصلوا مخيم آل سعود، لكن هناك حكاية يرويها آل سعود وقد نشرها أحمد عطار في كتابه، "صقر الجزيرة" الذي طبعه على نفقة الملك عبد العزيز آل سعود، تقول هذه الرواية السعودية (أنه حينما اشتد العطش بعبد الله المتعب وصحبه، قال أحدهم ـ وكان يعرف هذه الأماكن ـ إن هنا بئر خلف تلك التلول، فمشوا حتى أتوا ووجدوا عليها بدواً كثيراً من جيوش ابن سعودي يسقون، وسألهم عن مقر "أميرهم" فدلهم أحدهم عليه وما كانوا يعلمون أن هؤلاء آل الرشيد وأشياعهم، ولو علموا لفتكوا بهم، فهؤلاء بدو أجلاف غلاظ دأبهم الفتك والضراوة، وأهون ما عليهم سفك الدم.. واستقبلهم الأمير خير استقبال وأنزلهم في خير موضع، وبعث إلى الأمير آل سعود بن عبد العزيز السعود وكان القائد العام للجيوش السعودية يبشره بوصول ابن متعب ورجاله فبعث إليه أن أكرمهم وبلغهم التحية، فإن رغبوا السعي إليه من توهم فليركبهم وإلا فليأخذ رأيهم، وألا يقصر في إرضائهم وتكريمهم..

ورأى ابن متعب ومن معه أن يبيتوا ليلتهم بموضعهم، فهم في حالة لغوب وتعب وقرروا أن يمضوا إلى سعود صباحاً.. وزادت ضجة البدو واجتمعوا حول خيمة آل الرشيد يرددون صيحات الضراوة يريدون أن يفتكوا بهم، فخرج إليهم أميرهم ووبخهم وطردهم وأفهمهم أنهم "مسلمون" يوحدو الله، وأنهم أصبحوا صبيان التوحيد، اخوان من أطاع الله ودخلوا في طاعة ابن سعود!) هكذا تقول رواية آل سعود الأشرار في كتاب العطار… اخوان من أطاع الله!!.

ومضوا من الفجر إلى الأمير سعود بن آل سعود، وكان نازلاً بقعاء فاستقبلهم استقبالاً فخماً، وبعد أن أقاموا أياماً رجع بهم سعود كأسرى إلى الرياض، واستقبلهم والده.. والحقيقة أن آل سعود قد استفادوا من تهريب عبد الله المتعب، فأخذوا معلومات كافية عن الأوضاع في حائل خدمتهم.. إلا أن محمد الطلال أخذ يقاوم ابن سعود، وينقل العطار عن ابن سعود قوله: (والحق أن محمد بن طلال كان حازماً قوياً بعيد المرمى، شجاعاً مقداماً شديد الأيد والصلابة، فيه صفات من عبد العزيز بن متعب بن رشيد القتيل بروضة مهنا، وليس في أمراء آل الرشيد الذين جلسوا على دست الحكم من يشبه هذين الأميرين في الشجاعة والقوة النفسية والبطولة ـ وهما عبد العزيز المتعب الرشيد ومحمد الطلال آل رشيد ـ وكان محمد بن طلال أعقل وأحصف، ولكن:

ما حيلة الرامي إذا التقت العدى وأراد رمي السهم فانقطع الوتر!

هكذا كان الحال مع ابن طلال، فقد تولى محمد بن طلال والأمر مدبر جد الإدبار، والبناء واهي الأساس محطوم الجدار، ولا يطيق الثقل الذي عليه، ولا يستطيع تداركه قبل الإنهيار، ويحتاج إلى زمن طويل لإعادة البناء كما كان، وخصمه لا يعطيه الفرصة ولا يمكنه من البناء.. وبالرغم من كل هذا فلم يفت في عضد محمد بن طلال بل وقف يدافع عن إمارته بكل ما وهب من قوة وجلد حتى أخذ. ولو تولى الامر والحال هادئ والبلاد منظمة لكان لها شأن كبير في الانشاء والتجديد).. ومع ذلك فان شمر وأهل حائل استطاعوا بالقيادة الصلبة لمحمد الطلال اكتساح الجنود السعوديين بعيداً وهزيمتهم وبادر إلى تجنيد الجيش وقاد جحفلاً عظيماً يسترد بعض ما اقتطع من بلاده ويؤدب الخونة، ووضع عصا الترحال في الجثامية ـ وهي على بعد 40 كم من حائل ـ ونزلها بجيشه وعسكر بها يتجهز من جديد لحرب جديدة مع آل سعود.

ولقد ترامت أنباؤه إلى ابن سعود فبعث فيصل الدويش، أحد شجعان العرب الأشداء، على رأس سرية قوية ليحارب حتى يأتيه بنفسه على رأس جنده!

ومضى فيصل والتقى يا بن طلال في الجثمانية، وتقاتلا قتالاً شديداً لم ينتصر فيه فريق على الآخر وتعادلت كفتا الخصمين واستمرت المناوشات مدة.

وعلى حين فجأة لم يشعر فيصل الدويش إلاّ بابن طلال ينسحب إلى النيصية يتحصن بها ولم يكن إنسحابه عن هزيمة، إنما فكر في الأمر دقيقاً فوجد أن التحصن أجدر به، فقد أنبأته عيونه أن جيشاً قادم من الرياض يتجه صوب الشمال وعليه عبد العزيز نفسه وبرسي كوكس وجون فيلبي فخشي أن يقف سداً بينه وبين عاصمته ويقطع عليه خط الرجعة إليها. إلا أن ابن سعود فاجأ ابن طلال في أول المحرم سنة 1340هـ بأسلحة انكليزية هائلة وجنود من البدو والحضر قوامهم / 30000 / مقاتل، واضطر ابن طلال من أجل ذلك إلى التقهقر والتحصن بجبل" أجا" ثم التراجع إلى حائل، في حين أن ابن سعود تقدم بجيشه وحاصر حائلاً وضواحيها وحصونها الخارجية ووحد القيادة تحت أمرة السير برسي كوكس الذي كان يقود (جيش الأخوان) بنفسه، يرافقه جون فيلبي وعدد من ضباط الإنكليز، وأصدر "تعليماته" إلى قواد الجيش بتطويق حائل من جميع جهاتها، وقطع الطرق عنها لئلا تتلقى المدد من الميرة والذخيرة، فيسهل الإستيلاء عليها نهائياً تحت تأثير هذا الضغط الشديد والتجويع..

فركز جون فيلبي مدافع على تل مرتفع تخويفاً، وأخذ يطلق قذائفها على السور أحياناً، ثم رتب قواته وجهزها ليهاجم البلدة هجوماً عنيفاً، وأحاط جميع جوانبها بالمدافع لهدم السور وضرب المدينة، وبدا الذين كانوا يراسلون ابن سعود ممن كانوا يسمون أنفسهم "أكابر الجماعة" بدأوا يرجفون في المدينة، وذهبوا إلى ابن طلال يشرحون له الأمر. ملمحين إليه بالتنازل لابن سعود!. فلم يرض أن يتنازل لخصمه، وأصر على الكفاح، فاشتد غضب العملاء عليه حين رأوا إصراره ونفروا منه ولكن لا حول لهم ولا قوة، وقد أمر البطل باعتقال بعضهم، وقبض على الأمر بيد من حديد، وأخذ يقاتل مع الشعب.

والحقيقة أن حصار حائل قد كشف للإخوان "البدو" كذب الدعاية الإنكليزية السعودية التي تقول ان (شمر وأهل حائل كفرة لا يؤمنون بالله!)، وذلك حينما رأى البدو المآذن، وسمعوا أصوات المؤذنين يرددون نداء الصلاة (الله أكبر الله أكبر)، فثاروا على ابن سعود والسير برسي كوكس وفيلبي، لكنهم وعدوهم بالانتظار يومين فقط! لأن أصحابهم في داخل حائل وعدوا بإدخالهم دون معرفة أبن طلال وأهل البلاد..

ويقول أحمد عبد الغفور عطار في كتابه السعودي (صقر الجزيرة) الذي أخذ عبد العزيز آل سعود يمليه عليه طيلة سنة يقعد ـ العطار ـ تحت قدمي الملك ليدون ما يقوله، يقول في الصفحة 327 (ولقد حاول السيربرسي كوكس أثناء حصار حائل التوسط بين ابن طلال وابن سعود، لكن ابن طلال رفض وساطة السير برسي كوكس في الصلح بينهما) وصمم ابن طلال على مقاومة آل سعود والإنكليز، وقال لبرسي كوكس (أيها الانكليز إنكم تكفروننا وأنتم كفرة.. ولولا سلاحكم وقيادتكم فلن يصل عبيدكم آل سعود إلى حدود حائل.. إننا إذا سلمنا من الخونة في الداخل، فسننجح في هزيمتكم أو نموت بكرامة).
  #2  
قديم 22-04-2006, 02:46 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

والخونة الذين يقصدهم ابن طلال، هم الذين كانوا يراسلون الإنكليز وابن سعود، وهم الذين اقتادوا جيوش ابن سعود والإنكليز من النيصية إلى الوسيطاء بين جبل طي وحائل غرباً ليسهل دخوله من الجبهة الغربية الجنوبية.. ومرة أخرى، تقدم عدد من "كبار الجماعة" وفي مقدمتهم إبراهيم السالم وحمد الشويعر ونصحوا ابن طلال (بأن ينقذ نفسه وعاصمته ورعيته من البلاء المحدق وأن يستسلم ويسلم البلاد لآل سعود).. فرفض البطل محمد الطلال بكل شهامة ـ رغم كل الظروف ـ رفض أن يستسلم!.. فخرج إبراهيم السالم وحمد الشويعر وعدد آخر سيأتي ذكرهم ممن كانوا على صلة قديمة مع ابن سعود (وكان يعدهم ويمنيهم ويغريهم بتسليمهم حكم البلاد وأكبر المناصب في سلطنته بعد سقوط حائل بيده) خرج إبراهيم السالم السبهان وحمد الشويعر ومن معهما من عند ابن طلال وكتبوا رسالة لعبد العزيز آل سعود يقولان فيها: (ان ابن طلال في حالة نفسية غريبة لا يجدي معها التفاهم، وهو عازم على قتالك ومعه من يفضلون الموت على دخولك للبلاد، وفي حال نجاحه وفشلك سوف يكون مصيرنا الموت.. سيقتلنا لأنه اكتشفنا جميعاً إننا معك وهو يعد الآن سيفه لرقابنا، وما عليكم إلا أن ترسلوا لنا قوة من جهة الزبارة(2) لتنطق من هذا المكان لفتح حائل واستلامها)..

