مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 20-09-2006, 06:30 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

صلات العرب بالساميين


لاحظ المعنيون بلغات "الشرق الأدنى" وجود أوجه شبه ظاهرة بين البابلية والكنعانية والعبرانية والفينيقية والآرامية والعربية واللهجات العربية الجنوبية والحبشية والنبطية وأمثالها ، فهي تشترك أو تتقارب في أمور أصلية وأساسية من جوهر اللغة ، وذلك في مثل جذور الأفعال ، وأصول التصريف ، تصريف الأفعال ، وفي زمني الفعل الرئيسيين ، وهما: التام والناقص ، أو الماضي والمستقبل ، وفي أصول المفردات والضمائر والأسماء الدالة على القرابة الدموية والأعداد ، وبعض أسماء أعضاء الجسم الرئيسية ، وفي تغير الحركات في وسط الكلمات الذي يحدث تغيراً في المعنى .

وفي التعبيرات التي تدل على منظمات للدولة ، والمجتمع والدين ، وفي أمور مشابهة أخرى ، فقالوا بوجوب وجود وحدة مشتركة كانت تجمع شمل هذه الشعوب ، وأطلقوا على ذلك الأصل ، أو الوحدة "الرس السامي" أو "الجنس السامي"، أو "الأصل السامي"، أو "السامية، "Aemites" "Ahemites" "Semitic Race" وعلى اللغات التي تكلمت وتتكلم بها هذه الشعوب "اللغات السامية" ، "Semitic Languages"


وقد أخذ من أطلق هذه التسمية ، تسميته هذه من التوراة . أخذها من اسم "سام بن نوح" ، جدّ هذه الشعوب الأكبر ، كما هو وارد فيها . وأول من أطلقها وأذاعها بين العلماء على هذه الشعوب ، عالم نمساوي اسمه "أوغست لودويك شلوتسر" August Ludeig Schlostzer أطلقها عام "1781 م" فشاعت منذ ذلك الحين ، وأصبحت عند العلماء والباحثين في موضوع لغات الشرق الأدنى علماً للمجموعة المذكورة من الشعوب وقد أخذ "آيشهورن" "Joh. Cotte. Eichhorn" هذه التسمية ، وسعى لتعميمها بين العلماء علماً على الشعوب المذكورة.


وفي عام (1869م) قسم العلماء اللغات السامية إلى مجموعتين : المجموعة السامية الشمالية ، والمجموعة السامية الجنوبية وتتألف المجموعة الشمالية من العبرانية والفينيقية والآرامية والآشورية والبابلية والكنعانية . و أما المجموعة الجنوبية ، فتتألف من العربية بلهجاتها والحبشية . وعمم استعمال هذا الاصطلاح بينهم وأصبح موضوع (الساميات) من الدراسات الخاصة عند المستشرقين ، تقوم على مقارنات وفحوص (أنتولوجية) و (بيولوجية) وفحوص علمية أخرى ، فضلا عن الدراسات التاريخية واللغوية والدينية .


وهذه القرابة الواردة في التوراة ، وذلك التقسيم المذكور فيها للبشر ، لا يستندان إلى أسس علمية أو عنصرية صحيحة ، بل بنُيت تلك القرابة ، ووضع ذلك التقسيم على اعتبارات سياسية عاطفية وعلى الآراء التي كانت شائعة عند شعوب العالم في ذلك الزمان عن النسب والأنساب وتوزع البشر. فحشرت التوراة في السامية شعوباً لا يمكن عدها من الشعوب السامية ، مثل )العيلاميين (Elam و )اللودبين( "Ludim" "Lud"، وأقصت منها جماعة من الواجب عدّها من الساميين ، مثل (الفينيقيين) و (الكنعانيين ) وقد مررنا على هذه النقطة في مادة (من هم الكنعانيون؟) .


ويرى "بروكلمن" إن العبرانيين كانوا قد تعمدوا إقصاء الكنعانيين من جدول أنساب سام ، لأسباب سياسية ودينية ، مع أنهم كانوا يعلمون حق العلم ما بينهم وبين الكنعانيين من صلات عنصرية ولغوية .

وقد رَجَع الإصحاح العاشر من التكوين نسب الفينيقيين و السبأيين إلى حام جد الكوشيين ، ذوي البشرة السوداء ، مع أنهم لم يكونوا من الحاميين ، وقد يكون ذلك بسبب وجود جاليات فينيقية وسبأية في افريقية ، فعدّ كتبة التوراة هؤلاء من الحاميين.

وقد عرف المسلمون اسم ( سام بن نوح) ، وقد كان لا بد لهم من البحث عن أولاد (نوح) لما لذلك من علاقة بما جاء عن (نوح) وعن الطوفان في القرآن الكريم . و قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سام أبو العرب) ، و( يافث أبو الروم ) ، و( حام أبو الحبش) ، وقد روى (الطبري) جملة أحاديث عنه في هذا المعنى . و قد لوحظ بأنها كلها وردت من طريق (سعيد بن أبي عروبة) عن (قتادة) عن (الحسن) عن (سمرة بن جندب) ، و هي في الواقع حديث واحد ، و لا يختلف إلا اختلافا يسيرا في ترتيب الأسماء أو في لفظ أو لفظين .

ومن هنا يجب إن يدرس هذا الحديث و كل الأحاديث المنسوبة إلى الرسول في هذا الباب دراسة وافية ، لنرى مدى صحة نسبتها إلى الرسول ، كما يجب دراسة ما نسب إلى عبد الله بن عباس أو غيره في هذا الشأن ، فإن مثل هذه الدراسات تحيطنا علما برأي المسلمين أيام الرسول و بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى في نسبتهم إلى سام بن نوح .

وقد قسم بعض علماء الساميات المحدثين اللغات السامية إلى أربع مجموعات هي : المجموعة السامية الشرقية ومنها البابلية والآشورية ، والمجموعة الشمالية ومنها الأمورية والأرمية ، والمجموعة الغربية ومنها الكنعانية والعبرانية والموابية والفينيقية ، والمجموعة الجنوبية ومنها المعينية والسبئية والإثيوبية والعربية والأمهرية . ويلاحظ إن واضعي هذا التقسيم لم يراعوا في وضعه التطورات التاريخية التي مرت بها هذه اللغات بل وضحوا تقسيمهم هذا على أسس المواقع الجغرافية لتلك الشعوب .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 10-10-2006, 06:09 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

هل السامية ( جنس ) أو ( رس) ؟

في اختصاصنا كمهندسين زراعيين ، نستطيع أن نجزم بمواصفات نوع من النباتات أو الحشرات أو الأبقار ، منحدرين بالتصنيف من رتبة الى عائلة الى نوع الى صنف الى تحت صنف ، معتمدين على أسس مهنية معينة ، فنستطيع أن نقول هذا الخوخ من صنف (دكس رد) ونستطيع أن نقول هذه البقرة من صنف (فريزيان ) وأحيانا نعطي تحت صنف لبقرة أخرى مثل (هولشتاين فريزيان) .. نعتمد على مواصفات مورفولوجية و تخصصية بحتة ..

لكن في مسائل البشر ، تاه العلماء في تصنيف البشر من خلال دراسة الجماجم والعظام التي تم العثور عليها في مقابر الجزيرة العربية و وادي الرافدين وبلاد الشام ، ولغاية الآن على الأقل ، ولا نعلم ما ستؤول له دراسات الحفريات مستقبلا .

فكما نشاهد في وقتنا الحاضر اختلافا في شكل الأنوف ولون العيون وحجم الجماجم ، ولون الشعر و البشرة ، فإن تلك الظاهرة كانت موجودة منذ القدم السحيق . وإن كان العلماء يردون ذلك في الوقت الحاضر للاختلاط في الأنساب ، فإن ذلك لم يكن بعيدا عن تلك الناحية في العصور القديمة .. وسنمر على ذلك في الحديث مستقبلا ان شاء الله في الحديث عن الأنساب .

