مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 25-10-2006, 10:29 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

القوانين والأعراف و الأثمان :

لو شاهدنا رجلا وامرأة يتعانقان في الشارع ، فإن احتمالات كثيرة ستخطر على بال كل واحد منا ، وستتكيف تلك الاحتمالات و الخواطر ، على ضوء العمر عند كل منهما ، والحالة التي وجدا فيها الخ ، فإن كانت المدينة أوروبية لن نعترض ولن نتوقف ولن نشغل بالنا ، وإن كانت مدينة عربية كبرى ، ونحن لا ننتمي لها فإن اهتمامنا سيزيد عما كان في المدينة الأوروبية ، ويقل عما لو كان المشهد في قرية ونحن ننتمي إليها ونعرف الرجل والمرأة ..

هناك أنواع من التجارة، لا تخضع لمعاملات قانونية، كتجارة المخدرات، فلن تجد بالمحكمة اثنان يتقاضيان أمام القاضي بأن فلان قد أخذ منه ثمن مخدر ولم يسلمه إياه في موعده، أو أن الصنف كان أردأ مما اتفقا عليه .. كذلك الحال في سوق العهر و الخلاعة، لكن هؤلاء بالتأكيد لهم أعرافهم وطرق تحصيل مالهم من مستحقات يضعون لها ضوابط ..

في الحروب تتوقف الطرائق المدنية التي كانت تتعامل بها الدولة مع الناس ، ويوضع بدلا منها قانون للطوارئ، كما أن الناس أنفسهم لن يستخدموا نفس المسطرة السلوكية والأخلاقية، فقد تنتهك أعراض وقد تهان شيبة وقد تشتم ثوابت الى غير ذلك من المخالفات التي لم يعهدها الناس سابقا، لكن ردات فعلهم ستتكيف، فلم يعد غسل العار في ظل الاحتلال يأخذ نفس الشكل الذي يكون قبل الاحتلال .. فالغيظ والغضب الصامت الذي يؤول في النهاية إما لضحايا وخسائر أزيد أو الى زوال الاحتلال ..

في السياسة والحريات والديمقراطية، لا تختلف الأمور كثيرا، فأنت حر إذا كنت متحررا، وأنت غير حر إذا كنت تقبل بتبعيتك لمن هم خارج ملتك ووطنك ، فلا تطالب البغايا بحقوقها في المحاكم الشرعية، لأن أفعالها لم توثق بمواثيق بل بالقبول و دفع الثمن، والثمن الذي قبلت بها الحكومات التابعة هي ضمان وجودها في موقع الحكم، فبالتالي لن تعترض على الكيفية التي تطالب بها في تنفيذ رغبات سيدها !

باختصار شديد، إن البيئة والنمط الحضاري هو ما يملي على الفرد السلوك المتماهي مع السلوك العام للجميع . فخروج أبناء مدينة كبرى سكانها بالملايين من دوامهم يحتم على كل منهم الالتزام بالإشارة الضوئية والاصطفاف بصبر وبسرعة في نفس الوقت، حتى تستوعب شوارع و جسور تلك المدينة هذا الفيض الهائل من المواطنين .. في حين لن يضطر من يسير في الصحراء لاستخدام (الغمَاز) طالما ليس وراءه أحد ..

في سن القوانين واختراع النظم في تسيير أمور الحياة اليومية، تفرض تلك القوانين من خلال الحاجات المتراكمة للمواطنين لتتم صياغتها في النهاية من قبل هيئات يحرص الجميع أن تكون ممثلة صادقة للعموم، وقد تقترب من الصدق أو تبتعد عنه معتمدة على قوة التمثيل الذي هو خارج الحكم .

من هنا نرى أن الحديث عن الديمقراطيات والحريات في بلادنا، هو عبارة عن هرطقة لا طائل منها ، فلا يهتم ابن العشر سنوات بأثاث طفله القادم ، وهو لم يبلغ الحلم ولم يتزوج ولم يضمن أنه سيخلف طفلا أم لا ..

إن الحديث الذي يجب أن يسود هو حديث التحرر والتخلص من كل تدخل أجنبي في بلادنا والتخلص ممن يسهل وجود هؤلاء الأجانب بحجج مثل الواقعية والحنكة السياسية و غيرها من الصفات الأخرى التي يراد منها أن تكون طلاء لوجوه عميلة .

فتصعيد النضال في وجوه هؤلاء، يستند بالأساس على خلق الإيمان بضرورة الوصول الى حالة الوعي الشعبي العربي في اختصار الوقت وتكثيفه، من أجل تقريب المسافات بين البؤس الذي يغطي بلادنا العربية، وبين الخلاص والتفرغ لصناعة الشكل الذي يتم تداول السلطات فيه دون تقنين مبرمج خارجيا .

ولكن بما أننا في صدد الكلام عن الديمقراطية، فلا بأس أن نكشف زيف ما تشيع عنه أبواق الدعاية الليبرالية عن الديمقراطية الغربية وبالذات تلك التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية .. وإن ما قلناه لغاية الآن ما هو إلا توطئة للدخول بهذا الموضوع ..

