مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 29-01-2007, 07:34 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

محطات مفصلية أثرت على شكل الحياة السياسية العربية الحالية

إذا كان لنا الحق أن نفخر بالتجربة العربية الإسلامية التي بدأت بدولة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتدت الى النصف الأول من الدولة العباسية، فإنه لا بد لنا من الاعتراف بأن هناك محطات مفصلية أدت بهذا الزهو والروعة بالأداء (السياسي) الذي تفجرت من خلاله إبداعات المواطنين (بصرف النظر عن دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم) في ظل تلك النمطية من الحكم، الى التراجع الذي قاد في النهاية الى ما سمي بعصر الانحطاط والذي امتد زهاء ألف سنة ..

الانتكاسة الأولى :

مع انتصار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مع القوى المساندة له، على آخر الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والقوى المساندة له، تحول الحكم الى نظام ملكي وراثي، لا دور فيه للإرادة الجماهيرية أو حتى الشرعية .. ومع ذلك استمرت ايجابيات الدولة العربية الإسلامية حيث تجلت في :

أ ـ لم توقف تلك الانتكاسة استمرار عملية تفاعل المجموعات البشرية التي شملها الفتح العربي، ووصلتها الدعوة الإسلامية حتى تم تبلور أمة عربية واحدة في رقعتها الحالية وضمن عالم إسلامي يشمل أمما أخرى. واستمرت المبادئ والأسس التي رُسِخَت في صدر الإسلام في الانتشار بين جماهير كل مجموعة تصلها الدعوة الجديدة.

ب ـ أتاح استقرار الحكم في العهدين الأموي والعباسي (لمنتصفه)، بالرغم من التحول في طبيعة نظام الحكم، وبفعل المبادئ الجديدة التي قدمها الإسلام وفجر بها الطاقات الخلاقة الكامنة .. أتاح قيام تفاعل عميق وشامل أنتجت الحضارة العربية الإسلامية في شتى الميادين الفكرية والتطبيقية..

ج ـ لم تتوقف قطاعات كبيرة من الناس عن الرغبة في تصويب أسلوب تداول السلطة، والعودة الى الأسلوب الذي ساد في صدر الإسلام، وقد كان أول مؤشر لتلك الحركات قد ظهر أثناء الاقتتال على السلطة بين علي و معاوية رضي الله عنهما، فكان هناك فصيلان فكريان:

1ـ الشيعة: التي ناصرت الإمام علي وغالت في مناصرتها، فحصرت حق الخلافة ثم السلطة السياسية في آل البيت، فابتعدت بذلك عن مفهوم الاختيار الشعبي..

2ـ الخوارج: وهي الحركة التي عارضت الفريقين المتصارعين، وتمسكت بمبادئ الاختيار المباشر للحاكم وخضوع السلطة السياسية للإرادة الشعبية، غير أنها وقعت بالتباس شديد إذ أنها عادت السلطة الشرعية ونفذت جزءا من مخططها الذي كان يقتضي بقتل أطراف الصراع، وهو المتعلق بقتل الإمام علي، فظهرت وكأنها تناصر طرفا ضد طرف. ومع ذلك فإنها لم تلق من النظام الجديد سوى التنكيل والتشريد.

انتكاسات متتالية مع بداية النصف الثاني من الحكم العباسي:

مع بداية النصف الثاني من العصر العباسي وتغلغل العنصر غير العربي في الشؤون الداخلية العربية، فأصبح تنصيب وعزل الخليفة يتم من خلال إرادات تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، وإن كانت بعض تلك الإدارات قد نتج عنها بعض النشاطات الفكرية والعلمية الخالدة، إلا أنها مهدت لتفكك جسم الأمة وظهور الدويلات (عصر الأتابكة) في المشرق وإمارات متعددة في المغرب والأندلس، كل هذا قاد الى الغزو الصليبي والمغولي واختفاء شكل الإرادة الذاتية (الجمعية) العربية ..

بالمقابل فقد كانت تتشكل دول تشاركنا في هذا الكوكب، فبعد استكمال بناء الكيانات القومية الأوروبية وانتقالها من عصر الإقطاع والتخلص من (الثيوقراطية) التي تتدخل فيها الكنيسة في الحكم، ثم انتقلت الى الشكل البرجوازي( فكريا وعمليا) وانتقلت الى الليبرالية التي توجت جهدها في حالة إمبريالية لم تقف أطماعها عند حدود. فدخلت منطقتنا بما يشبه الذهول الطويل والركون لنصرة أقوام غير مفهوم تحركها (في وقته) تحت عباءة الدين، ليتوالى حكم أربع وثمانين حاكما مملوكيا و سبعة وثلاثون حاكما عثمانيا.

وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان لا بد لمن أراد أن يفكر في حال الأمة أن يتلمس موقع انفلات إرادتها منها ليرتق الشق الذي حدث، من عند طرف بدايته، وبالمقابل على من أراد التفكير في أي حل أن يضع بالحسبان تقدم الذين تقدموا في العالم من شعوب، وأن لا ينسى قدراتهم، ويعيد في نفس الوقت موضوع استثارة الهمم الطيبة لتكون سرعة الأمة في تخطيها أوضاعها لتلحق بمن سبقها من أمم ومن ثم بعد أن ينجز مهمته في التعبئة العامة أن يفكر في شكل الحكم وطريقة تداوله .. لم تكن المهمة سهلة، وهي مهمة مركبة من ثلاث ركائز: تهيئة الأمة وتسريع أدائها أولا، والتخلص من ثقل الشعور بانعدام الوزن والاتكال على قوى غير عربية ثانيا، و مقاومة أطماع القوى الإمبريالية التي كانت تتربص بالدولة العثمانية التي أنهكتها الديون والفساد ثالثا.

كانت النخب التي تولت عملية تحريك الإرادة العربية، قد تلقت علومها في أوروبا واحتكت بالحضارة الأوروبية، وأعجبها قسم مما لاحظته هناك، ولكنها لم تنس جذورها وتراثها العربي الإسلامي، فبدأت بحركة تبشيرها بشكل أدبي مموه بالفكر السياسي، وكان من هؤلاء كل من (رفاعة الطهطاوي، و عبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، و جمال الدين الأفغاني وغيرهم) . ثم حدثت مجموعة من الأحداث التي أثرت على الفضاء الذهني العربي في بداية القرن العشرين ولا زالت نتائجها ماثلة حتى اليوم لتفرز مدارس فكرية وسياسية تبحث بها الشكل العام للدولة:

أولا: عندما ظهرت جماعة الاتحاد والترقي التركية التي استلمت الحكم في الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين حاولت (تتريك) وطمس هوية العرب وتحويلهم لأتراك، تصدت النخب القومية العربية لتلك المحاولة اللعينة، فتعرضت تلك النخب الى أبشع أنواع التصفيات من خلال (الخوازيق) والتشريد والإعدام، حتى أعدم في يوم 6/5/1916 مجموعة هائلة من الرموز العربية في يوم واحد على يد جمال باشا، فاستحق هذا اليوم أن يسمى بالتاريخ الحديث يوم (الشهيد العربي)..كما استحق جمال باشا أن يحظى باسم (جمال السفاح).