أما الحديث عن السامية ، فإن أريد له أن يكون أقرب للدقة ، فإن ما يقصد به هنا هو التشابه في المعالم الثقافية والسلوكية والاعتقادات المختلفة .

وعندما كان الحديث يشغل العلماء عن موطن الساميين الأصلي ، فقد اقترح العالم الألماني ( فون كريمر ) أن موطنهم الأصلي هو منطقة (بابل ) .. حيث وجد أن ألفاظا نتيجة الحفريات ، لمسميات زراعية و ( حياتية ) تشترك فيها معظم اللغات السامية المختلفة .. إلا أنه عاد واستدرك قائلا ، أن لفظ (جمل ) الذي تشترك فيه معظم اللغات السامية ، دلالة على حيوان وجد أصلا في أواسط آسيا قرب نهري سيحون وجيحون وليس في العراق ، وعليه افترض أن الساميون الذين اقترن الجمل بهم منذ فجر التاريخ هم من أواسط آسيا ، ولكنهم فاضوا الى العراق من تلك المنطقة . وقد أيد هذا الافتراض العالم الألماني الحاذق في تفسير اللغويات ( هومل ) ، ولكنه رجح أنهم من جنوب بحر قزوين .

وقد عارض هذين الرأيين بشدة العالم ( نولدكه) الذي استند بقوله ، إلى أن الهجرات لا تتم من أراض خصبة ذات مياه وفيرة الى صحراء مجدبة ، وهو الحال الذي كانت عليه الأقاليم المحاذية لنهري ( سيحون وجيحون ) .

إلا أن الغالبية العظمى من علماء الأنثروبولوجيا يرجحون بشكل قوي أن جزيرة العرب هي الموطن الأصلي للساميين وبالذات (نجد) .. ومن هؤلاء العلماء ("سايس" و "أبرهرد شرادر"، و "دي كويه" و "هوبرت كرمه" و "كارل بروكلمن" و "كينغ" و "جول ماير" و "كوك" ،وآخرين.) .. وقد خالف هؤلاء عالم افترض أن أصل الساميين من اليمن ، وهناك من قال أن أصلهم العروض ، والقلة تقول أن البحرين هي منبت الساميين ..

أما ما يستند عليه الأكثرية من علماء الأنثروبولوجية فهو يتمثل ب :

1 ـ لا يعقل أن يكون وطن الساميين الأصلي ، في أماكن زراعية طيبة ، فلا بد لهم أن يكونوا سكانا من مناطق أقل جودة من الأرض التي انتقلوا إليها ..

2 ـ إن معظم المدن والقرى التي تكونت في العراق أو بلاد الشام ، قد بنيت بفعل عناصر بدوية أتت من الجزيرة العربية ، وبقيت على صلة وجدانية بها (الحنين في العادات والطباع ) .

3 ـ الأدلة اللغوية والدينية تشير بوضوح لانتساب الساميين لجزيرة العرب .

4ـ إن القبائل العربية الموجودة في الهلال الخصيب الآن ، هي امتداد للقبائل العربية الموجودة في الجزيرة ، ولا يستبعد أن تكون الهجرات متتالية منذ القدم .

أما أنا فأرى أن موطن الساميين هو (عُمان) .. لاعتقادي بأن سفينة نوح عليه السلام قد رست على جبل في عمان ، وليس في أرمينيا أو تركيا ، لأن اتجاهات حركة المياه من الشمال الى الجنوب وليس العكس . وهناك منطقة في عمان تسمى الأحقاف وقوم عاد قريبي الصلة من سام كانوا في عمان ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 06-11-2006, 11:43 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الهجرات السامية :

قبل أن ندخل في موضوع الهجرات السامية، لا بد من التنويه بأن هناك من يعتقد أن أصل الساميين هو من بلاد القفقاس، ولهم حججهم في ذلك،ويذهب من يتبنى تلك النظرية أن أرمينيا هي مكان رسو سفينة نوح وهي البقعة التي يفترض أن تكون موطنا للساميين. وكان من بين تلك النظريات من يقول أن أصل الساميين من إفريقيا وحججهم أقوى من حجج الذين يقولون بالقفقاس كمنشأ للساميين .

فيقول أصحاب نظرية أن أفريقيا هي الموطن الأصلي للساميين بأن خطوط الهجرة كانت من سيناء الى الجزيرة العربية ومن الصومال وهو الموطن الذي يعتقد البعض بأنه المكان الأساس للساميين، حيث دخلوا الى الجزيرة عن طريق باب المندب، وكانت حجج هؤلاء العلماء أن أسماء سامية وجدت في مصر و الحبشة و الصومال، في الأزمنة القديمة، كما أن للغة و الكتابة نصيب في استناد أصحاب تلك النظرية، إذ يعيدون لغة إثيوبيا الى اللغة اليمنية القديمة وخط قريب جدا من (المسند) .. ولكن يقول معارضو هذا الرأي أن هذا ليس دليلا كافيا، فقد تكون الهجرة من الجزيرة العربية نحو إفريقية، وقد يكون هؤلاء السكان تواجدوا قبل حدوث الشرخ الذي تشكل به البحر الأحمر كفاصل طبيعي بين الجانبين : الإفريقي و الآسيوي ..

لكن القسم الأعظم من العلماء قد تيقنوا بالاتفاق، على أن منطقة الجزيرة العربية وبلاد مابين النهرين وبلاد الشام هي الموطن الأصلي للساميين ..

هجرات الساميين والآراء حولها :

يتفق معظم العلماء على أن الهجرة كان وراءها التزاحم على الرزق، وعدم تحمل المكان الأصلي لسكانه، فيضطرون للهجرة. ثم يدعم هذا الرأي أصحاب نظرية أن جزيرة العرب هي موطن الساميين، فيقولون : أن تلك البلاد كانت من أخصب بقاع الأرض وأن تحولات مناخية قد طرأت عليها، أجبرت السكان على التفكير بالهجرة ..

وقد عين بعض العلماء تلك المرحلة التي طرأ فيها التغيير، بأنها كانت ملازمة للفترة التي حدثت في أوروبا والتي تحولت من مساحات جليدية الى أراض رخوة من ذوبان الثلوج، فقد تأثر مناخ الجزيرة العربية، بتحولها الى منطقة جافة مرتفعة الحرارة .. وقد استمرت الهجرات من الجزيرة في عدة حقبات ، وقدر للحقبة بألف سنة، يعني أن الهجرة استمرت آلاف السنين ..

ويستند بعض العلماء الى حقيقة جغرافية ملموسة، وهي انخفاض منسوب الماء الأرضي المقرون بانخفاض منسوب مياه المساحات المائية، سواء كانت بحار أو أنهار أو بحيرات، ويعزو عالم طبقات الأرض ( فلي) وأيده عالم آخر اسمه ( تويجل Twitchell )، من خلال فحص آبار في الخرج و تهامة ومناطق أخرى، أن الماء الأرضي قد انخفض زهاء 27 قدم ، وأرجعوا ذلك الى هبوط الضغط الجوي لاختلاف الظواهر المناخية، وقد ذهب غيرهما أن مياه البحر الأحمر قد انخفضت حوالي 25قدم .. ولكن علماء آخرون وبعد فحص قصة فرعون وموسى عليه السلام، أن الماء لم ينخفض بهذا الكم، بل انخفض زهاء ستة أقدام فقط منذ 3000سنة ..

أما مياه الخليج العربي، فقد انخفضت خلال ألفين من الأعوام ما بين خمسة الى عشرة أقدام .. وقد استدلوا على ذلك بوجود (سبخات ) في الحساء والقطيف ، كذلك ذهب بعضهم الى أن الربع الخالي وفي مكان منخفض معروف اسمه (أبو بحر) فيعتقدون أنه كان متصلا بالبحر العربي ..