يتبع
__________________
ابن حوران
  #2  
قديم 06-11-2006, 11:33 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

نشأة الديمقراطية الحديثة :

في العصور الوسطى، حيث كان ي الحكم في ممالك صغيرة في أغلبها، ملوك يحيط بهم رجال وفرسان يستفيدون من حالة الحكم ويتمتعون بامتيازات استثنائية، كان الأمراء أو الفرسان الأوروبيون عندما تعجبهم امرأة فإنهم يأخذونها من زوجها، أو أهلها إن لم تكن متزوجة، وإن أعجبهم بستان أو منزل فإنهم يستولون عليه، وبقي الحال هكذا حتى بدأ عصر النهضة الصناعية، وتوسعت المستعمرات، وتداخلت الطبقات الاجتماعية.

يرجع الفضل الأول في تأسيس الديمقراطيات التي تمر بها المجتمعات الغربية، الى (شارل مونتسكيو1689ـ 1755) ، وقد حاول هذا الفرنسي الذي كان والده قاضيا في (بوردو) ثم تولى هو رئاسة محكمة (بوردو) فيما بعد، وقد كان ظريفا محبا للأدب يكتب باسم مستعار، حتى يخلص من حرج انتماءه للطبقة الأرستقراطية، وينتقد النظام الأوروبي بشكل عام في عدة مقالات، من بينها الرسائل الفارسية ..

لقد كان (مونتسكيو) متواضعا في طلباته التي تضمنتها الرسائل والأعمال الكتابية فيما بعد، فلم يطمح أن يكون هناك عدل مطلق، بل كان يدعو الى التقليل من عدم المساواة في قدر الإمكان.. ثم تطورت كتاباته مع تصاعد حالات السحق الإنساني التي كان السكان يتعرضون لها من خلال انتقالهم من الصناعة والإنتاج البيتي (المنزلي والفردي) الى المصانع تحت إدارة أرباب عمل ظالمين ..

ويمكن تلخيص أهدافه التي تضمنتها كتاباته، والتي اعتمدت الكثير منها الأمم المتحدة في مواثيق حقوق الإنسان بما يلي :

1ـ مبدأ فصل السلطات: وهو المبدأ الذي نص عليه البند16من إعلان حقوق الإنسان ( إن كل مجتمع لا تكون فيه حقوق الإنسان مضمونة أو فصل السلطات فيه غير محدد هو مجتمع بلا دستور) .. لقد أراد (مونتسكيو) أن لا تتجمع الإرادة السلطوية بالمجتمع بيد فرد واحد، كما لم يطالب بفصلها نهائيا عن بعض بل أراد أن يصنع انسجاما فيما بينها .. وواضح أن الرجل لم يتخلص من ماضيه الأرستقراطي بل حاول مزاوجة أفكاره الرافضة مع ارتباطاته الوجدانية بماضيه.

2ـ الأجسام الوسيطة: كان مونتسكيو يعتقد بالفائدة الاجتماعية والأخلاقية للأجسام أو الهيئات الوسيطة، وكونه أصبح فيما بعد رئيسا لبرلمان بوردو، فقد حاول التركيز على الجانب الأخلاقي في إعطاء الملك صلاحيات أوسع للنواب، كما أنه وهو يطالب بذلك لم يكف عن تفاخره بانتمائه لطبقة النبلاء..فكان يردد إن الملك والنبلاء بعلاقة متلازمة فلا وجود لأحدهما دون الآخر ..

3ـ اللامركزية : تشكل توازنا ضد الاستبداد ..

4ـ الأخلاق: كان يكرر قول ( يجب أن لا نفعل بواسطة القوانين ما يمكن فعله بواسطة الأخلاق) .. فكانت دعوته تنصب على تغذية المثل والأخلاق وإثارة الهمم الطيبة لطرفي المجتمع ( الحاكم والمحكوم ) .. وكان ضد إصدار الكثير من القوانين .. وهو الذي قال ( لا يجوز قتل مواطن أو الاستيلاء على ممتلكاته دون قانون، ولا يجوز وضع قانون دون إشراك ممثلي الشعب في وضع القانون وهي تلخيص لفكرة الديمقراطية الحديثة .

5ـ لم تتضمن أفكار مونتسكيو كما أسلفنا شيئا ثوريا، بل عاش في عصر البرجوازية الصاعدة وتبنى أفكارها، فقد ميز بين الشعب والرعاع، وأكد أن المساواة المطلقة لا وجود لها بتاتا .. لذا فكان حق التصويت في الانتخابات مقتصرا على الملاك والنبلاء والقادرين على فهم فلسفة الحياة، وطالب بإبعاد حق التصويت عن ما دون ذلك كونهم لا يستحقون هذا الشرف..

نلاحظ في هذا الكلام أنه جاء نتيجة تفاعل متناغم مع الحركة الحضارية، ففي عصر (الأنوار) ازدهرت فلسفات وكتابات القومية والاقتصاد والسياسة، وظهر منها مدارس كثيرة، كل مدرسة تتبنى رؤى الوسط الذي كانت تعيش فيه، فظهر مفكرون بالاقتصاد والاجتماع مثل (آدم سميث) و(جون ستيوارت مل) و(روبرت أوين) و(فولتير) و (جان جاك روسو) و (فيخته) و( نيتشة) و (نجلز) و (كارل ماركس) فيما بعد ..