ثانيا: أدى انتصار الثورة السوفييتية الى انتشار الأفكار الاشتراكية والشيوعية في العالم ومنها منطقتنا..

ثالثا: مع انكشاف سر اتفاقية (سايكس بيكو) وصدور وعد بلفور وزرع الكيان الصهيوني في نهاية المطاف في قلب الأمة العربية، أخذ النضال العربي مقترنا وممزوجا بأفكار أخذت أولوياتها تتشكل بمقاومة الصهيونية ومقاومة الإمبريالية التي غذت ومهدت وشرعنت لوجود هذا الكيان في المنطقة، والانتباه لمن يمد يد العون أو يبارك أو يتساهل مع تلك المصادر المقلقة والمعيقة لإرادة النهوض لدى الأمة، وقد طال هذا الحذر الاتحاد السوفييتي والحكومات العربية المتعاونة مع الغرب ..

هذه البيئة السياسية التي سبقت حالة النظام العربي الرسمي الراهن والتي تشكل الرافعة الأساسية لتقييم ما نحن فيه، وسيكون لها دور في اقتراح الحلول في تداول السلطة.
__________________
ابن حوران
  #2  
قديم 20-04-2007, 08:42 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المثقفون والديمقراطية

منذ أسبوع وأنا أحاول ربط ما كتبته سابقا، بما سيليه، فوضعت لا يقل عن اثني عشر مرجعا، منها ما كتب في الستينات ومنها ما كتب في الثمانينات أو أوائل التسعينات، فأجبرني هذا الوضع أن أقرأ فصولا من تلك الكتب كاملة، أو أعيد قراءتها أكثر من مرة، فأحسست لأول مرة بشعور يثبط الهمة ويشعرني بالقرف الشديد .. فبالرغم من قدرة الذين كتبوا سواء كانوا من الكتاب العرب، أو من الكتاب الأجانب الذي تطوع بعض المفكرين العرب أن يترجموا ما كتبوا، ويضيفوا بصماتهم أو تدخلاتهم العربية على تلك المساهمات الأجنبية، فإن ما حدث خلال العقدين الماضيين من تغيرات هائلة نسف كل ما كتب وجعل تلك الكتابات تصلح أن تكون مقبولة فيما لو قورنت في ذاتها، أي إذا ما قارنها كاتبها بما أسس له أصلا في محاكمة ما أراد من سوق لنظريته أو ما أراد أن يوصله للقارئ، من جداول إجرائية من سياق ما كتب ..

يستطيع أي كاتب أن يضع وصفة لحل مشاكل الأمة العربية، والإسلامية بخمس دقائق، فيبدأها بالمطالبة أن نعود لكتاب الله ولا بأس أن يزين كتابته ببعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، ثم ينتقل للإعداد للخطوة الأخرى من نقل التقانة والتدريب على السلاح وتوحيد الجيوش والالتزام بالأخلاق و نبذ الفرقة وإخماد مواضع الصراعات الجانبية المضيعة لجهد الأمة، وسد المنافذ أمام الجواسيس والمخترقين لصفوف الأمة، وتشجيع العلم ومحاربة الفساد وتقليل الفوارق بين طبقات الشعب الخ ..

لكن ما أهمية ذلك؟ ومن سيحول هذا الكلام لإجراء؟ ألم يتناوب على ذكر تلك الوصفة منذ مئات السنين خطباء الجُمَع، وأساتذة التاريخ، وتوسع بشروحاتها وأساتذة كليات السياسة والقانون والشريعة، والإعلام، والإعلاميين ؟.. وهل هناك تاريخ معين سنتوقف به عن الكلام في هذه المواضيع وقد أنجزنا ما تكلمنا به؟ وقد نُصاب حينها بإحباط عندما تحل مشاكل الأمة، إذ لن يبقى موضوع للكتابة به!

لو عدنا للعقدين السابقين، وألقينا نظرة سريعة عليهما، دون فحص عميق، لخرجنا بوصف يمكن تلخيصه بما يلي:

1ـ بعد تصاعد موجات المعارضة التي قادتها نقابة (تضامن) في (بولندا) وترنح التجربة الشيوعية، رأينا سرعة توجه شعوب البلدان التي كانت تنضوي تحت مجموعة (المنظومة الاشتراكية) نحو التحول السريع الى النموذج الليبرالي الغربي في الانتخابات وتداول السلطة، كما رأينا سرعة التكيف التي اعتمدتها الأحزاب الشيوعية، أو ما تبقى من أعضائها الملتزمين، إذ استبدلت أسماء تلك الأحزاب من (الحزب الشيوعي الفلاني) الى (الحزب الديمقراطي الفلاني) .. وقبلت بالنموذج الليبرالي الغربي، واحتكمت الى الصناديق، وكأنها زاولت العمل بهذا النموذج منذ عشرات السنين ..

2ـ سارعت الكثير من دول أمريكا اللاتينية وآسيا وحتى إفريقيا (عدا الدول العربية طبعا) لاعتماد هذا النموذج، باستثناء (تجربة موريتانيا) ..

3ـ تراجعت الصيغ الديمقراطية (الصورية) في بعض الأقطار العربية، عما كانت عليه في الفترة التي سبقت (تجربة الجزائر) ..

4ـ دخلت مجموعة من الدول العربية مرحلة التزويق الديمقراطي، في اختيار أشكال من الصيغ التي تذر الرماد في العيون، واعتبار خطواتها تلك، طريقا لتطوير الأسلوب الديمقراطي

5ـ تدخلت دول خارجية لتوليد ديمقراطيات مسخة في منطقتنا، وبالطريقة (القيصرية) لتستبق النمو الطبيعي لولادة ديمقراطيات حقيقية في المنطقة، وتقطع الطريق على تحقيق صيغ شعبية راقية، تجسد الرؤى التي حلم بها مواطننا طيلة العقود السابقة.

