مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 04-05-2007, 06:32 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

القصير (المبيض أو الملبس )

في كثير من الأمور تختلف التقييمات، من شخص لشخص، ومن متكلم لآخر، وأحيانا تختلف التقييمات لدى الشخص نفسه تجاه مسألة واحدة، لكن توقيت التقييم، هو الذي تغير .. وهذا معروف منذ القدم ..

في قضايا التصنيف الاجتماعي، تختلف النظرة السريعة تجاه شخص أو فئة كاملة، وقد يحاول صاحب النظرة أن يعمم نظرته لتصبح قانونا ثابتا، وقد تكون السرعة في تلك المسائل هي ما تجعل العالم مضطربا منذ الأزل ..

فلو نظرنا مثلا لعقائد الشيوعيين ونظرتهم للحياة، والتي تزعم في كل نظرياتها أنها تنحاز لفكرة العدالة، وإنصاف المسحوقين من مواطني العالم، لكننا لو فحصنا الضمانات التي تجعل من يقرأها أو يسمعها أو يطلع عليها والمنسوبة للشيوعيين ، لوجدناها معدومة، فلا توجد ضمانات لثبات تلك الصفة عند المدعين لتلك الأفكار. والدليل أن من قاد الاتحاد السوفييتي للانهيار هم قياداته التي تربت وترعرعت وصعدت في تسنم مراكز السلطة فيه، وهي فترة قصيرة إذا ما قيست في أعمار الإمبراطوريات، ولم يكن (جورباتشوف و شيفرنادزه، ويلتسين) مندسين في صفوف الشيوعيين ..

قد يتعجل من يبشر بعودة الحكم ذي الطابع الديني، ويقول إن الالتزام الأخلاقي، يرتبط بشكل ما بالالتزام بالدين، وكنا قد رأينا عبر التاريخ، كيف أنه، حتى هذا النوع من الحكم قد تفتت و هوى، كما هوت وتغيرت كل أصناف الحكم في العالم وعلى مر التاريخ ..

أحيانا تنحاز فئات مثقفة، الى الوقوف الى جانب العمال، لثقافة أخذت مكانها في نفس المثقف، ولكن هذا المثقف، قد تكون صورته لدى هؤلاء العمال بأنه حالم برجوازي، ولا يحتاجه العمال لأن يكون نصيرا لهم، فتكون صورته لدى العمال من السوء بمكان بحيث لا يتوقع هو تلك الصورة، وإن اكتشفها فإن صورة العمال لديه، قد يجري عليها تعديل وفق ذلك الاكتشاف، وإن حدث هذا التعديل، فإن عيبا في ثقافة المثقف قد تكون منذ البداية في تكوينه الثقافي دون أن يدري ..

القصير أو المُبَيِض أو المُلَبس، هو ذلك العامل الذي يقوم بتغطية الجدران والسقوف المبنية حديثا، بطبقة من الإسمنت والرمل، وأحيانا من الجبصين أي الجير المطفي كما يحدث في بعض المناطق بالعراق ويطلقون على العملية اسم (اللبخ) .. يحتاج العامل فيها الى لياقة كبيرة وصبر وحذر، فأحيانا تجده معلقا على واجهات بنايات على ارتفاع عشرات الأمتار، يثبت قدميه على لوح من الخشب عرضه لا يزيد كثيرا عن القدم، وعليه أن يقوم بعدة مهارات في آن واحد، أحدها وأهمها تتعلق بحفظ توازنه وعدم نسيان أين يقف، والثانية أن يتفقد المساحات التي أمامه، ليغطي شقوقها بإتقان دون أن يجعل السطح مموجا، وعمليات أخرى تتعلق بإعطاء الأوامر وتلقي الكتل المجبولة ليتزود بها في إنجاز عمله .. إنها مهمة ليست سهلة بطبيعة الحال، ومن يمتهن تلك المهنة لا يقوى على الاستمرار بها الى مالا نهاية، بل يتقاعد بسن مبكرة، وعليه أن يعرف الأجر الذي سيتقاضاه نظير عمله، حيث لا تقاعد ولا ديمومة طويلة لمثل هذا النوع من الأعمال ..