وكل ذلك كان يصب في تصريف شكل الحياة التي كانت تتخلق بوجود التغيير الصناعي والاستعماري، تماما كمن يصنع سيارة ويعدل على أخطاءها بعد مراقبة مسيرها في كل مرحلة .. ونقول هذا الكلام لنؤكد على أن وصول الغرب لما وصلوا إليه ـ بغض النظر عن رؤيتنا له ـ كان يتم على هامش مسألة معروفة اقتصاديا باسم ( علاقات الإنتاج) ..

وهذا ما سنتناوله في المرة القادمة ..
__________________
ابن حوران
  #3  
قديم 06-11-2006, 11:34 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الديمقراطية .. لعبة لها أصول ..

قد يمتعض البعض من وصف الديمقراطية أو إلصاق صفة اللعبة بها، لكن لم أكن الأول من ابتدع لها هذه الصفة، فقد وضع الكاتب الأمريكي (مايلز كوبلاند) كتابا بعنوان (لعبة الأمم) صدر في لندن عام 1969 وترجمه للعربية (مروان خير) عام 1970 ونشرته مكتبة الزيتونة في بيروت.

وإذا سلمنا ولو مؤقتا بتلك الصفة، وحاولنا رؤية مدى صحتها ومطابقتها لأصول اللعبة، فسنجد أن كما هناك في اللعب احتراف ومحترفين، فإن للديمقراطية لاعبيها ومحترفيها، وكما أن هناك من يتعهد تزويد الملاعب والأندية بلاعبين، وهناك من ينتقي أبطالا يمثلون بلادهم بالمسابقات الدولية، فإن الديمقراطية كونها الصيغة التي توصل هيئات الحكم في البلاد التي تنادي بذلك الأسلوب واعتماده كصيغة مطروحة لتناقل مواقع السلطة في مختلف مستوياتها ..

لكن من يهتم بالديمقراطية؟ وما علاقة ذلك بما أسلفنا بما يخص علاقات الإنتاج ؟ هل هم عموم الشعب الذين يتأثروا بما يصنع من قرارات عليا ترسم سياسات البلاد، أم أن الذين يهتموا هم من على رأس المصالح الاقتصادية من صناعات كبرى ورؤى لتوسيع مصالحهم خارج حدود البلاد؟ أم من هم على رأس الحكم، والذين لا يبتعدون كثيرا عن أصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى؟

لقد مررنا على عصر بدايات النهضة الصناعية في أوروبا، وما أفرزت تلك الثورة من فكر أوصل أوروبا الى تفصيل كيانات تستطيع التعامل مع موضوع علاقات الإنتاج تعاملا دقيقا حساسا. فتشكيل النقابات وجعلها مخازن هامة للرأي العام ويمثل نسبيا عموما طبقات الشعب الدنيا، وما وصل الى صيغ تعايشية مع إدارة الحكم في البلاد، من خلال الصيغ البرلمانية ..

لقد كانت الصيغ الديمقراطية المبتكرة في أوروبا، عبارة عن حلول مواكبة للتطور شيئا فشيئا، وما جرى عليها من كتابات و تعديلات دستورية، جاء نتيجة فحص الإخفاقات التي تواجه ممثلي الشعب بكياناته (مخازن الرأي العام)، تماما كما يجري على تعديل لوائح لعبة كرة القدم أو غيرها من الألعاب ..

فقد كان العمال يعانون من طول ساعات العمل فتقلصت من أربعة عشر ساعة الى عشر الى ثمان الى أربعين ساعة في الأسبوع. وكان أصحاب المواقع السياسية العليا أو الطامحون بتحسين مواقعهم السياسية يتفاعلون مع قضايا العلاقات الإنتاجية لأسباب تتعلق بتحشيد وتجميع القوى من حولهم، فانتزاع مكسب في تحسين قواعد اللعبة كان يمر بممرات صعبة، ولا يمنح منحا بلا ثمن أو دون صراع سلمي أو حتى عنيف، وكلنا يتذكر الإضرابات العمالية التي عصفت بأوروبا والولايات المتحدة والدول الصناعية في مطلع القرن العشرين حتى آلت أوضاع العالم المتقدم الى ما آلت إليه.

لقد أفرز الصراع السلمي والعنيف، دساتير وقوانين، كانت بمثابة عقود بين من هم في أعلى موقع للحكم، وبين عموم الشعب في كل بلد من البلاد التي خاضت مثل ذلك الصراع، وكان أمام دافع الضرائب أن يطمئن على ما يدفعه من مال لتسيير أمور الدولة التي هي بمثابة (مجلس إدارة) للشعب بكل أصنافه (الجمعية العامة للشركة الكبرى) .. فكانت صياغة القوانين تضغط باتجاه مراقبة صرف الأموال وإحقاق الحق لكل أفراد الشعب .

فكانت الصيغ التي لم تأت دفعة واحدة، بل على دفعات متعاقبة أكلت في بعض دول أوروبا أربعة أجيال تواصلت جهودها وارتبطت مع بعض باتجاه الوصول لما وصلت إليه .

