ما بين ولادة محمد يوسف دحلان في العام 1961 لأسرة فقيرة في مخيم خانيونس ونشأته في مناخ "العوز"، وما بين تملّكه لفندق فخم في غزة، تعيش حكايات وقصص كثيرة يعرفها الصغير والكبير في غزة عن ذلك الفقير الذي تحوّل إلى واحد من أثرى أثرياء غزة في بضع سنين قليلة.
ولنبدأ الحكاية منذ وصوله إلى غزة مع دخول السلطة الفلسطينية في العام 1994 كقائد لقوات الأمن الوقائي في القطاع بعد أن أخذ يتقرّب من ياسر عرفات، والناس تشير إلى ذلك الشاب الفقير (الصايع) في (زواريب) مخيم خانيونس.
بدأت رائحة "دحلان" المالية تفوح بعد أن أصبح مالكاً لفندق الواحة على شاطئ غزة، وهو الفندق المصنف كواحد من أفخم مجموعة فنادق الخمس نجوم في الشرق الأوسط. فاستغرب أهل غزة مِن ذاك الذي كان فقيراً بالأمس القريب يتملّك فندقاً تكلفته عدة ملايين من الدولارات، ولكن جهاز الأمن الوقائي كان كفيلاً بإسكات وتعذيب كل من يهمس بكلمة عن هذا (الإصلاحي) الجديد.
لم تنته الحكاية عند هذا الحدّ بل تفجّرت بشكل كبير عندما كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية في العام 1997 النقاب عن الحسابات السرية لرجال السلطة الفلسطينية في بنوك إسرائيلية ودولية، وكانت ثروة "دحلان" في البنوك الإسرائيلية فقط 53 مليون دولار.
المعابر الحدودية هي المثال الأبرز للفساد، حيث تجبي (إسرائيل) لصالحها ولصالح السلطة الفلسطينية رسوم العبور في المداخل والمخارج من السلطة ومصر والأردن إلى (إسرائيل)، وهي ملزمة حسب الاتفاقيات تسليم السلطة الفلسطينية 60 في المئة من العمولات. في عام 1997 طلب الفلسطينيون تحويل حصتهم من رسوم معبر "كارني"، نحو 250 ألف دولار في الشهر، على حساب جديد. واتضح فيما بعد أن صاحب هذا الحساب هو محمد دحلان قائد الأمن الوقائي في غزة في ذلك الوقت.
هذا بالإضافة إلى ملايين الشواقل التي تجبى من أنواع مختلفة من الضرائب و"الخاوات" الأخرى، وفي مناطق مثل الشحن والتفريغ من الجانب الفلسطيني لمعبر "كارني"، ويتضح أن تمويل جهاز الأمن الوقائي يتم بواسطة ضرائب مختلفة تُنقل إلى صناديق خاصة ولا تخضع لنظام مالي مركزي. وفي سلطة المطارات الإسرائيلية، والكلام لصحيفة "هآرتس"، تقرّر تحويل النقود إلى الحساب المركزي لوزارة المالية الفلسطينية في غزة، مما أغضب "دحلان".
كما يوفر "دحلان" من خلال رجال أمنه الحماية الأمنية لشاحنات شركة "دور للطاقة" الإسرائيلية التي تدخل إلى قطاع غزة. وتعمّدت (إسرائيل) نشر هذه المعلومات عن "دحلان" لحثه على تدابير أشدّ صرامة ضد حركات المقاومة، متغافلة عن أن أعوام انتفاضة الأقصى تختلف عن الأعوام التي سبقتها.
لم تقف الفضائح المالية لدحلان عند هذا الحدّ، بل تفجّرت مرة جديدة حين اشترى بيت أحد وجهاء غزة البارزين المرحوم رشاد الشوا، بمبلغ 600 ألف دولار، لكن "دحلان" نفى هذه التهمة (المغرضة) وقال أنه دفع ثمنه فقط 400 ألف دولار!!! ثم ذكر لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه لا يحق لأحد أن يسأله عن ثمن البيت سوى شعبه. ونحن نسأل كجزء من هذا الشعب مِن أين أتيت بثمن بيت قيمته 600 ألف دولار بعدما كنت تسكن بيتاً في مخيم وبالإيجار؟!!
وتمضي الأيام ويذهب القائد السابق لجهاز الأمن الوقائي، محمد دحلان، إلى جامعة كامبردج ليتعلّم اللغة الإنكليزية على أيدي ثلاثة من المختصين في إحدى أكبر وأغلى الجامعات في العالم وتحت الحراسة الأمنية. وأقام في فندق كارلتون تاور بكامبردج ذي الإقامة المرتفعة الثمن. فمن دفع له الفاتورة؟
يتضح مما سبق أن تمويل محمد دحلان يعتمد على المصادر التالية: تحصيل الضرائب الفلسطينية، احتكاره لبعض السلع الأساسية التي تدخل لقطاع غزة، مساعدات أمريكية وأوروبية هائلة، استيلاؤه على أموال وأراض فلسطينية، وفرض خوات على رجال الأعمال والتجار والأتاوات.
العلاقة بين دحلان وعرفات.. من التزلف واضطهاد الخصوم إلى الانقلاب
الإنذار الذي وجّهه محمد دحلان لعرفات بضرورة (الإصلاح) قبل العاشر من شهر آب/أغسطس 2004 و"إلا فإن تيار (الإصلاح الديمقراطي) في حركة "فتح" سيستأنف الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد"، هذا الإنذار فاجأ الكثير من المطلعين على العلاقة التي كانت تجمع عرفات بدحلان، وتحرّك الأخير ضدّ كل من كان ينتقد (الرمز) عرفات، وتعذيبهم بحجّة أن الهدف من نقدهم هو نزع الشرعية عن (القيادة التاريخية) للشعب الفلسطيني.
من المعروف والشائع لدى الفلسطينيين الذين كانوا في تونس أن محمد دحلان كان من أكثر المتزلّفين لياسر عرفات بين كل من خدم في مكاتب منظمة التحرير بتونس، حتى أصبح "دحلان" حديث الفلسطينيين هناك لما أثاره من اشمئزاز لدى العديد منهم لكثرة تزلّفه لعرفات.
