مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 25-04-2006, 02:23 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي إحتلال بغداد

مادام يحكمنا الجنون
سنرى كلاب الصيد تلتهم الأجنة فى البطون
سنرى حقول القمح ألغاماً وضوء الصبح ناراً فى العيون
سنرى الصغار على المشانق فى صلاة الفجر جهراً يـُصلبون
ونرى على رأس الزمان عويل خنزير قبيح الوجه
يقتحم المساجد والكنائس والحـُصون


يومٌ ليس ككُل الأيام. يوم أطول من باقي الأيام و أسوأ. إنه صباح التاسع من نيسان عام 2003.
صحوت صباحاً على صوت الراديو..
"الدبابات...الدبابات الأمريكية...ها نحن نشاهد الدبابات الأمريكية في ساحة التحرير في بغداد...ساحة التحرير..الدبابات الأمريكية تطأ أرضاً لم يطأها المحتل منذ أكثر من سبعين عاماً..
أحمد صبري..بغداد..راديو مونتي كارلو"...!!!
ركضت مُسرعاً و كنت أتخيل أني لم أزل نائماً، سألت أبي:"ماذا حدث؟؟".أجباني بصوت متحشرج:"أعتقد أن الحرب انتهت".
ظللتُ واقفاً في مكاني لا أستطيع الحِراك. و والدتي لا تفتأ تقول:"بالتأكيد لم تنتهِ الحرب..هذا الذي يحدث هو جزءٌ من الخطة". ظلت والدتي تردد هذا الكلام عدة مرات و دموعها تنزل دون أن تستطيع السيطرة عليها. و استمرت الأخبار تتوالى..
سقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وسط بغداد..!!
لا أثر للجيش العراقي في أي مكان..!!!

ما الذي يحدث؟؟
أخذت أفكر أنه ربما هذا الذي يحدث جزء من خطة الجيش العراقي، مثلاً أن ينسحب الجيش من الرصافة و يتمركز في منطقة الكرخ للحرب. ذلك أن كل ما يتحدثون عنه في الأخبار يحدث في مناطق من الرصافة. ربّما ستتحول الحرب إلى حرب شوارع غير تقليدية..ربّما .. و ربّما..و ربّما...
كنت أتمنى كل ذلك و أدرك بعقلي أنه مستحيل الحدوث. بغداد محتلّة...ولا شئ من امنياتي سيغير ذلك.

خيبة الأمل..هذا هو ما يصف الشعور الغالب في نفسي. خيبة أملٍ كبيرة جدّا. ليس لأنني كنت أرى صدام حسين قائداً فذاً..فأنا عراقي و أعرف الحقيقة. و لكني كنت أتمنى أن نتخلص من صدام حسين و في جعبتنا الشئ اليسير من الكرامة، لا أكثر و لا أقل.
شعورٌ غريب..شعور بالفرحة للتخلص من صدام حسين، و شعور بالأسى لأن وطني و حبيبي الأول صار محتلاً و انتُهك و اغتُصب، و شعور بالغضب..الغضب من صدام حسين لأنه تخلى عن الوطن بسهولة، و الغضب من الأمريكان لأنتهاكهم حرمة وطني، و الغضب من نفسي لأني لم أفعل شيئاً حيال ذلك..!!
أين رجال الحرس الخاص و الحرس الجمهوري و الجيش؟؟
أين رجال حزب البعث؟؟
أين رجال جيش القدس؟؟
أين رجال فدائيي صدام؟؟
هل هرب الجميع؟؟ هل هذا العمل مخطط له سابقاً؟؟ هل نحن المشاهدون الوحيدون لهذا الفلم و كل العالم ممثلون؟؟
هل كل من مات مُدافعاً عن العراق في هذه الحرب مات لقضيةٍ خاسرة؟؟
ما ثمن هذه الدماء التي سُفكت في أم قصر و البصرة و الناصرية و الديوانية و كربلاء و النجف و الحلة؟؟
هل كان قتالهم لا داعي له لأننا سنُفقدَ بغداد عذريتها بأيدينا؟؟؟

المحتلون في ساحة الفردوس..في ساحة التحرير..في القصر الجمهوري..في المطار..في قصر الرضوانية..في الكرادة..في شارع الزيتون...
لقد احتلوا بغداد بالكامل..و تلاشت مع ذلك أحلامنا بالكرامة.

في هذه الأثناء، كان صدام حسين في الأعظمية قرب مسجد أبو حنيفة النعمان..الناس حوله يهتفون له "بالروح بالدم نفديك يا صدام"..لم يفهموا اللعبة بعد. ظهر صدام هناك مع فردٍ واحدٍ من أفراد الحماية..شخصٍ من الحماية لم نرَه قبل الحرب. ظهر مع صدام حسين في منطقة المنصور في زيارةٍ لمواضع البعثيين في أحد أيام الحرب الأولى. لستُ أدري من هو هذا الشخص..و ما قرابته لصدام حتى أنه الوحيد الموجود معه خلال وقت الأزمة.
الناس تحمل صدام على الأكتاف..و تهتف بالدفاع عنه. الطائرات المروحية الأمريكية بدأت بالتحليق في بغداد. الطائرات الأمريكية تحوم فوق الأعظمية. القوات الأمريكية تبدأ بدخول الأعظمية. مواجهات عنيفة بين ما تبقى من قواتٍ عراقية في الأعظمية و القوات المحتلة. صدام حسين اختفى..!!!