بالمقابل فإن الدول التي تبنت الخط الاشتراكي، ركنت لمخزون النضال اللفظي، في حين غرقت في وضع بيروقراطي، جعل أجمل ما عندها من أفكار في حوزة الدول التي حسنت أساليبها الديمقراطية، فكانت دول مثل الدول الاسكندينافية تتفوق باشتراكيتها الهادئة على الاتحاد السوفييتي و منظومته التي كانت تطبقها منقوصة بفعل نظام مركزي، كما أن أرباب العمل التي وضعت مبادئ الثورات ضدهم، قد اختفوا من الظهور الواضح وراء لعبة الأسهم والمساهمين، فكان العامل الذي يجب أن يثور شريكا في أسهم شركة يفترض أن يثور على أصحابها ولكن كيف سيثور وأصبح أحد المساهمين بها؟

أغفل المثقفون العرب، سواء كانوا في المعارضة أو في الحكم، مسألة تطور علاقات الإنتاج وحذفوها من أدبياتهم، باعتبارها مسألة ترف فكري! وهم اليوم وبالأمس ينشدون التحول الديمقراطي، وكأن التحول يأتي بالشهوة والرغبة وبالوصفة الطبية التي تشترى، مغفلين الضرورة والوظيفة التاريخية للصيغ القانونية التي تتصل و تتكئ على ما قبلها من خطوات ..

وهذا ما سنذكره في المرة القادمة ..
__________________
ابن حوران
  #4  
قديم 06-11-2006, 11:37 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

علاقات الإنتاج ومخازن الرأي العام ..

لا يختلف أبناء أي منطقة إذا ما تساوت ظروفهم المعيشية والثقافية والسياسية في تقييم ما يدور حولهم وإعطائه صفة محببة أو مكروهة، وطبعا سيكون هناك من يشذ عن قاعدة المجموع العام، عندما يرتبط الوضع القائم بمصلحته إيجابا، فعندما تشترك عموم الآراء الفردية أن الوضع العام سيئ على صعيد ما أو حتى على كل الأصعدة، سيكون هناك بعض الآراء تقول عكس ذلك، وهذه الآراء تعود لفئات أو أفراد مستفيدين من الوضع القائم، وسيكون أثرها بالتأكيد أقوى من مجموع الآراء الرافضة للوضع حتى لو كانت نسبتهم تفوق التسعين بالمائة.

والأمر بسيط في معرفة سبب أثر تفوق رأي الأقلية على الأكثرية، وهو أن تلك الأقلية منظمة ومرتبطة بمركز تقاسم المصلحة فيما بينها، وبيدها وسائل الترغيب والترهيب والإعلام، فهي تستطيع أن توظف و تعلم وتشغل وترقي من تريد وتستطيع أن تمنع و تحرم وتحط من قدر من تريد ..

في حين أن الأكثرية مبعثرة تولول و تحوقل و تثرثر في أماكن ضيقة وتعتبر أن ليس هناك من يسمع رغم شكوتها المستمرة، وغالبا ما يكون كلامها بشكل شتائم، وتخشى أن يصل هذا النوع من الكلام الى الجهات الأمنية، فيتعرض من يتكلم الى مزيد من المعاناة!

وعندما يدعى الناس لحضور ندوة أو محاضرة أو مؤتمر، فإنه لن يحضر، وإن الحضور هم نفسهم الذين يحضرون اجتماعات تناقش البطالة أو الوضع في فلسطين أو الديمقراطيات أو المفاعلات النووية في لوكسمبورغ، ستجدهم هم نفسهم بالإضافة الى بعض كتبة التقارير من العناصر الأمنية التي ملت حتى وظيفتها الرتيبة تلك.

وإن سأل أحدهم سؤالا ، فإنه يسأله بهمة مهزوزة وكلمات منحوتة وحذر أو تهور من صياغته، بحيث أنه لا يترك أثرا مفيدا من حضوره لتلك الاجتماعات. إن وضعا كهذا يضيف مدماكا في الجدار الفاصل بين البؤس والتوجه نحو التحضر والعمل المدني النافع للشعب والدولة معا.

كما أن هناك ثقافة مسفهة لكل تجمع، فمن الهجوم على الأحزاب ومضايقتها ليس من الدولة فحسب بل من مجموعة وعاظ ومستقلين يبرروا عدم انتمائهم لأحزاب بتسفيه العمل فيها، وهم بذلك يساعدون أجهزة الحكم دون أن يكون تنسيق فيما بينهم، كما أن العمل النقابي يعاني من نفس الظاهرة، حيث يكون عدد المنتسبين للنقابة يصل الى عشرات الآلاف في حين أن من يتصدره وينطق باسمه لا يزيدون عن عدة عشرات وفي أحسن الأحوال بالمئات، دون أن يكون بينهم وبين عموم المنتسبين أي صلة عضوية تعطي للنقابة قوتها وأثرها.

