قراءة في قصيدة الشاعرة حنان فاروق … ( دمي الموشّى بالدموع )
القصيدة :
http://hewar.khayma.com/cgi-bin/ulti...c&f=3&t=002281
والأمس يرسم للغد المجهول .. احلاماً تضيع
اذاً هناك رسم … هناك احلام تتراءى في الافق البعيد البعيد .. تكبر .. تعلو .. وتتلاشى
قصيدة ذات جرس موسيقي عذب يضرب بضربات رقيقة على القلب .. الا انها موجعة في بعضها لتضخم الالم ومشاعر اليأس ولتضعنا أمام مرآة نرى فيها نفوسنا التي تعترك الحياه .. وتأمل وتشتعل نيرانها الا انها تخبو وتخبو بفعل ما يجري خارجها على الصعيدين الخاص والعام ..
بدأت شاعرتنا الرقيقة قصيدتها بالدم الموشى بالدموع .. وهذه صورة غريبة بعض الشيء .. وجاءت هنا دلالة على عمق مشاعر التعب واليأس .. الا ان القلب جاء هنا رافضاً ويأبى الخضوع وهذا شيء يتطلب ارادة قوية .. وبالرغم من حالة الحزن الذي يغمر نفس الانسان الا ان هناك ذكر للحياة والسلامة .. المعركة دائرة في نفس شاعرتنا .. تود الانفصال عن حالة الخضوع والاستسلام.. والامل يصيص تستحثه على التواجد لكنه بعيد ..
اما قولها في البيت التالي :
الامس يرسم للغد المجهول .. احلاماً تضيع ..
فهنا نجد التشخيص واضحا جليا ..فالأمس كالرسام الذي يرسم .. فنظن بأننا نمسك بزمام الامور .. الا انه يرسم للغد المجهول ..احلاما .. والاحلام لا تأتي كما يرسمها ويخطط لها فتضيع .. وفي هذا البيت يكمن التناقض والامل واليأس ..والحياة هكذا .. فيها الفرح والحزن .. والحب والكره ..وهنا جاء التناقض بهذه الصورة ليعبر عن حالة الانكسار الذي يعانيه الانسان .. احلام تعلو وتعلو … لكنها تخبو .. حالات من القوة تضىء القصيدة الا أن اليأس يغمر المكان ويعلوه
اما قول الشاعرة :
أوكلما اويت شمساً أطفأت في الشموع
ثم استدارت تشعل النيران في القلب الصريع
فقد تألقت في وصف الأمل بالشمس ومع هذا فاليأس يقاوم الامل والتغيير .. وهذا ما عبرت عنه شاعرتنا المبدعة بوصفها اليأس بالقلب الصريع ..وقد شبهت الشمس بانسان يشعل النيران ليضيء المكان .. ففي هذا البيت صوت وحركة واضطراب ولون ..
وتستمر شاعرتنا في وصف حالة اليأس والحزن اللا متناهي الذي يغمر النفس .. بصورة نثر الرماد فوق الخنادق والصدوع كناية عن استمرار حالة الالم والسواد العام ..
اما الحنين .. فيعصف في النفس كالاعصار وهذه صورة نابضة بالحركة والاضطراب الشديدين وفيه دلالة عميقة على عمق الشعور والالم .. الا ان الخنوع يسيطر على المكان ويفرض نفسه عليه .. والخنوع من اقسى درجات انحطاط الانسان وذله ..اما الحنين فهو كالانسان ينسج في الفؤاد وما ينسجه هنا ما هو الا قافلة طويلة من الصقيع ..!
والصقيع هنا يعبر عن الموت وفقدان الامل .. الا ان القافلة تسير .. وهنا نجد الامل ..لانه لا بد للقافلة ان تمر وتترك المكان ..
الا ان هناك مجموعة من التساؤلات اثارتها شاعرتنا عندما تساءلت :
( ماذا جنيت لأستحق الموت في الزمن المريع
ماذا جنيت وقد اسرت بداخلي الطفل الوديع )
الصمت الذي يلف المكان ..والذي يعمي ابصارنا عما يحصل من ظلم الانسان لأخيه الانسان وليس هناك سامع ولا من مجيب ..
اما صورة الطفل ..فنراها دائماً في كتابات واشعار شاعرتنا حنان .. ففي داخل كل منا طفل لا يكبر .. بل يرفض ان يكبر .. يعيدنا الى نشأتنا الاولى ..حساس .. مرهف المشاعر اقرب الى النفس الحقيقية الصادقه ..دون زيف او اقنعه .. هو المستقبل .. هو الامل
وعند شاعرتنا .. الطفل مكبل بالمشاعر .. بل ومرفوض ومرمي ومنسي بين الضلوع .. فالضلوع هنا وكأنها سجن للآمال والاحلام
والذي عبرت عنه الشاعرة بالطفل .. وهذا الطفل ( الامل ) السجين بين الضلوع تألم وعبر عن ذلك بالبكاء ..ورفض ذلك السجن الا انه لم يسمع صوته ولم يسمح له بالتعبير عما يريد .. فندب حظه وجزع لما حصل له ..ولم حصل له ذلك ؟
قصيدة التناقضات ..هي قصيدتك يا شاعرتنا المبدعه ..كيف لا والحياة هي التناقضات ( الفرح والحزن واليأس .. الانتصار والهزيمة .. وهكذا ) ..لكننا دوما سنبحث عن بصيص امل نتشبث به .. نقويه .. ندعمه ..حتى يكبر ويكبر ليضيء ويغير ويعلي البنيان ..
وان لم نستطع ذلك .. خمد الطفل الذي في داخلنا ..وسجن وبكى وتألم ..فنصبح جثة هامدة لا حراك فيها ..وهنا تكمن المصيبة ..
الواقع يقتل الامال الا ان الانسان يناضل ويناضل من اجل اثبات رأي او كلمة او مبدأ يؤمن به وينشره ..
ابدعت شاعرتنا العزيزه حنان فاروق ..فالصور والدلالات عميقة لديك .. وقدمت كل ذلك بألفاظ واضحة قريبة من النفس مؤثرة موحية بضوء امل خافت لكن اليأس يغمره ..
لا تتركينا دون بصيص امل في المرات القادمه .. فرغم الدمار في المكان قد تنبت وردة توهج في داخلنا الشذى والعبق ..فتسرّي عما بنا من متاعب الحياه .. ويكون لها فعل السحر في قلوبنا ..
لك عزيزتي كل التقدير والاعجاب شاعرتنا المبدعه حنان فاروق
[ 10-08-2001: المشاركة عدلت بواسطة: رحاب الخطيب ]