كما أن السواح كانوا يعثروا في سياحتهم على صدف ومحار في المناطق الصحراوية شبيهة بتلك التي تكون في المياه العذبة، وكان من أبرز العلماء أصحاب النظريات المفصلة حول جزيرة العرب الإيطالي ( كيتاني) الذي سنفرد لنظريته حديثنا المقبل ..

يتبع
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 21-11-2006, 06:34 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

نظرية الإيطالي (كيتاني) حول جزيرة العرب:

أحيانا يجد القارئ في الكتب العربية القديمة، ومن خلال أشعار شعراء الجاهلية ذكر لحيوانات كالأسد وحمار الوحش والريم (بقر الوحش) وأشجار ضخمة، ويتساءل القارئ: هل ذلك من ضرب الخيال، أم أن تلك المناظر قد اختفت من المشهد في الجزيرة العربية، ولماذا اختفت وغير ذلك من الأسئلة..

لقد أجاب الإيطالي (كيتاني) على تلك الأسئلة وغيرها، من خلال نظرية وضعها قائلا: أن جزيرة العرب كانت لفترات طويلة جدا عبارة عن أمكنة وفيرة الخصوبة مثيرة للابتهاج، وقد أرجع فكرة (جنة عدن) أنها في الجزيرة العربية، وأن ذكر الجنة في التوراة يقصد به جزيرة العرب، لكن الظروف قست عليها ودفعت بسكانها الى التفكير بالهجرة خارجها وتنفيذ ذلك التفكير، فكانت (برأيه) معظم الهجرات العظيمة قد حدثت بين عامي 2500 و1500 قبل الميلاد. ولكنه يرجع التغير المناخي الى حوالي عشرة آلاف سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، إلا أن سكان الجزيرة لم يبدءوا بالإحساس بقسوة التغيير إلا بعد حدوثه بخمسة آلاف سنة.

ويتصور (كيتاني) أن سكان جزيرة العرب وهم (الساميون) حسب نظريته، كانوا ينعمون بأنهار وفيرة المياه، وقد حددها بوادي الحمض ووادي الرمة ووادي الدواسر ووادي السرحان، والتي كانت تتغذى من المرتفعات المحاذية لها.

وقد وافقه المستشرق الألماني(فرتز هومل) الذي أصر على أن أنهار جنة عدن المذكورة في التوراة هي أودية (الدواسر والرمة والسرحان وحوران ). وشاركهما في ذلك (كلاسر) الذي اعتقد جازما أن نهري (جيحون وفيشون) المذكورين بالتوراة هما في جزيرة العرب.

وقد اعتقد (كيتاني) أن الجزيرة كان بها أفيال وبالذات في أرض (مدين) وأن الصيادين كانوا يخرجون لصيدها باستمرار.. وقد قسم (كيتاني) أرض جزيرة العرب الى قسمين: الغربي المحاذي لسواحل البحر الأحمر الشرقية، وهو ذو طبيعة جبلية سكانه أكثر رقيا وقوة من سكان القسم الشرقي الذي ينحدر حتى يصل الى سواحل الخليج العربي، وأن السيطرة كانت لسكان المناطق الغربية، كما أن قسوة الظروف قد تأثر بها سكان المنطقة الشرقية، فبدأت الهجرة عندهم بوقت أبكر منه في المناطق الغربية، فاتجهوا نحو العراق أو سلكوا الخط الساحلي متجهين الى ما وراء المياه في اتجاه الهضبة الإيرانية أو إفريقيا. وبرأي كيتاني استمرت الهجرة من القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد وتوقفت عند القرن السابع الميلادي.


وقد لاقت نظرية (كيتاني) رواجا بين المؤرخين وعلماء الآثار، فامتدحها السير (توماس أرنولد) واعتبرها أهم نظرية تتحدث عن الساميين .

هجوم المستشرق (لويس موسل) على نظرية (كيتاني):

سخر المستشرق (لويس موسل) من نظرية (كيتاني) واعتبرها نظرية ينقصها الأدلة القوية.. فحاكمها من خلال :

1ـ أن اعتماد الجفاف كعامل مسبب للهجرة، يفتقر الى المنطق، ويتساءل: وهل أصبحت جزيرة العرب منطقة ماطرة وخصبة بعد القرن السابع الميلادي؟ حتى تتوقف الهجرة، ثم يضرب مثلا بأن المناطق الجافة في الجزيرة عندما حسنت الإدارات الحكومية فيها تم إعمارها في أوائل القرن التاسع عشر، مستشهدا في مناطق كثيرة في الجزيرة والأردن والعراق وسوريا، والتي لم تكن محاذية للأنهر .

2ـ ويرى (موسل) أن اختفاء الحيوانات، قد يعود لجور الإنسان وليس لقسوة الظروف.. وقد أنكر (الهمذاني) قول أن الجزيرة كان بها أسود وأفيال وغيرها.. فاعتبر (موسل) أن المسألة تحتاج المزيد من الأدلة ..

3ـ استنكر (موسل) موضوع الأنهار، حتى وإن ورد في التوراة، فبرأيه أن هذا الكلام مجرد تخمين يخلو من الحقائق العلمية ..

4ـ رد موسل قيام هيئات حكومية تشكل ما يشبه الدول (الغساسنة والمناذرة)، بأنها إدارات عشائرية قامت على أنقاض دولة (تدمر) ودولة (الأنباط) وارتبطت بمن يجاورها من إمبراطوريات (فارسية و رومانية) .. كما ينكر (موسل) ارتباط قبائل (الغساسنة والمناذرة) باليمن، ويرجع ادعائهم بذلك، هو سيطرة أهل اليمن على طرق المواصلات، فكانت تلك القبائل تدعي ارتباطها باليمن!

5ـ يرجع (موسل) ضعف عطاء الأرض وهدم سد (مأرب) الى الفساد بالحكومات وعدم انتباهها لا للعوامل الجوية ..

6ـ يعترض موسل على أن الفتوحات الإسلامية تشكل هجرة، فيقول أن فتح العراق والشام جاء بمساعدة أهالي العراق والشام الذين يلتقون مع إرادة إخوانهم في جزيرة العرب ضد الفرس والروم .. وليس بدافع ديني!

سنقف في المرة القادمة على رأي مؤرخ عربي هو الدكتور جواد علي ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #5  
قديم 14-12-2006, 04:30 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

رأي الدكتور جواد علي في أصل الساميين:

كان الدكتور جواد علي (صاحب موسوعة المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ) ـ حتى وفاته ـ من المطالبين بشدة فرق البحث العربي في مجال الآثار و الجيولوجيا في أن يكون عملهم جادا ومثابرا وعلى نهج واضح ليستكملوا دراسات باطن الأرض في جهد عربي غير متأثر بآراء الغربيين الذين لم ينزههم عن دس غايات وتحليلات نظرية تلتقي مع أهداف دولهم من زاوية مصلحية، وتلتقي مع نظرتهم المعرفية التي تستند الى حقيقة فلسفية قوامها أن الغرب هو مركز العالم الحضاري، وما سواه ما هو إلا نشاط يأتي على هامش ذلك الجهد الحضاري ( فيكو الإيطالي ـ فلسفة التاريخ).

فلذلك رأى الدكتور جواد علي عدم الاستعجال في قبول نظريات الغرب حول موضوع الساميين مارا على كل نقطة استند عليها المحللون الذين ذكرناهم في إرجاع أصل الساميين وأسباب هجرتهم وسنلخص نظرة الدكتور جواد علي وفق رأيه من محاكمة تلك التحليلات :

أولا : إن اعتماد التقارب اللغوي بين شعوب المنطقة، باعتبار هذا التقارب مؤشرا على بدء وكيفية حركة الساميين، ما هو إلا حدس وتخمين يفتقر الى الإثباتات العلمية المستندة على تحليل مختبري يفحص بعناية ما في باطن الأرض للوقوف على تلك الدلائل.

