فلما فرغ كليب من شعره ونظامه وفهمت الجليله فحوى كلامه اغتاظت في الباطن ولكنها أظهرت له السرور وقالت له أن قصدي امتحانك لارى هل أنت تحبه أو تبغضه لانه فصيح اللسان ومن أشد الفرسان وأخذت تمازح كليب بكلام النفاق حتى صفا قلبه وراق ثم انها صبرت مدة أيام وبعد ذلك أظهرت عن نفسها انها مريضة فرقدت في الفراش وقالت لكليب أن لي حاجه اليك ولايقدر عليها سوى أخوك الزير فقال وماحاجتك قالت أريد مقدار كأسين من حليب السباع لانه يقوي الاعصاب وانا في غاية الضعف والعناء وقد وصفت دايتي هذا عاجلا لمرضي وقالت أن هذا الدواء يأتي بولد ذكر وأشارت تقول :
مقالات الجليله بنت مرة كليب اسمع لي يا أبا اليماما
انت اليوم ملك البوادي ياليت الحق بك يا امير داما
وتحكم ياملك شرقا وغربا من ارض الروم للكعبة دواما
وتحت يداك الوف من العساكر موكم حاكم وكم فيه مقاما
وكم أبراج من ذهب وفضه جواهر تشرق جناح الظلام
ولالك ظفل تحيي فيه ذكرك سوى سبع بنات مثل الحماما
اتاني منك سبع بنات اتاني ولاجاني منك ذكر غلاما
وقالت دايتي لي ياجليلة معي لك علم يبري السقاما
لبان لبوة بصوفة احمليها تروحي في ذكر حامل قواما
فنادىالزير واخبره سريعا ادام الله عمرك بالسلاما
(قال الروي ) فلما فرغت الجليلة من شعرها ونظامها صدق مقالها وارسل في الحال يطلب اخاة الزير فدخل وسلم علية وقبل يدية وقال بقلب جسور انا عبد مامور ولااخالفك بامر من الامور فاعلمة كليب بالوقعه
وقال اريد منك يا خي ان تاخذ هذا الحق الصغير وتملاة من حليب لبوة فقال على الراس والعين ولكن يا اخي اعطني سيف اتسلح به خوفا من هجوم السباع فقال كليب للجليلة ان تعطية السيف فقالت لة الاتستحي يازير
أن تطلب سيف وانت في هذة الشجاعه فخجل واطرق راسة وسار من وقته وساعته وقد تاكد انها تريد هلاكة
وضررة وما زال يسير حتى وصل الى غابة كبيرة كثيرة الاشجار والصخور وليس معه سوى سكين وعصاه
فبينما هو ينظر من خلف وقدام واذا بأسد قد ظهر وهو هائل المنظر وعيناة تقدح بالشرر.
فلما اقترب منة قبض علية الزير ونشلة بقوة ساعدة وزندة ولوحة بيدة مثل المقلاع وخبط بة الارض فرض عظامة ثم نزل علية بالعصا حتى قتلة واراد ان يجز راسة واذا بلبوة قد اقبلت علية ومن خلفها سبعة اشبال
فلما رات ذكرها قد مات احمرت عيناها فاراد الزير ان يلاعبها قليلا وقد علم انها مغتاظة فجعل نفسة انة خائفا
منها فركض من امامها فتبعتة وكان قد وصل الى شجرة لبيرة فطلع اليها وبقيت هي تنظر الية وتهمهم ثم
اقلبت اشبالها وجعلوا يرضعون من ثديها فوجد الزير لها ثدي مثل الحق فقال هذا الذي ظالبة مني اخي ثم اراد