وتشير بعض القيادات الفلسطينية بأنه لو لم يكن "دحلان" بهذا التزلّف لما وصل إلى ما هو عليه، خاصة وأنه تسلّم الأمن الوقائي في غزة وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، ولا يملك أي خبرة سياسية أو عسكرية تؤهله لهذا المنصب.
في الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2001 فاجأ محمد دحلان الجميع بشدّة دفاعه عن عرفات، يوم كان يتعرّض لنقدٍ من الإصلاحيين في الشعب الفلسطيني، وقال "دحلان" إن المحاولات الإسرائيلية –لاحظ الإسرائيلية- لنزع الشرعية عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هي محاولات يائسة وستبوء بالفشل.
وأشار "دحلان" في نفس المؤتمر الصحفي أن "الرئيس عرفات هو أقدر من يدير دفة العمل الفلسطيني، وعندما فشلت (إسرائيل) في تركيع الشعب الفلسطيني بدأت بث سمومها وأحلامها، وإن الشعب الفلسطيني بكل توجهاته السياسية يقف خلف الرئيس عرفات".
وأكّد "دحلان" أن "الفلسطينيين لا يتحرّكون إلا بقرار الرئيس عرفات، وإذا اعتقدت (إسرائيل) أن هناك أحداً في الشعب الفلسطيني يمكنه الالتفاف على قرار الرئيس عرفات فهي واهمة".
ولم يكتف "دحلان" بهذا القدر من الابتذال بل استمرّ في نفس التصاريح المتزلّفة التي كان يطلقها منذ أن كان في تونس فقال: "إن الرئيس عرفات هو أكثر المتمسكين بالحقوق الفلسطينية، وإذا كان لدى (إسرائيل) أوهام بأن تجد قادة فلسطينيين تتلاءم أفكارهم مع أفكارها، فمصير تلك الأفكار وأولئك الأشخاص إلى مزبلة التاريخ". وأضاف "دحلان" أن الرئيس عرفات قادر على صنع السلام لكن ليس السلام الإسرائيلي، إنما السلام القائم على تنفيذ الشرعية الدولية، لكن أن يطلبوا من الرئيس عرفات أن ينفذ الالتزامات في الوقت الذي تستمر فيه (إسرائيل) بالقتل والعدوان ودخول المناطق، فهذا غير عادل وغير مقبول، كما قال.
وختم "دحلان" قوله: "الإسرائيليون إن أرادوا التوصل إلى سلام حقيقي مع الشعب الفلسطيني فعليهم بالتفاوض مع ياسر عرفات، أما بحثهم عن بدائل أخرى فهذه أوهام".
تمادى "دحلان" في تزلفه لعرفات حتى وصل به الأمر إلى تحريمه انتقاد عرفات وذلك في مقال له في صحيفة "الغارديان" البريطانية بتاريخ 2/7/2002، حين قال: "سيكون من الخطأ انتقاد عرفات أو استبداله في وقت هو محاصر في الضفة الغربية". ويضيف "دحلان" "لا مجال للحديث عن تغيير القيادة في ظل هذه الظروف.. سأقف في صف عرفات طالما يقف ضده الإسرائيليون.. مهما كانت تحفظاتي على القرارات التي اتخذت".
لم يطل المقام بدحلان حتى انتقل بمواقفه من عرفات مائة وثمانين درجة، متغافلاً عن التصاريح السابقة في تمجيد (الرمز)، مستشعراً أن الانتقادات الإسرائيلية والأميركية ضد عرفات فرصة لا تُعوّض للانقلاب الذي طالما حلم به وخطّط له في لقاءاته الأمنية المتكرّرة مع القادة الإسرائيليين، والرسالة التالية تشير لماذا انقلب "دحلان" على عرفات.
في 13/7/2003 وجّه محمد دحلان رسالة إلى شاؤول موفاز يقول فيها: "إن السيد عرفات أصبح يَعد أيامه الأخيرة، ولكن دعونا نذيبه على طريقتنا وليس على طريقتكم، وتأكدوا أيضاً أن ما قطعته على نفسي أمام الرئيس بوش من وعود فإنني مستعد لأدفع حياتي ثمناً لها". ويضيف دحلان "الخوف الآن أن يقدم ياسر عرفات على جمع المجلس التشريعي ليسحب الثقة من الحكومة، وحتى لا يقدم على هذه الخطوة بكل الأحوال لا بد من التنسيق بين الجميع لتعريضه لكل أنواع الضغوط حتى لا يُقدم على مثل هذه الخطوة".
في اجتماع عقده محمد دحلان مع نخبة من رؤساء التحرير والكتاب في الأردن بتاريخ 29/7/2004 شنّ هجوماً لا هوادة فيه على عرفات، فقال: "لقد طعنني في وطنيتي بعد أن رتبْت له استقبالاً جماهيرياً لدى وصوله إلى غزة.. صارت لدي رغبة في التحدي (...) ما بطلعله لا هو ولا غيره أن يخونني". إضافة إلى سيل من الانتقادات وجّهها "دحلان" ضدّ عرفات في عدد من المجالس الخاصة والعامة.
قيادات "فتح": من مع "دحلان"؟
"دحلان" وفي سبيل حشد أكبر قدر ممكن من الدعم الجماهيري والفتحاوي لما يدعيه بمحاولة الإصلاح ومحاربة الفساد أحاط نفسه بعدد من القيادات الفتحاوية ومسؤولي السلطة والأجهزة الأمنية، على رأس هؤلاء وقف العقيد سمير المشهراوي عضو اللجنة الحركية العليا لحركة "فتح" ومستشار وزارة الداخلية في غزة.
هناك من يرى في العقيد المشهراوي أنه يمثل واجهة محمد دحلان المقبولة لدى تنظيم "فتح" والجمهور الفلسطيني، كونه من "القيادات النظيفة" إلى حد ما -حسبما يرى بعض المراقبين- وقد أمضى عدة سنوات في السجون الصهيونية وتقلد العديد من المناصب والمسؤوليات في حركة "فتح"، وعمل مراقباً على جهاز الأمن الوقائي، واعتبر مؤخراً المنظر الرئيسي لما يسمى بتيار الإصلاح في السلطة.
