البسملة..
قال صاحبي: فماذا أحضر في قلبي عند قراءة البسملة؟
قلت: ألم تر إلى ممثلي الرؤساء والملوك يفخرون أنهم يتكلمون بأسماء ملوكهم فيختالون على الناس ويشعرون بأنهم أداة صالحة للتحدث بلسان عظمائهم؟
قال : بلى والله.
قلت: ويحملهم هذا على أن لا يتجاوزوا دائرة الإذن لهم في التحدث ويركزوا حديثهم ويتحفظوا أيما تحفظ لئلا يقعوا تحت طائلة مسؤولية المخلوق.
ولم نجد متحدثاً باسم ملك او رئيس أو أمير يهذي في كلامه أو يشط في ألفاظه.
فأنت أول كلامك باسم الله فلا بد أن يغمرك شعور بالعزة المستمدة من عزة الله إذ موقفك موقف من يتبرك باسمه ويخاطبه بكلامه، فلولا فضله عليك لم تقف هذا الموقف.
ألا ترى مئات بل ألوف الناس محرومين بذنوبهم من هذا الموقف فأسعدك وخصك وأكرمك وما ذلك إلا لأنه الموصوف بالرحمة المضاعفة، فالرحمة صفة ذاته سبحانه. والرحيم صفة فعله عز وجل، سرح فكرك وأعمله في مظاهر رحمته الملازمة لإسمه، وماذا تفيض على القريبين منه والمتشبهين بصفاته من اللين للخلق الرحمة لعباد الله. فالراحمون يرحمهم الرحمن (إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
ثم ابحث عن مظاهر الرحمة في سلوكك وناقش نفسك، وقس المسافة بين صفاة الله وصفاتك فإن وقفت على حقيقة ذلك فأنت احد اثنين، إما بعيد عن رتبة الراحمين فاسع في تحصيلها وإما قريب فاحمد الله، واشكره، واسأله الزيادة. فهو القائل (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) ولا مانع من ان تحضر في ذهنك من صور رحمته تعالى بخلقه ما يقو هذا الشعور:
وخذ من ذلك مثلاً اجراءه الارزاق على ضعاف مخلوقاته من غير كسب منها ولا أداة، ولعل أقربها منك بداية خلقك ما اجراه عليك من العناية والرعاية والخلق والتدبير والزرق وانت في ظلمات الأرحام أعجز من أن تجلب لنفسك خيراً او تدفع عنها شراً، وكيف وضعك موضعاً مأموناً، وأجرى لك من أسباب الغذاء والأنعاش ما حفظك به في ذلك الموضع، ثم إذا أخرجك طفلاً حنن عليك القلوب، واجرى لك اللبن المعقم بدرجة حرارة يحس بها الطفل باردة سائغة صيفاً، دافئة سائعة شتاءً.
ولو ذهبت تحدث نفسك بمظاهر الرحمة لاستغرقت في البسملة وحدها وقتاً طويلاً، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غذا قرأها مد كل لفظ من ألفاظها مدة تشعر المتأمل والفكر فيقرأها هكذا: بسم الله الرحمــــــــــــــن الرحيـــــــــــم.
|