ثانيا: إن اعتبار تغير المناخ وقسوة الجو باعتبارها محركا وسببا أساسيا في الهجرة، فهو الآخر لا يعدو كونه تخمينا لا يستند الى أي حقيقة علمية، فقد تكون الخلافات السياسية هي ما دفعت الناس لهجر مواقعهم، فالصراع بين الأحباش وأهل اليمن قد دفع قسم من اليمنيين لهجر أوطانهم، وقد يكون الصراع بين الفرس والعرب هو ما دفع الكنعانيين أو الفينيقيين لترك سواحل الخليج العربي كما تركوا سواحل المتوسط متوجهين لإفريقيا، وهنا المسألة في الحالتين ليس لها علاقة بتغير الطقس.

ثالثا: لقد تسللت الى كتب التاريخ التي أثرت فيما بعد على آراء أولئك المحللين، آراء عقائدية دينية كاليهودية المحرفة والمسيحية المستندة في رأيها التاريخي على آراء اليهودية، وقد رأينا كيف فبرك مؤرخو اليهود إبعاد الكنعانيين من نسب الساميين وإدراجهم مع الحاميين لغايات إبعادهم عن السيادة على فلسطين، وذلك في الألف الثاني قبل الميلاد. وقد تسللت تلك المفاهيم الى المؤرخين العرب كالطبري مثلا فتبنى الرؤية اليهودية دون أن يعلم، وقد أشار ابن خلدون لقضية في منتهى الذكاء عندما فند رأي اليهود بأخبارهم أنهم كان لديهم سبعمائة ألف مقاتل عندما خرجوا من مصر واستمروا في زحفهم حتى احتلوا بحر الخزر وما وراءه، فعلق على هذا النوع من الافتراء بأسلوب علمي متهكم، حيث استند في محاكمته لتلك الفرية باعتماد القرآن الكريم، بأن موسى عليه السلام قد تزوج بنت شعيب عليه السلام وشعيب هو الابن الخامس (أي من الجد الخامس) لمدين ومدين هو أحد أبناء ابراهيم عليه السلام من أم اسمها (قنطورة) لم يذكرها القرآن وتجاهلها اليهود في كتاباتهم، فتبنى كل المؤرخين رأي اليهود، وإن كان كذلك، فكيف لخمسة أجيال من شخص واحد أن تكون سبعمائة ألف مقاتل، ثم يضيف ابن خلدون، أنه لم يعثر في قراءاته على تاريخ منطقة الخزر أنها تعرضت لغزو يهودي في تلك الفترة التي يشير إليها اليهود.

رابعا: إن الهجرة أو الهجرات لم تكن في اتجاه واحد فقد كانت تأخذ عدة اتجاهات فقد يخرج من جزيرة العرب ناس ثم يأتي إليها آخرون، كذلك العراق وبلاد الشام، ولم تكن الهجرات من صنف واحد من الناس، بل أجناس مختلفة تأتي وتنصهر لتذوب في شكل جديد، فلا لون البشرة ولا شكل الجمجمة ولا لون العينين ولا الأنف بقي صافيا 100% لأي جنس بشري على الكرة الأرضية.

خامسا: إن اعتماد الخرائب كدلائل أن تلك المناطق كانت عامرة، فهدمت وخُربت بسبب تغير الجو أو غيره، فإنها دلالة ضعيفة جدا، فقد تكون تلك الخرائب لأقوام لهم شأنهم لكنهم هجروها في فتوحاتهم واحتلالهم لمناطق أكثر راحة فاستوطنوا بتلك المريحة وتركوا تلك لتخرب. أو قد يكون أن خطوط النقل قد تغيرت من مكانها فلم يعد يمر بتلك الخرائب التي كانت عامرة تجار ومسافرين ليبقوا شروط الحياة فيها، فتركها أصحابها الى لا عودة فخربت ..

ينهي الدكتور جواد علي رأيه المطالب بالتريث وعدم الاستعجال، بقوله إن علينا قبل أن نبحث بأصل الساميين وموطنهم أن نبحث عن موطن البشرية، وهل هو موطن واحد أم أكثر .. وهذا يتطلب مزيدا من التنقيب والبحث والصبر ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #6  
قديم 13-01-2007, 05:21 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

طبيعة العقلية العربية


لكل أمة عقلية خاصة بها، تظهر في تعامل أفرادها بعضهم مع بعض وفي تعامل تلك الأمة مع الأمم الأخرى، كما أن لكل أمة نفسية تميزها عن نفسيات الأمم الأخرى، وشخصية تمثل تلك الأمة،وملامح تكون غالبة على أكثر أفرادها، تجلها سمة لتلك الأمة تجزها عن سمات الأمم الأخرى.


والعرب مثل غيرهم من الناس لهم ملامح امتازوا بها عن غيرهم، وعقلية خاصة بهم. ولهم شمائل عرفوا واشتهروا بها بين أمم العالم، ونحن هنا نحاول التعرف على عقلية العربي وعلى ملامحه قبل الإسلام، أي قبل اندماجه واختلاطه اختلاطاً شديداً بالأمم الأخرى، وهو ما وقع وحدث في الإسلام.


وقد بحث بعض للعلماء والكتاب المحدثين في العقلية العربية، فتكلموا عليها بصورة عامة، بدوية وحضرية، جاهلية وإسلامية. فجاء تعميمهم هذا مغلوطاً وجاءت أحكامهم في الغالب خاطئة. وقد كان عليهم التمييز بين العرب الجاهلين والعرب الإسلاميين، وبين الأعراب والعرب، والتفريق بين سكان البواطن آي بواطن البوادي وسكان الأرياف وسكان أسياف بلاد الحضارة. ثم كان عليهم البحث عن العوامل والأسباب التي جعلت العرب من النوعين: أهل الوبر وأهل الحضر، تلك الجبلة، من عوامل إقليمية وعوامل طبيعية أثرت فيهم، فطبعتهم بطابع خاص، ميزهم عن غيرهم من الناس.
بل إن الحديث عن العقلية العربية، حديث قديم، ففي التوراة شيء عن صفاتهم و أوصافهم، كوّن من علاقات الإسرائيليين بهم، ومن تعاملهم واختلاطهم بالعرب النازلين في فلسطين وطور سيناء أو في البوادي المتصلة بفلسطين. ومن أوصافهم فيها: أنهم متنابذون يغزون بعضهم بعضاً، مقاتلون يقاتلون غيرهم كما يقاتلون بعضهم بعضاً "يده على الكل، ويد الكل عليه". يغيرون على القوافل فيسلبونها ويأخذون أصحابها أسرى، يبيعونهم في أسواق النخاسة، أو يسترقونهم فيتخذونهم خدماً ورقيقاً يقومون بما يؤمرون به من أعمال، إلى غير ذلك من نعوت وصفات.


والعرب فيَ التوراة، هم الأعراب، أي سكان البوادي، لذلك فإنّ النعوت الواردة فيها عنهم، هي نعوت لعرب البادية، أي للأعراب، ولم تكن صلاتهم حسنة بالعبرانيين.


وفي كتب اليونان والرومان والأناجيل، نعوت أيضا نعت بها العرب وأوصاف وصفوا بها، ولكننا إذا تمعنا بها وقرأنا المواضع التي وردت فيها، نرى أنها مثل التوراة، قصدت بها الأعراب، وقد كانوا يغيرون على حدود إمبراطوريتي. الرومان واليونان، و يسلبون القوافل، ويأخذون الإتاوات من التجار والمسافرين وأصحاب القوافل للسماح لهم بالمرور.


