معرض...
نقد ساخر
عصر الكلاب..الدولية
من الثوابت المستجدة في عالم اليوم، أن التقدم لم يعد يقاس بمعايير متخلفة من قبيل "ارتفاع الدخل القومي" أو "انخفاض نسبة الأمية"..إلخ، وإنما وضعت له مقاييس "حضارية" جديدة، على رأسها طبيعة الموقف من الحيوانات الداجنة وغير الداجنة.
إن فرنسا، مثلا، متحضرة ومتقدمة لا بسبب ارتفاع مستوى المعيشة فيها، وتوفرها على مراكز البحث العلمي..ولكن بسبب تخصيصها لدراجات نارية (هي الأولى من نوعها في العالم) مهمتها الوحيدة هي جمع مخلفات الكلاب من فوق الأرصفة، وكذا بسبب الإمكانية التي تتيحها لممثلة إغراء سابقة في التحول، وقد صارت شمطاء، إلى ناطق رسمي باسم حيوان الفقمة المهدد بالانقراض. والشيء نفسه يقال عن الولايات المتحدة الأمريكية التي صار تقدمها يقاس بعدد ما تفتحه للحيوانات من فنادق ومطاعم وملاعب رياضية.
وبما أن بلادنا العزيزة لا يمكنها أن تظل بعيدة عن التطورات الحاصلة في العالم، بادر من يعنيهم الأمر عندنا منذ سنوات، والحق يقال، فنظموا بالرباط أسبوعا للفرس، سرعان ما جرى تعزيزه –للإقبال الجماهيري "المكثف" عليه-بأسبوع ثان و خامس عشر، إلى حد أننا صرنا إلى أسبوع الفرس كل أسبوع، وهناك أمل أكيد إلى تحويله عما قريب إلى أسبوعين للفرس في الأسبوع. يضاف إلى ذلك أنه يستحيل فهم الاهتمام الحكومي الكبير بلعبة "الكولف" خارج هذا الإطار، أليست كرة "الكولف" البيضاء الجميلة غير حيوان داجن أليف محبوب ؟
إلا أن أهم محاولة بذلتها الجهات المعنية عندنا للحاق بالعالم المتقدم هي، دون شك، تلك التي شهدتها مدينة الرباط تحت شعار "المعرض الدولي للكلاب بالرباط : (كذا !).
صحيح أن فكرة معارض الحيوانات ليست جديدة على بلادنا، حيث يمكن اعتبار السوق الأسبوعي في البادية المغربية بمثابة ملتقى منتظم يعرض فيه الفلاح المغربي حيواناته (من حمير، وبغال، وعجول، ومعز..) للبيع، أو يتيح لها فقط فرصة التلاقي و الحوار، غير أن معرضنا " الحدائي" هذا متميز كل التميز عن جميع معارضنا التقليدية المعروفة وغير المعروفة.
إنه معرض دولي، أو غير وطني، مفتوح أمام الكلاب "الدولية"، مغلق في وجه الكلاب الوطنية : "الجحاميم"،التي لا تتقن شاحناتنا "الطائرة" على الطرقات شيئا غير إتقانها الدوس عليها !
وخوفا من تسرب "جحموم" من الجحاميم إلى "المعرض الدولي للكلاب بالرباط" وضع منظموه (وهم حسب الملصق الدعائي له : "الجمعية المركزية لتربية الكلاب بالمغرب") شروطا للمشاركة : فعلى الكلب الراغب في المشاركة أن يدلي باسمه، واسم أبيه وأمه، و موجز لعقد ازدياد أبيه و أمه، ورقم تليفونه، إضافة إلى "الشهادات" التي حصل عليها..إلخ. وعلى صاحب الكلب أن يدفع -نيابة عنه- مبلغا ماليا للمشاركة يتراوح بين 100 و 200 درهما، مع تحمله لكامل المسؤولية في حالة ما إذا عض حيوانه حيوانا أو حيوانا ناطقا !..
لنفرض أن كلبا من كلابنا الوطنية يعرف اسم أمه فقط، أو اسم أمه و أبيه، فمن أين له أن يعرف اسم أجداده ؟ وحتى إن عرفها، فأين له من رقم التليفون وبدراهم المشاركة ؟ إن الذين وضعوا شروط المشاركة قد استعانوا في وضعها، دون شك، بمستشارين من النصارى (على غرار ما يجري عليه الأمر في مؤسسات عديدة عندنا) أفادوهم بخبرتهم الكلبية في الموضوع، دون أن يكون لكلابنا المسكينة علم بذلك. وهذا لعمري شرط جديد من شروط الاندراج تحت "النظام الدولي الجديد".
المصدر : يا أمة ضحكت..! – مصطفى المسناوي
|