النزول فقال ان نزلت تفترسني من رجلي ثم رمى نفسة من الشجرة فجاء راكبا عليها فقبض عليها من رقبتها والقى رجلية على بطنها بقوة شديدة حتى لم يعد لها سبيل ان تتحرك من مكانها ثم سحب السكين وهو يضحك عليها وينحراها كما ينحر الجزار الغنم وملآ الحق من حليبها وقطع راسها وراس الاسد بعد ان ربط اشبالها بالحبال وساقهم امامة كالكلاب فلما اقبل الى الحي ولاقتة فرسان العرب واصحاب المناصب والرتب واستعظموا ذلك الامر واعتراهم العجب وعند وصولة الى القصر سمعت الجليلة الضجة فطلت براسها من الشباك فرات الزير وهو مقبل على تلك الحالة فالتهب قلبها بنار الغضب لانها كانت تظن انة يموت ويهلك ثم دخل الزير على الجليلة وكان كليب جالس معها فسلم عليها وارمى الرؤس امامها وقدم الحق لامراة اخيه وقال لها هل تجدين شيئا
اخر حتى أقضية فقالت بارك الله فيك ياسبع الرجال فانك تستحق المدح والثناء وكان كليب لما راى رؤس السباع تعجب من قسوة قلبة وشدة بأسة وقال لة كيف فعلت والى اين وصلت فأشار الزير يقول :
يقول الزير قهار المواكب رماني الدهر في كل المصائب
فلا تسمع أخي قول الاعادي لآن الضد شورة ليس صائب
يشوروا عليك في الاعادي ليسقونك أخي كأس العواطب
فأهل عليك في رأي وخيم لآن كلامها لاشك كاذب
فاعلم ياأخي في ماجرالي بهذا اليوم في وادي الثعالب
وجدت سبع وسط الغاب دائر كأنة جائع للصيد طالب
فلما شافني حالا أتاني وكشر عن سنانه والمخالب
فصحت علية جاهلية فتقدم ياخي الي هاجم وطالب
حززتة بخنجري فأهوى على وجه الثرى للارض قالب
أتتني بعده لبوة مغيرة فلما شفتها وليت هارب
رأيت أشبالها سبعة وراها فداروا لجهتي من كل جانب
فلما شفتهم جاؤا لنحوي طلعت لشجرة ذات الشناغب
فداروا حولها فرميت نفسي فصرت لظهرها بالحال راكب
حززت لراسها وملئت حقي حليب بعد أن نلت المأرب
وراس السبع واللبوة قطتة علامة للاغارب والاقارب
وسقت أولادها السبعة أمامي فلما صرت في وسط المضارب
فلا قتني رجال قومي وجيتني الآقارب والآجانب
وهذا ماجرى لي في نهاري وما قاسيت من هول المصائب
(قال الراوي ) فلما فرغ الزير سالم من شعره ونظامة واخوه كليب مع الجليلة يسمعوا كلامة فغضبت الجليلة
من كلام الزير وكيف انة لمح بشعره عليها فقالت في سرها لابد لي أن أعمل علىقتله وبعد ذهابه قالت لزوجها
كليب كيف يعلم اني ساعية في قتلة ولم يكن عارف بما فعلة معي فوالله ان الموت الذ عندي من الحياة فلا بد لي ان أشنق نفسي واستريح من جور أخيك القبيح ثم صارت تصيح وتبكي فقال كليب أخزي الشيطان ودعينا من هذا الكلام الان واخذ يتلطف بخاطرها ويقول لها كم مرة رميناة بالاخطار وهو يرجع سالما كاسبا غانما فقالت الجليلة
مرادي أن تسمع مني ما اقولة لك الآن ولا عدت ولا عدت تسمع مني غير هذة المرة وهو ان تجعل نفسك مريضا وترقد في الفراش فاذا أتاك أخوك الزير حتى يراك فتقول لة أصابك مرض شديد ووصف لة الاطباء شربة من
بير السباع اذا سمع منك هذا الكلام فأخذتة النخوة والغيرة ويذهب في الحال لقضاء حاجتك فاذا راح لا يعود
يرجع أبدا من كثرة وجود السباع في ذلك المكن والكثرة تغلب الشجاعة فيفترسوةفي الحال وتكون قد بلغنا الامال
لانني كلما تذكرت اعمالة أريد ان أخنق حالي والعرض عند الحر غالي ثم أنشدت تقول من فؤد متبول :