أما العقيد رشيد أبو شباك رئيس جهاز الأمن الوقائي بقطاع غزة فهو من يقف وبقوة مع "دحلان"، كيف لا و"دحلان" هو من عيّنه لخلافته في رئاسة جهاز الأمن الوقائي عقب استقالته عام 2002، بعد أن شغل منصب نائب رئيس جهاز الأمن الوقائي لدحلان لسنوات.
أبو شباك من مواليد عام 1954 وتنحدر أصوله من قرية "الخصاص" قضاء المجدل وحاصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، انتمى لحركة "فتح" عام 1971 واعتقل عدة مرات في سجون الاحتلال الصهيوني من عام 1972 وحتى عام 1990 إلى أن أصبح مطارداً لقوات الاحتلال عام 1990 على خلفية تشكيله الذراع العسكري لحركة فتح "الفهد الأسود"، وفي عام 1991 غادر إلى تونس وعمل هناك في لجنة الإشراف على قطاع غزة إلى أن عاد للقطاع عام 1994 وأصبح عضواً في اللجنة الحركية العليا لفتح، وعمل نائباً لدحلان في إدارة الأمن الوقائي إلى أن تولى مسؤولية الجهاز عقب استقالة الدحلان، وفي فترة حكومة محمود عباس "أبو مازن" أصبح مديراً عاماً للأمن الوقائي في الضفة وغزة.
إلى ذلك فإن هناك عدداً من قيادات "فتح" وأجهزة السلطة يعتبرون من "مجموعة دحلان" منهم عبد العزيز شاهين وزير التموين في السلطة الفلسطينية والذي تدور حوله أحاديث عن تورطه في الفساد ونهب المال العام وعلاقته بالطحين الفاسد الذي وزع في غزة.
ومن القيادات الموالية لدحلان ولكنه يفتقد لأي شعبية جماهيرية سفيان أبو زايدة وزير الأسرى والمحررين في السلطة، وهو عضو لجنة حركية عليا لحركة "فتح"، وقد أمضى عدة سنوات في سجون الاحتلال وشغل أكثر من منصب في السلطة.
وهناك أيضاً العقيد ماجد أبو شمالة عضو اللجنة الحركية العليا لفتح والذي استقال من رئاسة جهاز المباحث الجنائية التابع للشرطة الفلسطينية.
وقد استطاع "دحلان" استمالة أوساط واسعة من مؤيدي وقادة الشبيبة الفتحاوية في غزة من خلال إغداق الأموال والمناصب عليهم، وبات معروفاً أن عبد الحكيم عوض مثلاً وهو مسئول الشبيبة في غزة ومعظم قادة الشبيبة ومؤيديها من رجالات "دحلان"، بل إنهم سخّروا الإذاعة المحلية في غزة "صوت الشباب" الناطقة باسم الشبيبة، لدحلان وما يسمى بالإصلاحيين.
عندما أعلن شارون عن خطة الانسحاب من جانب واحد في قطاع غزة وبعض المناطق في شمال الضفة الغربية، سارعت أطراف في السلطة الفلسطينية بالعمل على إقناعه أن يتم ذلك من خلال اتفاق ثنائي كي لا يبدو لعموم الشعب الفلسطيني أن "إسرائيل" تسحب جيشها ومستوطنيها تحت تأثير ضربات المقاومة الفلسطينية الباسلة.
وعلى الرغم من تكدس مكتب شارون بالملفات التي تحتوي على العديد من النصائح المقدمة من رجال السلطة، كي لا يمضي قدماً في خطته، إلا أن الأخير غض الطرف عن تلك النصائح والتوصيات، وصمم على تنفيذ خطته مكتفياً بالاتفاق مع مصر على حفظ الحدود التي تربط مصر بقطاع غزة.
لكن محمد دحلان استطاع أن يغري "إسرائيل" على إبرام اتفاق خاص به لوحده بشأن هذا الانسحاب، فلقد عرف الرجل المدلل إسرائيلياً أن أهمية مستوطنات قطاع غزة بالنسبة لإسرائيل تكمن في مغتصبات ما كان يعرف بـ "غوش قطيف" المقامة فوق حوض غزة المائي.
عندما لوح محمد دحلان بماء قطاع غزة – العذب - الموجود في الآبار الجوفية فيما يسمى بمنطقة المواصي جنوب قطاع غزة، سال اللعاب الإسرائيلي، وسارعوا لعقد اتفاق مع "دحلان" يمنحهم من خلاله الماء الموجود في هذه الآبار مقابل بعض المال، بالإضافة للضغط على محمود عباس ليمنحه مزيداً من الصلاحيات وإطلاق يده في بعض الأمور الأخرى كالتحكم في معابر ومنافذ القطاع، والإشراف على ملف الانسحاب والمناطق التي سيتم إخلائها.
قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، كانت تعمل ماكينات ضخ المياه من مغتصبات "غوش قطيف" إلى "إسرائيل" مدة أربع ساعات على مدار اليوم، بناء على توصيات خبراء سلطة المياه الإسرائيلية، حتى لا تزداد نسبة الملوحة فيها مما يؤثر سلباً على سكان المغتصبات الصهيونية ومشاريعهم الزراعية.
لكن محمد دحلان قدم عرضاً سخياً ما كانت "إسرائيل" لتحلم به!
فلقد تعهد الرجل للجانب الإسرائيلي بأنه سيكفل لهم تشغيل ماكينات ضخ المياه لمدة 24 ساعة في اليوم ليلاً ونهاراً، مقابل الاستجابة لطلباته التي سيعرضها عليهم والتي من بينها مبلغ شهري من المال يتم تحويله لحسابه الخاص في بنك أمريكي، ينفق من خلاله على "أزلامه" الذين سيحمون هذه الآبار وشبكة المياه التي تلتقي بالفرع الرئيسي تحت الجدار الحدودي في رفح.
