أخي الأستاذ ناجي علوش
شكرا لك، أما عن الشعر فكم اشتهر قولهم :" أعذب الشعر أكذبه" ولكن يبدو أن المعيار خاطئ، وإن كان في ذلك بعض الصحة بمعيار ما فلا شك أن ذلك يخص سادة الكلمات، واليوم أسرتني أبيات مطلع قصيدة للبحتري يمدح بها علي بن محمد بن الفياض، يقول فيها:
أعاد شكوى من الطّيف الذي اعتادا
..............رشداً توخّيت أم غيّاً وإفنادا
ألمّ بي وبياض الصبح منتظرٌ
...........قد رقّ عنه سواد الليلِ أو كادا
فأي مفترَقٍ لم يبتعث أسفاً
.............وملتقىً لم يكن للبثّ ميعادا
أتْوَيْتُ لبّي ومن شأن المحبّ إذا
...........ما قيد للشيء يُـتْوي لبّه انقادا
يرجو العواذل إقصاري وفي كبدي
.............نارٌ تزيدُ على الإطفاء إيقادا
ما حقُّنا من سليمى أن تقيضَ لنا
...........بالبذل منعاً وبالإدنائء إبعادا
هل كان البحتري يستعيد ذكرى معينة؟ أم هل تخيل تجربة ما ؟، أم هي مجرد السيادة على البيان؟ كله جائز.
وبالنسبة لي أرى أن الشعور هو أخص مقومات حيوية ما أقوله مما يمكن أن يسمى شعرا. وكلما كانت علاقة الشعر أوثق بالشعور وجدت ما أقوله أدنى إلى أن يرضيني، والعكس صحيح. ولهذا لا أجيد القول في السجالات التي يبرع فيها بعض الإخوان. كما أنني في مواضيع الشعر السياسي أجد نفسي بعد بضعة أبيات مهتما بالفكرة وإبرازها وهنا يتقدم الفكر على الشعور، وعلى ما في ذلك من سليم القصد فإن أشارك الكثيرين من الإخوان رأيهم بأن فيه حشوا يخل به من ناحية فنية، أو كما يدعوه صديق لي نثرا مشعّرا، ذلك أن الناحية الفنية تقع في المرتبة الثانية، وهي صنو الشعور. فإن تكلفت شيئا من القول على سبيل المجاملة لم أرض عنه ولم يعجبني. أقول هذا فيما يخصني شخصيا. ولعل ذلك لقصور المحصول اللغوي، ولعل من كانت لديه ذخيرة لغوية كبيرة يجد فيها مساعدا لدرء ضعف الارتباط بين الشعر والشعور.
ولهذا فتشخيصك صحيح بالنسبة لي.
----
أخي عبد السلام كلماتك عذبة نديّه أتطلع إلى بقيتها.
|