من يساعد هذا العامل الماهر، يكون عمال من الشباب الذين لا تزيد أعمارهم عن خمس وعشرين سنة، وهم يبذلون جهدا مضاعفا، في تحضير خلطات المواد، ومناولتها لمن يقوم بهذا العمل، ويتلقون منه الأوامر ويتقاضون أجورهم باليومية، في حين يتقاضى (المعلم) أجرته على المساحة، وعملية حساب المساحة معقدة، لا تقتصر على ضرب الطول بالعرض، فزوايا العمدان لها حساب والنوافذ والبرزات لها حساب، وأي سطح دائري له حساب، والعامل المساعد للمعلم عندما يحسب ما يتقاضاه معلمه ويجده يزيد أضعافا مضاعفة لما يتقاضاه هو، تتكون لديه مشاعر مركبة فهو يطمح أن يصبح معلما مشهورا يحيل عليه المهندسون والمقاولون أعمالا تدر عليه بعض الربح، ولكنه في نفس الوقت لن يكون مبتهجا ليكون مصيره معلم (قصير أو مبيض) .. لطول الفترات التي يمضيها دون عمل، واحتمالية عدم حصوله على الشهرة، وبنفس الوقت الجهد العضلي المبذول في تلك المهنة الشاقة والمخاطر التي قد يتعرض لها نتيجة السقوط أو الإصابة .. ولقلة خياراته في إيجاد عمل له، يضطر للصمت والطاعة لمعلمه .. لكنه يخفي بعض عدم رضاه عن صاحب العمل، والنظر الى معلمه على أنه يستثمر جهده بشكل غير عادل .. وهذا الشيء نجده أحيانا عند أطفال الفقراء المحرومين عندما يقشطون دهان سيارة حديثة وفارهة بواسطة مسمار أو قطعة معدنية، تعبيرا عن عدم رضاهم في توزيع الأرزاق بين البشر ..

عندما جاءت الورشة لإنجاز (تبييض) جدران وسقف صغير، لا تزيد كل مساحتها عن مئة متر مربع، وهي حمام إضافي لمكتب يقع فوق سطح فرش بالبلاط، وأقيم عليه مكتب منذ مدة مكون من ثلاث حجرات، كان صاحب المكتب ممن ينحازون الى جانب قضايا العمال. كانت مساحة السطح أكثر من أربعمائة متر مربعة، حاول العمال المساعدين للقصير أن لا يبقوا أي متر مربع دون أن يقوموا بخلط الإسمنت والرمل عليه، وكانوا إذا دخلوا المطبخ لن يبقوا أي شيء دون أن يعبثوا فيه، ولم يكن بالإمكان إغلاقه لأكثر من سبب أدبي وعملي، فقد كان يرغب أن يعملوا الشاي على طريقتهم، كما أن تزودهم بالماء لخلط المواد، كان مصدره المطبخ أو الحمام المحاذي له. كان من المتعذر على أي زائر للمكتب أن لا تصطبغ ملابسه باللون الأبيض المغبر نتيجة الطريقة التي كان العمال يقومون بها في تنفيذ مهمتهم ..

كان بعد أن ينهوا عملهم، يحاول تخفيف الحمولة الترابية والملوثة لكل شيء، فيجد أكواب الشاي أو فناجيل القهوة عبارة عن كتل إسمنتية، وأرضيات المطبخ والحمام تعلوها طبقات سميكة من المحاليل الإسمنتية ..

بعدما أنهوا عملهم، طلب منظفا للسطح فطلب ثلاثة أضعاف ما تقاضى عمال التبييض .. أعطاهم أجورهم، دون أن يبدي تذمره نهائيا .. لكنه تذكر ما كان قد رآه في مدن بريطانيا و إيطاليا في ورشات بناء عمارات تزيد عن عشر طبقات دون أن يتلوث الشارع، أو تعاق حركة المرور، بل كانت توضع الممرات المضاءة ليلا، والمزودة بلوحات فنية حتى لا يضجر المارة، وترفع المواد بطرق لا تترك ذرة من الغبار .. وقد تكون الكلف العامة أقل من الكلف لدينا (قياسا)..