تحدّث الكثيرون عن خياناتٍ بين قيادات الجيش الكبرى و قيادات الأجهزة الأمنية مع الأمريكان. أستطيع أن أجزم أن هذا غير صحيح. و إن حدثت خيانات فقد حدثت في مستوياتٍ قليلةٍ لم تكُن لتُمكّن الأمريكان من دخول بغداد بهذه السهولة.
فهمي الشخصي لما حدث هو التالي..
حالة الإنهزام النفسي عند المقاتلين العراقيين المتسببة من تساؤل منطقي هو (هل أقاتل ليبقى صدام حسين و أموت لأجله؟؟). عندما لا تملك الإجابة لسؤالٍ معين فإن ما تفعله هو..لا شئ..
و هذا ما فعله الجنود العراقيون، عندما جد الجد و احتاجوا أن يقرروا أن يموتوا لأجل الوطن..لم يتّخذوا قراراً..و لم يفعلوا شيئاً..مرّت الأحداث و تابعوها دون أن يحدث شئ. فصار الجنود في بغداد ينزعون عنهم ثياب المعركة و يلبسون ثياباً مدنية..و الكل قال "نفسي نفسي". و تداعيات الأحداث كانت سريعة جداً بحيث تحتاج إلى أن تتخذ قراراً في ثوانٍ إما أنت تموت أو لا.
و ليس ما حدث نتيجة خللٍ في نفوس المقاتلين، فقد أثبت نفس المقاتلين بسالتهم في الحرب مع إيران. إلا أن الإرهاق النفسي و الجسدي الذي مرّ على العراقيين في السنوات الأخيرة على يد صدام حسين لم يترك فيهم حب الجماعةِ الذي كان موجوداً سابقاً. فالمقاتل حين يفكر فيما إذا مات كيف أن عائلته سوف تموت جوعاً..يتردد في التضحية لأجل الوطن..تلك التضحية التي ناتجها العرَضي بقاء صدام حسين و المزيد من الإستبداد و الطغيان و الحياة التي ليس لها من الحياة غير الإسم.
لا أحاول أن ابرر لماذا نحن الآن أحياء و لم نمُت مع الأبطال الذين ماتوا في الحرب، ولكني أحاول أن أفهم ما الذي حدث..

الشعور بالإغتصاب..هذا هو ما أحس به. فعندما يتعرض شخص للإغتصاب لا يريد أن يخبر أحداً بما حدث..ولا يريد تذكر ما حدث..ولكنه يريد أن ينتقم..و غالباً لا يستطيع لوحده..
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 02-05-2006, 01:44 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي اليوم التالي..

أطفال بغداد الحزينة
في الشوارع يصرخون
جيش التتار
يدق أبواب المدينة كالوباء
ويزحف الطاعون
أحفاد "هولاكو"
على جثث الصغار يزمجرون


لا أذكر شيئاً عن تلك الليلة..!!
كانت ليلةً طويلةً جداً جداً..و قد أفلحت القنوات الفضائية و خصوصاً القنوات العربية في إظهار العراقيين بصورة السرّاق الهمجيين الذين يدمرون كل ما أمامهم. تناسى الجميع عشرين ألف مجرمٍ أطلقهم صدام حسين قبل الحرب بفترةٍ يسيرةٍ. بل لمن لا يعلم فقد قام صدام بإطلاق مرضى الإيدز أيضاً من مستشفى الحجر الصحي في منطقة الحصوة غربي بغداد.
هؤلاء المجرمون بمساعدة القنوات العربية إستطاعوا أن يُثبتوا للعالم أن العراقيين هم عبارةٌ عن مجموعة من الهمج المدمرين السرّاق. لا اريد التعرض إلى هذا الموضوع أكثر لأنني سأشير بأصابع الإتهام في كثير من الدمار إلى دولةٍ جارةٍ عربيةٍ و أخرى غير عربية.