إن سن القوانين يحتاج الى خبراء بالقانون وخبراء بالمهنة وشؤون المواطنين الأخرى، وإنه لمن المنصف أن نقول أن كوادر الحكومات العربية لا زالت تتفوق في هذا الجانب على المعارضة وبمسافة غير متقاربة، والسبب يعود الى عدم الجاهزية عند الفئات المعارضة للتعامل مع الصيغ القانونية، ومع ذلك تبقى القوانين المشرعة أو المصاغة من قبل أجهزة الحكومات العربية دون المستوى المطلوب فوقت صياغتها من قبل خبراء قانونيين يحيلوها على مجالس برلمانية غالبا ما تفتقر لقدرة على التعامل مع مثل تلك الصيغ، بل أن في الكثير من الأحيان يتغيب عن جلسات البرلمان حوالي نصف الأعضاء.

إن المعارضات العربية تتناول القانون بعد صياغته من قبل أجهزة الدولة، وتنتقده بقسوة، ويكون ذلك بعد صدوره بزمن، مما يجعل من تعديله أو تغييره صعوبة تأخذ زمنا ليس بالقليل ..

إن خير من يفهم أوضاع العمال هم العمال أنفسهم، وإن بحث قضاياهم في نقاباتهم ودعوة المختصين من نقابة المحامين أو حتى رجال الحكومة وبعض البرلمانيين، يجعل من الصيغة النهائية للقانون أقرب للرضا من قبل كل الأطراف، لكننا نعلم كم هو وضع العمال مهلهل تنظيميا ونعلم أن قضايا العمال لا يتبناها لا صحفيون ولا سياسيون ولا العمال أنفسهم، وهذا عائد لعدم وضوح تلك الطبقة بين الناس وضوحا ثابتا، فعمال البناء مثلا، لا يستديمون في مهنتهم طويلا بل يغيرونها متى ضاقت بهم الحياة، ومثلهم الكثير من المهن.

إن النقابات العمالية والمهنية و تجمعات الفلاحين والحرفيين، تعتبر من أفضل مخازن الرأي العام المتخصص بمهنة، ودفعهم والاعتناء بتلك التجمعات يحسن بل ويصعد بقضية سن القوانين الى مرحلة ترفع من الشأن الاقتصادي والشأن السياسي المرتبط به ارتباطا حثيثا ..

وإن كانت الأحزاب و المنتديات الفكرية، تهتم بالجانب الدعائي في عملها السياسي، فإن تلك التنظيمات المدنية (النقابات وغيرها) تعتبر الجانب الإداري الذي يجعل من الخطاب السياسي أقرب للحياة اليومية التي تهم المواطنين.

وفي حملات الانتخابات للبرلمانيين، الذين توكل لهم كل الدساتير مهمة سن القوانين ( كسلطة تشريعية) ، فإن ممرات النقابات والتجمعات المدنية أصبحت ضرورية لكي يمر بها المرشح للانتخابات البرلمانية، للاستماع إليه من قبل جمهور الناخبين الممتهنين لمهنة ومعرفة ما يقول في شأن مهنتهم، وعليهم التقرير إن كان يستحق أصواتهم أم لا. كذلك إن المرشح بمروره في تلك الممرات سيكون على علم كبير في قضايا ناخبيه المهنيين، فلا يغادر عندما تطرح قضاياهم ولا يكون كأن تلك القضايا تطرح عليه أول مرة ..

وسنتناول موضوع التصويت والديمقراطية في المرة القادمة ..
__________________
ابن حوران
  #5  
قديم 11-11-2006, 05:59 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

فكرة التصويت ليست مؤشرا عادلا لاستحقاق من يقع الاختيار عليه :

عندما تعرض لقطة من مباراة لكرة القدم أمام محكمين في اللعبة فإنهم سيكتشفون خطأ حكم المباراة، وعندما تعرض تقارير طبية وصور بالأشعة لمريض أمام لجنة طبية مكونة من أطباء محترفين ومتخصصين في نفس المرض، فإن قرارا هاما سيؤخذ بشأن الحالة المرضية، سيكون أقرب للدقة، وعندما يتم فحص حفظة القرآن أمام لجنة متخصصة، سيكون هناك تشاور في منح المتسابق درجة تكون أقرب للدقة ..والأمثلة كثيرة.

ولكن عندما يعرض مرشحون لمقاعد في البرلمان أو مناصب حكومية أو حتى نقابية ومهنية مختلفة، فإن المحكمين لن يكونوا على دراية كاملة بالمادة المفحوصة (المرشحين) حتى يعطوهم أصواتهم، وسيكون صوت المعاق و الأهبل يساوي في قيمته صوت العارف و المخترع !

في نماذج أثينا و روما وقبلهما بقرون طويلة (كمنهو و قتبان في اليمن) كان المرشحون محصورين في مساحة ضيقة يتم التعرف عليهم من خلال سجل حياتهم التي حفظها الناخبون عن قرب من خلال سلوكهم و شخصياتهم، إضافة الى أنه في روما وأثينا لم يكن التصويت لعموم الشعب كما أسلفنا، بل للنبلاء والفرسان والملاكين، وفي التجربة اليمنية القديمة كان ممثلو العشائر ينتخبون من بين أفراد عشيرتهم وممثلو المهنة ينتخبون من أبناء المهنة، فحصر المرشح بمساحة محدودة يكون أقرب للاختيار الأسلم، كمن ينقي كيلوجرام من العدس ويستبعد الحصى والأجسام الغريبة، فمهمته أسهل بكثير من ذلك الذي ينقي أطنان من العدس أو الحبوب الأخرى.