وبالفعل، استطاع "دحلان" تشكيل جيشاً من رجال "فتح" أطلق عليه اسم (الجيش الشعبي)، موهماً إياهم أن مهمتهم تقتضي حماية الدفيئات الزراعية، التي طلب من الجانب الإسرائيلي بقاءها وعدم تدميرها لتستخدم كغطاء لبقاء آبار المياه التي حفرها المستوطنين سليمة وجاهزة للعمل بمجرد استقرار الأحوال في القطاع عقب الانسحاب منه، مستغلاً بذلك حالة البطالة والضائقة الاقتصادية التي يمر بها الشباب الفلسطيني في قطاع غزة.
وعندما انسحبت "إسرائيل" فعلياً من القطاع، نشر محمد دحلان جيشه حول الدفيئات الزراعية وعشرات الآبار، معطياً أوامره الصارمة بالحفاظ عليها مهما كلف الثمن، وفي نفس الوقت أوعز لرجاله بتخريب البنى التحتية كشبكة الكهرباء والاتصالات والصرف الصحي والتي تركتها "إسرائيل" سليمة، خوفاً من أن تغري هذه البنى التحتية الفلسطينيين لتعمير تلك المناطق التي يجب أن تبقى بعيداً عن أي عمران ليتسنى له التصرف فيها كما يشاء.
لم تأخذ عملية تدمير هذه المنشآت الوقت الطويل، فلقد تمت تحت سمع وبصر أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بحماية سلاح حركة "فتح"، بينما انشغلت بقية الفصائل باحتفالاتها بالانسحاب الإسرائيلي، واندفع الفلسطينيون نحو سيناء بعد أن سرب أحد العاملين في السفارة المصرية، خطة فتح حدود سيناء والمنطقة الحرة التي كانت تنوي الحكومة المصرية إقامتها في قطاع غزة وشمال سيناء رداً على الصلف الإسرائيلي في التعامل مع مصر، وتخفيفاً على الفلسطينيين من تبعات الانسحاب، وما سيترتب على ذلك من عزل لقطاع غزة.
عرف محمد دحلان بنوايا مصر تجاه القطاع، فغادر على الفور إلى أمريكا محاولاً إقناعها بالضغط على الحكومة المصرية لتنفذ اتفاقها مع "إسرائيل"، وتقوم بإغلاق الحدود مع القطاع بحجة تهريب وسائل قتالية إلى داخل قطاع غزة لفصائل المقاومة ليقوموا بتنفيذ عمليات ضد "إسرائيل"، ولقد قدم رجال الخارجية المصرية تقارير مفصلة من أجهزة الأمن، تفند مزاعم محمد دحلان اعتمدت فيها على أن حدود القطاع مع "إسرائيل" أكثر إحكاماً من الأخيرة مع مصر، وأن رجال دحلان الذين يتحكمون في المعابر هم الذين يتاجرون في السلاح، وبينت للإدارة الأمريكية استحالة إغلاق الحدود بشكل كامل مع القطاع لأن في ذلك تأليب للرأي العام المصري الذي يشاهد دخول الإسرائيليين بحرية إلى سيناء وفي نفس الوقت يمنع على الفلسطيني المحاصر إسرائيلياً والذي يلقى تعاطف كبير من الشارع المصري.
كان هناك تفهماً من الإدارة الأمريكية لتوضيحات مصر، ولكن "دحلان" وضع مصر في موقف حرج عندما تناقلت وسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية مسألة تهريب المخدرات والسلاح من مصر إلى القطاع، فعادت الإدارة الأمريكية وقامت بالضغط على مصر لإغلاق الحدود في أسرع وقت، بحجة أنه مطلب فلسطيني لحماية أمنهم القومي، مما وضع رجال الخارجية المصرية في موقف ضعيف لأن أمريكا كانت تمثل الوسيط بين مصر والسلطة الفلسطينية المستغنية عن خدمات مصر.
نحن نتفهم خطة دحلان التي تقتضي رفع الأسعار بحكم تحكمه في المعابر والمنافذ ليزداد معدل الفقر عند غالبية سكان قطاع غزة وفي نفس الوقت يرفع رواتب رجاله ليضمن ولاءهم.
فالرجل يريد من وراء خطته إحداث فارق اجتماعي كبير بين سكان القطاع لينشغل القسم الأكبر منهم بالسعي وراء تحسين ظروفهم التي تزداد بؤساً، وفي نفس الوقت يكون رجاله في حالة من الرغد والبحبوحة بما يغدقه عليهم من الأموال التي تأتيه من المعابر والمياه التي تذهب من القطاع إلى "إسرائيل"، ولكن اعتماد مثل هذه الخطط أثبت فشلاً ذريعاً وقد يتسبب في حالة من الفوضى العارمة داخل القطاع يصعب السيطرة عليها والتنبؤ بتبعاتها.
ويقول مسئول مصري: حاولنا التحدث مع محمد دحلان بهذا الخصوص وبينا له خطأ سياسته، إلا أنه طلب منا بقلة ذوق عدم التدخل في الشأن الفلسطيني وأنه يعرف ما يفعله، وعندما نبهناه لخطورة السحب الرهيب للمياه من قطاع غزة إلى "إسرائيل" وتأثيره على الحوض المائي المشترك والممتد من جنوب القطاع إلى مدينة العريش، وأن هذا التصرف الفردي الغير مسؤول يضر بمصالح مصر، تحدث بسخرية عن أن مضخات المياه في قطاع غزة وليست في مصر!
ويضيف: عندما أصدرت كتائب ألوية الناصر صلاح الدين بياناً، تحدثت فيه عن نيتها بهدم الجدار التي أقامته "إسرائيل" بين مصر وقطاع غزة، وظن محمد دحلان أن السيد عمر سليمان (مدير المخابرات المصرية) هو الذي أوعز للألوية بهذا ليتم تخريب الأنبوب الرئيسي الذي تتدفق المياه منه نحو "إسرائيل"، وهذا ليس بصحيح، فأوعز إلى رجاله مستغلاً حالة الفوضى في القطاع بإغلاق المعبر مع مصر، ولقد استغربنا من هذا التصرف، ورجح البعض أن دحلان يستعرض عضلاته برجاله ليبين أنه الأقوى فلسطينياً عندما يأمرهم بفتح المعبر مرة أخرى ويمتثلوا له وحده بعد أن يضربوا بنداء الآخرين عرض الحائط.