وما أن استلم عبد العزيز آل سعود رسالة إبراهيم السالم وحمد الشويعر المرسلة له مع عبيد المسلماني، وهو يقيم في الوسيطا وأطلع عليها برسي كوكس وجون فيلبي وبقية "الخبراء" العرب، حتى أقروا إرسال قوة مكوّنة من ألفي رجل تحت قيادة عبد العزيز بن تركي وسعود الكبير ـ ابن عم أبن سعود ـ وسلطان بن بجاد. فاستقبلها مندوبون عن إبراهيم السالم وحمد الشويعر في الزبارة لتتسلل داخل مدينة حائل، فتحدث بتسللها الضغط الأخير على ابن طلال..

وفي هذا الاثناء تقدم عبد العزيز بن ابراهيم ـ وهو عميل سعودي اشتهر بالإجرام ـ وكان يظهر الصداقة لابن طلال بينما هو يعمل لحساب آل سعود، تقدم "ينصح" ابن طلال بالإستسلام، فدار بينهما نقاش حاد انتهى بإقناع ابن طلال ـ كما يزعم ابن إبراهيم ـ بقوله (قال لي ابن طلال اكتب خطاباً إلى ابن سعود بما تريد وأنا أوقعه).. ويقول العميل ابن إبراهيم ـ (انني قلت لابن طلال:ـ ومع من تبعث بالخطاب؟.. فقال: معك)ـ فقال ابن إبراهيم ـ (قلت له ان كنت أنا الرسول فلا حاجة إلى الخطاب!. إنما أعطني خاتمك المنقوش عليه اسمك ليكون شاهداً على التفويض فأعطاني الخاتم، ونصحته بأن يثبت على كلامه وأن لا يستسلم "للمفسدين" الذين يريدون حرب ابن سعود!).. وفي الحال غادره ابن ابراهيم ليقابل الطابور الثاني إبراهيم السالم وحمد الشويعر فأخبرهما فاستبشرا!!.. ومن ثم تحرك ابن ابراهيم لمقابلة عبد العزيز آل سعود والسير برسي كوكس وجون فيلبي في ضاحية حائل بالوسيطا، فعرض عليهم خاتم ابن طلال، ووافق عبد العزيز آل سعود وكوكس وفيلبي على شروط ابن طلال وقد اتفقت هذه الشروط مع ما سبق أن اتفق عليه عبد العزيز آل سعود والذين راسلوه من "الوجهاء" وفي مقدمتهم إبراهيم السالم السبهان وحمد الشويعر وهي كما يلي:

1 ـ أن لا يولى على حائل أحد من غير أهل حائل يعرفونه ويرتضونه، ويكون لهم الخيار باستبداله بغيره حينما يرون منه ما يوجب تغييره.

2 ـ أن لا يخرج الحاكم عن حدود الشريعة السمحاء.

3 ـ أن يقوم أهل البلد بتشكيل مجلس شورى من أعيان البلد.

4 ت أن لا تصار أراضي حائل وشمر والرعية للأسرة السعودية أو لأي فرد من أتباعها.

5 ـ أن لا يحدث أي سوء لمحمد الطلال وجميع أفراد أسرته وأصحابه وأهل حائل وشمر كافة أفراد رعيته وأتباعه ـ والمماليك ـ وكل خصم أو صديق في معيتهم وكل محارب وغير محارب، وأن يترك ما مضى وألا يلتفت إلى الوراء، وأن يعيش أبن طلال وأسرته بعد استسلامهم معززين مكرمين وفي حالة يرضونها.فنقل عبد العزيز بن إبراهيم ومعه عبد العزيز بن مساعد الجلوي هذه الإتفاقية الموقعة من عبد العزيز آل سعود، إلى محمد الطلال، وإلى ابراهيم السالم، وحمد الشويعر، وجمعوا جمعاً كبيراً من الناس وقرأوها عليهم للتهدئة.. وبعد هذا سلم ابن طلال نفسه وأسرته إلى ابن مساعد واتجه بهم إلى حيث يقيم عبد العزيز آل سعود وبرسي كوكس وجون فيلبي، وجموع حراسه وجنوده الذين قالوا: (انهم كانوا يتوقعون الفشل في دخول حائل لو لم يمكنهم من الدخول جماعة من أهل حائل وفي مقدمتهم إبراهيم السالم وحمد الشويعر)..

وفي رأيي: انه لا إبراهيم السالم ولا حمد الشويعر ولا غيرهما يتسطيع منع انهيار حكم حائل، فالحكم بطبيعته قد انهار، وحينما ينهار أي جسم من الاجسام فلا محالة من أن يأكله الدود أو آل سعود واليهود..


تحفز آل سعود (وصحابتهم) لدخلو حائل


وبدأ عبد العزيز آل سعود وبرسي كوكس وجون فيلبي وقادة "الإخوان" يتحفزون للدخول إلى حائل، والخوف والترقب ظاهر على وجوههم، لأنهم حتى ذلك الوقت كانوا يعتقدون أن كل ما جرى مجرد خدعة من ابن طلال للإيقاع بهم. وقال ناصر الدوخي أحد المقاتلين مع ابن سعود: (لقد كنا نستعد للرحيل عن ضواحي حائل، وان عبد العزيز بن سعود كان يتوقع تطويقه، ولو أن هناك مقاومة حدثت في اليومين السابقين لدخول ابن سعود إلى حائل لهربنا، لكن جميع "المناظر" مراكز الحراسة والدفاع عن حائل، قطعت عنها المؤن والذخيرة من الداخل، واستدعي كل من فيها من قبل الذين كانوا يتعاملون مع ابن سعود في حائل).. ويقول فهد المشاري أحد المسؤولين عن مراكز الحراسة في حائل: (لقد خلصت ذخيرتي وجماعتي فطلب مني إبراهيم السالم السبهان ـ بصفته المسؤول عنا ـ التوجه إلى مدينة حائل ومقابلته لاستلام ذخيرة، وحينما دخلت بيته وجدت ـ سعود العرافة آل سعود ـ في بيته، فقلت هذه خيانة كبرى: كيف تدخلون سعود العرافة، في حائل ونحن ما زلنا نقاتل هؤلاء الأعداء؟. فقال: "إنها ليست خيانة انها حقن دماء"! قلت: والله لو أن في بطن بندقيتي "أم خمس" رصاص، لأفرغته في رؤوسكم، ولكن لا شيء فيها!..).. قد تكون غلطة من هؤلاء لا خيانة، وان ما فعلوه في مراسلة ابن سعود ما هو إلا مجرد "اجتهاد منهم" وانها ليست خيانة في نظرهم، لكن الخيانة وليدة الأخطاء، وخطأ واحد يمهد الطريق إلى خيانة كبرى، خاصة فيما يتعلق بمصائر الأوطان..

الهوامش:

1 ـ لا يفوتني أن أسجّل بكل تقدير للشيخ حمود الحسين مواقفه الوطنية الكثيرة وخاصة عام 1962 في سبيل بلاده ضد جرائم جزّار حائل عبد العزيز بن مساعد الجلوي الذي قاطعه الشعب مراراً طالباً ابعاده.. ناصر.

2 ـ الزبارة، نخيل يقع في جنوب حائل يملك القسم الأكبر منه ابراهيم السالم وقد أطلق عليه اسم جيله، وهناك قسم من النخيل يملكه الشويعر وهو محاذ للزبارة. وفي هذه الأماكن عسكر جنود ابن السعود باتفاق مع المترفين أو ما يعرف باسم البرجوازية الآن.
  #3  
قديم 22-04-2006, 02:50 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

الفصل الثاني



ناصر السعيد يتحدث عن نفسه وثورات شعبه

ودخل ابن سعود "وصحابته" برسي كوكس وجون فيلبي وقد لبسوا "العبي العربية.. وأسدل الستار السعودي على ـ حائل ـ، وكانت أوخم "دخلة" لنهاية كفاح دام مئات السنين، وكانت بداية احتلال في يوم مشؤوم هو يوم 29 صفر 1340هـ الموافق 2 نوفمبر 1922م. وقد ولدت بعد الاحتلال بعام واحد، ونظر لي أهلي كما ينظرون أهل حائل "لمواليد السقوط" سقوط حائل.. نظرة عدم استحسان، وكأنهم يريدون أن لا تلد بطون النساء أحداً بعد سقوط حائل بيد الأعداء!.


مواليد السقوط


مواليد السقوط
ولذلك نرى الشيوخ من أهالي حائل يؤرخون مواليد ما قبل هذا اليوم المشؤوم "يوم سقوط حائل" بيوم السقوط، وما قبل السقوط، وما بعد السقوط، فالذين ولدوا ما قبل سقوط حائل ينظر لهم نظرة استحسان وهم الذين كان لهم شرف الدفاع اللهم إلا أولئك الذين تعاملوا مع ابن سعود".. أما الذين ولدوا بعد السقوط فهم في نظر الشيوخ أقل شأناً مهما يجب… وعندما يعيب الشيوخ أي عمل أو قول من أعمال أو أقوال الشباب فانه يزدرونه بقولهم (أو.. لا يلام هذا الفتى لأنه من مواليد السقوط)!، أي أنه لم يقدم لموطنه شيئاً من التضحيات ولا غرابة منه إذً أن يقول أو يفعل ما لا يرضى عنه!!.. كما نرى أن كبار السن من أهالي حائل يتشاءمون من شهر (صفر) من بدايته إلى نهايته لكونه شهر الإحتلال السعودي.. وكانت جدتي (حسنا السعيد) تجمع معظم نساء حيّنا يوم كل خميس، وخاصة النساء اللاتي قتل آل سعود أولادهن وذويهن، وتلقي فيهن محاضرات، أذكر منها قولها: (أنحس الاشهر الملعونة هو شهر صفر، في هذا الشهر تقوم القيامة ويفنى العالم في هذا الشهر!.. في هذا الشهر سالت الدماء غزيرة من أهلنا وأحباب قلوبنا.. في هذا الشهر تولى بلادنا اليهود آل سعود!).. ثم تختتم جدتي كل محاضرة من محاضراتها مهما اختلفت بدعوة النساء إلى رفع أيديهن إلى السماء والدعاء على آل سعود بالدعاء التالي: (اللهم انصرنا على اليهود آل سعود.. اللهم لا تجعلنا نموت قبل أن نرى يوم ذهابهم آمين يا رب العالمين!..).. وهناك عماتي ـ رقية وسلمي ولطفية ـ وقد قتل آل سعود اخوتهن: عبد الله وسليمان وعيسى السعيد في معركة النيصية، فلا تقل احداهن شأناً "في الدعاء" وإثارة الناس ضد آل سعود!.