وقد وصف "ديودورس الصقلي" العرب بأنهم يعشقون الحرية، فيلتحفون السماء. وقد اختاروا الإقامة في أراضي لا أنهار فيها ولا عيون ماء، فلا يستطيع العدو المغامر الذي يريد الإيقاع بهم أن يجد له فيها مأوى. انهم لا يزرعون حَباً، ولا يغرسون شجراً، ولا يشربون خمراً، ولا يبنون بيوتاً. ومن يخالف العرف يقتل. وهم يعتقدون بالإرادة الحرة، وبالحرية. وهو يشارك في ذلك رأي "هيرودوتس" الذي أشاد بحب العرب للحرية وحفاظهم عليها ومقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم واستذلاهم. فالحرية عند العرب هي من أهم الصفات التي يتصف بها العرب في نظر الكتبة اليونان واللاتين.


وفي كتب الأدب وصف مناظرة، قيل إنها وقعت بين "النعمان بن المنذر" ملك الحيرة وبين "كسرى" ملك الفرس في شأن العرب: صفاتهم وأخلاقهم وعقولهم، ثم وصف مناظرة أخرى جرت بين "كسرى" هذا وبين وفد أرسله "النعمان" لمناظرته ومحاجته فيما جرى الحديث عليه سابقاً بين الملكين. وفي هذه الكتب أيضا رأي "الشعوبيين" في العرب، وحججهم في تصغير شأن العرب وازدرائهم لهم، ورد الكتاب عليهم. وهي حجج لا تزال تقرن بالعرب في بعض الكتب.


ومجمل ما نسب إلى "كسرى" من مآخذ زُعم انه أخذها على العرب، هو أنه نظر فوجد أن لكل أمة من الأمم ميزة وصفة، فوجد للروم حظاً في اجتماع الألفة وعظم السلطان وكثرة المدائن ووثيق البنيان، وأن لهم ديناً يبين حلالهم وحرامهم ويرد سفيههم ويقيم جاهلهم، ورأى للهند، نحواً من ذلك في حكمتها وطبّها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها، وعجيب صناعاتها ودقيق حسابها وكثرة عددها. ووجد للصين كثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد، وان لها ملكاً يجمعها، وأن للترك والخزر، على ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون ملوك تضم قواصيهم وتدبر أمرهم. ولم يرَ للعرب دينا ولا حزماً ولا قوة. همتهم ضعيفة بدليل سكنهم في بوادي قفراء، ورضائهم بالعيش البسيط، والقوت الشحيح، يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضاً من الحاجة. أفضل طعامهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها. "وإن قرَى أحدهم ضيفاً عدّها مكرمة. وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم، وتفتخر بذلك رجالهم". ثم إنهم مع قلتهم وفاقتهم وبؤس حالهم، يفتخرون بأنفسهم، ويتطاولون على غيرهم وينزلون أنفسهم فوق مراتب الناس. "حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكاّ أجمعين"، وأبوا الانقياد لرجل واحد منهم يسوسهم ويجمعهم.


إذا عاهدوا فغير وافين. سلاحهم كلامهم، به يتفننون، وبكلامهم يتلاعبون. ليس لهم ميل إلى صنعة أو عمل ولا فن، لا صبر لهم، إذا حاربوا ووجدوا قوة أمامهم، حاولوا جهدهم التغلب عليها، أما إذا وجسوها قوة منظمة هربوا مشتتين مبعثرين شراذم، يخضعون الغريب ويهابونه ويأخذون برأيه فيهم، ما دام قوياً، ويقبلون بمن ينصبه عليهم، ولا يقبلون بحكم واحد منهم، إذا أراد أن يفرض سلطانه عليهم.


وقد ذُكر أن أحد ملوك الهند كتب كتاباً إلى "عمر ين عبد العزيز"، جاء فيه "لم تزل الأمم كلها من الأعاجم في كلّ شق من الأرض لها ملوك تجمعها ومدائن تضمها وأحكام تدين بها وفلسفة تنتجها وبدائع تفتقها في الأدوات والصناعات، مثل صنعة الديباج وهي أبدع صنعة، ولعب الشطرنج وهي أشرف لعبة، ورمّانة القباّن التي يوزن بها رطل واحد ومائة رطل، ومثل فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والاصطرلاب الذي يعدل به النجوم ويدرك به الأبعاد ودوران الأفلاك وعلم الكسوف وغير ذلك من الآثار المتقنة، ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها ويضم قواصيها، ويقمع ظلمها وينهى سفيهها، ولا كان لها قط نتيجة في صناعة و لا أثر في فلسفة إلا ما كان من الشعر. و قد شاركتها في العجم، وذلك إن للروم أشعارا عجيبة قائمة الوزن و العروض فما الذي تفتخر به العرب على العجم فإنما هي كالذئاب العادية، و الوحوش النافرة، يأكل بعضها يعضا و يغير بعضها على بعض. فرجالها موثوقون في حَلَق الأسر. و نساؤها سبايا مردفات على حقائب الإبل، فإذا أدركهن الصريخ أتستنقذن بالعشي، و قد وطئن كما توطأ الطريق المهيع". إلى آخر ذلك من كلام.


وقد تعرض "السيد محمود شكري الألوسي" في كتابه "بلوغ الأرب"، لهذا الموضوع، فجاء بما اقتبسه منه، ثم جاء برأي "أبن قتيبة" على الشعوبية، في كتابه: "كتاب تفضيل العرب"، ثُم أنهاه ببيان رأيه في هذه الآراء و في رد "أبن قتيبة" عليها.


ولابن خلدون رأي معروف في العرب، خلاصته "إن العربي متوحش نهّاب سلاّب إذا أخضع مملكة أسرع أليها الخراب، يصعب انقياده لرئيس، لا يجيد صناعة ولا يحسن علماً ولا عنده استعداد للإجادة فيهما، سليم الطباع، مستعد للخير شجاع". وتجد آراءه هذه مدوّنة في مقدمته الشهيرة لكتابه العام في التاًريخ.


وقد رمى بعض المستشرقين العرب بالمادية وبصفات أخرى، فقال "أوليري": " إن العربي الذي يعد مثلاً أو نموذجاً، ماديّ، ينظر إلى الأشياء نظرة مادية وضيعة، ولا يقومها إلا بحسب ما تنتج من نفع، يتملك الطمع مشاعره، وليس لديه مجال للخيال ولا للعواطف، لا يميل كثيراً إلى دين، ولا يكترث بشيء إلا بقدر ما ينتجه من فائدة عملية، يملؤه الشعور بكرامته الشخصية حتى ليثور على كل شكل من أشكال السلطة، وحتى ليتوقع منه سيد قبيلته و قائده في الحروب الحسد والبغض والخيانة من أول يوم اختير للسيادة عليه ولو كان صديقاً حميم له من قبل، من أحسن أليه كان موضع نقمته، لأن الإحسان يثير فيه شعوراً بالخضوع وضعف المنزلة وأن عليه واجباً لمن أحسن.

يقول لامانس "إن العربي نموذج الديمقراطية"، ولكنها ديمقراطية مبالغ فيها إلى حد بعيد، وإن ثورته على كل سلطة تحاول أن تحدد من حريته ولو كانت في مصلحته هي السر الذي يفسر لنا سلسلة الجرائم والخيانات التي شغلت أكبر جزء في تأريخ العرب، وجهل هذا السر هو الذي قاد الأوروبيين في أيامنا هذه إلى كثير من الأخطاء، وحملهم كثيراً من الضحايا كان يمكنهم الاستغناء عنها، وصعوبة قيادة العرب وعدم خضوعهم للسلطة هي التي تحول بينهم وبين سيرهم في سبيل الحضارة الغربية، ويبلغ حب العربي لحريته مبلغاً كبيراً، حتى إذا حاولت أن تحدها أو تنقص من أطرافها هاج كأنه وحش في قفص، وثار ثورة جنونية لتحطيم أغلاله والعودة إلى حريته. ولكن العربي من ناحية أخرى مخلص، مطيع لتقاليد قبيلته، كريم يؤدي واجبات الضيافة والمحالفة في الحروب كما يؤدي واجبات الصداقة مخلصاً في أدائها بحسب ما رسمه العرف... وعلى العموم، فالذي يظهر لي أن هذه الصفات والخصائص أقرب أن تعد صفات وخصائص لهذا الطور من النشوء الاجتماعي عامة من أن تعد صفات خاصة لشعب معين، حتى إذا قر العرب وعاشوا عيشة زرعية مثلاً، تعدلت هذه العقلية". ويوافق المستشرق "براون أولري" في رمي العرب بالمادية المفرطة. ورماهم "أوليري" أيضا بضعف الخيال وجمود العواطف.