ولكننا فوجئنا بمعلومات وصلتنا في وقت ضيق، تُفيد أن رجال دحلان يحشدون العامة في رفح نحو الجدار بحجة هدمه، وعندما يتدفق الناس نحو الحدود بعد إحداث بعض الفتحات، يقوم رجال دحلان بإطلاق النار على الجنود المصريين المتواجدين على الحدود، وقتل أكبر عدد ممكن منهم، فيرد الجنود المصريين على النار بالمثل في الوقت الذي يكون فيه آلاف الفلسطينيين على الحدود فتحدث مجزرة فلسطينية بيد مصرية.
لم نكن متأكدين من دقة هذه المعلومات، إلا أننا سارعنا نطلب من قائد حرس الحدود المصري بالتنبيه على الضباط وصف الضباط أن يصدروا أوامرهم للجنود بعدم إطلاق النار في المليان إلا في حال التعرض للخطر الشديد، وإبعاد الجنود المشاة عن شريط الحدود بشكل آمن والاكتفاء بتواجد ناقلات الجند فقط.
ساعات قليلة وتقدم رجال محمد دحلان نحو الحدود وقاموا بفتح ثغرات قديمة فيه، وقبل أن يتدفق عدد كبير من الفلسطينيين فتح رجاله النار نحو الجنود المصريين الذين تفاجئوا بهذا التصرف لعدم علمهم بما يحدث، ولكن قبل أن تقع الكارثة كان قد وصل قرار قائد حرس الحدود المصري بعدم إطلاق النار بشكل مباشر نحو المهاجمين والتي تم تعميمها على الجنود عبر مكبرات الصوت.
وعلى الرغم من تدمير ناقلة جند وإحراقها ومقتل وإصابة العديد من الجنود المصريين إلا أن الأوامر كانت صارمة وحازمة بضبط النفس تحت أي ظرف، إلا أن بعض الجنود تعرضوا للخطر الشديد فأطلقوا النار في الهواء، فخشينا أن يستغل ذلك رجال دحلان ويقوموا بإطلاق النار نحو مئات الفلسطينيين الذين تجمهروا بالقرب من الحدود وإلصاق ذلك بالجنود المصريين، إلا أنه يبدو أن ليس كل رجال دحلان لديهم علم بما يحدث، فلقد أصيب بعضهم بالصدمة مما يحدث وحاولوا أن يمنعوا زملائهم من إطلاق النار ولكنهم لم يفلحوا.
تصاريح محمد دحلان ضدّ الانتفاضة والمقاومة لم تتوقف يوماً، فهذه المقاومة كانت تمثّل تهديداً مباشراً لطموحه وخططه بالسيطرة على السلطة الفلسطينية وتنفيذ مشروعه السياسي الذي ليس له حدود من التنازلات، ويظهر مدى استعداده للتنازلات من انتقاداته المستمرّة للسلطة الفلسطينية لعدم قبولها بمقترحات "كامب ديفيد 2"، مع أن إيهودا باراك اعترف بنفسه أخيراً بأنه لم يعرض شيئاً، لكن "دحلان" يسعى جاهداً لنيل اللاشيء الذي حرمته منه الانتفاضة والمقاومة فشنّ الحملة الشعواء على قيادتها.
الانتفاضة جلبت الاحتلال
لم يتورّع "دحلان" عن توجيه انتقاد حاد للانتفاضة خلال لقاء جمعه مع جمعية رجال الأعمال في غزة في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2002 وممّا جاء على لسانه في هذا اللقاء العاصف "يجب أن تكون الانتفاضة سلمية وأخطأنا باستفزاز المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ردود الفعل الفلسطينية على أشكال العدوان الصهيوني يجب أن تدرس في كل مرة، أنا أريد أن أساوم سياسة وأنا أول من قلت إن هدف الانتفاضة تحسين شروط التفاوض، وعندها "حماس" هاجمتني في بيان وأذكر أن الجميع كان يقول هدف الانتفاضة دحر الاحتلال فإذا بالاحتلال يحضر إلينا، يجب وقف قصف الهاون بالقوة، نريد انتفاضة بـ"الريموت كونترول" ومن يدعي أننا لا نستطيع استمرار الانتفاضة بالريموت كونترول".
ورغم هذا التصريح الذي يحاول تبديد إنجازات الانتفاضة، فقد حاول "دحلان" قطف منجزاتها- وهو الذي طعنها في ظهرها وصدرها- حين صرّح في 3 آذار/مارس 2004 تعليقاً على خطة شارون للانسحاب من غزة "إن الانسحاب يعتبر أكبر إنجاز حققته الانتفاضة". فهل يستطيع الآن أن يعترف بصدق رؤية "حماس" للواقع؟
وفي لقائه مع رؤساء تحرير الصحف في الأردن حاول "دحلان" إثارة الإحباط بالنفوس من الانتفاضة من خلال تعداد المآسي فقال "المقولات المتداولة على مستوى القيادة الفلسطينية في وصفها للشعب الفلسطيني بأنه غير قابل للانحناء بأنه كلام ما يجيب رأسماله". وطالب القيادة بالنزول إلى رفح لترى كيف هدمت (إسرائيل) ثلاثة آلاف منزل، وإلى بقايا جنين. وأشار إلى وجود سبعة آلاف وخمسمائة أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وسقوط ثلاثة آلاف قتيل خلال سنوات الانتفاضة الثلاثة. وقال إن ألفين منهم كان بالإمكان إنقاذهم من الموت –وطبعاً هو يقصد من خلال وقف الانتفاضة.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية نشرت نص لقاء جرى بين "دحلان"، يوم كان وزير الأمن الداخلي في حكومة أبي مازن، وعاموس جلعاد، منسق شؤون الاحتلال.
الصحيفة نقلت عن "دحلان" تعهده بأن يستتب الهدوء التام قريباً، وقال: "قد نشهد في الأسابيع الأولى (بعد وقف النار) حادثة هنا أو هناك. لكن خلال شهر كل شيء سينتهي.. إنها نهاية الانتفاضة. خلص، انتهت وانتهت معها العمليات (المسلحة والاستشهادية)، تبقى خلايا لا تتلقى أوامر بإطلاق النار من أحد ولا من الرئيس الفلسطيني. خلال عشرة أيام ستنضم هذه الخلايا إلى اتفاق الهدنة". ويتعهد "دحلان" أيضاً بمعالجة "التحريض" الفلسطيني على (إسرائيل)، وقال: "لن يحصل تحريض بعد اليوم".