وأول مرة دخلت السجن السعودي كنت مع جدتي وعمري سبع سنوات ووقتها كنت أتأثر بكل ما تقوله جدتي من حكايات عن جرائم آل سعود، وكانت جدتي جريئة في مقارعة خدم الحكم السعودي، وكانت جرأتها وثباتها على المبدأ في مقارعة خدم الحكم السعودي، وكانت جرأتها وثباتها على المبدأ في مقارعة الرجعية أكثر بكثير من معظم الرجال.. فلا زلت أذكر ما فعلته جدتي بخادم الملك عبد العزيز آل سعود، رغم كونها تحت حكمه وفي اوج جبروته، وكان عمري لا يتجاوز سن السابعة ـ حسب ظني(1) ـ، حينما طرق بابنا بشدة دلت على أن الطارق من خدم "الشيوخ" ـ أي الحكومة ـ. فلخدم الحكومة طرقات يعرفون بها تحدث من صوتها الرعب للناس، وتدل على فظاظة الحكم وعنجهيته، ومن تلك الطرقات عرفت جدتي أن الطاق هو خادم "الحكومة" لكنها لم تشأ قطع صلاتها، فتلك الصلاة كانت زائدة عن الصلوات الخمس مخصصة للدعاء بزوال حكم آل سعود، وصب جام اللعنات ضدهم أثناء الصلاة.

ولم تستعجل جدتي بل أنهت صلاة (الدعاء) المعتادة تلك، وكان الباب لا زال يقرع بشدة، ففتحت الباب وإذا بها أمام وجه (ابن مصيبح) خادم الملك، بيده السيف وباليد الأخرى زنبيل (قفة) يحتوي على قرابة الخمس كيلات من القمح "تصدق" الملك عبد العزيز علينا، كما تصدق بمثلها لغيرها بمناسبة زيارته "المقدسة" لحائل..

وقدم الخادم تلك القفة لجدتي بسخرية قال فيها (لماذا لا تفتحي الباب؟..)، قالت (انني أصلي).. قال الخادم (لماذا هذه الصلاة والوقت ليس وقت صلاة؟!) قلت جدتي هي صلاة الضحى، وهي مخصصة للدعاء عليكم وعلى حكمكم بالزوال، الذي قاتلنا بتهمة "أننا كفرة مشركين ولا نعرف الصلاة"، والآن تمنعنا عن الصلاة!). فرد الخادم وقال: (لولا أن عمرك أكثر من ستين سنة كنت قطعت رأسك!).. قالت جدتي: (يا كلب اليهود.. ايش تبغي الآن؟!).. قال الخادم بغضب شديد: (خذي هذه الصدقة من طويل العمر، وادعي له بالف وطول العمر، بدل ما تدعي عليه وهو الذي ما نسي أحداً فيكم رغم أنكم أعداء الله ورسوله!).. قالت جدتي بسخرية غاضبة: (طويل عمر!. أدعي لطويل العمر؟!.. وما زلنا أعداء الله ورسوله؟ ـ)، ثم تراجعت جدتي إلى الوراء قليلاً وأمسكت بعروتي القفة وفتلتها، وأومأت بها بشدة وسرعة وقذفت بها وجه (ابن مصيبح) خادم الاحتلال السعودي، فضربته ضربة جعلت خادم "الشيوخ" يدور حول نفسه ويسقط سيفه على الأرض. وكانت تلك الضربة قوية رغم كبر سن جدتي، فتطاير القمح بحيث لم تلتق حبة واختها في نفس الطريق!.

بهت الخادم من تلك المفاجأة غير المتوقعة من تلك العجوز التي لم تكتف "بالدعاء" والضرب بل مسكت بسيفه لتضربه به، لو لم يستخلصه منها وهي تصرخ ممسكة بثيابه تمزقها وتصب جام لعناتها المتواصلة عليه وعلى سيده الملك عبد العزيز ووكيله في حائل عبد العزيز بن مساعد الجلوي، متسائلة بعد ذلك بقولها: (هل تريد يا خادم الظلم مني أخذ هذا القمح كصدقة من سارق كبير؟. أم أخذه كدية لدماء عبد الله العيسى وعيسى السعيد وابني الذي قطعتم رجله في معركة النيصية، مع بقية الأهل والجيران، وأبناء بلادي الذين قتلتموهم بتهمة الكفر والالحاد لأنهم دافعوا عن الوطن؟ أم آخذها كفدية لإحتلالكم الوسخ للوطن؟.. اذهب فما زالت دماء الآلاف في النيصية والجثامية والوقيد والصفيح وسلمى وأجا باقية لم تنس تلعنكم، اذهب وقل لسيدك الطاغوت عبد العزيز ان حسناء ورقية وسلمى وبقية عجائز حائل ونساء حائل، أكثر ذاكرة من بعض الرجال الذين باعوا وطنهم بينما استمات رجالنا دفاعاً عنه وماتوا دونه)..

قال لها الخادم: (ألا تخافي من عقبى كلامك هذا؟)، فازدادت حنقاً وهي تهتف باصقة بوجهه: (ماذا بقي لنا حتى نخافكم يا مجرمين؟ رح راحت روحك وروح من أرسلك يا عبيد جون كوكس) تقصد (جون فيلبي وبرسي كوكس).. ثم أطبقت الباب بوجهه.. وبعد ساعتين من ذهاب خادم الإحتلال السعودي، عاد ومعه خمسة خدم أجلاف مثله، فاقتادوا جدتي وأنا معها إلى قصر أبن مساعد حيث أمطرها بأقصى المسبات. ثم أمر بسحبها وأنا معها، فدخلنا السجن وهو عبارة عن غرفة نتنة قذرة فيها (حطبة) مصيدة توضع بها أقدام السجناء، إلا أنه في المساء أفرج عنا بواسطة بعض الجماعة، ثم أعادونا مرة ثانية إلى أبن مساعد ليودعنا بلعناته القذرة وتهديداته لجدتي، حيث اتهمنا هذه المرة بتهمة خطيرة وهي (تحريض الله سبحانه وتعالى على ولاة الأمور الصالحين!).

فردت جدتي عليه بقولها: (ان لعناتك ترجع عليك.. ونحن ندرك أنكم تملكون الموت والحياة، لكنه لا فرق بين الموت والحياة عندنا فالموت أفضل لنا من وجوهكم بعد ما حل بنا ـ بعد ذهاب أعز أهالينا.. وأنا العجوز لا أملك غير دعوات رب العالمين بزوالكم).. فدفعها الخدم وأنا معها من الدرج، وذهبنا حتى وصلنا بيتنا فوجدناه مليء بالرجال والنسا ينتظرون عودتنا بالإكبار والتقدير.. وكانت كلماتها تلك دروسي الأولى لمقاومة آل سعود، فتطورت تلك الدروس إلى وعي أشمل لمشاكل الشعب كله والوطن وآلامه والإنسانية التي لا ننفصل عنها.

ومن يتلقى أول دروسه من امرأة لن ينساها، خاصة إن كانت تلك المرأة أماً أو جدة، فللأم والجدة من قوة التأثير ما ليس للمعلم.. والام والجدة أن صلحتا صلح النسل وإن فسدتا فسد النسل.. ومواقف جدتي تلك التي كانت أشرف من مواقف جامعة الدول العربية في محاربة الرجعية والاستعمار، تذكرني بما قرأته عن الشعب الأسبرطي الذي عاش قبل ميلاد السيد المسيح وكانت له بطولات عظيمة مدهشة، ولم يكن خلف تلك العظمة والبطولات غير النساء.. كان وراء تلك البطولات تربية (أمهات) أولائك الرجال، وقوة تأثيرهن في تلك الأمة.. مما دفع حكامهم حينما عرفوا ما للأم من قوة تأثير إلى سن ذلك القانون الفريد من نوعه حيث نص القانون على (أن كل مرتكب ذنب لا يعاقب. بل تعاقب والدته)، إلى حد أن نصّ هذا القانون: (على جلب والدة المذنب إلى الساحة العامة للمدينة وجلدها أمام الناس جزاء لسوء تربيتها لابنها أو ابنتها)، مما زاد حرص كل أم مهملة لتحسين تربية أطفالها وجعل كل ـ أبن أمرأة ـ يحسب ألف حساب لتمتدح أمه ولكيلا تجلد أمام ـ أم خطيبته ـ وحبيبته وأصحابه فيسجل التاريخ عار أمه التي تساهلت في تربية ابنها وطنياً فتساهل هو في حقوق شعبه وأمته. وبذلك أصبح الجميع أبطالاً..

لا شك أن في ذلك القانون من الاجحاف ما يتنافى وعصرنا هذا فيما لو أراد أي حاكم تطبيقه، على أن ما أتمناه هو أن تكون هنالك قوة شعبية تتمكن من تطبيق هذا القانون بأمهات الحكام العرب، لعلنا نجد منهم من لا يهادن الرجعية، كما لم تهادنها جدتي التي كانت أكثر شجاعة من معظم الحكام، حيث لم تهادن جدتي الرجعية ولو مرة، ولم تقبل من الرجعية أي عون، ورغم تأييدي لنظريات جدتي في آل سعود وفي معظم الحكام، إلا أنني لا أؤيد ظنها بأن ما وقع في حائل وقراها من مجارز سعودية يقع لسواها.. فما من منطقة في بلادنا قد نجت من مظالم الطغيان. وهناك مظالم ومجازر سعودية أخرى ارتكبها حكم الطغيان في أماكن أخرى كثيرة من الجزيرة العربية، إلا أن ما وقع في حائل شيء رهيب يحتاج وحده إلى كتب كثيرة، وما نكتبه الآن ما هو إلا أمثلة تذكرنا بسقوط حائل، وتذكرنا بمظالم آل سعود في حائل، وتذكرنا بمشاريع آل سعود في حائل!، تلك المشاريع "العظيمة" التي قد أولاها آل سعود بالغ اهتمامهم تمشياً بوصية والدهم في السلب والنهب والقتل، ووالدهم عبد العزيز هو صاحب مشروع (أخذناها بالسيف) بل صاحب أول مشروع طبقه في أول يوم لسقوط حائل حيث لم يخلو بيت من البيوت إلا وفقد منه ستة أشخاص أو ثلاثة أو واحد على الأقل..


حينما دخل عبد العزيز وكوكس وفيلبي حائل


في اليوم الذي دخل فيه عبد العزيز آل سعود "وصحابته" حائل تقدم عبد العزيز آل سعود المنحلّ "بمشروع حيوي جداً!!".. فما هذا المشروع؟.. المشروع كان زواجه ـ اكراهاً وشبيه بالاكراه ـ بمجموعة من النساء من ضمنها بعض نساء آل رشيد، وبالطريقة السعودية المعروفة.. وهي الاغتصاب باسم الكتاب والسنة!، تعبيراً عن فرحته في يوم كان كله حزن ومصيبة بسقوط القتلى، وسقوط الوطن وسقوط الكرامة، وكانت تلك أول صدمة لمن تآمروا مع ابن سعود وأحلوه في حائل خلسة وغدراً. لكن واحدة من النساء التي أراد اغتصابهن لم تتحمل أن يوجه لها هذا الحيوان السعودي المتوحش تلك الاهانة، ولم تقبل بمرور لحظات سروره الماجن دون الثأر لكرامتها وكرامة شعبها ولو بأي طريقة من الطرق وحسب المستطاع.. فزفّت إليه العروس اغتصاباً، وكانت قد أخفت مخرزاً بيدها، وما أن حاول الحيوان السعودي الاقتراب منها حتى أغمدت مخرزها في عينه وهي تصرخ: "لن تقرب مني أيها الملعون".. وهكذا فقد عبد العزيز آل سعود عينه.
  #4  
قديم 22-04-2006, 02:54 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

فلسطين في عيني!