6ـ عادت جولات اللغو اللفظي في تحديد وتعريف المفاهيم حول الديمقراطية، وقد استعرت تلك المناوشات من قبل نخب تحيط بالحكومات العربية والمعارضة العربية، بعدما نجحت منظمة حماس في الأراضي المحتلة في انتخاباتها ..

استشعر الكثير من المثقفين العرب، أن تحريك الأحداث في المنطقة لا يخضع، لا لمفاهيم عربية ولا إسلامية ولا حتى عالمية بأشكالها المتناقضة، فمفهوم حقوق الإنسان يخترق في كل لحظة من قبل المتشدقين به عالميا، ومن يحرك عجلة الأحداث في المنطقة هم أعداء شرسون لا تهمهم لا قواعد خلقية ولا سلوكية ولا يبحثوا عن عدالة. ويعاونهم نخب تحكم وتخشى على ديمومة حكمها .. فاختلت كل المعايير التي تشجع المثقفين لأن يسهموا بجدية بتطوير العلاقات مع الحكومات العربية القائمة، فباتوا لا يعلقون آمالا على أي تحرك بهذا الاتجاه ..

بالمقابل، كان الانهيار الذي حدث في الاتحاد السوفييتي والمجموعة التي كانت تدور بفلكه قد شكل قناعات عند الكثير من المثقفين الذين كانوا في حالة تعاطف مع الفكر اليساري، حيث عبر الانهيار عن هشاشة الضمانات الخلقية عند من كان يتبنى الفكر اليساري، فالسرعة في التخلي عن الصمود حول تلك المبادئ، هو ما جعل المتعاطفين يتناسوا تلك التجربة، ولا يرجحوا عودتها نهائيا ..

استشعرت القوى التي تبشر بعودة تطبيق الشريعة، بزيادة نصيب شعبيتها في الساحة الثقافية، خصوصا بعد تراجع القوى القومية، إضافة لاختلال التوازن الدولي بغياب الاتحاد السوفييتي .. وحيث أن تلك القوى لم تمتحن في استلام الحكم (في العصور الحديثة) فإن سجلها خالي من الإخفاقات التي تلازم التيارين اليساري والقومي .. فهي عمليا تكتسح الساحة الثقافية وتسجل نجاحات في الانتخابات البرلمانية والبلدية، وقد يتمنى بعض القائمين على إدارة تلك الجهات (الإسلامية) أن لا تنفرد في الحكم بالوقت الحاضر .. بل تبقى أقليات برلمانية، تستخدم المنابر البرلمانية لنشر خطابها .. في حين لو استلمت الحكم في الوقت الحاضر، فقد تخسر بعض شعبيتها، إن انكشف عجزها في إدارة شؤون الدولة، وقد تكون تجربة السودان نموذجا يمكن القياس عليه في بعض جوانبه ..

هناك صنف من القوى الإسلامية، يدرك أهمية التعاضد والتعاون مع غيره من القوى السياسية الأخرى، وقد يكون التعبير عن تطوير اللغة حول مفهوم الديمقراطية هو ما يميز نشاط هؤلاء بالوقت الحاضر ..
__________________
ابن حوران
  #3  
قديم 29-05-2007, 07:28 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

بين الشورى والديمقراطية :

يستغرب من يطلع على أدبيات العرب، منذ أكثر من قرن من الزمان، وهم يذكرون الشورى مرة والديمقراطية مرة أخرى في كل صفحات كتبهم ومقالاتهم، وهم في الحقيقة لم يصلوا الى مسافة قريبة من أي منهما، وقد سبقتهم كل شعوب الأرض في الوصول الى صيغ من تداول الحكم في أقطارهم، في حين بقي العرب يراوحون في مكانهم، هذا إن لم يتراجعوا عما كانوا عليه.. ولعل أحد الأسباب الهامة في تأخرهم، هو ذلك الكم من الجدل البيزنطي فيما يجب أن نطبق في بلادنا: الشورى أم الديمقراطية؟

إن أنصار التبشير بالشورى، يتسلحون بفكرة مفادها أن الشورى تعني دوام الحضور للمشاورين، في حين أن الديمقراطية، وبمحورها الأقوى (الانتخابات) تتم للحظات إعطاء الصوت لأصحابه أو صاحبه، ثم اختفاء دور من اشترك بالتصويت الى تاريخ قد يصل الى سنوات، وأرى نفسي متشجعا للقبول بتلك النظرة، لكن مع توفر شروطها الموضوعية والذاتية ..

لكن قد تنطلق أصوات المبشرين بالشورى، من أجواء ضبابية، غير واضحة في تحديد شكل النموذج التاريخي (في الحكم) الذين يحلمون بالاقتداء به، فمنهم من يعتقد أنه امتد لزوال الحكم العثماني أي بقي لبدايات القرن العشرين، وهؤلاء ينقصهم الدراية في تفحص التاريخ الإسلامي، وتأتي شجاعتهم في إعلاء صوتهم، من خلال الظلامية التي تمر بها الأمتين العربية والإسلامية، بحيث يكون أي نموذج سابق أفضل من نموذجها الحالي، أو بأدنى تقدير أقل سوءا مما نحن فيه.. وهم محقون في ذلك من باب الدفع نحو التعبئة العامة، ولكن قولهم ينقصه الدقة والرؤية الواضحة، حتى في وصف ما حدث، وعليه سيكون قولهم تنقصه الدقة في التبشير بإجراءات عملية للخروج مما نحن فيه ..

لقد وردت لفظة (شورى) مرتين في القرآن الكريم، مرة في سياق قوله تعالى مخاطبا النبي صلوات الله عليه ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)*1 ومرة في سياق المدح والثناء على المسلمين (وأمرهم شورى بينهم)*2 .. وورودها في القولين (النصين) ليس فيه ما يقضي بأن كلمة (شورى) جزءا من الأصول المقررة في العقيدة الإسلامية الواجب إتباعها، إنما يجعل منها مبدأ استحسانيا يوصي المشرع بإتباعه حين تقتضي المصلحة العامة ذلك، أي أن مصلحة المجتمع المؤمن هي المرجح الوحيد في اختيار نمط الحكم اللازم..

إن الله عز وجل وهو يخاطب نبيه صلوات الله عليه ( وهو المعصوم) .. أراد أن يوصل للمؤمنين ذلك القول ليسيروا عليه في فترة ما بعد عهد النبوة .. ولو أردنا العودة الى ما بدأنا به الحديث، من أن الشورى أكثر حضورا من الديمقراطية، فإننا نستعيد تلك الصورة التي كانت سائدة في ذلك الوقت من الأطهار المؤمنين والذين يخشون ربهم ويلتزموا بتعليمات رسوله، وهم (كمؤسسة) أي الصحابة الحاضرون ومتابعون لمبعث الرسالة وقائمون على نشرها، في زمن دولة الدين، لن تتكرر تلك الصورة الاستثنائية، لا من حيث اللحظة التاريخية، ولا من حيث الشخوص، ولا من حيث تطابق الوضع الحضاري والجغرافي والثقافي و غيره ..