أما "دوزي" فقد رأى أن بين العرب اختلافاً في العقلية وفي النفسية، وأن القحطانيين يختلفون في النفسية عن نفسية العدنانيين.
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #7  
قديم 13-01-2007, 05:22 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

رد أحمد أمين

وقد تعرض "أحمد أمين" في الجزء الأول من "فجر الإسلام" للعقلية العربية، وأورد رأي الشعوبيين في العرب، ثم رأي "ابن خلدون" فيهم، وتكلم على وصف المستشرق "أوليري" لتلك العقلية، ثم ناقش تلك الآراء، وأبان رأيه فيها وذلك في الفصل الثالث من هذا الجزء، وتحدث في الفصل الرابع عن "الحياة العقلية للعرب في الجاهلية". وخصص الفصل الخامس ب "مظاهر الحياة العقلية"، وتتجلى عنده في: اللغة والشعر والمثل والقصص. أوجز "أحمد أمين" في بداية الفصل الثالث آراء المذكورين في العرب، وبعد أن انتهى من عرضها وتلخيصها ناقشها بقوله: "لسنا نعتقد تقديس العرب، ولا نعباً بمثل هذا النوع من القول الذي يمجدهم ويصفهم بكل كمال، وينزههم عن كل نقص، لأن هذا النمط من القول ليس نمط البحث العلمي، إنما نعتقد أن العرب شعب ككل الشعوب، له ميزاته وفيه عيوبه، وهو خاضع لكل نقد علمي في عقليته ونفسيته وآدابه وتاريخه ككل أمة أخرى، فالقول الذي يمثله الرأي الخاص لا يستحق مناقشة ولا جدلاّ، كذلك يخطئ الشعوبيون أصحاب القول الأول الذين كانوا يتطلبون من العرب فلسفة كفلسفة اليونان، وقانوناً كقانون للرومان، أو أن يمهروا في الصناعات كصناعة الديباج، أو في المخترعات كالاصطرلاب، فإنه إن كان يقارن هذه الأمم بالعرب في جاهليتها كانت مقارنة خطا، لأن المقارنة إنما تصح بين أمم في طور واحد من الحضارة، لا بين أمة مبتدئة وأخرى متحضرة، ومثل هذه المقارنة كمقارنة بين عقل في طفولته وعقل في كهولته، كل أمة من هذه الأمم كالفرس والروم مرت بدور بداوة لم يكن لها فيه فلسفة ولا مخترعات. أما إن كان يقارن العرب بعد حضارتها، فقد كان لها قانون وكان لها علم وان كان قليلاً.." ثم استمر يناقش تلك الآراء إلى أن قال: فلنقتصر ألان على وصف العربي الجاهلي، فوصفه بهذا الوصف: "العربي عصبي المزاج، سريع الغضب، يهيج للشيء التافه، ثم لا يقف في هياجه عند حد، وهو أشد هياجاً إذا جرحت كرامته، أو انتهكت حرمة قبيلته. وإذا اهتاج، أسرع إلى السيف، واحكم إليه، حتى أفنتهم الحروب، وحتى صارت الحرب نظامهم المألوف وحياتهم اليومية المعتادة." "والمزاج العصبي يستتبع عادة ذكاء، وفي الحق أن العربي ذكي، يظهر ذكاؤه في لغته، فكثيراً ما يعتمد على اللمحة الدالة والإشارة البعيدة، كما يظهر في حضور بديهته، فما هو إلا أن يفُاجأ بالأمر فيفاجئك بحسن الجواب، ولكن ليس ذكاؤه من النوع الخالق المبتكر، فهو يقلب المعنى الواحد على أشكال متعددة، فيبهرك تفننه في القول أكثر مما يبهرك ابتكاره للمعنى، وان شئت فقل إن لسانه أمهر من عقله.


"خياله محسود وغير متنوع، فقلما يرسم له خياله عيشة خيراً من عيشته، وحياة خيراً من حياته يسعى وراءها، لذلك لم يعرف "المثل الأعلى"، لأنه وليد الخيال، ولم يضع له في لغته لفظة واحدة دالة عليه، ولم يشر أليه فما نعرف من قوله، وقلما يسبح خياله الشعري في عالم جديد يستقي منه معنى جديداً ولكنه في دائرته الضيقة استطاعَ أن يذهب كل مذهب." "أما ناحيتهم الخلقية، فميل إلى حرية قلّ أن يحدّها حدّ، ولكن الذي فهموه من الحرية هي الحرية الشخصية لا الاجتماعية، فهم لا يدينون بالطاعة لرئيس ولا حاكم، تأريخهم في الجاهلية - حتى وفي الإسلام - سلسلة حروب داخلية" وعهد عمر بن الخطاب كان عصرهم الذهبي، لأنه شغلهم عن حروبهم الداخلية بحروب خارجية، ولأنه، رضي الله عنه، منح فهماً عميقاً ممتازاً لنفسية العرب.


"والعربي أحب المساواة، ولكنها مساواة في حدود القبيلة، وهو مع حبه للمساواة كبير الاعتداد بقبيلته ثم بجنسه، يشعر في أعماق نفسه بأنه من دم ممتاز، لم يؤمن بعظمة الفرس والروم مع ما له ولهم من جدب وخصب وفقر وغنى وبداوة وحضارة، حتى إذا فتح بلادهم نظر إليهم نظرة السيد إلى المسود".


ثم خلص إلى أن العرب في جاهليتهم كان أكثرهم بدواً، وان طور البداوة طور اجتماعي طبيعي تمر به الأمم في أثناء سيرها إلى الحضارة، وان لهذا الطور مظاهر عقلية طبيعية، تتجلى في ضعف التعليل، وعنى بذلك عدم القدرة على فهم الارتباط بين العلة والمعلول والسبب والمسبب فهماً تاماً، "يمرض أحدهم ويألم من مرضه، فيصفون له علاجاً، فيفهم نوعاً ما من الارتباط بين الدواء والداء، ولكن لا يفهمه فهم العقل الدقيق الذي يتفلسف، يفهم إن عادة القبيلة أن تتناول هذا الدواء عند هذا الداء، وهذا كل شيء في نظره، لهذا لا يرى عقله باًساً من أن يعتقد إن دم الرئيس يشفي من الكَلَب، أو أن سبب المرض روح شرير حل فيه فيداويه بما يطرد هذه الأرواح، أو انه إذا خيف على الرجل الجنون نجسوه بتعليق الأقذار وعظام الموتى إلى كثير من أمثال ذلك، ولا يستنكر شيئاً من ذلك ما دامت القبيلة تفعله، لأن منشأ الاستنكار دقة النظر والقدرة على بحث المرض و أسبابه وعوارضه، وما يزيل هذه العوارض،وهذه درجة لا يصل أليها العقل في طوره الأول".


ثم أورد أمثلة للاستدلال بها على ضعف التعليل، مثل قولهم بخراب سدّ مأرب بسبب جرذان حُمْر، و مثل قصة قتل النعمان لسِنمّار بسبب آجُرّة و ضعها سِنِمار في أساس قصر الخورنق، لو زالت سقط القصر.