وهي العين التي أشار باصبعه عليها عندما جاءه وفد فلسطين عام 1947 طالباً قطع البترول عن الغرب والصهاينة للضغط على أمريكا!، وقال عبد العزيز قولته المشهورة (انني أحافظ على فلسطين في عيني.. ولن تضيع فلسطين إلاّ إذا ضاعت عيني هذه!) وضاعت فلسطين كما ضاعت عين عبد العزيز.. وعندما قيل لعبد العزيز بعد ضياع فلسطين، لقد ضاعت فلسطين التي تعهدتها بعينك، قال: لن أكون أول من أضاع فلسطين ولا آخرهم.. أما عن المرأة الشمرية التي أضاعت عين الطاغية عبد العزيز، فلم يجرؤ هذا الطاغية على أن يمسسها بسوء لشعوره بالذنب والجريمة ولخشيته من تسرب الخبر. وقد اعتبرها إهانة له في هذا اليوم "من امرأة عربية شمرية" أرادت الأخذ بثأر رجالها عندما خانهم بعض الرجال بقصد ساذج أو خبيث، بل أشاع هذا الطاغية ان ما حدث لعينه لم يكن إلا (نظرة من عين حسود أصابته بعينه لهذا الإنتصار!!)، فسرح المرأة فوراً ولا أقول طلقها لأنه ليس بينه وبينها عقد زواج كما هو الحال في كل زيجات آل سعود (ألا يجوز أن يقال أنهم بهذا اولاد زنا؟)..

أما عن أهمية سقوط حائل بيد الاحتلال الانكلو سعودي، فقد قال السير برسي كوكس (لقد انتهى عهد الرعب وشغلنا الشاغل، انتهت حائل وقبائل اسمها شمر لم نحس قبل سقوطها بالإطمئنان.. حقاً لقد كان عبد العزيز المتعب الرشيد مستهتراً حينما قال له بعض أصدقائه بعد أن استولى ابن سعود على القصيم: دعنا نقاتل ابن سعود ونهاجمه فنحن قوة وابن سعود لا زال ضعيفاً قبل أن يمده الإنكليز ويصبح في عيونهم شيئاً. فكان رد عبد العزيز ابن رشيد ساخراً من الناصحين بقوله ـ ابن سعود رنب مجحره ـ ابن سعود لا يمكن أن يفلت من يدي أي ان ابن سعود أرنب في جحرها، وما دامت الارنب في جحرها، فهي مضمونة للصياد وسأصطادها متى شئت!.. وكان قد اصطاده ابن سعود)..


بعض الاسماء من آلاف الشهداء



وها هي الآن أسماء بعض الآلاف الذين استشهدوا في مجازر النيصيّة والجثمانية والصفيح والوقيد وضواحي حائل وسهالها، وراحوا ضحية الواجب الوطني والغدر الإنكليزي السعودي الآثم، ومنهم: الشهيد فهد سليمان العيسى، والشهيد فهد العبده، والشهيد صالح العيد، والشهيد عبد الله العيسى السعيد، وعيسى العيسى السعيد (رصاصة حطمت فخذه وتوفي منها فيما بعد بالعراق)، والشهيد حمد العلي السعيد، وسليمان السعيد، وعنبر العنبر، وسليمان النودلي، ومجول العيد الزويميل، وشائغ الملق وعبده الفائز، ودعسان الهمزاني، وسعود المطيلق، ومرجان بلال المرجان (أشعلوا فيه النار هو وسبعين شخصاً معه)، وصالح الضبعان (ورفاقه ثلاثون شخصاً مثلوا بهم) ومهدي البلال، (والعودي وأولاده ـ وجماعته وعددهم 47 شهيداً جمعوه وأحرقوهم بالنار)، والشهداء دعيع وطاهر، ومهدي أبو شرين، وسلامة وشقيقه ناصر العنبر، وجابر الشعلان، وحماد الشعلان، وعثمان المشاري، ومسفر المتعب، ومنديل المهوس، وفهيد المنيع، وفالح الحيص،وعامر وغانم الكوش، ومرشد المسلط، وعبد المحسن الشومر (وجماعته مائة وستون أحرقوهم بالنار أحياء) وإبراهيم العريفي (ومائتان وثلاثة وأربعون معه قتلوهم وسرقوا ثيابهم وأحرقوهم). هؤلاء ممن استشهدوا في مجزرة النيصية، أما الذين استشهدوا في مجزرة الجثامية فمنهم الشهداء: عارف الغلث، وفرج السعود، وساطي المسيعيد،وثاري البجيدي، وعلي العايد، وفهد السعيد، وسلام الطالب، وفهد الهشال، وجروان الأحمد، وسليمان المهدوس، وفرج الجيش، وإبراهيم السهيل، وعلي الجميعة، وإبراهيم الصلحاني، وخلف النعيم، وعبد الله البريط، وغيرهم من اللاف الذين سيكتب الشعب أسماءهم العربية في سجل الصديقين والخلود مع (400 ألف شهيد) من أبنائه في كافة أنحاء الجزيرة العربية، قتلهم الآثمون السعوديون والإنكليز في معارك تربة والطائف والجوف والحفر والحجاز ونجد ومن معظم القبائل..


كما شردوا من شعب الجزيرة العربية ما يزيد عن المليون ونصف مليون مواطن إلى أنحاء آسيا وافريقيا وكافة البلاد العربية، وهناك بطولة استشهاد لا ينساها شعبنا، تلك هي بطولة استشهاد القائد البطل ضاري بن طواله رئيس عشيرة (الأسلم) من قبيلة شمر.. لقد نزح ضاري بن طوالة مع من نزحوا من عشائر شمر عن حائر لخلاف بينه وبين سعود آل رشيد، ولكن ضاري بن طوالة ما أن علم بحصار حائل من قبل السعوديين حتى توجه من الكويت إلى حائل رغم ما بينه وبين آل رشيد من خلاف، جعل ابن الرشيد يهدد ضاري بن طوالة بالقتل.. توجه البطل ضاري بن طوالة ليدافع عن حائل، وأخذ واخوته يحارب كل من في طريقة من السعوديين وأتباعهم حتى وصل إلى ياطب (30 كم تقريباً شرقي حائل) وهو يقاتل الخونة بشدة. وفي ياطب أطلق عليه أحد عملاء الإنكليز السعوديين الذي رافقوه رصاصة غادرة أردته قتيلاً.. ولم ينس حتى وهو يلفظ أنفاسه الطاهرة أن يوصي قومه بمواصلة القتال في سبيل الوطن..

وكانت آخر كلمات هتف بها البطل واختلطت بحشرجات روحه الطاهرة قوله المأثور: (هذا هو عذري منك يا حائل. هل تقبلين بهذا العذر؟ إنني مت دفاعاً عنك ولم أخونك ولم أتركك وحيدة، ولو لم يقتلني هذا الشقي اليوم في حماك لكتب لي الموت غداً في جوفك، فوالله لن أقف على قدم من بعد سقوطك، ولن أحيا بعد أن يتسلمك الأعداء، وإن تركتك غضباً على حاكمك فلم أتركك غضباً عليك) فلتعش يا ضاري بن طوالة البطل مع الشهداء والصديقين خالداً شهيداً..

ولم تكن قصة هذا البطل هي الفريدة من نوعها على أبناء شعبنا، فكم من جندي باسل شجاع استشهد.. أما من نجا من المجاهدين في حائل، فلم يستسلموا للطغيان السعودي، بل ذهبوا إلى الحجاز ليشاركوا شعبنا هناك شرف الجهاد، ونذكر منهم البطل الشهيد صالح السعد الله، الذي لم يستسلم للسعوديين فهرب من حائل إلى الحجاز، ليشن هجمات فدائية على مخيمات ومدافع الإنكليز وابن سعود في الرغامة بجدة، حتى استشهد البطل هناك بعد أن شن هجمة من هجماته المتعددة على مخيم ابن سعود نهاراً، حينما ألقى القنيلة من يده على شخص اسمه صالح الذعيت، كان زميلاً لصالح السعد الله في الجهاد وهرب مع الأمير عبد الله المتعب الرشيد قبل سقوط حائل، فبقي مع ابن سعود وقد اتهمه صالح العبد الله أن الذعيت قد أصبح يحارب مع ابن سعود ضد شعبنا في الحجاز، رغم أن الذعيت هو الذي سبق له قطع رأس الكابتن شكسبير قائد جيش الأخوان السعوديين..

فهجم صالح السعد الله على صالح الذعيت مقتحماً تحصينات الإنكليز وابن سعود، وتحدث مع الذعيت وجهاً لوجه بقوله: (أنا صالح السعد الله يا لذعيت: هل تذكر جهادك الأول، هل تذكر أنك أنت الذي هجمت بسيفك على مدفع الإنكليزي شكسبير قائد جيش ابن سعود وذبحته في معركة جراب التي هزمنا فيها جيش العدو الإنكليزي عبد العزيز بن سعود؟.. أخس يا لذعيت يا بياع بلاده.. ولكن خذها ثمناً لخيانتك يا لذعيت)، فألقى عليه قنبلة مزقت أحشاءه، ثم راح البطل صالح السعد الله يهرول ويحمي مؤخرته بعض رفاقه، ولكن رصاصة سعودية غادرة لحقت به من الخلف فأردته قتيلاً، واستشهد البطل ولم ترفع جثته من الارض التي سقطت عليها مدة تزيد على شهر، حتى أنها تيبست دون أن تدور أو تلحق بها عفونة.. أما قبائل شمر المجاهدة فقد هاجر منها قرابة الخمسين ألفاً إلى العراق وسوريا والأردن.. وأما ابن سعود فقد خان كل عهوده ومواثيقه "ولحس" تلك المعاهدة التي وقعها هو والمتآمرين معه بقصد أو غير قصد.. ولكنه وضع الشيخ إبراهيم السالم السبهان حاكماً على حائل إلى حين.