بدأنا العمل ضد المقاومة
نقلت الصحف في 27/7/2003 لقاء جرى بين محمد دحلان ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول ومستشارة الأمن القومي الأمريكي آنذاك كونداليزا رايس. وقد طلبا منه معرفة كيف يتم الحفاظ على وقف النار. فردّ "دحلان" "إني تحدثت مع 200 مطلوب، أنا شخصياً. كان هناك من أقنعتهم بوقف العمليات، وكان هناك من لم أقنعهم، ولكني حذرتهم". كيف فعلت ذلك سألت رايس، أجاب دحلان "مع معظمهم هاتفياً، ومع 20 سجيناً موجودين داخل السجون في (إسرائيل) تحدثت بشكل غير مباشر".
وفي 26 تموز/يوليو 2003 نشرت صحيفة الحياة اللندنية أن محمد دحلان ناقش مع كوندوليزا رايس في واشنطن خطته التي تركز على شراء الأسلحة التي في حوزة المجموعات الفلسطينية المسلحة. وتقضي الخطة بأن يُدفع 6000 دولار لقاء كل بندقية يتم شراؤها من (المجموعات الفلسطينية المسلحة)، ويدفع هذا المبلغ الحكومتان الأميركية والبريطانية والاتحاد الأوروبي.
كتائب الأقصى هاجمت في بيان لها محمد دحلان على هذه الأخبار المؤكدة ووصفته بأنه "مشروع أمريكي-إسرائيلي"، وأنه "شخص تم فرضه على السلطة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني"، وأكدت الكتائب عدم الثقة بمحمد دحلان عندما يتحدث عن أو باسم كتائب شهداء الأقصى.
وفي 8/8/2003 نشرت صحيفة معاريف العبرية أن محمد دحلان تعهد لكوندوليزا رايس بأن يعمل على تأميم مؤسسات "حماس" ومصادرة سلاح منظمات (الإرهاب). ولكن لا يبدو أن طريق "دحلان" سهل، ولا سيما حين يفعل عرفات كل شيء كي يضع له العصي في العجلات. وهذه الحقيقة أدت بدحلان المحبط إلى استخدام تعابير لا سابق له ضد زعيمه. وحسب تقارير عن جهات أمريكية وإسرائيلية قال دحلان "هذا الكلب –يقصد عرفات-، هذا الكذاب، يهدم كل شيء، يفجر كل شيء، لا يسمح لنا بعمل أي شيء".
لم يتوان محمد دحلان في لقاء عام جرى في غزة في شهر تموز/يوليو 2004 ونشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بأن سمّى المقاومة الفلسطينية بـ"الإرهاب"، وانتقد قادة فتح وقال "إنهم ضد الانتفاضة، وفي الوقت ذاته هم مع الانتفاضة (...) هم ضدّ الإرهاب وفي الوقت نفسه مع الإرهاب". ونقلت الصحيفة عنه أيضاً أن الوقت حان لاتخاذ قرار "نحن عند مفترق طرق (...) إما أن نحصل على استقلال فلسطيني، أو نذهب إلى وضع مماثل لوضع الصومال".
في محاضر قمة العقبة التي نشرتها الصحف الإسرائيلية، ولم ينفها "دحلان"، قال الأخير لأرييل شارون "نحن بدأنا العمل بكثافة، ووضعنا أخطر الأشخاص من "حماس" والجهاد وكتائب الأقصى تحت المراقبة. بحيث لو طلبتم الآن مني أخطر خمسة أشخاص فإني أستطيع أن أحدد لكم أماكنهم بدقة، وهذا يمهد لردكم السريع على أي عمل يقومون به ضدكم. ونعمل الآن على اختراق صفوف التنظيمات الفلسطينية بقوة حتى نتمكن في المراحل القادمة من تفكيكهم وتصفيتهم". ويضيف "دحلان" "أما بالنسبة لكتائب الأقصى فقريباً ستصبح الكتاب المفتوح أمامنا بعد تصفية أهم القيادات فيها".
وفي تجاهله لتأثير صواريخ القسام على (إسرائيل) والتقارير التي تحدّثت عن الانهيارات النفسية التي تحدث في صفوف الإسرائيليين من جراء سقوطه على المستوطنات، وصف "دحلان" إطلاق صواريخ القسام بـ"الاستهبال"، بل ووصل به الأمر إلى اتهام "حماس" بأنها كانت السبب وراء فرض الحصار الإسرائيلي على عرفات من جراء عملياتها.
لمّا اشتدّ نقد محمد دحلان لجبريل الرجوب أصدر الأمن الوقائي في الضفة الغربية تعميماً يفضح تعاون "دحلان" في تسليم المجاهدين في بيتونيا، ومما جاء في التعميم "كان محمد دحلان يعلم ويشارك في اجتماع القيادة الفلسطينية يوم الخميس 28/3/2002 والذي أفضى عن قرارات من أهمها اعتقال المزيد من المعتقلين السياسيين وبالأخص أهم عشرة مطلوبين في منطقة رام الله. وتم الاتفاق على إصدار بيان من قبل الرئيس عبر وسائل الإعلام يعلن فيه الرئيس وقف إطلاق النار وإجراء اعتقالات فورية".
فرّق تسد
طالما حاول "دحلان" ضرب المقاومة من خلال إثارة النعرات الحزبية والمناطقية الضيقة وإيقاع فتح بصدام مع الفصائل الأخرى ليسهل الاستفراد بالمقاومة، وأحياناً إثارة العصبيات المقيتة داخل فتح نفسها حين يُطلِق الإشاعات عن استئثار القيادات الغزاوية (زكريا الآغا، أحمد حلس وغيرهم) بقيادة فتح مع أن اللاجئين هم أولى بحمل هذه المسؤولية، حسب تصاريحه العدائية.