لا نجد خيرا من تمييز الإمام ابن تيمية بين مفهومي الخلافة والملك، فالخلافة لديه خلافة للنبوة مستوفية للشروط ومدتها ثلاثون عاما بعد وفاة الرسول الأكرم صلوات الله عليه، فتكون بذلك مقتصرة على حقبة الخلفاء الراشدين فحسب. أما من جاء بعد ذلك ممن تولى أمر الأمة فمفتقر في رأيه الى شروط الخلافة التي لم يعد لها من وجود إلا بالاسم فقط، أما واقع الأمر فمُلك أساسه الغلبة يعض عليه أهله بالنواجذ وهذا في رأي الإمام ابن تيمية حال الأمويين والعباسيين*3

لقد ذهب المنتقدون للشورى من المفكرين بأنه لا القرآن ولا السنة النبوية المشرفة ـ وفقا لآراء هؤلاء المفكرين ـ تناولا بالتحديد والتنظيم موضوعة السلطة وشكل الممارسة السياسية وأسلوبها في المجتمع الإسلامي. فليس هناك آية واحدة ولا حديث يمكن الجزم بأنه يرتب ترتيبا واضحا و حاسما ومحددا لنظام الحكم الإسلامي أو يحدد طبيعة وصفات الحكام وواجباتهم وحقوقهم من منظور وزاوية رؤية إسلاميين*4

بالمقابل ذهب مفكرون آخرون الى أن الإسلام (دين ودولة)، لأن الدين والدولة والدنيا فيه لا تنفصل عن بعضها، فالصلة المحكمة بين الدين والسياسة، هي من أبرز خصائص التاريخ الإسلامي ومميزاته الأساسية*5

إن منظري الخطاب السياسي العربي الإسلامي المعاصر تحديدا، ومعهم في هذا دون تلمس فارق يذكر، الغالبية من منظري الخطاب السياسي العربي يخضعون في استجاباتهم للتحديات لمنطق يستند الى قاعدتين مركبتين ومتلازمتين هما: (المرجعية القدسية التاريخية) و (الأنموذجية التاريخية المثالية)*6

وواضح تماما ذلك الحضور المفرط للتاريخ في هاتين القاعدتين. وهو حضور قابل للفعل إيجابا، تماما كما هو قابل للفعل سلبا، ويعتمد ذلك على الأسلوب والأدوات ونتائج التفاعل والانفعال به. فالتجربة التاريخية للحضارة العربية الإسلامية في حقبتيها النبوية والراشدية هي المرجع القِيَمِي المثالي للخطاب السياسي العربي عموما، والإسلامي تحديدا، وتأخذ تلك التجربة قدسيتها بارتباطها بالحضور الشخصي للرسول صلوات الله عليه، وحضور الصحابة الذين أحبهم الرسول ولازموه بأخذ ما أعطاهم من تفسير مباشر لنصوص القرآن ومن سلوك نبوي في إدارة الدولة الإسلامية في بداية تكوينها ..

لقد اعتمد الفكر السياسي الإسلامي، والعربي في كثير من الأحيان على الهدي بالنصين القرآنيين السابقين، وعلى السلوك النبوي الشريف الذي وصل عبر التاريخ للأجيال، والذي تجلت أمثلته في استشارة الرسول صلوات الله عليه، أصحابه. فقد شاور الرسول، أبا بكر و عمر بشأن أسرى بدر، وسأل الناس المشورة في غزوة بدر بشأن موضع نزول جيش المسلمين، وقبل مشورة سعد بن معاذ وسعد بن عُبادة بشأن فسخ الاتفاق مع قادة (غطفان) في غزوة (الخندق)، وقبل مشورة (سلمان الفارسي) بشأن حفر الخندق.. فقد كانت إدارته صلوات الله عليه تعتمد على المشورة مع احتفاظه بأحقية الأخذ بها أو رفضها.

ومن يتمعن في السلوك النبوي ومن بعده الخلفاء الراشدين، سيجد أن مصلحة عموم المسلمين، في الحرب والسلم، هي المحور الأساسي للاستشارة وأخذ الرأي، وهذا النهج هو ما اتبعه أبو بكر الصديق في حروب الردة، رغم ظهور آراء بالمشورة تخالف رأيه رضوان الله عليه. وكذلك سار عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه عندما كان يحض الناس على تقديم النصح والمشورة له وتقويم اعوجاجه إذا حدث..

بين الحاكم والمحكوم إسلاميا

يؤكد الفقيه السياسي (الماوردي) أن وحدة الأمة واستقرارها من أهم واجبات الحاكم، حتى لو وصفت قوته بالقوة القهرية من أجل ثبات تلك الوحدة، ولكنه يؤكد أيضا أن من واجبات الدولة حماية حقوق الفئات الأضعف، وكذلك نشر العدالة على أسس الشريعة الإسلامية*7 ومن الناحية النظرية، إذاً، لا بد من أن تؤسس الدولة السياسية على نظام (شوري) صحيح، أو بلغة حديثة، حكومة من الشعب تقوم على شكل ديمقراطي (شوري). فالمنظومة السياسية القائمة على الشورى تنص على المساواة، وحقوق الأفراد، وتقيد وظيفة الدولة بخدمتها لمصالح الجماعة. كما تنص هذه المنظومة على مسؤولية الحكم أمام الله، والجماعة، وأحكام الشريعة.*8

إن النموذج السياسي الذي قدمه معظم الفقهاء من أجل التنظير لدور مؤسسة الخلافة، هو نموذج دولة الرسول صلوات الله عليه، التي وحدت إطار الأسس النظرية السياسية، من شورى، وإجماع و عقد وبيعة، وحرية المعتقد والأفراد، والذي حدده ب(الصحيفة) التي أصبحت بمثابة دستور الدولة الإسلامية الأولى والتي أكدت على: 1ـ تنوع المجتمع وتعدد فئاته. 2ـ توحده كدولة سياسية بقيادة الرسول صلوات الله عليه، الذي يرسم سياسات الحرب والسلام والذي يعقد المعاهدات والاتفاقيات. 3ـ اعترافه بحرية المعتقد والممارسة للمجتمعات الدينية المختلفة. 4ـ القبول بالواقع القبلي والعشائري، القاعدة الاجتماعية والاقتصادية لتلك الدولة. 5ـ اعتبار المجتمع اليهودي جزءا من المجتمع السياسي ومشاركته في الحرب والسلم مع المجتمع المسلم. إذ أن ذمة الله ملزمة لكل الأفراد والمجتمعات. 6ـ اُعتبر النبي صلوات الله عليه الحَكَم بين الفئات المشكلة للمجتمع عند التنازع*9