وخان عبد العزيز آل سعود عهده ومعاهداته


بعد أن قال عبد العزيز آل سعود في كلمة ألقاها في حشد من أهل حائل: (أنا لا أريد أن أنصب عليكم من لا ترضونه ـ يا أهل حائل وشمر ـ وقد قال لي البعض نصب علينا أحد أفراد أسرتك، لكني أقسمت أن لا يحكمكم أحد من أفراد أسرتي، لأنني غير آمن أن أولي عليكم أحداً منا، والسبب قد لا تستطيعون شكواه إلينا فيما لو ظلمكم وأخل بهذه الشروط بيننا وبينكم، أو ارتكب أي ذنب لأننا ندّعي أننا أخذناكم بالسيف، فالحقيقة أنه لو ما تفاهم عقلاؤكم لطالت الحرب بيننا وبينكم، وربما ننجح بدخول حائل وربما لا ننجح، ولكن هذه إرادة الله!.. وقد وافقنا على كل طلباتكم وهذا هو إبراهيم السالم منكم وفيكم، اطلبوا منه ما تريدون وما ترونه نافع وهو سيوصل الأمر إلينا)! الخ، فلا تعجب لهذه الحيل والخداع السعودي، فالاحتلال السعودي ما قام إلاّ على الحيل والخداع وما زال الخداع شريعته.
وفجر عبد العزيز بقسمه ونقض اتفاقيته مع أهل حائل وتبعته ذريته من بعده
وما هي إلا مدة قصيرة جداً حتى عزل ـ ابن سعود ـ "صاحبه الحائلي" ابراهيم السالم السبهان واستبدله بابن عمه جزار منطقة حائل الشهير عبد العزيز بن مساعد الجلوي، الذي أخذ يسوم الشعب وقبائل شمر والمواطنين سوء العذاب والارهاب، ويسرق خيرات الأرض وحقوق الفلاحين والبادية والمواطنين ويعتبر أن الأرض كلها ملكه قد أقطعه إياها ابن عمه عبد العزيز آل سعود، وكذلك البراري كلها حماه لا ترعى بها إلاّ أغنامه وإبله وخيوله التي صادرها من القبائل والمواطنين، والويل لمن يمر من البشر في هذه الأرض التي سماها "حماه".. وخابت آمال الذين ادخلوا ابن سعود إلى حائل ظانين انه سيورثهم الأرض ومن عليها!.. وقد نلتمس العذر لهؤلاء "الرجال" الذين سلموا "أمهم" حائل لابن سعود وعلوجه بغفلة من أهل حائل. وقد زعم هؤلاء الذين "قادوا" ابن سعود (انه سيبدل صحاريها بجنات تجري من تحتها الانهار..)، ولكن حائل لا زالت كما كانت عليه من ظلم وتأخر وأمراض وابن مساعد وآل سعود. وقد أثبت التاريخ أنّ الشعب في حائل لم يرضخ لطغيان عائلة آل سعود، فكم مرة ثار وثارت قبائله ثورات هزمت قوائم عرش الظلم رغم أنه لم يكتب لها النجاح، لأنها لم تتجاوب معها بقية الأقاليم والقبائل.



ثورة غريب العفري
من هذه الثورات، ثورة الشهيد البطل غريب العفري الشمري، الذي أعجز الطغيان السعودي، وجزاره عبد العزيز مساعد الجلوي مدة من الزمن، رغم أنه لم يكن مع هذا البطل إلا شقيقه ذغيليب وخمسة من ثوار شمر الأحرار، وقد وقع في كمين نصبه له عدد كبير من خدم ابن مساعد فشدوا وثاقه وساروا به ليلاً حتى شارفوا على مدينة حائل، وعندها اطمأنوا فناموا وتركوا البطل الذي لم ينم، وبينما هم يغطون في نومهم لحق بهم شقيقه ذغيليب العفري الذي كان يرقبهم، ويتتبع خطاهم، وقطع قيد أخيه وقاما معه بتجميع سلاح خدم ابن مساعد، ولما انتهيا من تجميع السلاح كله صرخ فيهم "غريب" قائلاً: (أنتم تنامون لأنكم لا تذكرون لكم بلداً يحتلها آل سعود.. وتنامون لأنكم خدم للمعتدين آل سعود.. أما أنا فلا أنام، وإن نمت أحلم ببلادي وأفيق على هذا الحلم الذي يفزعني، ولهذا أصبحت شجاعاً أستطيع أخذ أسلحتكم منكم بالإيمان القوي، أما أنتم فلا تستطيعون استعادة أسلحتكم مني وأنتم جمع غفير لأنكم خدم الأعداء كما قلت، خدم الطغاة الذين يركضون بلا هدف خلف ثائر مثلي لتسلميه لأسيادهم مقابل أجر تافه يدفعه لهم الطغاة. لهذا تنامون وان غتم فلا حلم لكم إلاّ ((بالشرهة)) والاجرة التي سيدفعها لكم ابن مساعد مقابل القائكم القبض على ثائر شريف. لكني لن أترككم تقبضون أجركم كثمن لرأسي الثمين ولن أقتلكم رغم أنكم تريدون قتلي، فاذهبوا إلى سيدكم وأخبروه.. أذهبوا بلا سلاح وبلا ابل تركبونها..).

بعد ذلك ساقهم بعيداً بعد أن طلب من كل واحد أن يربط يدي زميله إلى ظهره وتركهم.. وراح هو وشقيقه في سبيلهما الثوري.. أما الخدم فراحوا إلى الجلاد ابن مساعد الذي حلق ذقونهم، وسود وجوههم كعقاب لهم، وجلدهم وأعادهم لمطاردة الثائر مرة أخرى، مع عدد أكبر منهم بقيادة ناصر بن دوخي، ومع ذلك فلم يتمكنوا من اصطياد البطل، رغم أنهم طوقوه من كل جانب إلا بعد أن انتهى ما معه وشقيقه من ذخيرة، حيث أصيب شقيقه ذغيليب وتمكن من الهرب، أما غريب فقد أقتادوه الزبانية إلى جزار حائل ابن مساعد.
  #5  
قديم 22-04-2006, 02:56 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

فأرسله مكبلاً باسلاسل إلى ساحة السوق، وكان البطل يسير بين المواطنين وهو يدرك أنه يتجه للقاء الموت، لكنه كان يبتسم بكل شجاعة وإيمان، فالتفت إلى الخدم الذين ضايقوه وقال (لا تفرحوا يا خدم المجرمين فان لي جماعة سيأخذون بثأري)!.. وكان يعني "بجماعته" جموع الشعب التي كانت تنظر له باعجاب بينما هو مقيد بالحديد!، وكنت آنذاك صغير السن، أقف بين ذلك الجمع الكبير الذي شاهد إطلاق الرصاص في رأس هذا البطل، لكننا ماذا نملك غير ترديد اللعنات على آل سعود بأصوات عالية مع كل رصاصة تنطلق صوب رأسه وصدره الشجاع، وراح البطل غريّب العفري شهيد شعبه، هذا الشعب ـ الشهيد ـ الذي قدم الآلاف من أمثال غريب العفري، ممن خلقوا في نفوسنا ثورة منذ سني الرّضاع الأولى، لن تنطفئ نارها حتى تحرق الظالمين.
والشعب في حائل لا يكن لعهد الحريم أي احترام، فعندما توفي الطاغية عبد العزيز، واستورث ابنه سعود الشعب والأرض والعرش من بعده، وأخذ يدور على كل المناطق مخادعاً الشعب بطلب "البيعة" منه، لم يبايعه الشعب، وإنما بايعه نوع معين من المتزلفين..

ولم أنس تبرم الشعب في حائل عام 1373 ـ 1954 بمثل هذه "البيعة" التي جاء سعود يطلبها منهم، وكنت وقتهاً منفياً من الظهران إلى حائل، بعد أن قام العمال باضرابهم الشهير بتاريخ 17 اكتوبر عام 1953، مطالبين بإخراجنا من سجن العبيد، حيث لم يرجع العمال إلى العمل، ولم يتوقفوا على الاضراب إلاّ بعد الإفراج عنا.. وبعد ن أفرج عنا، أخذت علينا تعهدات بأمر الملك سعود بواسطة ـ عبد الله بن عيسى وكيل الأمن العام الذي أخذ هذا التعهّد علي ـ ونصه: (أنا الموقع فلان.. أتعهد للدولة بأنني لن أخرج من خلف سور حائل، وإن خرجت من منفاي هذا فإنما أهدر دمي وأحل للحكومة قتلي)!

..فأمرني وكيل الأمن العالم في الظهران بتوقيع هذا التعهد، والحديد ما زال بيديّ، والقيد برجلي، كما وقعه بقية الأخوة؛ فوقعته وضحكت وقلت: ان هذا التوقيع أو عدمه سوف لن يمنع العصابة السعودية من قتلي إذا أرادت، وإنما هو احتياط شكلي اتخذ للإفراج عنا والتخلص منا بعد موقف العمال الأبطال، والذي أضحكني هو ما ذكر بهذا التعهد السعودي: "سور" حائل، فرجال هذه العصابة لم يعرفوا أن هذا السور قد هدم منذ أول يوم للإحتلال السعودي المشؤوم.. وقد أخبرت وكيل الأمن العام عبد الله بن عيسى بذلك وقلت له: (أن هذه الدولة التي أخذت علينا تعهد الموت جاهلة في بلادنا وخبرتها عتيقة!)..

ووصلت إلى حائل مقيد اليدين بتاريخ 10 نوفمبر عام 1953، وفي الطريق بلغنا نبأ وفاة الطاغية عبد العزيز من الإذاعة في ضحى 9 نوفمبر 1953. ولم أخف سروري بهذا النبأ، ولم أترحّم على الطاغية طبعاً، وإنّما جهرت باللعنات عليه أمام جمع من شعبنا احتشد في مدينة بريدة حول السيارة التي نقلتنا إلى حائل..

وبلغنا أن الملك سعود سيقدم إلى حائل لاخذ "البيعة" له بعد والده، ورأى بعض الأخوة أن أعدّ كلمة البلاد ـ أي كلمة الشعب ـ لإلقائها أمام الملك، وأعددت الكلمة. وعلم حاكم حائل، جزار الشعب عبد العزيز بن مساعد الجلوي بذلك، فاستدعاني لمقابلته، وقابتله في قصره وطلب مني أن أعراض الكلمة عليه، فعرضت كلمة موجزة لم يفهم منها شيئاً، لأنه لا يفهم (أي شيء) غير القتل والارهاب وتجميع صفائح الذهب وممارسة النكاح، وامتلاك الجواري والعبدات فقال لي: (يجب أن تحذف منها كلمات الفقر والجهل والظلم والمرض) وأردف يقول: (ولا تلقها باسم الشعب والعمال وأهالي حائل، وإنما باسم الأمير ابن مساعد والإمارة، ويكون إلقاؤها في قصر الإمارة عندما يزورنا الملك في القصر، فهذه كلمة زينة!).

قلت له: لا ـ طال عمرك بعض أبناء الشعب طلبوا مني إلقاء الكلمة بإسم الشعب، وسوف ألقيها باسمه، أما كلمة الإمارة فهناك من يلقيها غيري.. ولما رآى الطاغية ابن مساعد اصراري، رد علي وهو يهز رأسه غير معجب بمعصيتي له بقوله: (بهواك بكيفك). قلت: هذا هو كيفي، وانسحبت منه.