لقد انتبهت بعض الدول لتلك الظاهرة، وقلصت مساحة الدوائر الانتخابية، بقصد ليس لإحقاق الحق و تحقيق العدل، بل لتقنين عملية الاقتراع بما يخدم مصالح تلك الدولة و يؤمن فوز المقربين منها ..

كما تذرعت بعض الدول باستبعاد ذوي الأصوات غير العالمين بشؤون الدولة، أي أولئك الذين لا تؤتمن معرفتهم لأهمية ما يفعلون .. وقد كانت الحكومات ذات الطابع المركزي و الحزبي (الواحد) أن تجعل من الانتخابات حقا محصورا على كوادرها وتنظيماتها، تصعد به من أدنى خلية للأعضاء في الحزب الى أعلى مؤتمر ينتخب القيادة المركزية التي تعين الحكومة و أركانها .. بحجة أن البقية من الشعب هم في وضعية مشكوك بارتباطاتها!

هذا الوضع في حصر الانتخاب بحزب أو فئة دون غيره، تلتقي به الفئات التي تنادي بالشورى، فأهل العدل والرأي القادرون على معرفة من هو قريب من الله وشرعه، ومن هو بعيد عن الله وشرعه، هم الوحيدون الذين يحق لهم الاشتراك في الانتخاب. إن المعضلة ليست في النتيجة التي سيؤول إليها جهد هذه العملية فحسب، بل إن هناك إشكالية في تحديد من يحق لهم ومن لا يحق لهم، ونحن نراقب جداول الناخبين قبل اعتمادها كقوائم نهائية للانتخابات فإن الذين يطعنوا بنزاهة الانتخابات أي انتخابات من الكثرة بمكان، فكيف لنا أن نعتبر أن قوائم أهل العدل والرأي هي مرضية عنها، خصوصا عندما توجد طوائف من نفس الدين مختلفة كما في باكستان أو الهند أو لبنان أو العراق، هذا قبل أن نصطدم بمعالجة الاختلاف بالدين!

في حالات الانتخاب العام كما يجري في مختلف أنحاء العالم، فإن أصحاب المال والجاه والقوة العشائرية سيصلون للمهمشين وقليلي الاهتمام باللعبة السياسية وسيعطونهم ثمن أصواتهم، ومن يسبق نحو هؤلاء و يتفنن في كسبهم وإرضائهم بدل أصواتهم سيكون أقرب للنجاح من أولئك النزيهين العارفين والوطنيين وقليلي الأموال .. خصوصا إذا عرفنا أن نسب التصويت في معظم بلدان العالم لا تصل الى 70% في أحسن الأحوال، أي أنه لا يزال هناك مساحة لاستصلاح الناخبين من أجل حصد أصواتهم ..

سيقول قائل : إنها الطريقة الوحيدة الأقل سوءا بين الطرق الديمقراطية، وسنقول إنها تشبه الحالة التي ضربناها في قبول الجامعات للطلاب المتقدمين للالتحاق بها، فهي تقبل على ضوء المعدلات(الأصوات)، فقد يكون هناك طالب يمكن أن يكون مشروعا لعالم أو مخترع أو قائد، ولكن أهله يعتمدون عليه في إطعامهم أو أنه لا غرفة خاصة به، فمن المؤكد أن طالبا يتساوى معه في القدرة العقلية ولكنه يحظى بالدراسة في مدرسة خاصة ويأتيه مدرسون متخصصون الى البيت، فإنه بالتأكيد هو من سيقبل في الجامعة بالنهاية، أو سيدرس على حساب أهله الموسرين ..

ولحين ما يتم اكتشاف طريقة أفضل من المجموع العام للدرجات في قبول الطلبة بالجامعات، قد يكتشف معها طريقة أقل سوءا في اختيار النواب والحكام.
__________________
ابن حوران
  #6  
قديم 27-11-2006, 04:52 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الديمقراطية .. آلية أم عقيدة؟

بالقدر الذي يسعفنا فيه اطلاعنا على تجارب تاريخية من العراق القديم الى اليمن الى اليونان والرومان الى التجربة الإسلامية الى عصر التنوير والحداثة في العرب وانتهاء بالعصر الراهن. فإن الكلام عن الديمقراطية أو التلميح عن أسلوب شبيه ولكنه لا يحمل نفس الاسم، فإننا نخلص الى أنها آلية في إدارة المجتمعات بصورة عامة وفي الإدارة السياسية بصورة خاصة تستصحب في صورتها المثلى مجموعة من القيم في مقدمتها: الحرية والدفاع عن كرامة الإنسان والمساواة بين الخلق ومن ثم احترام كل (آخر) وتدعو للتعددية السياسية والفكرية وتداول السلطة، وحق الناس في المشاركة في صياغة حاضرهم ومستقبلهم، وحقهم في مساءلة حكامهم.

وكونها آلية فإنها تتغير بتغير الأزمان والأمكنة والمجتمعات والمعتقدات. ولكن عندما يصبح الإيمان بهذا الأسلوب عقيدة تسقط عليه المعتقدات التي يؤمن بها من يدعو لهذا الأسلوب، فتكون دعواته لتطبيق الآلية مشوبة بطابع عقيدته التي يرفضها المخاطَب، فيعارضها.