لكنه عاد الى رشده، فاعتبر أن نمو علاقات الإنتاج في الغرب، وما أنجزه العمال في أخذ حقوقهم، هو ما جعلهم يسلكون سلوكا يتناغم مع السمات الحضارية المعاصرة، في حين أن بلادنا لا تزال أمكنة لا يحس بها العمال بالأمان الاقتصادي والاجتماعي، ولا يعلمون مصيرهم على وجه التحديد، فمن حقهم أن تكون علاقاتهم غير ودودة مع المجتمع ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 21-06-2007, 04:54 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الدليل السياحي

عندما سأله موظف الجوازات في مطار الدار البيضاء عن سبب زيارته للمغرب، تلعثم ولم يجب بسرعة، فحاول الموظف مساعدته، بالإجابة عنه منتظرا منه تأكيد الإجابة والموافقة عليها: سياحة؟ فأجاب بالنفي.. هل سبب زيارتك اقتصادية، لتمشية أعمال معينة؟ أجاب بالنفي أيضا.. ابتسم الموظف، وناوله جواز سفره، فلم يكن للسؤال أهمية، أصلا، فإن كان قد ذهب لغرض معين، ودون في الاستجواب، سببا مختلفا، ماذا سيترتب على ذلك؟ ولعل الموظف استعاد تاريخ عمله في هذا المكان وما تناقله زملاؤه في العمل من قصص، فلم يجد واقعة تبرز أهمية تلك الأسئلة ..

كما أن تلعثمه قد صدر نتيجة عجزه عن تصنيف سبب الزيارة، فلم يذهب للتجارة، وقد كره لفظة (سياحة) منذ صغره، فالسائح بنظره، هو من فاض ماله، وذهب الى مكان ما في العالم، بطرا وزيادة في طلب المتعة، ولم يكن هو من هذا الصنف .. وقد تذكر صور السائحين الذين كانوا يعبرون الحدود على دراجات هوائية، والأطفال تتعقبهم، وهم بملابس قصيرة تكشف عن سيقان شقراء قد صبغتها شموس إفريقيا والعالم الفقير، ليظهر عليها زغب أشقر يذكر بزغب صغار أفراخ الديك الرومي .. لم يكن يحب أن ينتمي لتلك الفئة .. وأظنه لو كان يعلم على وجه التحديد سبب زيارته للمغرب، لأبلغ عنها الموظف السائل وليس (المسئول) .. وقد يكون لم يدرج في حسابه أنه سيتعرض لسؤال مثل ذلك، وهل يتم سؤال من كان في وطنه عن سبب وجوده في وطنه؟ وإلا لماذا يحفظ هو مع أبناء المغرب (بلاد العرب أوطاني .. من الشام لبغدان ؟ ومن نجد الى يمن .. الى مصر فتطوان ) أليست تطوان أحد ولايات المغرب؟ وهي وطنه بالتالي؟ ..

كانت زيارته الأولى للمغرب، وقد تجاذب الحديث مع أحد المسافرين العرب، الذي كان يجاوره في مقعد بالطائرة، و جاره، الذي كان يبدو عليه أنه كثير المجيء للمغرب، ولم يكن من أهل المغرب، قدم له صورة أو صورا تختلف عما كون (هو) من صور عن المغرب من خلال الأطلس والجغرافيا والتاريخ وبرامج التلفزيون .. فوضعه بحالة تشبه من يدخل بسيارته طريقا لأول مرة، هل يسرع أم يتأنى؟، هل سيفضي الطريق الى انحدار أم انعطاف خطير؟ وتكون لعلامات المرور، عند تلك الحالة أهمية استثنائية، غير التي تتشابه معها وتوجد على طرقات اعتاد المرور فوقها .. فترى السواق الذين اعتادوا المرور على نفس الطريق يتجاوزون من يمر عليه لأول مرة، وأحيانا يرمقونه بعين عدم الرضا لتردده وبطئ سرعته ..

كان من نصائح جاره في الطائرة أن يستقل القطارات في تنقله ويتجنب الركوب بالتاكسي (الطاكسي على رأي أهل المغرب) .. ولا يعبأ بالتفاف الذين يعرضون خدماتهم عليه .. وإذا أراد الذهاب لطنجة فعليه أن يستقل القطار من محطة قرب المطار ..