نقطة تقييم أولية

إذا كان تعريف الديمقراطية المتردد بين الناس قد جرى عليه انتقادات واسعة، إذ كان : (حكم الشعب وبالشعب، أو سلطة الشعب، حسب التعريف اليوناني القديم، والأداء الروماني) فمن ينتقد هذا التعريف، يتذرع بأن مدينة روما سنة 24 ق م كان تعداد سكانها 214 ألف نسمة وأن سكان المدينة (الدولة) يعرفون بعضهم*10، والانتخاب يقتصر على الأحرار من الذكور، وقد سبق أهل اليمن القديم (دولة كمنهو وقتبان) اليونانيين والرومان في سلوك ديمقراطي مشابه بل ومتقدم عليه، عندما كانوا يختارون (مزودهم) من ممثلي العشائر والمهن ودور العبادة*11 وهذا الأمر قد تغير في العصر الراهن، بحيث يستوجب تغيير التعريف ليصبح : ( إن الديمقراطية، أسلوب لتمكين الشعب من المشاركة في صياغة القرارات المتعلقة بشؤونه ومراقبة تنفيذ هذه القرارات عبر هيئات ممثلة له ومنتخبة منه .. وهنا يأتي دور الأحزاب والنقابات والهيئات السياسية والمدنية المختصة في حفظ الأخلاق والتراث والبيئة والاقتصاد في مختلف مناطق الدولة) ..

وأظن أنه ليس للمطالبين بالشورى انتقادات وجيهة في رفض ذلك التعريف، حيث أن الشورى نفسها، والتي يعتبر مجتمع المدينة المنورة في صدر الإسلام هو النموذج التاريخي المرجعي لحججها، قد تغير هو الآخر فنحن نتكلم الآن عن مجتمعات أوسع وبقاع مختلفة في طبيعة سكانها ونشاطهم ..




هوامش
ــــ
*1ـ آل عمران ـ الآية 159
*2ـ الشورى ـ الآية 38
*3ـ منهج السنة النبوية/ابن تيمية/ المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية/ 1331هـ/ج2
*4ـ نظرية الإمامة/ د احمد محمود صبحي/ القاهرة/دار المعارف1969 ص 55
*5ـ منهج الإسلام في الحكم/ محمد أسد/بيروت/دار العلم للملايين/ط2/1964
*6ـ د. علي عباس مراد /مجلة دراسات عربية/نوفمبر/ديسمبر1993/ص 22
*7ـ الأحكام السلطانية والولايات الدينية/أبو الحسن علي بن محمد الماوردي / القاهرة/ مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1973 ص 5
*8ـ مجلة المستقبل العربي/عدد265/آذار/مارس 2001/ د أحمد الموصللي ـ أستاذ العلوم السياسية والدراسات الإسلامية في الجامعة الأمريكية ـ بيروت، وهي بالأصل ورقة قدمت لمؤتمر القدس في الدوحة في 26ـ31/10/2000
*9ـ المصدر السابق ص 19
*10ـ منير شفيق/ مجلة دراسات عربية/بيروت/ دار الطليعة/ عددي 5و6/1996/ ص4
__________________
ابن حوران
  #4  
قديم 05-07-2007, 06:45 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

ملخص إجمالي لأنماط تناقل السلطة في الدولة الإسلامية :

يحُثُ الإنسان الخطى نحو هدفه عندما يكون ذلك الهدف واضحا بيناً، وتكون دوافع الوصول إليه ملحة وحاسمة. ففي حالات الطوارئ، يتم حمل المريض أو (الجريح المصاب) في سيارة إسعاف وتُشَغَل أجهزة التنبيه الصوتية والضوئية، لإبعاد من يعيق سير تلك السيارة، وفق أعراف تم احترامها من الجميع .. لكن في حالات القناعات المهزوزة وعدم وضوح الهدف، فإن الخطى تتثاقل، ويتردد أصحابها في إكمال مشوارهم، وإن أكملوه الى نهايته، فقد يتم تبديل ما تم تكليفهم به وهم على خط النهاية .. فإذا كانت قناعة الفرد غير مكتملة في شيء فإنه لن يستطيع إقناع غيره بما لا يقتنع به (هو) .. وقد يكون غيره أقدر على إقناعه (هو) بما أراد أن يغير في الجهة التي أراد أن يستصرخها لمؤازرته ..

هذا الكلام ينسحب على مسألة الديمقراطية في بلادنا العربية، فيتم رص الخطابات الأيديولوجية على صفحات الكتب والنشرات اليومية والأسبوعية، والإذاعية والتلفزيونية، وتمتلئ قاعات الندوات والمحاضرات بترديد ذلك المصطلح. والحقيقة المرة التي لا بد الاعتراف بها، أن معظم من يكتب أو يتكلم، لا يؤمن إيمانا كافيا بموضوع الديمقراطية، فيكون كلامه (خداجا) لا تكتب له الحياة إلا في المختبرات، أو صفحات الجرائد والكتب. وأسباب ذلك في نظري آتية من زاويتين: الأولى: أن مطلب الديمقراطية ولفظها وأسلوبها آتية من الغرب، الذي لا يعجبنا موقفه من قضايانا، ولا تلتقي عاداته وتقاليده مع عاداتنا وتقاليدنا، وأن النشأة التي وصل الغرب بها لصيغ تداوله للسلطة مختلفة عن بيئتنا ومحيطنا. والزاوية الثانية: أن الكثير من أبناء أمتنا ينظرون الى الماضي نظرة انتقائية، فيأخذون ملامح القوة من الماضي ويتوقون للرجوع إليها، يدفعهم في ذلك حاضرهم البائس وما يتصل من مسببات بؤسه من عوامل، مصدرها الغرب نفسه .. فتصبح المعاندة ممزوجة بكراهية من يضع الوصفة، مع الحنين لماض لا نريد أن نراه كما كان، بل نريد أن نراه كما نتمنى أن يكون الحال عليه عندما كان، لأسباب معروفة تتعلق في الصراع من أجل توكيد الذات العقائدية، والمراهنة على تلك الذات ..