في صباح ذلك اليوم الأليم، جائني زائراً أحد أصدقائي ممن يقطنون نفس منطقتنا. بالطبع للتنقل في بغداد في ذلك اليوم يجب أن تحمل قطعة قماش بيضاء. علامة المدنيين كما يسميها الأمريكان، و علامة الإستسلام كما أسميها. عندما رأيت صاحبي للمرة الأولى احتضنني و رحنا نبكي لفترةٍ من الزمن. إنه الإحساس بالهزيمة الذي جعلنا نبكي. ليس لأننا نحب صدام حسين أو نريد بقائه، بل لأن لا شخصاً عاقل يرضى بالإحتلال.
جلسنا أنا و صاحبي احمد دون كلامٍ لفترة، ثم أخذنا نستمع إلى الأخبار في الراديو، الأخبار لم يكُن فيها ما يسُر. أكثر خبر جذب إنتباهنا هو أن مستشفى الكندي في الرصافة تتعرض إلى السلب و النهب و المرضى فيها بأمس الحاجة إلى المساعدة. كان قد تناهى إلى مسامعي أن المستشفيين الذين لا يزالا يعملان في الكرخ هما مستشفى اليرموك و مستشفى الطفل العربي. و بعد تفكير ليس بالطويل قررنا أنا و أحمد أن نذهب إلى مستشفى اليرموك لأننا توقعنا أن هناك من يحتاج إلى المساعدة. المسافة بين العامرية و مستشفى اليرموك طويلة جداً مشياً على الأقدام، ذلك لعدم وجود السيارات في الشارع إلا ما ندر جداً.
توكلنا على الله و بدأنا بالمسير. و كلما قطعنا مسافةً مرت بنا مجموعة من القوات الأمريكية و فتّشونا بشكل مُذل. إلا أننا كنا نحتسبها عند الله لما كنا ذاهبين إليه. فما قد سمعناه في الأخبار عن خلو المستشفيات من الأطباء و الكادر الطبي و إمتلائها بالمرضى جعلنا نتحمل كلما حدث في الطريق إلى المستشفى.
في الطريق، كنا نجد السيارات المدنية المحترقة و ليس بداخلها إلا كتل فحمية لا نستطيع نَسَبها إلى جزءٍ من جسم الإنسان. اليورانيوم المنضب، نعم. اليورانيوم المنضب هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يُحرق البشر و المركبات بهذه الطريقة الوحشية. و كلما قطعنا مسافةً وجدنا بين الأحياء مساحاتٍ من التراب و قد استُخدمت كقبور لشهداء و كُتب فوقها (هنا قبر شهيد). و من كان يتوفر له العلم العراقي عند الدفن كان الدفّانون (جزاهم الله خيراً) يضعون العلم فوق القبر.
من مسافةٍ بعيدةٍ عن مستشفى اليرموك بدأنا نشم رائحة الجثث..!!
يا إلهي..بيننا و بين المستشفى أكثر من مئتي متر و الرائحة تقطع الأنفاس..!!!
منظر المستشفى من بعيد كان رهيباً. كانت بعض العربات و الأسرّة و فوقها الجثث في الشارع. و بُقع الدماء تغطّي الأرض..و واضحٌ أن الكثير من الجثث كانت لناسٍ نزفوا حتّى الموت في هذا المستشفى الفارغ. لم ندخل المستشفى بعد..لأننا في الشارع و أحسسنا أنفسنا داخل المقبرة..!!
بعض الجثث كانت متروكةً منذ فترةٍ طويلةٍ حتى أن الذباب و الحيوانات بدأت تأكل منها..!!!
لقد كان الموقف رهيباً.

أمام المستشفى على الجهة الأخرى من الشارع كان هنالك حدائق صغيرة تفصل بين البيوت و الشارع. قررنا أنا و أحمد أن نستخدم هذا الحدائق لندفن فيها الموتى. و كانت البيوت كلها خاوية أو بدتْ كذلك.
بدأنا بالحفر بأيدينا لأننا لم نملك ما نحفر به. و جائت مجموعة من القوات الأمريكية و طوقونا و فتشونا ظانّين اننا نزرع ربما لغماً أو شيئاً من هذا القبيل. و بعد التفتيش أدركوا أننا لا نشكل خطراً عليهم إنما نريد أن نستر هؤلاء الموتى.
بعد ذلك دخلنا إلى المستشفى لنأتي بملابس أطباء حتى يعتقد الأمريكان أننا نعمل في المستشفى فلا يزعجوننا مرةً أخرى. و كان المنظر في المستشفى اسوأ بكثير من خارجها. وجدنا عدداً قليلاً جداً من كادر المستشفى يحاولون بلا أدواتٍ أن يُنعشوا من كان فيه من الروح شئ.
خرجنا مرةً أخرى لنكمل الدفن..دفنا الكثير الكثير من الناس بعد أن صلينا عليهم حتى وصلنا إلى مرحلةٍ أخذت بها أجسامنا ترتجف و دموعنا تنزل دون أن نشعر.
شعرت بالخَدرِ في يدي..و كان ذلك أفضل..فلم أعد قادراً على الشعور بالناس الذين نواري أجسامهم الثرى. قررنا أن نتوقف..
لم أستطع الإستمرار..
أحسست أن جبلاً أُلقي على صدري فلم أعد أستطيع التنفس..
احتضنت أحمد و رحت أبكي بشدّةٍ..
تركنا المكان و نحن تفوح منّا رائحةُ الموت..
إلى هذا اليوم لم استطع نسيان ما حدث..و لا أظنني أستطيع..!!
كل ما حدث لم يأخذ أكثر من ساعتين أو أكثر بقليل ربما..إلا أنها بدت لي كألف سنة..
رغم أن نيسان في بغداد حار..إلا أنني أحسست بالبرد الشديد..أحسستُ أن بغداد لم تعُد مدينة..بل أصبحث ثلاجةً كبيرةً للموتى...
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م