وفي يوم 10 / 12 / 1953 وصل ركب الملك سعود إلى حائل، وشيد له السرادق في جنوب حائل في مكان اسمه "نقرة قفار"، فألقيت كلمة أمامه لم ينتبه لما جاء فيها نظراً لكثرة الضوضاء وازدحام الخدم حوله، وعدم وجود مكبر للصوت، ونظراً لقلقه وخوفه، ولأنه "متعب" كما يقول.. وتحرك ركبه حيث ضربت الخيام لخدمه وأتباعه في مكان اسمه "الوسيطاء" غربي حائل، وأصدر أوامره باحضار عدد من الحريم إلى قصره المتنقل معه أينما حل وارتحل، والمسمى باسم "الصالون) وأحياناً باسم (الحمام).. وتزوج تلك اليلة بثلاث من النساء على الطريقة السعودية المعروفة.

وفي يوم 11 / 12 / 1953 وجهت له دعوة من قبل مدرسة حائل، وقمت باعداد تمثيلية بعنوان: الفقر والجهل والمرض، لتمثيلها أمامه، غير أن الأوامر أتت قبيل وصوله بالغاء هذه التمثيلية.. وفي الساعة الواحدة ظهراً وصل الملك إلى المدرسة المذكورة وحضر جمع غفير من أبناء حائل، بالإضافة إلى من حضر معه من أخوته وجزاريه وخدمه، ومنهم عبد العزيز بن مساعد.

فألقى الزملاء بعض كلمات الترحيب أمامه، وما أن جاء دوري في الكلام، حتى أمر خدمه بإيقاف ما تبقى، لأن "جلالته" كما يقولون "متعب" ويريد إنهاء هذا الحفل، وحاولت أن ألقيها ولكنني منعت من قبل العقيد المرحوم محمد الذيب ياوره الخاص، فدفعت الذيب بيدي وتقدمت للملك وقلت: أن لديّ "كلة يا طويل العمر"، وقد منعني حرسك من القائها بحجة أنك متعب، وشعبنا في حائل يعلم أنك لم تأت هنا للسياحة وشم الهواء، وإنما جئت لأخذ البيعة، وفي هذه الكلمة التي منعت من القائها أشياء مهمة عن البيعة يجب سماعها، لأنك كنت متعب يوم المجيء ولم تسمعها.. وكأن الملك قد أعطى الأوامر لقيامه، وتحرك بالفعل من مقعده لترك المكان، ولكنه عاد للقعود ثانية وقال (تفضل تفضل ألقها) وهذا نصها:

كلمة الشعب

(باسم الله الحق، باسم العمال المعذبين، باسم الفلاحين الذين أصبحوا فريسة للمرابين، باسم الجنود الظافرين، باسم البدو المشردين، باسم الشعب العظيم، الشعب الذي حرم من نور العلم طويلاً يا طويل العمر!!:

يا سعود بن عبد العزيز.. دعني أناديك باسمك المجرد من الجلال والجلالة (فزخرف القول غروراً)، والذي لا يجلّه شعبه لا تجله الألقاب الزائفة، بل ولا يجله الله أبداً!!.. أن رضى الشعب هو رضى الله، ولن يرضى الله سبحانه على من لا يرضى عنه شعبه، لذا أقول لك.. يا سعود؟.. هل تجشّمت مصاعب الطرقات الخربة الوعرة ذاهباً إلى الحجاز وعسير وتهامة جنوباً، عائداً إلى الجوف وحائل في أقصى الشمال، متجهاً إلى القصيم ونجد، والاحساء والقطيف والجبيل في سواحل الخليج العربي شرقاً. أقول: هل تجشّمت هذه المصاعب والطرقات الوعرة الخربة "يا وريث الملك من أبيه" بقص الدعاية لنفسك، أم الترفيه عن نفسك؟، إذ ليس في مئات المدن والقرى والصحارى التي مررت بها إلا الفقراء الذين رأيتهم ـ يمدون أيديهم المقطوعة والموشكة على القطع ـ يمدونها إليك ضارعين من الفقر والجوع والمرض والجهل اللعين..

وكان بامكانك أن تقطع هذه المسافات بالطائرات، لكنك قطعتها بالسيارات.. ولهذا نحاول اقناع أنفسنا: بأنك جئت حسب الظن بقصد الإطلاع على ما يلاقيه شعبنا في كل أنحاء بلادنا المنكوبة المرزوءة بالظلم والعراء والمرض والشقاء والفقر. والبطالة وخراب الديار، وعرفت أنت بنفسك بعد أن تكسر العديد من سياراتك بهذه الرحلة، أنه لا يوجد طريق واحد معبد في البلاد، كما تعرف أنت أنه لا يوجد علاج ولا معالج ولا ماء نظيف صحي ولا دواء ولا عمل ولا مساكن تليق بالإنسان وكرامة الإنسان.

وهذا ما جعلك تسكن في الخيام في كل مدينة تحل بها بما فيها حائل، لعدم وجود ما يصلح لسكناك كملك من مساكن شعبنا الحقيرة.. وكنت قد أعددت مع أخوة لي من الطلاب تمثيلية بعنوان: "فقر وظلم وجهل ومرض"، لأعرض أمامك بطرق تمثيلية هذه المهازل والجرائم التي يلاقيها كل شعبنا، حضره وباديته الكريمة من جراء الأدواء الأربعة اللعينة.. الجهل والمرض والفقر والظلم، والحكم الباطل الذي خلق الأربعة وغيرها، وفي النهاية أعرض كيف يكون القضاء على هذه الأدواء وأسبابها، وأبيّن أخيراً أنه لا طريقة للقضاء على هذه الأمراض اللعينة ومسببيها إلا السيف، أي الثورة على هذه الأدواء.
  #6  
قديم 22-04-2006, 02:57 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

وأدعوك يا سعود إن شئت، إلى أن (تقوم بهذه الثورة أنت)، رغم علمي اليقين أن الثورة بحاجة إلى رجال ثوار قد صارعوا الأدواء وذاقوا آلامها، إذ يصعب على من لا يعيش الألم تحقيق الأمل.. كنت أريد أن أعرض عليك يا سعود هذا في تمثيلية الفقر والجهل والمرض والظلم، لعلك تضحك فتتذكر فتبكي، ولكن التمثيلية ألغيت في آخر لحظة لأنك مرهق ـ كما قيل لي ـ، بالإضافة إلى عرض هذه عليك علانية وبهذه الجدية، فصديقك من صدقك..

بالأمس الأول كنت قد ألقيت كلمة البلاد وقلت فيها بعض ما أقوله الآن، وكان مطلعها موجه: باسم حائل قراها وباديتها.. باسم العمال المشردين.. باسم الشعب العظيم، غير أنك لم تسمعها جيداً لكثرة ضوضاء المكان.. ولقد عجبت عندما نودي علي يوم أمس في قصر الإمارة ليدفع لي مبلغ 500 ريال سعودي، ويدفع للخطباء الآخرين 200 ريال، ولما سألت عن السبب لدفع هذه المبالغ، قيل لي أنها ثمن الخطب!..

أما أنا فرضتها بالطبع رفضاً لا عودة فيه، وقلت: أن كلام الشعب لا يباع ولا يشترى، وإنما ينفذ بالقول والعمل، ولو أردنا الدراهم لعشنا كما يعيش أصحاب الملايين بما عرض علينا من مقاولات في شركة أرامكو، لكننا كنا ننفق مرتباتنا كلها على الحركة ولمصلحة العمال، وكنا نبقى بلا طعام إلاّ ما يتفضل به اخوتنا العمال علينا باطعامنا مما يأكلون، وهذا فقد شردنا وعذبنا وسرحنا من العمل، وقيدت أيدينا وأرجلنا وأعناقنا في مقبرة سجن العبيد، وصدر أمركم باعدامنا ـ كما بلغنا ذلك من وكيل الأمن العالم في الظهران ـ لو لم تحدث معجزة الافراج عنا نتيجة اضراب العمال الذين لم يجعلوا لهم من مطلب سوى إخراجنا من السجن.

حتى أن العمال قد سجنوا سجناً جماعياً خلف الأسلاك الشائكة في وهج الشمس المحرقة، وقطع عنهم الماء ومنع الطعام، ثم سمح لهم أخيراً بالطعام ـ ولكنه طعام السم يا سعود ـ هل لا تصدق؟. لقد وضع لهم السم في طعام ذل المطعم المسمى (مطعم أبو ربع ريال)، ومات سبعة عشر من العمال، وقد أسعف الباقون بغسيل بطونهم، وادعت شركة أرامكو الاستعمارية أنه حدث لهم تسمم غير مقصود، لأن قدور الأكل غير نظيفة!، ولكنه تأكد من أقوال أحد الأطباء العرب الفلسطينيين الذين يعملون لدى شركة أرامكو نفسها وكشفوا، ضمن الأطباء الذين كشفوا على حالة العمال المتسممين، أن التسمم حادث عن سمّ حقيقي عثروا على بقيته، وثبت هذا وأنا على أتم استعداد لأن أثبت لكم كل ما أقول..

ولا غرابة، فهذا جزء مما يلاقيه عصب الحياة وأشرف خلق الله: العمال.. العمال الذين هم الشعب كله.. العمال الذين أخرجوا هذا البترول وما يتبع البترول من نعيم لينعم به غيرهم، أما هم فلهم السم الزعاف. أنني أحدثك يا سعود بما حدث وما سيحدث اذا استمرت الحال كما هي عليه الآن.. لقد انتهى عهد والدكم عبد العزيز المظلم وجاء عهدكم الزاهر كما يقال!.. كان كل من يرفع يده أو رجله باشرة عدل، أو يحرك لسانه أو طرفه بشهادة حق، يفقد رأسه أو يده أو رجله أو لسانه أو عينه، إما بمغريات المال وأما بالسيف المميت.. وإذا حدثت لكم "المبايعة" مكان والدكم فلا يعني ان هذه المبايعة" هي: استبدال عهد مظلم بعهد مظلم.. ولهذا نرجو أن يكون عهدكم الجديد زاهراً ـ كما يقولون ـ، لأنه ما من أحد من زار بلدان العالم أكثر منكم، ولعلكم بهذه الزيارات قد عرفتم أو سمعتم أو رأيتم كيف تحكم بلدان هذا العالم وتساس.. بل ان هناك بلداناً أخذت استقلالها قريباً أو أنشئت من عدم، فأصبحت أكثر من بلادنا تقدماً وازدهاراً وتحرراً وحرية وإسلاماً!.. ولهذا نريد من عهدكم أن يكون زاهراً!!.. ولا يمكن لأي عهد أن يزدهر ما لم يقر بحقوق الشعب كافة، ويتسلم الشعب إدارة بلاده. بنفسه وعقله وأيدي أبنائه المخلصين، ولمن يحقق هذه المطالب.. يمنح شعبنا الثقة لا ـ البيعة ـ، فالبيعة عادة لا تأتي إلا عن طريق البيع والشراء.. والبيع والشراء لا يذكر إلا ويذكر إلى جانبه العبيد ـ والمال.. والمال خراب الذمم.. أما الثقة فتمنح بناء على ما يلي:

1 ـ شهادة حسن السيرة والسلوك القويم للشخص الذي يمنحه الشعب ثقته ليكون لها أهلاً..