من هنا كان لزاما علينا في سياق الحديث عن الديمقراطية أن نمر سريعا، على أشكال وأنماط تداول السلطة عند أجدادنا الذين لا تفارق أطيافهم خيالنا في هذه الأيام، لا لنسف الصورة، ولا لتلميعها وتبرير ما كانت عليه، بل للتعرف عليها كما هي، ولتكون مفردات الحديث تطابق مع ما نبحث عنه متلمسين طريقنا للخلاص ..

أولا : عشية ظهور الإسلام

كانت الوحدة السياسية والاجتماعية في البداوة العربية، هي العشيرة والقبيلة، وهي حالة غير ثابتة ومتنقلة من مكان لمكان، يتفرع منها الفخذ والبطن والعائلة، ولكل وحدة من تلك المكونات رئيس ومن هؤلاء الرؤساء يتم تكوين مجلس القبيلة أو العشيرة، وعلى رأس المجلس يكون هناك شيخ مشايخ، له النصيب الأوفر من الغنائم في الحروب، وله الكلمة العليا على من دونه ..

بالمقابل كان في المجتمعات الحضرية، كاليمن والعراق، أنظمة أكثر تطورا، يتم مراعاة مواطن القوة في القبيلة و يتم فيه تنظيم الرقيق والتجارة والعبادة وفق تعايش (تراتبي) تفرضه قوة سلطة الحاكم ..

كما كان هناك الملأ (المكي) الذي كان يتكون من أشراف عشائر مكة، يقتسم فيه إدارات شبه الدولة، فهؤلاء موكلون بالسقاية وهؤلاء موكلون بالرفادة وأولئك موكلون بالرايات (الحرب) وأولئك يكون منهم (سدنة) الكعبة الخ ..

وعرفت المنطقة ملكيات مطلقة، الروم والفرس، لدولتيهما تقاليدهما ونظاميهما المختلفين عما كان يسود عند العرب ..*1

ثانيا: دولة الرسول صلى الله عليه وسلم

رفض الرسول صلوات الله عليه، فكرة أن يكون (ملكا) كما رفض فكرة الحكم المستبد، ووضع (صحيفة) في المدينة المنورة أعلنت قيام الأمة، التي دستورها القرآن الكريم وسنة رسوله .. وأهدافها : العدل والجهاد وحفظ كيان الأمة وتوسيعه، وهنا كانت الأسس الأولى*2 وقد أقبل الناس على الدخول بالدين الجديد والالتفاف حول الرسول لقوة العقيدة الإسلامية أولا، ولاستشعارهم بخطورة الأوضاع حولهم ثانيا *3.. ولكن بعد وفاة الرسول صلوات الله عليه، لن تتكرر حالته وهو النبي المعصوم المدعوم بملك من الله عز وجل ..

ثالثا: سقيفة بني ساعدة وأثرها فيما بعدها من تاريخ

ملخص ما حدث في سقيفة بني ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري

بعد مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكليفه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في إمامة المسلمين في الصلاة، حدثت نفس بعض المسلمين في الاستيضاح من الرسول، حول من سيخلفه، ولكن إرادة الله و خوف من حدثتهم أنفسهم، لم تكن لتضع مسألة تسمية الرسول لمن سيخلفه موضع التنفيذ ..

اجتمع الأنصار في السقيفة، ومعهم رجل ( مزمل) إثر اعتلال في صحته، يدعى (سعد بن عُبادة)، كان يخطب فيهم بصوت خافت، وابنه أو أحد أبناء عمومته، يعيد ما يقول في صوت واضح، وكان في خطابه يُمجد الأنصار والكيفية التي أظهروا بها دين الله وناصروا رسوله وأصحابه المهاجرين المستضعفين المطرودين من مكة والمستجيرين بأهل المدينة .. وزاد في حديثه ليمهد لأهلية الأنصار في خلافة رسول الله وتولي أمر المسلمين، فوافقه الأنصار على ما يقول، وأيدوه في تولي شؤون المسلمين .. فبلغ خبر ذلك الاجتماع الى أبي بكر وعمر ابن الخطاب و أبي عبيدة عامر ابن الجراح، فذهبوا الى السقيفة، وحاول البعض أن يثنيهم عن ذهابهم لعدم الفائدة، ولكنهم أصروا .. فوقف أبو بكر وقال: هذا عمر وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا، فقالا : لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني إثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين، فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى الأمر عليك! أبسط يدك نبايعك .. فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد (وكان من الأنصار) فبايعه، فناداه (الحُباب بن المنذر): يا بشير بن سعد: عقتك عقاق، ما أحوجك الى ما صنعت، أنفست على ابن عمك الإمارة! فقال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم*4

أكثر ما يلفت الانتباه في مداولات السقيفة

1ـ لقد فاضل المهاجرين أنفسهم على الأنصار بأنهم من قريش، وهي حي كريم من أحياء العرب المتوسطة .. وهي قضية اعتمدها الكثيرون في أحقية أهل قريش والعرب، في الخلافة وحاجج بها من حاجج .. وبالذات الخوارج الذين تخلوا عنها في وقت متأخر ..

2ـ لقد تأخر آل هاشم في مبايعة أبي بكر ستة أشهر*5، وهي قضية لازمت بعض السياسيين الإسلاميين كثيرا، حتى بعد عصر أبي جعفر المنصور ..

3ـ إنه إذا استثنينا عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كونه معصوما، فإننا نؤكد أن الخلاف الذي كان يحدث، ليس خلافا عقائديا، بل خلاف سياسي، يجب الانتباه من التوغل فيه، كي لا نعمق الفوارق بين الصحابة، والذين يشكلون في عهدهم الراشدي، أفضل مرجعية للمسلمين، وعليه فالانتباه من بناء الأفكار والمواقف على ما حصل، من التساهل في تمجيد حكومات إسلامية (غير عربية) من البويهيين الى العثمانيين وقبولها بخيرها وشرها، وكأنها نظام مقدس غير قابل للخطأ والصواب ..

