مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 11-09-2006, 08:42 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

( 18 )

لم يكن للناس عهد بالتفكير بمعارضة الحاكم ، فقد تمت تربيتهم على السكوت مدة ألف عام ، لكن بعد أن زال الحكم العثماني الذي اختلطت فيه مبررات بقاءه مع عدمها .. وأصبح الناس وجها لوجه أمام مستعمرين كفرة ، ويهود يحاولون بلع فلسطين ، وحدوث المقاومة في فلسطين وسوريا و العراق ، وانتشار وسائل الإعلام التي أخذت تسرب أخبارا عما يدور في ليبيا و الجزائر وريف المغرب .

بدأ الحس الوطني بالنهوض شيئا فشيئا ، حتى شارفت الأربعينات من القرن العشرين على الانتهاء ، ولما كانت الحكومات العربية ، ليست بذلك الاحتراف في خنق الأصوات كما هي اليوم . أخذ شباب العتيقة كما هم غيرهم من شباب العرب يفكرون ويتهامسون و يتبادلون نشرات كانت تصنف على أنها ممنوعة ، لكن المهربون كانوا ينقلونها على ظهور الخيل عبر الحدود ، لتصل إلى عينات من مثقفين لا زالوا في المدارس المتوسطة أو الثانوية ..

كان الشباب ينقسمون الى ثلاثة فئات فئة إسلامية ( سياسية ) بحزب اسمه (التطهير ) وحزب ( أممي ) وحزب (قومي ) .. وغالبا ما كانوا في حالات جدال مع بعض ، أحيانا تصل الى حد العراك بالأيدي أو السكاكين .. وكان معلمو المدرسة ينقسمون أيضا وفق هذا التقسيم ، وكان الأكثرية من القوميين والتطهيريين ثم بعض من الأمميين الذين كانوا يحاربوا من كل الأطراف إضافة للدولة والمجتمع ..

كانت العقوبات التي ينالها من ينتمون للحزب ( الأممي ) قاسية جدا ، نادرا ما تقل عن عشرة سنوات ( شاقة ) .. فكانوا يلجئون لحيلة في عقد اجتماعاتهم ، إذ كانوا يحضرون بعض زجاجات البيرة و يضعونها في دلو وينزلونها ببئر ماء لكي تبرد ، حيث لم تكن الكهرباء قد دخلت العتيقة بعد ، وأحيانا يملئون تلك الزجاجات بالماء ، وعندما يرتابون بحركة قد تلحق بهم الأذى يسارعون في استخراج زجاجات البيرة ( أو الماء ) ويتناولونها أمام القادم المريب ، فأسهل عليهم أن يقال عنهم سكارى من أن يتعرضوا للسجن الطويل ..

وقد أثير حديث ذات يوم بين أهالي القرية ، فعندما ذكر أحدهم كلمة (أممي) انبرى أحد جيران ( وكر ) تلك الخلية ، وقد اطلع على بعض طقوسهم .. فابتسم وقال : هل تعلمون كيف يصبح الأممي أمميا ؟ ثم أجاب : يضعون زجاجات في دلو وينزلونها في بئر ثم يستخرجونها ، وعندها يصبحوا أمميين !

لقد كان المعلمون يستغلون حصص التدريس ، ليمرروا أفكار أحزابهم ، من خلال شرحهم للدروس أمام التلاميذ ، حتى لو كان الدرس ( للحساب ) فإن المعلم يصنع مقتربات للدخول في الحديث عما يريد ، فبشرحه للفيزياء يذكر حسن كامل الصباح البدوي اللبناني ،الذي قتلته المخابرات الأمريكية بعد أن اخترع التلفزيون ( الذي سرق شرف الاختراع منه ) .. ليهجم في شرحه على الإمبريالية و الصهيونية .

وإذا أراد أن يتحدث معلم التاريخ عن الأندلس ، فلا ينسى يوسف بن تاشفين وتوحيده للأندلس التي تمزقت في عهد ملوك الطوائف ، لينوه بضرورة عمل ذلك في الوقت الحاضر ، وليتكلم عن ضرورات الوحدة براحته ..

كانت الجزائر عندما تتعرض المقاومة فيها لبعض الخسائر ، يحس الطلبة من خلال معلمهم بأن حدثا جللا قد وقع ، وعندما يسألوه ، كانت الحرقة والاختناق تكاد تقتل هؤلاء الأطفال الصغار ، ولا يعودوا في اليوم التالي إلا ومعهم بعض النقود القليلة ليتبرعوا بها لثورة الجزائر ..

وعندما بدأ المذياع بالانتشار ، اقتنى بعض الموسرين جهازا ضخما من نوع (سيرا) .. كان مربوط به ( بطارية ) تقل عن حجم بطاريات السيارات قليلا ، فكانوا يستمعون الى إذاعة ( الشرق ) التي أصبحت فيما بعد إذاعة لندن ، وكانت تبث من قبرص ، موجهة لتلقين الناس أخبارا معينة .