ثم تحدث عن مظهر عن آخر من مظاهر العربية، لاحظه بعض المستشرقين و وافقهم هو عليه، هو: إن طبيعة العقل العربي لا تنظر إلى الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك. فالعربي لم ينظر إلى العلم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني، كان يطوف فيما حوله؛ فإذا رأى منظرا خاصا أعجبه تحرك له، و جاس بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمة أو المثل. "فأما نظرة شاملة وتحليل دقيق لأسسه وعوارضه فذلك ما لا يتفق والعقل العربي. وفوق هذا هو إذا نظر إلى الشيء الواحد لا يستغرقه بفكره، بل يقف فيه على مواطن خاصة تستثير عجبه، فهو إذا وقف أمام شجرة، لا ينظر إليها ككل، إنما يستوقف نظره شيء خاص فيها، كاستواء ساقها أو جمال أغصانها، و إذا كان أمام بستان، لا يحيطه بنظره، ولا يلتقطه ذهنه كما تلتقطه "الفوتوغرافيا"، إنما يكون كالنحلة، يطير من زهرة إلى زهرة، فيرتشف من كل رشفة". إلى أن قال: "هذه الخاصة في العقل العربي هي السر الذي يكشف ما ترى في أدب العرب - حتى في العصور الإسلامية - من نقص وما ترى فيه من جمال".


وقد خلص من بحثه، إلى أن هذا النوع من النظر الذي نجده عند العربي، هو طور طبيعي تمر به الأمم جميعاً في أثناء سيرها إلى الكمال، نشاً من البيئات الطبيعية والاجتماعية التي عاش فيها العرب، وهو ليس إلا وراثة لنتائج هذه البيئات، "ولو كانت هنالك أية أمة أخرى في مثل بيئتهم، لكان لها مثل عقليتهم، و أكبر دليل على ذلك ما يقرره الباحثون من الشبه القوي في الأخلاق والعقليات بين الأمم التي تعيش في بيئات متشابهة أو متقاربة، وإذ كان العرب سكان صحارى، كان لهم شبه كبير بسكان الصحارى في البقاع الأخرى من حيث العقل والخلق".
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #8  
قديم 13-02-2007, 06:31 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

طبقات العرب


بدءا، علينا أن نحذر الأخذ بكل تفاصيل ما أورده المؤرخون العرب عن طبقات العرب، والذين يكادون أن يتفقوا على فكرة العرب العاربة (الموغلة في القدم) والعرب المستعربة (جرهم وما نتج عنها من قبائل العدنانيين)، ليس لشيء، إلا لتصورنا للظرف التي وضعت به تلك النظريات، ولتطويع تلك النظريات ومقاربتها مع القرآن الكريم، ثم أخيرا للدور الذي قام به المؤرخون اليهود والفرس و أهل اليمن وأهل الشام الذين نشطوا نشاطا هائلا في عهد معاوية بن أبي سفيان الذي كان مغرما بقصص التاريخ القديم، فاجتمع بحضرته الكثير من المؤرخين أو الرواة والقصاصين الذين زودوا عاشقين الأساطير والقصص القديمة بالكثير مما ينشدوه.

فتقسيم البشرية الى ثلاثة أقسام هم (سام وحام ويافث ) وهم أبناء نوح عليه السلام الذين نجوا من الطوفان، تقسيم كان يريح من يرغب بإخضاع التطور البشري لهذا النمط من التفسير، ومسألة الطوفان قد ذكرت في النقوش السومرية قبل التوراة وقبل القرآن الكريم، لكننا نعود للقرآن الكريم ليحسم مسألة تحديد النسل البشري بهؤلاء الثلاثة الذين نجوا من الطوفان، فلن نجد أصلا أنه حدد عددهم بثلاثة فقد يكونوا ثلاثة وقد يكونوا ثمانين كما في بعض الروايات .. وإن سلمنا بكونهم ثلاثة فمن أين جاء سكان أمريكا القدماء وسكان أستراليا، وإن قال أحدهم أنهم هاجروا بعد مسألة الطوفان، فلماذا هاجروا وهم قلة تكفيهم المساحات المتوفرة في العالم القديم .. وإن لم تكفيهم فكيف لهم الهجرة بوسائط نقل بحرية متواضعة، وكيف صمدوا بالبحر؟ وإن صمدوا فكيف لهم أن يحددوا كمية المؤن التي سيأخذونها معهم في هجرتهم. وقد يقول قائل أنهم هاجروا قبل انفصال مواطنهم عن العالم القديم!

كل ذلك يصنع ارتباكا في تتبع تلك المسائل التي حصرنا بها المؤرخون الذين استندوا للتوراة الذي كتبه اليهود بطريقتهم ولهم ولمناقشة الظروف الموضوعية المحيطة بهم، باعتبارهم محور الحديث والبحث، فيأخذون من الحضارة السومرية والبابلية بتصورات شعوبها لينسبوه لأنبيائهم أو حتى لله عز وجل. ثم يأتي المؤرخون الإسلاميون فتتسلل المعتقدات اليهودية الى كتاباتهم لتصبح أساسا لتفسير كثير من الظواهر التاريخية ..

وضعنا هذا الاقتراب للتمهيد لما سنتحدث فيه عن موضوع الطبقات عند العرب كما يرويه الطبري و ابن الأثير وغيرهما، موصين لمن يريد الاستزادة بالعودة الى محاكمة ابن خلدون لهؤلاء المؤرخين، والرجوع لكتاب المفصل بتاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي (الفصل الثامن).

دعونا نعود الى طبقات العرب مبتعدين عن الطريقة الكلاسيكية التي يسرد بها المؤرخون العرب بتقسيماتهم المعروفة، بل سنتكلم عن أسماء وردت بالقرآن الكريم والكيفية التي تناول بها المؤرخون العرب تلك الأسماء:

عــــاد :

إن عاد لم تذكر في التوراة، وهي مادة تجعلنا نجتهد في الكيفية التي يضع النسابون العرب تصوراتهم عن طبقات العرب، فيقول الطبري رأيا هاما في هذا الشأن: ( فأما أهل التوراة، فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا لهود وصالح في التوراة، وأمرهم عند العرب في الشهرة في الجاهلية، والإسلام كشهرة إبراهيم وقومه") ..

إذن من أين نسج النسابون العرب فكرة الصورة التي وردتنا عن قوم عاد؟
يمكننا التجرؤ بالقول أن التقسيم العربي عن عاد وثمود وطسم وجديس وعمليق وغيرهم والذين لا ذكر لهم في التوراة أو في كتب التاريخ اليونانية أو الرومانية ولا ذكر له في نقوش أهل الرافدين. إنه من وضع العرب تناقلوه كابرا عن كابر في العهد الجاهلي و تكيف مع النصوص القرآنية..


أما عاد، فإنهم من نسل "عاد بن عوص بن إرم". وأما ثمود فمن نسل "ثمود بن غاثر بن إرم". وأما "طسم"، فمن نسل "طسم بن لاوذ". وأما "جديس"، فمن نسل "جديس بن غاثر بن إرم"، في رواية أو من نسل "جديس بن لاوذ بن سام" على رواية أخرى. وأما "أميم" فإنهم من نسل "أميم بن لاوذ بن سام". وأما "جاسم"، فمن نسل "جاسم"، وهو من العماليق أبناء "عمليق"، فهم اذن من نسل "لاوذ بن سام". وأما "عبيل"، فإنهم من نسل "عبيل بن عوص بن إرم"، وأما "عبد ضخم"، فمن نسل "عبد ضخم" من نسل "لاوذ"، وقد جعلوا من صُلْب "أبناء إرم" في رواية أخرى. وأما "جرهم الأولى"، فمن نسل "عابر"، وهم غير جرهم الثانية، الذين هم من القحطانيين. وأما العمالقة، فإنهم أبناء "عمليق بن لاوذ"، وأما "حضورا"، فإنهم كانوا بالرسّ، وهلكوا.