إن ربط الديمقراطية بالعلمانية أو الدين، جعلها في بلادنا مثارا للجدل، استغلت أطراف كثيرة نقاط الربط فيه لتعيق تطور نمو الديمقراطية في بلادنا، وهذا الربط في اعتقاد الكثيرين أنه خاطئ ولا صحة فيه، فالتجارب القديمة قبل آلاف السنين لم تكن تعرف العلمانية ولم تكن فيها الأديان بالشكل التي هي عليه في أيامنا سواء بتجربة (المزود) في دول اليمن القديمة أو في دول اليونان وروما القديمة.

كما أن هناك من الجهات الدينية كجبهة الإنقاذ في الجزائر وحماس في الأراضي الفلسطينية وحتى التجربة الإيرانية، يعرف أصحابها بأنهم ليسوا علمانيين، فالربط بين العلمانية والديمقراطية ليس باستمرار دالة على أصالة الإيمان بالمبادئ التي ذكرناها في جلب العدل واحترام الآخر وصون حقوق الإنسان، فقد انتخب هتلر وشارون وغيرهما، وسجلاتهم مليئة بالإنسانية والعدل والرفق بالآخرين!

وكذلك لم يكن كل العلمانيين محبين للديمقراطية، بل كان بعضهم معاد لها بقوة فستالين و ماو وغيرهما والذين كانوا يحرمون دهماء الشعب من حق المشاركة في تقرير مصير البلاد، ولهم فلسفتهم الخاصة بذلك، فأوجدوا ما سمي بالديمقراطية المركزية التي تعني الانتخابات داخل كواليس الحزب الواحد أو الحزب القائد ..

لن نتوقف كثيرا عند هذه النقاط، ابتعادا عن أجواء الملل، لكننا سنخوض في حديث موائمة تلك الآلية لمجتمعاتنا العربية الإسلامية ومدى النجاح في إيجاد نموذج يصلح لبلادنا في هذه الأيام ويراعي عامل التراث والمزاج العام مع ما يؤمن نمو مفهوم المصلحة العامة (مصلحة الأمة .. هنا). آخذين بنظر الاعتبار العوامل التالية :

أولا: إن واقعنا يسبح في فضاء ذهني مشبع بنظرة الى الكون تنطلق من الإيمان بالله سبحانه وتعالى، خالق كل شيء في الكون، والناس فيه كما هي الكائنات الحية الأخرى تتعبد لله وتعمر الأرض وفق مشيئته سبحانه.

ثانيا: إن المرجعية الأولى لمجتمعاتنا تتمثل في القرآن والسنة، الأمر الذي يعني أن حرية حركة المجتمع ليست مطلقة بل محكومة بمجموعة قيم مفهومة منها القطعي الوارد في نصوص قرآنية غير قابلة للتأويل، ومنها ما هو قابل للاجتهاد يغلب عليه الطابع الظني، ويعني بالمعاملات بين الناس.

ثالثا: إن الناس مكلفون بعمارة الأرض والاستمتاع بما أحله الله لهم، وتكليفهم هنا يتطلب منهم البحث عن الأساليب التي تصون حقوق الناس والمخلوقات الأخرى وفق حق تلك المخلوقات في التمتع بما أعطاها إياه الله سبحانه.

رابعا: إن السياسة عند المسلمين ليست فن الممكن كما يسود في المفاهيم الليبرالية الغربية، لكنها كل طريق يؤدي للتهذيب والإصلاح. فهي عند ابن القيم " أخذ الناس الى الصلاح وإبعادهم عن الفساد" أو هي جلب المصلحة ودرء المفسدة. وعند ابن عقيل من فقهاء الشافعية ف ( لو أنك تقصد أنه لا سياسة إلا ما نطق به الشرع، فهذا غلط وتغليط للصحابة، السياسة هي أي فعل يكون فيه الناس أقرب الى الصلاح وأبعد عن الفساد، ولو لم يفعله الرسول صلوات الله عليه، ولو لم يرد فيه نص قرآني).

لم تكن السياسة هي الدولة كما هو شائع في الخطاب المعاصر، وإنما كانت فعلا اجتماعيا ينشد التهذيب والتربية والإصلاح، ولذلك وجد في أدبيات السلف (سياسة الموردين) للطرق الصوفية، وسياسة الصبيان عند ابن سينا، وسياسة الخيل الخ .

