هذا التعليق المختصر أوجهه أصالة إلى السيد أحمد الهاشمي لأنه افتتح موضوعا في غاية الأهمية، ثم إلى الشيخ طارق السعدي الفاضل الذي يبدو لي من مجرد رده وتعليقه أنه من المتمكنين في علم الكلام وأصول الدين.
ويبدو لي أيضا أنه ممن اجتهد في تتبع كلام ابن تيمية وتحليله لا مجرد تجميعه، ويظهر هذا من إرجاعه تفاصيل كلام ابن تيمية إلى قواعد أصلية نحو
1- تعلق الصفات، فهو أشار إلى أن منشأ قول ابن تيمية يرجع إلى تعلق الصفة بأثرها، ولو قال إن مذهبه في القول بالقدم النوعي يرجع إلى إيجابه تعلق صفة القدرة بمتعلقاتها على التتابع لا دفعة، وسبب إيجابه لذلك التعلق هو أنه يشترطه لكمال الله تعالى فالله تعالى لا يكون كاملا عنده إلا إذا كان خالقا، ولا يكون خالقا إلا إذا خلق بالفعل لا بمجرد قدرته على الخلق كما أشار الطحاوي في عقيدته، وكما هو قول أهل الحق. فهو يشترط اتلعلق التنجيزي لا دفعة بل على التتابع ليصح كون الله تعالى خالقا. وفي هذا كما لا يخفى كون الحادث شرطا لكمال القديم، وهو مستلزم لنقص القديم.
2-وقد أشار الفاضل الشيخ طارق إلى قول ابن تيمية بأن ما لا يكون محسوسا فلا يمكن وجوده، وهذا هو بالفعل حقيقة اعتقاد ابن تيمية. بل إنه يضيف إليه أن ما لا يكون متوهما (أي متصورا بالوهم) فلا يمكن وجوده. فإمكانية الحس شرط لوجود الموجود. ولذلك فهو يتهم الأشاعرة القائلين بعد إمكانية ملابسة الحواس لله تعالى، يتهمهم بالقول بعدم وجود الله، لأن وجود ما لا يمكن إدراكه بالحواس الخمس عنده مستحيل.
ومجرد تنبه الشيخ طارق إلى هذا دليل آخر على تمكنه في هذا الموضوع.
والحقيقة أنه يندر أن أجد واحدا في هذا الزمان من يستطيع التحليل بهذا العمق، والحمد لله تعالى على وجدانه.
وكلامي السابق لا يعني مطلقا انعدام وجود فوائد أخرى في كلام السيد طارق بل إنه مليء بها، ولكن اهتممت بالتنويه إلى ما مضى لدلالتها على اتباع السيد طارق منهج المتكلمين الحقيقي في التحليل والنقد العقلي، الذي أفتخر أنا بالانتماء إليهم أيضا.
3- ومن باب الفائدة، فإنني أود أن أشير إلى الكتاب المفيد جدا في هذا الباب والذي كشف بنفس الطريقة حقيقة مذهب ابن تيمية متبعا فيها طريقة التتبع والتحليل العقلي الجاد، لا مجرد التهويل والاستنكار، وهو كتاب (الكاشف الصغير عن عقائد ابن تيمية) من تأليف سعيد فودة، نشر دار الرازي ، وكذلك كتاب رد العلامة الإخميمي على ابن تيمية في مسألة قدم العالم، مع تعليقات سعيد فودة عليها أيضا ، نشر نفس الدار المذكورة سابقا، ففيهما تحليلات جليلة وفوائد نفيسة أعتد أن السيد الجليل طارق السعدي سيسر بالاطلاع عليهما والعلم بموافقة غيره لما توصل إليه هو بنظره الجاد.
|