كان أبو حامد يضع جهاز المذياع الى جانبه ، ويخرج من جيب صدريته ساعة فضية اللون ، ربطت بسلسلة في أحد طيات الصدرية ، فيضغط على (زر) لتفتح الساعة و يطلع على الوقت ، ثم يدير مفتاح المذياع لأنه حان وقت الأخبار ، وبضعة رجال يجلسون من حول الموقد الذي وضع عليه دلال القهوة ، يرقبون ما سيبلغهم أبو حامد من أخبار يسمعها ، رغم أنهم يسمعون كما يسمع هو ، لكن اللغة العربية الفصحى لا تجعلهم يدركون على وجه الدقة ما يقول المذيع .

كان أبو حامد يعالج جمرات من الفحم المشتعل ، بملقط خاص ، في حين يطرق في نظره للأسفل ، ممثلا دور الخبير في معرفة ما يقول المذيعون .. أما الرجال فيرقبون حركات يديه في معالجة الجمر ، وتعبيرات وجهه عندما يعلو صوت المذيع .. وفجأة يطفئ جهاز المذياع ويهز رأسه قليلا .. فيبادر الرجال بسؤاله : خير أبو حامد ؟؟
فيجيب باقتضاب ( على قدر ما فهم ) : بس الله يرحمنا ..
فيعاودوا السؤال : خير أبو حامد .. ماذا قال المذياع ؟
أبو حامد يجيب وكأن هموم الأمة مرهونة برقبته : مولعة بمصر .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 29-09-2006, 12:44 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

( 19 )

عندما مات ( شاهر قوقة ) ، فرح ذويه بموته كثيرا ، فقد كان يسبب لهم الكثير من الحرج ، فقد كان معتوها ، في أواسط الخمسينات من عمره ، متسخ الثياب ، لا زوج له ولا أولاد ، لا يتحرج أن يتبول في الشارع أمام المارة ، يستطيع أن يلفظ ستة حروف فقط من الحروف الأبجدية ، فيرد على من يستهزئ به بقوله ( هماه ) ( ويقصد بها حمار ) .. كان الصبية يلحقونه ليستفزونه ليشتمهم بشتائمه المثيرة للضحك ..

و كأي ميت ، لا بد من عمل مأتم له و فتح دار عزاء ، خصوصا أن أخاه من وجهاء العتيقة المعروفين ، ولكن الناس تتثاقل في الذهاب الى مآتم الأطفال والنساء المسنات و المهابيل ..

كانت أخبار هؤلاء المهابيل في حوزة مدرس ابتدائي ، يتفنن في جمع أخبارهم ، و معرفة النقاط التي تثيرهم ، وأحيانا يجمعهم كلهم و كانوا أكثر من عشرة بقليل ، منهم من هو من أبناء العتيقة و منهم من يأتي من البادية ، ومنهم من يسكن عند أم له تزوجت بعد وفاة زوجها . كان ( أبو أركان) الأستاذ يعرف أسرار هؤلاء المهابيل ، وكلمات السر لجعلهم يجودون بنمرهم المجنونة .

كان أول من أتى أن يعزي بوفاة ( شاهر قوقة) ، مجنون يحافظ على كياسته ما لم يقال له كلمة السر التي تحوله من إنسان عادي الى مجنون رسمي ، كان اسمه ( عقلة) .. ولم يكن بديوان الشيخ ( سليم ) شقيق المتوفى ، سوى الشيخ ورجل مسن عصبي المزاج اسمه (مهاوش) ، يعتبر من أقدم تجار المنطقة ، وأقلهم ربحا ، لعصبيته .. فإن سأله أحد المشترين عن ( بندورة ) (طماطم ) .. وأجابه أن طلبه موجود ، فإن اعترض المشتري على ما عرض عليه ، وطلب أحسن من تلك البضاعة ، فإن البائع العصبي ، سيدوس مئات المرات برجليه على الطماطم حتى يأتي عليها ، وهو يردد : تريد أحسن من هذا ؟ تريد أحسن من هذا ؟ ، وإن اعترض أحدهم على ( زجاجة سراج ) يريد أن يستبدلها فإن كل رصيد البائع ( مهاوش ) سيتكسر أمام المشتري المعترض ..

كان ( مهاوش ) مجنونا ، ولكنه كان لديه زوجتان وأربعة عشر ولدا من الذكور العصبيين ، فلم يتجرأ أحد أن يصفه أو يصفهم بالجنون ..