نرى مما تقدم أن أهل الأخبار قد رجعوا نسب العرب البائَدة إما إلى "إرم"، وإما إلى "لاوذ"، باستثناء "جرهم الأولى" الذين ألحق بعض النسابين نسبهم ب "عابر". وهذه الأسماء هي أسماء توراتية، وردت في التوراة، وأخذها أهل الأخبار من منابع ترجع إلى أهل الكتاب، وربطوا بينها وبين القبائل المذكورة، وكونوا منها الطبقة الأولى من طبقات العرب.


وذهب الأخباريون إلى وجود طبقتين لقوم عاد هما: عاد الأولى، وعاد الثانية، وكانت عاد الأولى، في زعم أهل الأخبار، من أعظم الأمم بطشاً وقوة، وكانت مؤلفة من عدة بطون تزيد على الألف، منهم: رفد، ورمل، وصد،والعبود. والظاهر أن فكرة وجود طبقتين لعاد قد نشأت عند الأخباربين من الآية: (وأنه أهلك عاداً الأولى، وثمودَ فما أبقى)، فتصوروا وجود عاد ثانية، قالوا أنها ظهرت بعد هلاك عاد الأولى.


وقد ذهب بعض العلماء إلى أن "عاداً الأولى"، هو "عاد بن عاديا ابن سام بن نوح"، الذين أهلكهم الله، وأوردوا في ذلك بيت شعر ينسب إلى "زهر". وأما عاد الآخرة، فهم "بنو تميم" وينزلون برمال عالج. وذهب الطبري إلى أن عاداً الأولى، هم نسل بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح، وأن عاداً الآخرة هم رهط قيل بن عتر، ولقيم بن هزّال ابن هزيل بن عُتيَل بن صد بن عاد الأكبر، ومرشد بن سد بن عفير، وعمرو بن لقيم بن هزّال، وعامر بن لقيم، وسرو بن لقيم بن هزّال، وكانوا في أيام "بكر بن معاوية" صاحب "الجرادتين"، وهما قينتان له تغنيان. وقد هلكوا جميعا الا "بني اللوذية"، وهم "بنو لقيم بن هزّال ابن هزيل بن هزيلة ابنة بكر"، وكانوا سكاناً بمكة مع أخوالهم "آل بكر ابن معاوية"، ولم يكونوا مع عاد بأرضهم فهم عاد الأخيرة، ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد.

وجعل بعض أهل الأخبار عدد قبائل عاد ثلاث عشرة قبيلة، ذكروا منها: "رفد" و "زمل" و "صد" و "العبود".
وجعلها "الهمداني" أحد عشر قبيلة وهي: العبود، والخلود، وهم رهط هود النبي المرسل، وفيهم بنو عاد وشرفهم، وهم بنو خالد. وقيل: بنو مخلد، وبنو معبد، ورفد، وزمر وزمل، وضد وضود، وجاهد، ومناف، وسود، و هوجد.


وقد ذهب العلماء مذاهب في تفسير المراد من "إرم ذات العماد" في الآية: (ألم ترَ كيف فعل ربك بعادِ، إرَمَ ذات العماد) فذهب بعضهم إلى أن "إرم ذات العماد" مدينة في "تيه أبْينَ" بين عدن وحضرموت، وذهب آخرون إلى أنها دمشق أو الإسكندرية. والذي دعاهم إلى هذا الرأي هو كثرة وجود المباني ذوات العماد في هاتين المدينتين وما عرف عنهما من القدم، فوجد الإخباريون فيهما وصفاً ينطبق على وصف إرم ذات العماد. وقد خلقت "باب جيرون" من أبواب دمشق قصة "جيرون بن سعد ابن عاد" الذي قالوا فيه إنه كان ملكا من ملوكهم، وإنه الذي اختط مدينة دمشق، وجمع عمد الرخام والمرمر إليها، وسماها "إرم".

وهناك مناسبة أخرى جعلت بعض العلماء يذهبون إلى أن دمشق هي "إرم" أو "إرم ذات العماد"، فقد كانت دمشق - كما هو معروف - من أهم مراكز الإرمين "الآراميين"، وكانت عاصمة من عواصمهم. وهذا السبب أيضاً قال نفر من الباحثين إن "إرم" تعني "أرام"، وأن عاداً من "الآراميين"، وأن "عاد إرم" انما تعني "عاد أرام"، فالتبس الأمر على المؤرخين وظنوا أن ذات العماد صفة، فزعموا أنها مدينة بناها عاده. غير أنه قول لا يؤيده دليل يثبت أن "إرم" في هذا الموضع تعتي "ارام". ومن الجائز أن تكون "إرم ذات العماد" هي التي أوحت إلى النسابين فكرة جعل "عاد" من نسل "عوص بن ارم"، لتشابه اسم "ارام" و "ارم" عند العرب التي هي "آرام" فأصبحت عاد من الإرميين.


ويرى بعض المستشرقين أن الذي حمل الإخباريين على القول إن "الإسكندرية" هي "ارم ذات العماد"، هو أثر قصص الاسكندر في الأساطير العربية الجنوبية ذلك الأثر الذي نجده في كتب القصاص اليمانيين، في مثل كتاب "التيجان" المنسوب إلى وهب بن منبه، وفي الرواية اليمانية. وقد حاول الاسكندر كما نعرف احتلال اليمن، فغدا "شداد بن عاد" بانياً للإسكندرية، وأصبح "الاسكندر" مكتشفاً لها.

ونسب بعض أهل الأخبار ل "عاد" ولداً، دعوه "شداداً" قالوا: إنه كان قوياً جبارا، سمع بوصف الجنة، فأراد بناء مدينة تفوقها حسناً وجمالاً، فأرسل عماله، وهم: "غانم بن علوان"، و "الضحاك بن علوان"، و "الوليد بن الريان"، إلى الآفاق، ليجمعوا له جميع ما في أرضهم من ذهب وفضة ودرّ وياقوت، فابتنى بها مدينته، مدينة "إرم" باليمن، بين حضرموت وصنعاء، ولكنه لم ينعم بها إذ كفر بالله، ولم يصدق بنبوة "هود"، فهلك. وتولى من بعده ابنه "شديد".


وزعم بعض، النسابين أن نسب "شداد" هو على هذه الصورة: "شدّاد ابن عمليق بن عوفي بن عامر بن إرم"، فأبعدوه بذلك عن "عاد". وقيل في نسبه غير ذلك.

ويفهم من القرآن الكريم أن مساكن "عاد" بالأحقاف، (واذكر أخا عاد، إذ أنذر قومه بالأحقاف). والأحقاف: الرمل بين اليمن وعُمان إلى حضرموت والشجر. وديارهم بالدوّ والدهناء وعالج ويبرين ووبار إلى عمان إلى حضرموت إلى اليمن. وقد اندفع أكثر الإخبارين يلتمسون مواضعهم في الصحارى، لأنها أنسب المواضع التي تلاءم مفهوم الأحقاف، فوضعوا من أجل ذلك قصصاً كثيراً في البحث عن مواطن عاد وتبور عاد، ورووا في ذلك كثيراَ من قصص المغامرات التي تشبه قصص مغامرات لصوص البحر.


وقد ذهب "موريتس" إلى ان موضع "Aramaua" الذي ورد عند "بطلميوس"، وهو "إرم"، أو "إرم ذات العماد". ويقال له الآن "رم"(في الأردن). وقد أيد "موسل" رأي "موريتس" غير أنه لم يذهب إلى ما ذهب أليه من أنه "إرم". وقد أظهرت الحفريات التي قام بها "المعهد الفرنسي" في القدس، صحة هذا الرأي، إذ ورد في الكتابات "النبطية" التي عثر عليها في خرائب معبد اكتشف في "رم" أن اسم الموضع هو "إرم". فيتضح من ذلك أن هذا الموضع حافظ على اسمه القديم،غير أنه صار يعرف أخراً ب "رم" بدلاً من "إرم".
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة ابن حوران ، 13-02-2007 الساعة 07:19 AM.
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م