يقول "دحلان" إن النشاط الإصلاحي داخل حركة فتح أغاظ كثيرين وأربكهم، وخاصة حركة "حماس"، لأن إصلاح فتح والسلطة لا يُبقي لها شيئاً لجهة مقاتلة ومكافحة فساد السلطة. وأضاف "دحلان" إن تياره لا يراهن على وقوف أحد إلى جواره غير حركة فتح وجمهورها، ولذلك يقول إن فتح هي التي تحركت. وزعم "دحلان" أن "حماس" تريد بقاء فساد السلطة وفتح كي تظهر في مظهر الأصلح لقيادة الشعب الفلسطيني، وتعامى عن أن "حماس" كانت أكثر المتضرّرين من فساد السلطة الذي تسبب في اعتقال الآلاف من مجاهديها واستشهاد بعضهم تحت التعذيب في سجون السلطة، إضافة لما لحق بالشعب الفلسطيني من أذى جراء هذا الفساد.
إن محمد دحلان يفتقر بتصاريحه العدائية ضد الفصائل الفلسطينية وصراعاته داخل حركة فتح وتاريخه المريب الكثير من الصفات التي يجب أن يتّصف بها كل من يطرح لنفسه دوراً في قيادة هذا الشعب. فالفصائل الفلسطينية لا تكنّ له أي ودّ، ولا يملك أي نفوذ داخل حركة فتح في الضفة الغربية والشتات الفلسطيني، وهناك من يواجه مشروعه من قيادات فتح في غزة، إذاً هو ليس أكثر من زعيم "لشلة" في غزة.
سأتوقف قليلا عن سرد السيرة الناصعة للأخ المناضل المقاوم الشجاع المغوار محمد دحلان
و أعدكم بأني سأعود له إد أن مثله لا تجف الأقلام عن الكتابة عنه
و لكن أنتقل معكم إلى برامج التشغيل التي وفرتها الحكومات الفلسطينية للشعب الفقير و دلك طبعا بدون أي واسطات أو تدخلات
كل شيء مناظرات داخلية في الوزارات
وزارة الصحة في الحكومات السابقة.. إقصاءٌ وظيفيّ وتعييناتٌ
على أساسٍ تنظيميّ ومخالفات قانونيّة
كشفت وثائق رسمية فلسطينيّة عن آليات التوظيف التي كانت متّبعة في الحكومات الفلسطينية السابقة التي شكّلتها "فتح"، والمتمثّلة بإرسال قيادة الحركة قوائم بأسماء المرشّحين للتوظيف، ومن ثمّ يقوم الوزير المعنيّ باعتمادهم وتوظيفهم دون مراعاةٍ للكفاءة ودور المتسابقين للتوظيف حسب النظام وتكافؤ الفرص، وذلك في أسوأ حالات الإقصاء لعموم أبناء الشعب الفلسطيني عن أبسط حقوقهم.
وبعيداً عن التحليل وتركيزاً على المعلومات والوثائق، فقد أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني السابق برئاسة أحمد قريع؛ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، قراراً في جلسته بتاريخ 28/6/2005 بالمصادقة المبدئية على تعيين 141 موظّفاً من الفنيين والمختصين في مستشفى "تل السلطان" بمدينة رفح بقطاع غزة، مع الأخذ بالاعتبار منح الأطباء العاملين على بند البطالة الدائمة؛ والذين همْ مؤهّلون لممارسة المهن المطلوبة حقّ الأولوية في عملية التوظيف، على أنْ يغطّى النقص الحاصل في الموظفين الإداريين عن طريق نقلهم من دوائر أخرى في وزارة الصحة.
قرارات مجلس الوزراء..
وكلّف مجلس الوزراء الفلسطينيّ في الجلسة نفسها؛ وزير الصحة السابق د. ذهني الوحيدي بالعمل على معالجة موضوع تشغيل مركز "بيت حانون" الطبي ودراسة احتياجاته من التخصّصات الطبية المختلفة وتقديمها إلى مجلس الوزراء في جلسته القادمة لاتخاذ القرارات المناسبة.
وأرسل سمير حليلة أمين عام مجلس الوزراء ورئيس ديوان مجلس الوزراء السابق، برسالةٍ إلى د. ذهني الوحيدي وزير الصحة لتنفيذ القرارات المذكورة بتاريخ 3/7/2005. وعاد مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 12/7/2005 وقرّر تعيين 100 من الكوادر البشرية ما بين أطباء وممرضين وصيادلة وطواقم فنية للعمل في مستشفى الشهيد "أبو علي إياد" في "بيت حانون" بقطاع غزة.
وأرسل سمير حليلة رسالةً بتاريخ 12/7/2005 إلى وزير المالية السابق سلام فياض لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الوزراء.
"فتح" تعد قوائم التوظيف!!
في هذه الأثناء كانت حركة "فتح"؛ إقليم الشمال، بزعامة (ي.ح) قد أعدّتْ كشْفاً خاصاً جداً بالأشخاص المنوي توظيفهم في مستشفى "بيت حانون" وأرسلته إلى وزير الصحة د. الوحيدي لاعتماده بتاريخ 2/7/2005، وإلى مفوّض دائرة المنظمات الشعبية في حركة "فتح" ماجد أبو شمالة عضو المجلس التشريعي الحالي عن حركة "فتح"، والذي بدوره حوّلهم إلى وزير الصحة لاعتمادهم. كما حوَّل هو شخصياً كشْفاً خاصاً بموظّفي مستشفى "تل السلطان" وبالآلية نفسها.
أبو شمالة كان يتصرّف -كما هو واضح من الرسائل- على أنّه صاحب القرار في التوظيف، حيث يُرسِل الاسم والمسمّى الوظيفي، وقد تمّ اعتماد من تُرسَل أسماؤهم للتوظيف دون نقاش!!.
عُمّالٌ بدل الأطباء..!؟
الخطير في الأمر أنّ قرارات مجلس الوزراء الفلسطينيّ السابقة كانت واضحة بأنّ المطلوب توظيفهم هم أطباء وممرضون وصيادلة وطواقم فنية، بينما القوائم الأولى التي وصلت تضمّ 58 شخصاً من أصل مائة موظّفٍ لم يكنْ من بينهم طبيبٌ أو ممرضٌ أو فنيٌّ متخصصٌ كما ينص القرار، بل جميعهم كان ما بين حاصل على شهادة الثانوية العامة أو الابتدائي في مخالفةٍ صارخةٍ للقرار، للعمل ما بين "طبّاخٍ" و"جنايني" و"مراسل" و"كاتب" و"نظام"!!.