عندما استدل على حقائبه، كان هناك أربعة ممن يعرضون خدماتهم عليه، ابتسم وتذكر أن هذه الحالة ليست مقتصرة على المغرب، فهي في كل الأقطار العربية الفقيرة، ولا تؤخذ نصيحة من (ثري) للتعامل مع فقراء، إذا كان من يتلقى النصيحة يدعي أنه ينحاز للفقراء، رغم تفوقه بالقدرة الشرائية عليهم .. لم يكن يعلم على وجه التحديد، عن قيمة العملة المغربية، وكيفية التعامل معها ومعادلتها مع عملته التي اعتاد عليها، ولم يكن يحب العملات الأجنبية لا (الدولار) ولا (اليورو) ولكنه كان مضطرا أن يحتاط على عملة أجنبية (الدولار)، لتيقنه من عدم شيوع استعمال العملات العربية في بلاد العرب! .. وفي هذه الحالة ستكون ردات فعله للتعامل مع الأسعار المحلية كتعامل حكم كرة قدم قام بالتحكيم في مباريات ودية لأندية درجة ثالثة، ويطلب منه التحكيم في مباريات كأس العالم ..

عند باب محطة القطار، توقف مع عينات من المسافرين الذين هم من بلاد أقرب إليه جغرافيا، فسألوه عن وجهة انطلاقه، فأجاب : الى طنجة، تداخلت إجاباتهم وأحاديثهم، لا تسكن في شقة مفروشة، أطيب شيء عندهم القهوة، إنهم يسمونها (قهوة كَحلَة)، أكلهم لا تطيقه، إن لهم حبا في تناول الأسماك .. ذهب لشراء بطاقة في القطار، فسأله الموظف سؤالا عن وجهته، فأجاب، فعلق الموظف تعليقا لم يفهم معناه بالضبط، ففي المغرب، يتم تسكين الحرف الأول من الكلمة .. فيكون وقعها على الأذن مضطربا، لا يصل المعنى إلا بحدود النصف .. وهي احتمالية خطيرة، قد تأخذك للشمال، وقد تأخذك للجنوب..

أبرز تذكرته لمفتش البطاقات والذي كان يُطلق عليه في العراق (التي تي) .. فاستفسر من المفتش، عن الكيفية التي سيصل بها الى طنجة، أجابه المفتش على عجل، فلم يفهم منه، لكن أحد الركاب المغاربة فهم حاجته، فتطوع بشرح الكيفية التي عليه أن يتبعها .. فعليه أن ينزل بمحطة (عين السبع) ومنها يستقل القطار الى (سيدي قاسم) ومن هناك، عليه أن ينتقل الى قطار (طنجة) ..

في طريقه لسيدي قاسم، نصحه أحدهم أن ينزل في القنيطرة، ويأخذ حافلة على الطريق السريع، ومنها سيصل الى طنجة بيسر ..

لم يلحظ بالقنيطرة أي ملامح عدوانية، كالتي تم تحذيره منها، فبالرغم أنه أخرج نقوده كاملة أكثر من مرة أمام أكثر من صنف من المواطنين، فإنه لم يفقد فلسا واحدا، بخلاف ما حدث له في إيطاليا أو جنوب إفريقيا، وكلتا الدولتان تصنفان على (العالم الأول) .. كان الكثير من الناس، يعرض خدماته مجانا، وبأنفة عهدها في أكثر من مكان في البلدان العربية .. ولعل الناس الذين يبنون صورهم القبيحة عن الشعوب، يكونون (هم) في وضع لا بد من تعرضهم لما يتعرضون له، كالذي يمر من جنب (جرو) وهو في وضع خائف، فإن الجرو سيستأسد عليه، ومن يذهب في هدف (بطال) يشتم رائحته كل من يبحث عن صنفه ..

عندما اقترح من كان سببا في زيارة المغرب، برنامجا للتعرف على شمال المغرب، تم الاتصال بشاب اسمه ( عبد الرحمن) أحضر سيارته وأخذه الى ملتقى البحرين (الأطلسي والمتوسط) ودخل مغارة (هرقل) .. وكانت رطبة تنحدر قليلا، يجلس فيها من يبيع قطع التراث القديم، وكانت لحية البائع البيضاء وهدير البحر والظلمة والرطوبة كفيلات لجعله كأنه وضع في آلة العودة بالزمن للوراء ..