لم يطق ( مهاوش) وجود عقلة ، فغمز الشيخ سليم وقال له : ( بغلين على طوالة واحدة لا يمكن ربطهما ) .. ففهم الشيخ سليم تلك الإشارة حتى يتم طرد (عقلة) من المجلس ، كي لا يثير مشاكل مع المعزين .. فوجه الشيخ سليم سؤالا الى (مهاوش) : هل عقلة كبير بالسن ؟ فأجاب (مهاوش) : والله لما كنت خيالا كان ( عقلة ) نشميا .. ففرح عقلة بجواب مهاوش وقال : الله يحفظك يا حاج مهاوش .. فأضاف مهاوش بمكر : كان يحمل على رأسه وعاء من خشب و يلحق الأبقار ليجمع روثها .. فغضب (عقلة ) وقال : يلعن شيبك يا مهاوش وخرج .

كان أولاد العتيقة و حتى رجالها ، يتسلون بالمجانين و المهابيل ، تسلية تعوضهم عن نقص الجوانب في التسلية ، حتى كانوا يبتكرون من بين الأسوياء ، أشخاصا ليضيفونهم الى قائمة المجانين ، فقد حدث أن ذهب رجل من الحارة الجنوبية الى الحارة الشمالية ليعبئ بعض (التبن ) من عند عديل له ، وكان يلبس ملابس رثة ، تلاءم قيامه بالعمل ، وكان من بين الملابس غطاء للرأس (يشمغ) مقطعا بعض الشيء ، وعندما أنهى عمله خرج وقد علق التبن في شقوق غطاء الرأس ، فبدا منظره غريبا و شاذا ، فلما لمحه أحد الأطفال ، ذهب وأخبر أترابه بأن مجنونا جديدا قد أتى للحارة ، فتراكض الأطفال يتضاحكون ويحذفونه بالحصى و هو يركض أمامهم ، مستسلما ، حتى دخل خرابة مهجورة فتسلل أحد الأطفال إلى مخبئه ، ففاوضه الرجل أن يعطيه بعض النقود مقابل أن يمنع الأطفال عنه ، فخرج الطفل يبلغ الأطفال : أن المجنون يريد إعطاؤه نقودا ، فهجم الأطفال ثانية عليه ، فما كان منه إلا أن يركض حتى وصل بيته ، مقطع الأنفاس ..

كان ( عقلة ) المجنون ، يغيب عن العتيقة عدة شهور ، ولم يعرف عنه أين يذهب ، حتى صدف أن الأستاذ ( أبو أركان) ، قد نقل من العتيقة للتدريس في قرية تبعد حوالي 50كم ، فلمح بعد أيام من التحاقه بالعمل رجلا يضع عمامة خضراء ، وبيده مسبحة طويلة ، يخرج من دكان بخطوات ثابتة ، فراقبه عن بعد فتيقن أنه ( عقلة المجنون ) .. فترك مجالا حتى ابتعد عبده عن الدكان ، فدخل الأستاذ الى الدكان و سأل صاحبها عن الرجل الذي خرج ، فأجابه : إنه الشيخ (أبو خضر) .. فابتسم الأستاذ بمكر ، ولقن صاحب الدكان بعض الكلام الذي يستفز الشيخ ، وهي كلمات سر يعرفها الأستاذ جيدا ، لكنه كان ماكرا في تلقينها لصاحب الدكان الذي أخبره بأن الشيخ سيعود حالا فقد ذهب لمكان سكنه ليحضر شيئا ، فطلب الأستاذ من صاحب الدكان أن يتخفى في مكان لا يراه عبده فيه .

عندما عاد ( عقلة ) ، كان صاحب الدكان قد حفظ دوره ، فبادره قائلا : يا شيخ ، عندي ابنة تعاني من بعض الوساوس و أريد منك أن تعالجها ، بصنع حجاب أو أي طريقة ، فإن شفيت سأعطيك (زوجا من أفراخ الحمام ) وكانت هذه من مثيرات عقلة ، فجفل عقلة و تنحنح و قال : ( دسِم كلامك) ، وسأعطيك (حليب العجلة الصَبحة) .. فغضب عقلة وقال بعنف : ( استحي) ، ثم أضاف صاحب الدكان : وإن تأكدت من شفاء البنت تماما سأعطيك كل ما لدي من (ملح الليمون ) .. وكانت تلك أشد ما يثير عقلة ، فأمسك بخناق البائع ، وقال له : إن لم تخرج ( رجل العتيقة ) من عندك سأذبحك .. وهنا خاف الأستاذ على الرجل فهو يعلم قوة (عقلة ) .. فإن ضرب بابا مغلقا بإحكام بحجر عن بعد فإنه سيفتحه لا محالة .. فخرج راكضا و خرج عقلة يطارده في شوارع القرية ، التي لم يعد لها ثانية بعدما كشف سره ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م