الا اسمع لشوري ماأقولك على علم الصحيح أنا أدلك
أخوك هبيل ما بيسوى مسلة ولو قلع في الجبال والف تلة
فارسلة غدا بير صندل وان ارستلة لهناك يقتل
ومنة تسنتريح مدى الدهور ونخطى بالمقاصد والحبور
فلما سمع كلامها أجابها الى مرامها وانقطع عن الديوان ومقابلة الناس وجعل نفسه مريض وأقام بالفراش مدة أيام لما شاع هذا الخبر علم الزير بذلك فتشوش خاطرة لانة كان يحبه محبة عظيمه فدخل عليه فراه راقد وهو يتوجع علية ويتأسف ويسلية بالكلام فقال لة كليب اعلم ان مرضى شديد وأنا خائف منة وقد وصفت لي الاطباء شربة
ماء من بير السباع فمتى شربتها شفيت من هذا الدواء وليس لي غيرك ياأخي من يأتيني بها فان كنت
تحبني أريد منك الان يا فارس الفرسات وقهار العدا في ساحة الميدان أن تذهب الى ذلك المكان وتاتيني بالمطلوب والمقصود من بين الاسود فقال الزير أبشر ياأمير ثم نزل من عندة وجاء بقربتين فحزمهما على حمار ثم سار وجد في قطع القفار الى أن ن وصل الى بير السباع وكانت السباع في ذلك الوقت سارحة في البرية سوى
سبع واحد كان راقد على حافة البير وهو واضع يدية على فمة او نايم فقال الزير في سرة هذا نايم وعيب علي أن اقتلة غدرا فتركة وفك القرب وربط الحمار من يدية ورجلية ونزل البير من الدرج فملا القرب وأتفق أنة عند نزولة الى البير شهق الحمار فوعى السبع ولما رأى الحمار هجم علية وضربة بمخلبة فقتلةوجعل يأكلة فلما خرج الزير من البير ووجد السبع قد قتل الحمار وهو يأكلة أغتاظ جدا فوضع القرب على الارض وقصد نحو السبع بقلب كالحديد وقال ويلك يامشئوم كيف تأكل حماري أما علمت ببطشي واقتداري فوحق ذمة العرب لابد من تحميلك القرب وكان الاسد قد وثب علية ونهض برجلية فالتقاة الزير بالعصا وضربة ضربة شديدة وقعت على رأسة فدوختة فوقع على الارض طائشا فجاء الزير بالحبل ولجمة لجاما قويا ووضع بردعة الحمار على ظهره ثم وضع القرب ورفسه برجلة فنهض مثل السكران فقال الزير ياقليل الادب الذي يأكل حمير العرب فهو أولى أن يحمل القرب ثم ركب على ظهره وساقه مثل الكلب وكان كلما عرج عن الطريق يضربة بالعصا على راسه حتى طاعه قهرا وجبرا ثو سار وجد في قطع القفار حتى أقترب من اتلديار فعند ذلك تذكر ماجرى له مع أخيه والاسد
وكيف عاد ظافرا منصورا فجاش الشعر في خاطره فأنشده يقول:
أنا مهلهل فعزي يفلق الحجرا الانس والجن تخشى سطوتي حذرا
كيد النساء فيبقى في عدم فخيب الله من يسمع كلام مرا
قالوا أخوك كليب اليوم منطرحا عالفراش ضعيف الجسم والبصرا
فجأته عاجلا حتى أساله والعقل في خيرة مما عليه جرى
فقلت له كيف حالك أنت أخبرني فقال يامهلهل كيف أنت ترى
أريد شربة ماء أطفي بها طمئي من صندل تزول الهم والكدرا
فسرت حالا لذلك البير في عجل فنلت قصدي وعدت اليوم مفتخرا
هذه فعالي وكل الناس ترهبني حتى الاسود وأهل البأس والآمرا
(
__________________
السيد عبد الرازق
|