وفي اليوم الثاني، أخذه عبد الرحمن الى (تطوان) وجعله في الطريق يتوقف عند مضيق جبل طارق، ويدخل المنطقة الحدودية، بعدما تأكدت الشرطة، أن هذا العربي، لن يبتكر ما يكدر علاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي، من خلال تسلله عبر المضيق الى أوروبا، هاربا .. تناول سمك السردين الطازج والمعد بطريقة شواء الصيادين .. ودخل تطوان بعد أن لمس حضور المشاريع العربية المشرقية هناك .. وكان يحدق في الأسوار التي تشير الى أحياء من هربوا من الأندلس، ليستقروا في المغرب .. دخل وصلى العصر في جامع (محمد الخامس) بتطوان .. وتجول بالأسواق .. وعاد الى طنجة .. وتكررت الزيارات الى الأماكن المحيطة بطنجة .. ولم يقبل عبد الرحمن الذي لم يتصرف كدليل سياحي أن يأخذ بدل الأيام الأربعة، إلا بإلحاح من ضيفه .. فقد أخبره عبد الرحمن إن الاتصال بإخواننا و التعرف على طبائع تفكيرهم وأخلاقهم أفضل ثمن وأكبر أجرة ..

لم يزر سوى ولاية من ولايات المغرب الثمانية، فامتلأت رئتاه بعبق الأخوة والشعور بتماسك تلك الأوطان الوجداني، فكيف لو تم زيارة (فاس ومكناس والرباط و مراكش) وبقية أنحاء المغرب، أو كيف لو تم زيارة بقية بلدان وطننا الكبير ..

ومع ذلك رفض أن يصنف كسائح ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 15-08-2007, 05:31 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

أبو فوطة

من بين القضايا الاجتماعية الكثيرة التي تجمعت لديه دون أن يقرأها بكتاب أو يتعلمها في مجلس، قضية سلوك الآخرين تجاه ما تكون عليه هيئتك الخارجية .. فقد كان يستعمل بصفة شخصية مركبتين: أحدهما (بيك أب) ياباني موديل 1988 و سيارة مرسيدس 2000 (قرش ونص) [حسب التسميات الدارجة] .. فإذا أراد أن يتفقد أعماله الزراعية استخدم ( البيك أب) .. ولم يكن يفاجأ بطريقه في أن يستوقفه الكثير من الناس الذين يطلبون توصيلهم الى المدينة كركاب، وأحيانا يكون مع هؤلاء المسافرين (كبشا) أو (كيسا) من (جعابير) و(هو الشمام الذي لم ينضج بعد، تكون أحجام ثماره بأحجام كرات التنس الأرضي) .. فيكفي منه إشارة بالاعتذار عن التوقف، وأحيانا يتوقف ويحمل أحدهم بعد تقدير الجانب الإنساني للحالة ..

أفراد شرطة المرور ودوريات الجمارك، هم الآخرون لا يتوانون عن توقيفه عندما يقود (البيك أب) .. ولكن كل تلك المظاهر تختفي عندما يركب سيارته (المرسيدس) .. فلا يعود هناك من يؤشر له ليحمله معه من على الطريق، وإن توقف متطوعا لحمل أحدهم فإن هذا (الأحد) سيتردد كثيرا قبل أن يوافق على نقله .. وإن مر بجانب دورية شرطة أو جمارك، فإن رفع يده بتحيتهم سيردون على تلك التحية بحماسة لم تكن موجودة عندما كان يركب (البيك أب)..

ما الذي يجعل الناس يتعاملون على هذا النحو؟ فقد يحس الفرد بأن هذا الكائن الذي يستقل تلك المركبة الفخمة، أحد وجهاء المنطقة أو أحد المدعومين أو أحد اللصوص أو أحد المرابين، فالاقتراب منه لن يكون مريحا، فإن خالفه الشرطي أو استوقفه لا يضمن شكل ردة فعله فيما بعد، وإن طلب أحد منه أن يوصله فقد تكون نظرات صاحب السيارة المرفه قد تضايق من ركب بجانبه إذا ما اكتشف ثقبا في ساق جوربه أو سوء كي ملابسه .. فيفضل الواقف على الطريق المكوث بشكل أطول من أن يغامر تلك المغامرة غير مضمونة العواقب..