رابعا: دولة الخلفاء الراشدين

1ـ كانت أول تجربة صعبة مر بها المسلمون، هي التي حدثت في مبايعة أبي بكر الصديق، رضوان الله عليه، ولكن تلك التجربة التي غطت عليها حروب الردة واكتمال ما بدأه الرسول صلى الله عليه وسلم من بعث الجيوش لفتح الشام ببعثه لأسامة بن زيد الذي كان الرسول صلوات الله عليه قد عقد له لواء تلك المهمة قبل وفاته. كما حارب بقسوة كل المرتدين الذين كانت بوادر ردتهم قد ظهرت قبل وفاة الرسول كمسيلمة الكذاب و (عبهلة) والحركات التي تحللت من التزاماتها الاقتصادية مع بقاءها على الإسلام*6، وكان بأعماله تلك يرسخ قواعد الدولة الإسلامية، ويبعث من خلال ذلك برسائل داخلية للمسلمين لرفع هممهم ورسائل لأعداء الإسلام كالروم والفرس، بأن الدولة الإسلامية قادمة ومتابعة لما بدأ فيه الرسول صلوات الله عليه.

وفيما يخص تناقل السلطة، فإن فترة الحكم الراشدي، والتي تعتبر أساسا مرجعيا، للقياس عليه عند المفكرين السياسيين الإسلاميين والعرب، لم تكن فكرة تناقل السلطة فيها ذات نمط واحد، بل كان هناك عدة أشكال .. فالأول وقد مررنا عليه، في طريقة خلافة أبي بكر، حيث تم الاستدلال على أحقيته بالخلافة من خلال الفهم الآتي من تكليف الرسول له في إمامته بالصلاة، وما له من مكانة إيمانية عند الصحابة، إضافة الى تأييد عمر بن الخطاب وأبي عبيدة عامر بن الجراح. والطريقة الثانية هي ما أوصى به أبو بكر في تولية عمر بن الخطاب لأمر المسلمين، أما الطريقة الثالثة فهي التي ابتكرها عمر بن الخطاب في اختيار مجلس شورى يختار الخليفة من بينه ..

خلاصة أنماط الاختيار في العهد الراشدي:

1ـ رفض الحكم الملكي الوراثي ..
2ـ اختيار الخليفة من قبل من يزكيه ممن لهم أهلية من الصحابة، ثم مبايعة الصحابة لمن يقع عليه الاختيار ..
3ـ تفضيل المهاجرين والقريشيين على الأنصار في موضوع الاختيار ..وهي بادرة أسس عليها فيما بعد، ما أسماه (ابن خلدون) بالعصبية الضرورية في وقتها في حفظ الحكم.
4ـ ترجيح مصلحة الدين ووحدة المسلمين على ما دونها، ودرء الفتن ..

يتبع







المراجع
ـــ
*1ـ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي/دار العلم للملايين 1976/ج9
*2ـ مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة/ محمد حميد الله/ القاهرة/1941/ ص 2 وما بعدها ..
*3ـ الأمة والدولة في سياسة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين/ نزار عبد اللطيف الحديثي /مطابع دار الحرية/بغداد 1987/ صفحة 96 وما قبلها للاستنتاج.
*4ـ تاريخ الطبري/المجلد الثاني ص 243/دار الكتب العلمية/ بيروت/ط2/1988
ويمكن الرجوع الى مروج الذهب للمسعودي/ المجلد الثاني/ص 304/دار الفكر1989
كما يمكن الى ابن الأثير/ الكامل في التاريخ/الجزء الثاني /تحت عنوان حديث السقيفة/ص10/ مؤسسة التاريخ العربي/طبعة جديدة ومنقحة 1989. كما يمكن العودة الى موقع الوراق في كتاب الذهبي/تاريخ الإسلام ص 364على هذا الرابط
http://www.alwaraq.net/index2.htm?i=141&page=1
*5ـ المراجع السابقة .. بالإضافة الى هذا الرابط
http://sirah.al-islam.com/Display.asp?f=rwd4276
*6ـ نزار الحديثي/ المصدر السابق ص 188
__________________
ابن حوران
  #5  
قديم 14-08-2007, 07:28 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

تناقل السلطة في العهدين الأموي والعباسي

مع توسع الهجرة، وانتقال قوى القبائل للأمصار، وتنافر المفاهيم القبلية مع فكرة السلطة المركزية، وشعور القبائل بدورها في الفتوح والتحولات الاجتماعية التي رافقتها، انتقل الثقل من النخبة في المدينة المنورة الى القوى القبلية في الأمصار*1. وكانت الأزمة التي انفجرت في الفتن تمثل صراعا بين الاتجاهات القبلية والإسلامية، انتهى بخطين: الأول نقل السلطة الى الأمويين في الشام، والثاني بدايات ظهور الأحزاب وخاصة الخوارج والشيعة. انتهت الفتنة وبقيت وحدة الأمة، واستمرت الخلافة في قريش، ثم استؤنفت حركة الجهاد والتوسع. ولكن كما في الفترة الراشدية، لم تحسم مسألة وحدة النمط في تناقل السلطة، ولم يتم اختيار أسلوب لتناقل السلطة يصلح أن يُحتذى به ..

أصبحت الخلافة محور الصراع السياسي والفكري، كان صراعا بين المدينة المركز الأول للإسلام ـ باسم الشورى وبين الشام، وصراع بين القبائل الكوفية ـ على أسس قبلية وبين الشام، وصراع بين الأحزاب الإسلامية وبين الأمويين، لينتهي كل ذلك بثورة عباسية وتنتقل السلطة من أسرة قرشية الى أسرة قرشية أخرى، ومن عاصمة الى أخرى.

استفاد الأمويون من فكرة مواصلة الفتوحات التي كملت ما تم في عهد الراشدين، لفرض سلطانهم، لكنهم ومع التوسع الحاصل، ومع سعة خصوم عصبيتهم كعنصر عربي، لم يحشد كل العرب خلفه، ومع ظهور خلافات فقهية كالتي حاول ابن الزبير طرحها من خلال انتخاب الخليفة من قِبل أبناء الصحابة، وتبنى تلك النظرة الخوارج، والذين نادوا بجواز انتخاب أي عربي ليصبح خليفة، ثم تحولوا الى جواز انتخاب أي مسلم (فاضل) من دون شرط أن يكون عربيا*2. مع بقاء هذا الخليفة قابلا للعزل والتنحية إذا انحرف .

سلك الأمويون سلوكا، جعل من التشاور في العاصمة هو الأساس لاختيار الخليفة، وكان الرأي المساعد في اختياره، يتمثل برأي رؤساء القبائل المتحالفة والمحيطة بالأمويين، والتي تحولت فيما بعد الى قوة مستفيدة تجاريا ومصلحيا من الجهد والواقع السياسي للدولة مع حالة توسعها. وتكونت طبقة أرستقراطية محاطة بالوكلاء والموالي، أعلى مراكزهم تركزت بالمروانيين (نسبة الى مروان ابن الحكم) ..