كما لم تَجْرِ أيّ مسابقاتٍ للوظائف في مستشفى "بيت حانون" حتى يتنافس عليها أبناء الشعب الفلسطيني، بل خُصِّصت لنشطاء حركة "فتح" فقط من أعضاء الإقليم، وتمّ إقصاء كلّ الكفاءات التي يحتاجها المستشفى.
والسؤال الملحّ عند كلّ مواطنٍ فلسطينيّ أنْ يتساءل: "هل منْ عملوا بمسمّى نظام وطباخ وكاتب وجنايني هم من سيديرون المستشفى ويقدمون الخدمات الطبية للناس؟ وأين صحة المواطنين؟!.. أم أنّ الأمر يتعلّق بمصالح فئوية خاصّة بتوظيف نشطاء (فتح) أم ربما الأمر يتعلّق بوعودٍ شخصية بالتوصيات لجهة معينة وشخص محدّد مع قرب الانتخابات التشريعية حينها؟!!".
وزير الصحة د. الوحيدي أرسل كتاباً بتاريخ 16/11/2005 إلى وزير المالية سلام فياض، حول اتخاذ الاجراءات اللازمة للمصادقة على توفير 100 اعتمادٍ ماليّ لاتخاذ اللازم نحو تعيين الكوادر البشرية للعمل في مستشفى بيت حانون تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء مرفقاً مع الرسالة أسماء 58 من الكوادر البشرية للعمل، هم الذين أرسلهم تنظيم حركة "فتح" دون أيّ اعتبارٍ للمواطنين وكفاءاتهم!!.
قصة مستشفى "تل السلطان"...
وتكرّر الأمر في إجراءات توظيف مستشفى تل السلطان برفح.. وتأكيداً لقرار مجلس الوزراء الفلسطينيّ السابق؛ أرسل سمير حليلة أمين عام مجلس الوزراء كتاباً بتاريخ 3/7/2005 لوزير الصحة ذهني الوحيدي حول تعيين 141 موظّفاً من الفنيين والمختصين في المستشفى، مع الأخذ بالاعتبار منح الأطباء المعتصمين العاملين على بند البطالة الدائمة؛ والذين همْ مؤهّلون لممارسة المهن المطلوبة، حقّ الأولوية في عملية التوظيف على أنْ يُغَطّى النقص الحاصل في الموظّفين الإداريين عن طريق نقلهم من دوائر أخرى في وزارة الصحة.
النائب عن حركة "فتح" بالمجلس التشريعي، ماجد أبو شمالة، مجدّداً أرسل بتاريخ 2/7/2005 إلى وزير الصحة كشفاً باسم حركة "فتح"، يتضمّن أسماء 69 شخصاً للتوظيف، ثم كشفاً ثانياً فيه ثمانية أسماء أخرى دون مراعاةٍ سواءً لقرار مجلس الوزراء أو للمواطنة وتكافؤ الفرص، بل كان المعيار فئوياً بحتاً بأنْ يكون المرشّح من حركة "فتح"!.. بل ووصل الأمر إلى تغيير أسماء بعد تسجيلها في الكشف، حيث أرسل أبو شمالة بتاريخ 18/3/2006 كتاباً إلى مدير عام في وزارة الصحة جمال النجار يطالبه فيها بإضافة ثلاثة أسماء بدلاً من ثلاثة سابقين. وبدا أنّ الثلاثة الذي شُطِبَت أسماؤهم لا واسطة لهم عند النائب أبو شمالة!.
تجاوزٌ لكلّ القوانين!
وتكشف القوائم التي أرسلها أبو شمالة أنّ العديد ممّن أُرسِلت أسماؤهم ليس لهم دور أصلاً في مسابقة التوظيف التي وضعتها وزارة الصحة، وعلى الرغم من ذلك أُرسلِت أسماؤهم بينما آخرون كان دورهم في المسابقة متأخّراً، والعشرات قبلهم، لكنْ تمّ استثناؤهم لأنهم مستقلّون أو ليسوا أصحاب توجّهاتٍ سياسية يريدها "أبو شمالة".
ويتبادر للذهن سؤال: كيف يسمح عضو مجلسٍ تشريعي أنْ يخاطب مدير عام بوزارة دون الرجوع إلى قيادته بالوزارة، ويطالبه بتغييرٍ في أوراق رسمية وحذف من يريد من الموظفين وتعيين غيرهم؟!!.
وقد أكّدت مصادر مطلعة أنّ آلية التوظيف هذه تكرّرت في مؤسسات حكومية وتعليمية، ووصلت إلى الجامعات وفقاً للانتماء التنظيمي والإخلاص الشخصي أيضاً.
وتُبرِز الوثائق المذكورة التي حاول البعض إبقاءها طيّ الكتمان بهدف عدم إحراج حركة "فتح"، آلية التوظيف التي نفّذتها وتنفّذها حركة "فتح" طوال 12 عاماً من تولّيها مسؤولية الحكومات الفلسطينية المتعاقبة. حيث يصدر قرارٌ من رئاسة الوزراء للجهة المعنية المختصة في الوزارة ويكون في هذه الأثناء تنظيم "فتح" قد أعدّ قائمةً تتضمّن أسماء المرشّحين للوظائف مع ما يشهده ذلك أحياناً من صراعاتٍ مناطقية حيث تسعى كلّ منطقة إلى توظيف أبنائها حتى لو كان ليس فقط على حساب الكفاءة والمهنية؛ بل حتى على حساب المناطق الأخرى في "فتح" التي تُعِدّ هي أيضاً كشوفاً بأسماء عناصرها الذين توَدّ توظيفهم.
وبناءً على قوائم "أبو شمالة" وقرارات وزير الصحة السابق بقِيَ عشرات الأطباء من الذين كانوا موظّفين على بند البطالة الدائمة عالقين دون عمل بعد سرقة وظائفهم!!.