يتبع
__________________
ابن حوران
  #7  
قديم 01-12-2006, 06:58 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

مصادر قوة الديمقراطية :

ينظر البعض منا الى الإنجازات التي حصلت عند الأمم المتقدمة علميا وصناعيا فيرى التقدم بالطائرات والأسلحة وأجهزة الحاسوب، فيطلق تنهيدة مليئة بالأسى ويقلب الأسباب، فيصل في النهاية الى أسلوب الحكم في بلادهم وأساليب الحكم في بلادنا .. فتقفز عند البعض فكرة أن الديمقراطية وراء ذلك .. ثم ينادي بتلك الفكرة بأسلوب مبتدئ لماذا لا نطبق الديمقراطية عندنا؟ .. فيجيبه آخر وهل كان السوفييت ديمقراطيين عندما طاولوا تلك الأمم بتقدمهم في علوم الفضاء والنفس والطب وغيره؟

في المقابل يجيب آخر أن أجدادنا كانوا على قدر من التقدم تفوقوا فيه على كل الأمم عندما كانوا يتمسكون بكتاب الله .. ثم يستعيد صورة الذي دخل جنته فرآها خاوية على عروشها لأنه تباهى بقدرته العلمية دون الإيمان بالله، ولا ينسى ذكر قارون، فيشعر بعد قوله أنه أدى مهمته و برأ ذمته، وسيكون محظوظا لو رأى من يخالفه الرأي ليدخل بنقاش طويل يفلح (هو) ويتراجع من عارضه .. لتتصلب عنده مسألة الاعتداد بالرأي .. ولكنه سيستفيق على تطاول الأمم على رموز ديننا والغمز بأغلى رمز وهو القرآن الكريم والرسول صلوات الله عليه .. فيعاود الشعور بالخيبة الممزوجة بإيمان ملفوف بضبابية، يكاد لا يرى حدودها بشكل دقيق، لكي تتحول الى خطاب عملي تكون الخطوات التطبيقية فيه واضحة.

لو تحقق حلم فقير بأنه حصل فجأة على مبلغ من المال، بشكل هبة وليكن هذا المبلغ بالملايين، فإن أمامه خطوات لم يحسبها، أنه كيف سينقل هذا المبلغ دون أن يتعرض للصوص في الطريق، والى أين سيذهب به، وقد يكون حاله كأحد معارفنا الفقراء الذين وجه أحدهم له سؤالا: لو حصلت على مليون دولار ماذا ستعمل بها؟ كانت إجابته الفورية: أشتري نصف كيلوغرام من الكبد!

في شمال العراق يزعم الأكراد أن لديهم نظام ديمقراطي في إقليمهم، وسيكون من الصعب على البعيد الذي يستمع لأخبارهم أن يتحقق من ذلك .. كما هي الحال عند الذين تسلموا الحكم (الصوري) في ظل الاحتلال الأمريكي، لا يفتئوا يرددون كلمات الدستور والشرعية والبرلمان وغيرها من المصطلحات التي تستخدم في النظم الديمقراطية، وعندما يرد مسامعهم أن المحتلين قد يغادرون قريبا، فإنهم يبادرون بالتصريح بخطورة انسحاب المحتل، ومن يدري سيكون حالهم شبيه بحال سكان إحدى (جزر القمر) الأربعة الذين يخرجون بمظاهرات بين فترة وأخرى لعودة الاستعمار!

في المقابلات التلفزيونية التي يجريها إعلاميون ضليعون بمهنتهم مع أي مسئول عربي حكومي، فستكون إجابات المسئول كلها ثقة و لغة مهذبة بأن نظام حكومته من أفضل النظم بالعالم فهو يراعي حقوق الإنسان وأبواب المسئولين مفتوحة أمام المواطنين .. والانتخابات تتسم بالشفافية الخ. ويبادل الإعلامي الضليع المسئول الابتسامة وتنتهي المقابلة .. أين المشكلة إذن؟

لقد نوهنا سابقا أن علاقات الإنتاج والمصلحة الفردية التي تلتحم مع المصالح الفردية الأخرى، لتتكون مصالح جماعية له أنصارها الحقيقيون وحماتها الأشاوس الذين لا يربطهم بالجماعة مجرد (طيف) فكري يتمثل بالخطاب والثرثرة الأدبية .. بل تكون الخطابات تعبيرا عن حالهم وعن مصالحهم بشكل واضح وحاسم وقاطع .. فتكون الدولة أمام كتل اقتصادية واجتماعية وفكرية لها وزنها .. وغضبها وعدم رضاها له ألف حساب عند الدولة ..

فقوة الديمقراطية تأتي من قوة من يحتاجها .. وتلك القوة تنمو بالتمارين وكثرتها، وهي لا تهدى هدية من حاكم يرتاح لوضعه الذي هو فيه، بل تبدأ من الطرف المحكوم، ابتداء بالتوعية وكسب الأنصار في الشريحة الواحدة سواء كانت مهنية (نقابات) أو فكرية أو سياسية أو غيرها، وتصعد بخطابها حتى تنتهي بالعصيان المدني (عند اللزوم) .. لانتزاع قوانين تحاصر الفساد وتطور عملية تناقل السلطة بين المواطنين بشكل سلس ودون (تقنين مفبرك) .


ولكنها لا تبدأ بالعصيان المدني أو الشتائم، فلو قامت ثلة بدعوة الناس لمسيرة سلمية لن تجد من المجيبين الكثير لها، لضعف آلية (القوة) المطالبة بالديمقراطية، في حين لو أرادت أي حكومة أن تخرج أنصارها للشارع ليتظاهروا تأييدا لها فسيكون العدد بالتأكيد أكثر، طالما أن نمو القوى المنادية بالديمقراطية لا يزال ضعيفا.
__________________
ابن حوران
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م