على الإشارات الضوئية تجد أناسا طوروا فكرة التسول وجعلوا منها عملا مبررا (بالإلزام ) .. فمنهم من ينفخ (بالونا) ويتقدم به نحو أنماط من السيارات ينتقي منها ما يتناسب مع الفترة التي ستعلن الإشارة الحمراء انتهاء فترة التوقف فيتجول بين عينات هي الأفضل من العينات الأخرى للسيارات، عله يحظى بمن يشتري ذلك (المنطاد) .. كما سترى أطفالا يحملون أوعية مسطحة بها بعض قطع (العلكة) .. يتقدمون نحو نوافذ السيارات يرسمون على وجوههم مسحة حزن ورجاء، تدربوا عليها جيدا لتكون مؤثرة بشكل قياسي ـ استغلالا لوقت الإشارة الضوئيةـ .

كان (أبو فوطة) يحمل فوطة لا لون لها، فلن يستطيع أحد أن يقول أن لونها أبيض أو أسود أو بني .. كان فيها كل الألوان ولكن دون وضوح .. وكانت ليست جافة وليست رطبة، وهي مهارات استدل صاحب الفوطة على الهيئة التي يجب أن تكون بها حالة الفوطة، فإن كان بها ماء زائد قد تسيل وتترك دروبا على زجاج وجسم السيارة يصعب إزالة ما حملت من ذرات غبرة مع سيلانها بسرعة .. وإن كانت جافة لن تدل حركتها على أن صاحبها قد قام بعمل يستحق عليه (البخشيش) ..فقد كان يعصرها جيدا لدرجة انعدام وزن ما تحمل من ماء، وكان يستبق قدوم صاحب السيارة بثواني ليضيف لمساته الأخيرة على سيارته، وقد تكون تلك اللمسات ليست الأخيرة فحسب، بل الوحيدة أيضا ..

كان لا يشاور من يريد أن يمسح سيارته، وكان ينتقي السيارات الحديثة والنظيفة، ويدرس هيئة من نزل منها ومن يصطحب، فكان لا يحبذ مسح السيارات التي أصحابها شباب، أو أصحابها متقدمين في السن، بل كان يُفضل من جاء مع صديقته وكان يدرس كعالم نفس هيئة هؤلاء، فكرم الصديق يكون أفضل إذا كانت فترة صداقته أو معرفته بمن معه سواء كانت خطيبته أو زوجته المدللة، أما من كانت زوجته سمينة و اقتربت حياتهما الزوجية على التقاعد فسيكون اعتراض الزوجة أكبر من اعتراض زوجها .. فقد تبادر لسؤاله: من كلفك بمسح السيارة؟ هذا إن لم تشتمه وتنهره ..

كان أبو فوطة يتواجد في ساحة واسعة، لا سور لها ولا عليها حارس، فتقف بها سيارات المستعجلين والذين لا يرغبون في دفع أجور التوقف في مواقف مرخصة ومعروفة .. فكانت قيمة (البخشيش) تجمع معه يوميا ما يحصل عليه ثلاثة من عمال البناء ..

تحرى أبو فوطة عن صاحب الساحة، فعرف أن صاحبها في كندا، وإنه كان على خلاف مع ورثة آخرين متناثرين في أكثر من بقعة جغرافية، ولما لم يراجعه أي منهم طيلة سنوات .. فقرر أن يضع عوائق أمام الساحة لا تلفت الانتباه بأن هذه الساحة أصبحت مرخصة خشية من دوائر البلدية أن تلاحقه، ولكنه يقف في الفتحة التي تفضي الى الساحة مبتسما، ويشير الى صاحبها محددا مكان وقوفه .. وعند خروجه من نفس الفتحة، كان يقف مبتسما فيناوله صاحب السيارة بعض النقود، حتى تعود الناس ذلك.. قام بعدها بطباعة أوراق عليها التسعيرة، فكان أصحاب السيارات يدفعون له دون تذمر ..

لكنه لم يستغن عن الفوطة نهائيا، تحسبا لحضور مفاجئ لأصحاب الساحة، أو تحسبا لمطالبة الدوائر المعنية إبراز رخصته، فإن سلوك (حمل الفوطة) هو ما سيشفع له .. فلم يثبت التسعيرة على (الكرت) أنها بدل وقوف السيارة، فإن سأله أحد عنها سيجيب إنها تسعيرة (الفوطة)..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م