2 ـ ايمان من يمنح الثقة بالمثل العالية والمبادئ الإنسانية العادلة التي جاء بها الرسل والأنبياء.

وبعد هذا نطرح فيما يلي: مطالب شعبنا التي بموجبها يمنح الثقة لمن هو أهلها، ليكون الشعب وحده هو المسؤول عن حكم نفسه بنفسه..

1 ـ اقامة مجلس للشعب، أي "برلمان" حر، ينتخب الشعب أعضاءه انتخاباً حراً ممن رضي الشعب عنهم.

2 ـ يضع أعضاء هذا البرلمان الحر بعد انتخابهم، دستوراً للبلاد تحكم البلاد بموجبه، ولن يشذ هذا الدستور عما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة وروح العدل الذي دعا بها رسل الحرية والإنسانية…

3 ـ يسن هذا البرلمان الشعبي كل القوانين والمراسيم والتشريعات، التي ستلغى بموجبها جريمة بيع وشراء الإنسان للإنسان، جريمة تجارة الرقيق الذي لا يوجد في أي بلد من بلدان العالم، كما يوجد في بلاد كان شعبها فيما مضى قد حرر الإنسان من عبودية الأوباش في ثلاثة أرباع العالم. انها بلادنا وشعبنا يا طويل العمر؟.

4 ـ يسن ممثلو الشعب في مجلس الشعب، قانوناً يحرم جريمة قطع الأيدي والأرجل، فهذه الجريمة لا تطبق إلا بحق العمال والفلاحين والجنود، والعاطلين عن العمل من أبناء البادية المعذبين، ومن لا يجدون لقمة العيش، والمضحك أن من يطبقها هم الذين ينص القرآن الكريم على أن تطبق بحقهم. أنهم اللصوص الكبار الذين أصبحوا حكاماً.

5 ـ تلغى عقوبة جلد المواطنين بالطرقات وغير الطرقات وتستبدل بالأعمال والتعليم والتهذيب مكان التعذيب، وتحال السجون إلى مدارس لا يدخلها إلا من تثبت تهمته بعد مذكرة توقيف عدلية، وبعد التأكدات اللازمة والتحقيق النزيه بأنه يستحق حكم القضاء.

6 ـ يصدر قانون عمالي ينص بانتخاب نقابات عمالية نزيهة، يجمعها اتحاد عمالي واحد نزيه، يكون هو المسؤول أمام الحكومة، ويتولى الدفاع عن حقوق العمال المهدورة التي ستبقى مهدورة بدونه إلى الأبد.

7 ـ الغاء اتفاقية قاعدة الظهران الذرية، والاستغناء عن الجيوش الأمريكية الأجنبية بجيش عربي قوي، مسلح بأقوى وأحدث أنواع الأسلحة، يحمي البلاد التي لا يمكن أن تحميها قوى الأجانب والاعداء، الذين باعوا وأضاعوا فلسطين العربية، والتي لا يمكن لها أن تعود إلاّ بقوة العرب ووحدة سلاحهم وأرواحهم.

8 ـ انشاء صناعة خفيفة وثقيلة في كل أنحاء البلاد، والبحث عن المعادن وإدخال أبناء البادية في هذه المصانع. فأبناء البادية يكوّنون 60 بالمائة من مجموع الشعب كله، ويلاقون من العذاب أقسى ألوانه.

9 ـ انشاء بنوك زراعية لاستصلاح الاراضي البور، وإقامة المزارع وتسليمها لجموع الفلاحين الذين هم واقعون تحت أنياب الوحوش وتجار الربا، وتوطين قسم من أبناء البادية المعذبون في هذه الأراضي ليفلحوها.. أما القسم الآخر فيصبحون في المصانع عمالاً.

10 ـ اصدار قانون يفرض التجنيد الإجباري فرضاً على كل مواطن (ولا أقول كل مواطن ومواطنة لأن هذا القول سابق لأوانه في مثل وضعنا الحاضر) ليصبح الشعب كله مسلح أمام الأعداء، وليس في هذا ما يخالف تعاليم النبي العربي محمد بن عبد الله كما يفتي البعض، وهذا ما فرضه علينا الدين.

11 ـ اصدار قانون يفرض التعليم الاجباري على كل ذكر وانثى في كل مراحل التعليم، فهذا ما فرضه النبي محمد علينا فرضاً: (طلب العلم فرض على كل مسلم ومسلمة).

12 ـ اصدار قانون ينص على اطلاق الحريات الديمقراطية، ومنها حرية الصحافة والإجتماع والتعبير ومنع العدوان على حريات الآخرين.

13 ـ اعادة العمال المسرحين إلى أعمالهم ونحن منهم، وعدم تسريح أحد من العمال لكيلا يكون عالة على هذا المجتمع.. وعدم نفي أحد أو اسقاط الجنسية عن أحد.

وعلى مثل هذه الأسس المشروعة في الشرائع العادلة، ووثيقة حقوق الإنسان، يمنح الشعب ثقة الشعب ـ لا يبيعها ـ للحاكم الذي يحافظ على هذه الثقة ولا يبيعها هو أيضاً.

هذا هو الرأي الآني للعمال المشردين يا سعود، رأي الفلاحين المعذبين ورأي الجنود، وراي سكان الصحراء من أبناء البادية الذين سبق لبعضهم أن قاتل إلى جانب هذ الحكم السعودي، ولا زال يطحنهم ظلمه البغيض، وأخيراً، مرحباً بك في بلد الكرام المضايف ـ حائل الجميلة العظيمة ـ حائل بلد الشجعان، حائل الجزء الذي يلاقي ما يلاقيه غيره من بقية أجزاء الوطن، من مظالم وفقر وجهل ومرض، عمّ انحاء الجزيرة العربية كلها، ولا قضاء عليه إلا بحدوث معجزة.. زلزلة تزلزل الماضي والحاضر. فيحيا من يحيى عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، وتبنى البلاد من جديد لتعيش في جنة المستقبل.. جنة المساواة.. جنة الكفاية والعدل. جنة يتساوى فيها الناس في خيرات بلادهم، في كل ما في باطن الأرض وما عليها لكيلا يعيش من لا يعمل عالة على من يعمل، بينما العدل هو أن لا يعيش من يعيش عالة على كدّ الآخرين.. كما تقول الآية: {وان ليس للإنسان إلاّ ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى}.. والسلام على من أتّبع الهدى.

(11 / 12 / 1953م) الساعة السادسة عصراً بالتوقيت المحلي.
  #7  
قديم 22-04-2006, 03:04 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

غضب الملك وافتى باعدامي


كان هذا هو النص الحرفي لكلمة الشعب التي ألقيتها أمام الملك سعود في حفل مدرسة حائل، ولا داعي لإعادة نشر الخطاب الأول الذي ألقيته قبل هذا بيوم واحد، وهو يوم وصول الملك سعود لحائل، نظراً لما بين هذا وذلك من تشابه، وهذا الخطاب كان سبب تعرفي بالضابط الحر محمد الذيب رئيس حرس الملك الخاص، الذي اغتاله ـ آل فهد ـ عام 1959 في ألمانيا الغربية بحقنة لم تكن الأولى من نوعها، وإنما سبقتها محاولات أخرى كان قد أطلعني الشهيد الذيب عليها، وقد التقينا في الظهران مراراً، وفي الرياض، ومنها ثلاث مرات في بيت الشهيد الحر عبد الرحمن الشمراني، وكان الذيب هو الذي ابلغني بالأمر الملكي الصادر بقتلي ليلة 11 / 6 / 1956، واختفيت من غرفتي بينما واصلت الاتصالات بالعمال حتى اضطررت لمغادرة البلاد يوم 18 / 6 / 1956، فاعود الآن إلى يوم 11 / 12 / 1953 وموقف الملك سعود من تلك الكلمة سالفة الذكر.

لم يتركني الملك أتممها.. بل أخذ يصرخ بقوله (كف كفى، أنتم مجرمين أنتم مجرمين أنتم مفسدين)، وتلا الآية القرآنية كإيذان بقتلي: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلال أو ينفوا من الأرض}، ولكنني لم ألق له بالاً، فقد استمريت في قراءة كلمتي رافعاً صوتي إلى أعلى موجاته، متجاهلاً قول الملك رغم سماعي له جيداً، لحرصي على إكمال كلمتي إلى النهاية، لأنني لو توقفت فسأعطي الملك فرصة لمغادرة المكان ومقاطعته للكلمة، وقد بلغت بي الأحاسيس وقتها أن الملك سيقتلني فأردت أن أبيّن للناس: على أي شيء يقتل مثلي، وبذلك اكشف لبعض المخدوعين عن جنون ملوك آل سعود وغدرهم، وكيف أن أحدهم حين يستولي على الملك اغتصاباً، ويعتبره إرثاً لأخوته، ثم يأتي الملك المغتصب الجديد ليضحك على السذج طالباً منهم البيعة! وأي بيعه هذه؟.. وقد قلتها له، قلت: (لا بيعة ولا شراء.. بل ثقة الشعب يمنحها لمن يخدم الشعب لا لمن يخدمه الشعب)!..

وبلغ بي شعور اللامبالاة حينما اشرأبت أعناق الحاضرين تتوقع ما يحدث لي من الملك، فأعطاني بعضهم اشارات بالسكوت!، فتماديت ليعرف الناس ما فعلت وما قلت، ولكي لا أعطي فرصة للملك أن يزيّف ما قلته بالدجل السعودي المعروف، حينما ألقيت الخطاب أمام الملك في حضور الجموع المجتمعة في مدرسة حائل، وكنت قد رفضت مشورة واحد من أقرب حراس الملك المقربين، عندما عرف الحارس بكلمتي قبل أن ألقيها، نصحني بعدم القاء الكلمة في مكان عام وقال: "أنه سيهيء لي فرصة الاجتماع بالملك في مخيمه ـ بالوسيطا ـ، فألقي الكلمة أمام الملك بحيث لا يحضر إلا الوسيط، وعدد قليل من الحرس، وطلب مني أن أخفف اللهجة واستبدل الشدة بتأييدنا للملك وطلب عفوه، وإعادتنا إلى العمل في الظهران والسماح لنا بمغادرة المنفى، وأن لا أعرض في كلمتي مثل هذه المطالب العامة".