حاول الأمويون التأكيد على فكرة الجبر وإن السلطة تأتي بقدر من الله وأن الخليفة هو خليفة الله (ابتداء من عبد الملك)، وأن على الناس الطاعة. فتكون إزاء تلك النقطة اتجاهان: الأول يرى أن عدم الطاعة والثورة على الحكم، هو خروج على طاعة الحاكم ومخالف للنصوص الشرعية، والثاني: يرى أن الثورة أمر مشروع، وهي تتمشى مع لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر الخ.

لم يستطع الأمويون تأسيس نظاما يتم فيه تناقل السلطة بما يرضي جموع المسلمين، بل اتجه حكامهم في نهايات عهدهم الى التشبه بأباطرة الروم والفرس من حيث الفخامة ومركزية السلطة الخ.

أما في العهد العباسي، فقد قامت الثورة العباسية باسم العودة الى الكتاب والسنة، وإحياء العدل والمساواة وإعطاء الفيء لأهله، ولعلها وجدت استجابة من بعض قوى المعارضة، ولكنها لم تفلح في إقامة مؤسسات تحقق المفاهيم الإسلامية.

ويلاحظ أن العباسيين أسندوا سلطانهم الى مبدأ القرابة من الرسول صلوات الله عليه، ونادوا بفكرة العائلة المطهرة بالرجس، ورفض مبدأ الانتخاب. وهذا النمط من الادعاء بالحق قد شابههم فيه أو سبقهم إليه المنادون بضرورة حصر الخلافة بأبناء علي بن أبي طالب، ومن يطلع على المراسلات التي كانت بين (أبي جعفر المنصور) وأحد أحفاد علي بن أبي طالب، حيث افتقده المنصور في مبايعته له، فكان جوابه للمنصور أن العباسيين قد اغتصبوا الخلافة من أبناء علي بن أبي طالب وهم أولى بها، وكانت المفاخرة تدور على أن حفيد ابن أبي طالب قال(أنا ابن الفاطمتين وأنت ابن أم ولد) ويقصد فاطمة الزهراء وفاطمة زوجة أبي طالب نفسه.. في حين رمى المنصور بأنه ابن جارية .. فرد عليه المنصور: بأن الرسول كان أربعة أعمام اثنان منهما كفار وكان أحدهما جدكم (ويقصد أبا طالب) واثنان مؤمنان وأحدهما جدنا (ويقصد حمزة والعباس) .. أما أنك تعيرني بأني ابن جارية، فجدنا كان ابن جارية وهو نبي الله إسماعيل (ويقصد هاجر)*3

أنهى العباسيون فكرة أن الأمة هي الجيش، وأحدثوا جيشا نظاميا من العرب والفرس مع شيء من التوازن، اختل حين فتحت بغداد من قبل جيش (خراساني) غريب أثناء الفتنة بين الأمين والمأمون.. وبقيت بعض القبائل العربية في الديوان ولكنها أسقطت نهائيا أيام المعتصم، ورافق هذه الضربة للعرب في الحياة العامة اتخاذ المماليك الأتراك أساس الجيش وبذلك بدت الخلافة دون قاعدة وفرضت سلطتها على الأمة بقوة غريبة ما لبثت أن هددت أسسها..

بالغ العباسيون في رفع منزلة الخليفة، واستحدثوا منصب (قاضي القضاة) ليستندوا إليه في نحت شرعيتهم، وتدخلوا في العقائد منذ فرضوا (الاعتزال) وأوجدوا فجوة بينهم وبين العلماء المسلمين وجمهور الفقهاء.. ومن جهة برزت فئات من التجار الذين كانوا ينشدون الربح والاستقرار فاصطفوا الى جانب الحكم فأصبحوا يملكون الضيع والمصالح. هذا لم يمنع من قيام ثورات عدة على الحكم العباسي (الزنج والزط وبابك الخرمي وغيرها)..

تناقل السلطة عند العباسيين

كانت الوراثة أساسا للحكم العباسي في عهده الأول، ولكن كان يشوبها تسمية أكثر من ولي للعهد في آن واحد كما حدث مع (الأمين والمأمون) وعاملا خطيرا في التآمر على (المتوكل) وقتله.

وفي حالة وفاة الخليفة دون عهد تحكمت القوى القائمة من جند وكُتَاب في اختيار خليفة وفي تدهور المؤسسة.. فلما توفي (الواثق) 232هـ/847م دون عهد، عقد مجلس من الوزير وقاضي القضاة واثنين من الكتاب واثنين من قادة الأتراك لاختيار خليفة، وكان الرأي المؤثر للعسكريين ، واختير (المتوكل).



وبعد مقتل المتوكل تحكم القادة الأتراك في تنصيب الخلفاء وعزلهم والتنكيل بهم. وحين انتعشت الخلافة في الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري وتوفي (المكتفي) 295/908م دون عهد واضح، تشاور الوزير ورؤساء الكتاب واختاروا (المقتدر).

ولما عاد الجند للتدخل في أمور الخلافة نتيجة الأزمة المالية والإدارية، زمن المقتدر، اصطدموا بالخليفة وقتلوه، ونصبوا أخاه(القاهر)، ثم خلعوه واختاروا(الراضي)، الذي عجز عن تسيير الأمور. فاستحدث منصب (أمير الأمراء) لقائد الجيش وسلمت السلطة إليه في سنة 324هـ/936م *4

في سنة 334هـ/946م جاء الغزو البويهي وصارت أمور الخلافة بيد أمير الأمراء البويهي، والذي أعطى للخليفة حقا شرعيا لكن هذا الحق بيده هو! وأصبح الأمراء في الولايات يشترون حق ولايتهم (حكمهم المنفصل) من الخليفة ليكتسبوا شرعيته ..

وهكذا نرى أن العباسيين لم يفلحوا في تطوير مؤسسة دولة تضمن ثبات الحكم وممارسة العدل فيه بصورة جيدة ..

المراجع
ـــ
*1ـ عبد العزيز الدوري/ النظم الإسلامية: الخلافة، الضرائب، الدواوين والوزارة/ بغداد / مطبعة نجيب/1950/ص 25ـ26
*2ـ عبد العزيز الدوري/الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي/مركز دراسات الوحدة العربية/بيروت /ط2/1986/ص 194
*3ـ العقد الفريد/ ابن عبد ربه الأندلسي/دار الفكر/بيروت/ومكتبة الرياض الحديثة/الجزء الخامس/ص 309
*4ـ عبد العزيز الدوري / المصدر السابق صفحة 197
__________________
ابن حوران
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م