من هدي رسول رب السماء في اختيار الألقاب والأسماء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رحمة الله تعالى للعالمين محمد وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد
يقول الله جل وعلا :
*(( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ))* .
كان ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) يتخير في خطابه , ويختار لأمته أحسن الألفاظ , وأجملها , وألطفها , وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش , فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا ولا فظا .
وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك , وأن يستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله .
ولما كانت الأسماء قوالب للمعاني , ودالة عليها , اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب , وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها , فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك , والواقع يشهد بخلافه , بل للأسماء تأثير في المسميات , وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح , والخفة والثقل , واللطافة والكثافة , كما قيل :
وقلما أ بصرت عيناك ذا لقب _____ إلا ومعناه إن فكرت في لقبه .
وكان صلى الله عليه وسلم يستحب الاسم الحسن , وأمر إذا أبردوا له بريدا أن يكون حسن الاسم حسن الوجه . وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة , كما رأى أنه وأصحابه في دار عقبة بن رافع , فأتوا برطب من رطب ابن طاب , فأوله بأن لهم الرفعة في الدنيا , والعاقبة في الآخرة , وأن الدين الذي اختاره الله لهم قد أرطب وطاب , وتأول سهولة أمرهم يوم الحديبية من مجيء سهيل بن عمرو إليه.
وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء , ويكره العبور فيها , كما مر في بعض غزواته بين جبلين , فسأل عن اسميهما فقالوا : فاضخ ومخز , فعدل عنهما ولم يجز بينهما.
ولما كان بين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة, ما بين قوالب الأشياء وحقائقها , وما بين الأرواح والأجسام , عبر العقل من كل منهما إلى الآخر.….
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بتحسين أسمائهم , وأخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها , وفي هذا والله أعلم تنبيه على تحسين الفعال المناسبة لتحسين الأسماء , لتكون الدعوة على رؤوس الأشهاد بالاسم الحسن , والوصف المناسب له .
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك, لا ملك إلا الله )) .
وثبت عنه أنه قال :
(( أحب الأسماء إلى الله عبد الرحمن وعبد الرحمن , وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة )) .
وثبت عنه أنه قال :
(( لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح , فإنك تقول : أثمت هو؟ فلا يكون , فيقال : لا )) .
وثبت عنه أنه غير اسم عاصية , وقال :
(( أنت جميلة )) .
وكان اسم جويرية برة , فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جويرية .
وقالت زينب بنت أم سلمة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا الاسم , فقال :
(( لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم )) .
وعلى هذا تكره التسمية ب :التقي , والمتقي , والمطيع , والطائع , والراضي , والمحسن و المخلص , والمنيب , والرشيد , والسديد . وأما تسمية الكفار بذلك , فلا يجوز التمكين منه , ولا دعاؤهم بشيء من هذه الأسماء , ولا الإخبار عنهم بها , والله عز وجل يغضب من تسميتهم بذلك .
وغير(صلى الله عليه وآله وسلم ) اسم أصرم بزرعة , وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح .
وغير اسم حزن جد سعيد بن المسيب وجعله سهلا فأبى , وقال : السهل يوطأ ويمتهن .
قال أبو داود : وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب , فسماه هشاما ,وسمى حربا سلما , وسمى المضطجع المنبعث , وأرضا عفرة سماها خضرة , وشعب الضلالة سماه شعب الهدى , وبنو الزنية سماهم بني الرشدة , وسمى بني مغوية بني رشدة .
ولما كان الاسم مقتضيا لمسماه , ومؤثرا فيه , كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه , كعبد الله وعبد الرحمن , وكان إضافة العبودية إلى اسم الله , واسم الرحمن , أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما ...
ولما كان مسمى الحرب والمرة أكره شيء للنفوس وأقبحها عندها , كان أقبح الأسماء حربا ومرة , وعلى قياس هذا حنظلة وحزن , وما أشبههما , وما أجدر هذه الأسماء بتأثيرها في مسمياتها , كما أثر اسم ( حزن ) الحزونة في سعيد بن المسيب وأهل بيته .
ولما كان الأنبياء سادات بني آدم , وأخلاقهم أشرف الأخلاق , وأعمالهم أصح الأعمال , كانت أسمائهم أشرف أسماء , فندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التسمي بأسمائهم , كما في سنن أبي داود والنسائي عنه :
(( تسموا بأسماء الأنبياء )) ولو لم يكن في ذلك من المصالح إلا أن الاسم يذكر بمسماه , ويقتضي التعلق بمعناه , لكفى به مصلحة مع ما في ذلك من حفظ أسماء الأنبياء وذكرها , وأن لا تنسى , وأن تذكر أسماؤهم بأوصافهم وأحوالهم . ((( مقتطفات ابن القيم رجمه الله تعالى ×( زاد المعاد في هدي خير العباد )× مع شيء من التقديم والتأخير , صلوات الله تعالى وسلامه عليه ))) .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
|