ولكني قلت للأخ الحارس المقرب (صالح علي السالم): لا يا عزيزي.. انه سيأمر بقتلي لو تكلمت معه في خلوته، ويلفق أي تهمة يراها ضدي ولهذا سأقولها في أي ميدان أجده أوسع جمهرة من غيره.. وبالفعل وجدت الفرصة سانحة في مدرسة حائل، وربما لم يستطع قتلي لأن الناس قد عرفوا ما أريد.. أو لانه رغم ظلمه وطيشه كان أعقل وأعدل أخوته الذين تبعوه وما زالوا يتوارثون الحكم اغتصاباً من بعده، لكن الملك سعود لم يخف غيظه، بل قاطع خطابي بصراحة أمام الناس كما قلت، ولما لم أعره سمعاً ولا طاعة أمر "ياوره" العقيد محمد الذيب بقوله: (خذها.. خذ الورقة منه)، وكرر قوله لي أمام الناس: {أنتم مجرمين.. إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون ويسعون ويسعون} وعلق لسانه على "ويسعون"، فجاء إلى جانبه مبعوث من الجامع الأزهر كان يدرس في مدرسة حائل ولقنه بقية الآية وهو يبتسم..

أما المرحوم الذيب "ياور" الملك فقد تمكن من سحب الورقة من بين يديّ وسلمتها له، حفاظاً على عدم تمزقها بين يدي ويديه.. وعندما وقفت أمام وجه الملك وقلت له متسائلاً: (من هم الذين يحاربون الله ورسوله؟! ان الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً، ويجب أن يقتلوا ويصلبوا وينفوا من الأرض إلى غير رجعة، ليسوا العمال الشرفاء، وإنما هم أولئك الذين نزلت بحقهم الأية الكريمة وأمثالهم ممن هم أفسد ممن حاربوا النبي محمد بن عبد الله سابقاً.. إنهم الأمريكان في الظهران، أعوان إسرائيل، وأعوان اليهود وأذنابهم في هذه البلاد.. والهيئة الملكية التي أرسلتموها لنا بحجة انصافنا من شركة أرامكو الإستعمارية، ولكنهم ارتشوا من ارامكوا وألقوا بنا في غياهب السجن مما دعا العمال للإضراب مطالبين بالإفراج عنا ومنع اعدامنا، ثم أفرج عنا لكننا نفينا بعيداً عن مناطق نفوذ الأمريكان. والذين يقتلون الفضيلة هم الواجب قتلهم والذين يأكلون الحق ويزيفون الدين هم المفروض تقطيع أيديهم وأرجلهم. إنني أقول الحق وبعد هذا لا يهمني أن تقتلني يا سعود)!.

ولم يتركني حتى أتوقف عن كلاي، بل سحب عباءته التي سقطت حينما وقف غاضباً، وأمسك بيد حاكم حائل الجزار ـ عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود ـ ووقفاً معاً وسعود يردد: (هذا الحفل زين لكن خرّبه ابن سعيد)!.. ومشيت خلفه، ولكن أخاه الأمير محمد بن عبد العزيز أمسك بيدي، وعرفني بنفسه وعلى ابن عمه فيصل بن سعد، وقال: (أنصحك أن لا تتبع الملك، أنني أخاف أن يقتلك لأنها أول مرة يقف فيها مواطن أمام ملك بهذه المطالب، ويتكلم بهذا الكلام أمام الناس. وأنا معكم وأشهد أنكم على حق، وأن قضيتكم راحت وأضاعها الدولار، وثق أنني سأقف معكم، ولكن أترك الملك يروح، وتعالى لي الليلة بعد المغرب في القصر الذي أسكن فيه. تعرفه؟ أنا أسكن في قصر نوره).. قلت له سآتي إليك الليلة. قلتها وأنا أعلم أن كل ما يقوله الأمير محمد لا يخرج عن كونه دجلاً من دجل الأمراء، ولم يقصد إلا سكوتي واسكاتي.

أما الذين حضروا ذلك الحفل فقليل منهم اتهمني بالجنون (لأنه لا يتكلم مثل هذا الكلام إلا فاقد العقل!) كما قالوا، فقلت لهم: كم نحن بحاجة إلى المجانين ليرفعوا عن "عقلاء" الذلة عار المذلة. وكم تمنيت لو أصيب كل شعبنا بالجنون الثوري، الذي سبق وان اتهم به النبي محمد وصحابته وكل الأنبياء، أما قسم منهم فقال "أنني جريء" وقسم أيدني بلا تحفظ. أما أنا فلم أقدم على ذلك ـ حسب شعوري ـ ذلك الوقت إلاّ بدافع من حبي للوطن، وألمي الشديد أن أحيا في بلد يسوده أقذر حكم عرفة التاريخ الوسيط والحديث.. ولا يهمني بعد ذلك من يتهمني بالجنون أو الجرأة أو يؤيدني، فكلهم من "عقلاء" الملذات ما داموا لا يعملون لدحر الطغاة، وقد كنت أبحث عن الموت باسمى طرقه..

أما الأمير محمد بن عبد العزيز فلم يخف "تأييده" لي لدى كل من قابله من أهالي حائل ـ ربما لادراكه أن الأكثرية تؤيد ما قلته وهي ضد آل سعود قاطبة ورحت تلك الليلة إلى الأمير محمد فوجدته يجلس في سطح القصر، ولديه عدد من الأمراء قدمني لهم "بشيء من الثناء" وطلب مني (أن أكتب تقريراً له في كل ما نريد!)، وقدم لي الورق والقلم فكتبت بخط يدي كل ما يريده العمال والفلاحون والجيش والشعب كله واحتفظت بصورة منه.. وقبل أن أسلمه تلك المطالب الوطنية قرأتها عليه ليستوعبها، فقال لي الأمير محمد: (إني مسافر اليوم مع الملك وسأقدمها للملك سعود، وسأقف إلى جانب هذه المطالب!) وأضاف: (ولكنني أطلب منك أن تتوجه إلى الرياض، لتكون قريباً منا وتسكن في ضيافتي عندي في قصري، وسأقوم بكل ما تريدون)!.

ولكن كل هذه الأقوال ذهبت مع غيرها من أقوال الامراء الكاذبة.. وكانت هناك دعاية وهمية يرددها السذج آنذاك عن "طيبة وديمقراطية" هؤلاء الأمراء، أمثال الأمير محمد(2)، وسلطان وفيصل وأولاده، وطلال ومشتقاته، لأن هؤلاء الامراء التجار الكبار إعتبروا الكلام لا يصرّفه أمثالهم الا على الشعب، المستهلك الوحيد لبضاعتهم الكاسدة، بإظهار عطفهم الزائف على الوطن والوطنيين حتى أن الأمير عبد الله الفيصل عندما ذهبت إليه شاكياً الوضع الفاسد بصفته وزيراً للداخلية، استنكر معي ما يلاقيه العمال من ظلم واضطهاد من جراء الحكم الفاسد وشركاته وطلب منا أن نحني رؤوسنا كما قال "للعاصفة حتى تمر ويأتي والده فيصل" وأظهر ميولاً نحونا، بل طلب منا اغتيال الملك سعود! وسلم لي تقريراً جاء له به (طلعت وفاء) المدير السابق للأمن العام (الذي اغتاله "الفهد" فيما بعد ، وقيل أنه انتحر في لبنان، وكان يعارضهم لاحالتهم إياه على المعاش) قدم هذا التقرير وأنا عنده، وكان قد كتبه "جون فيلبي" عن تاريخ هذه العائلة السعودية، وأوضح جون فيلبي دوره الكامل في خلق هذه العائلة وتكوينها وجملها وفصالها، وكيف أنشأها الانكليز.

وقال فيلبي: (أن الفضل في ذلك يرجع الى فيلبي أولاً، والسير برسي كوكس ثانياً)، ولقد سلم لي عبد الله الفيصل وزير الداخلية السابق هذا التقرير ربما دون أن يقرأه قائلاً: (خذ هذا واقرأه فقد ينفعكم، وقل لي رأيك فيما يكتب فينا وأعده اليّ).. وبالفعل فان هذا التقرير قد "نفعنا"، ولكني لم أعده اليه ولم "اقل له رأيي فيه"، وإنما نشرت معظم فصوله.. ولما قرأته قلت لنفسي: سوف لن أعيد هذا التقرير مرة أخرى إلى من لا يعرف قيمة هذا التقرير، اللهم إلا إذا طلبه مني، ولكنه لم يطلبه منّي فقد نسيه الأمير المحروم "من كثرة الحرمان"!.

وكان جون فيلبي قد أعلن غضبته على سعود وعائلته "لما عاملوه به من جفاء كفراناً بفضل خالقهم"، عندما وجدوا أن النفيعة الأمريكية أحسن مذاقاً وأجدى نفعاً من نفيعة الإنكليز. وكان جون فيلبي يشعر بمرارة لا بعاده من قبل سعود تنفيذاً لرغبة الأمريكان، وقد وسط بينه وبين سعود حسين العويني العميل السعودي المعروف الذي ألحقه جون فيلبي "في عضوية مجلس الربع السعودي" التابع لعبد العزيز ـ ورشحه السعوديون لرئاسة وزراء لبنان مراراً ـ… وقد صب جون فيلبي جام غضبه على سعود وأفراط عائلته الذين تنكروا كما يقول فيلبي (لأصدق صديق لوالدهم، تنكروا لمن حكم مكة من أول يوم دخلناها ولمدة 37 عاماً حكماً مباشراً حتى روضها، وحكم الجزيرة العربية 40 عاماً حكماً غير مباشر، عندما ـ كان كل الحكام يسيرون بأمري، ويستعطفوا مني كلمة صالحة في حقهم أرسلها في تقرير إلى لندن لطلب العون والمال والسلاح والحماية، وقد صليت بالناس إماماً في الحرم الملكي، وصليت بوالدكم إماماً، عندما تتهمونني الآن فقط بأنني غير مسلم. ان والدكم كان يأتمر بأوامري ولا يرى بعد رأيي أي رأي. أنني مواطن عربي الآن، ولو كان والدكم حياً لما سمح لكم بهذا التطاول علي الذي هو تطاول على والدكم في الحقيقة، لو كان أخي عبد العزيز بن سعود في الوجود لما رضي بابعاد والدكم عبد الله فيلبي، لو كان والدكم عبد العزيز حياً لقال لكم من أنتم يا أبنائي الذين تتجرأون على منشئ دولتنا الحاج عبد الله فيلبي، ومربيكم أنتم بالذات، وقد قالها أخي عبد العزيز بالفعل عندما انتقده عدد منّ مشايخ القبائل والدين "لتقريبه لعبد الله فيلبي والأخذ برأيه لأنه انكليزي".
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م