مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 30-08-2001, 10:33 PM
politicsdarkness politicsdarkness غير متصل
المحايد
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 196
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى politicsdarkness
Question

ظلام السياسه......... يقول للاخت اليمامه........اطروحاتك وتحليلك السياسي فاق النظره المعتاده للمرأه العربيه......بل قتل اصحاب نظرة ان المراه لا تفقه ولا تعلم ولاتبدع الا في حدود مملكتها(سجنها)العائلي...
شكرا اليمامه وبالفعل استمتعت جدا بحوارك الجاد والمنطقي بالنسبه للكثير من رجالات العرب الحاقدين على تطور المرأه تحت غطاء الحشمه وان الفساد في حريتها........
__________________
فـــكـــري حر بلا قيد....
مــحــأيد..........بلا انحياز.
(سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)
  #12  
قديم 30-08-2001, 10:58 PM
ALAMEER99 ALAMEER99 غير متصل
عضــو
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
المشاركات: 4,541
Post

بسم الله .... وبه نستعين
أما بعد :-
تقول (( ياظلام )) [[ رجالات العرب الحاقدين على تطور المرأه تحت غطاء الحشمه وان الفساد في حريتها........ ]]

وأنا أقول ... [[ هل تطور المرأة يستدعي أن تكون بعيدة عن الحشمة ، وأن تكون متحررة بمفهومك للحرية ...؟؟؟؟؟ ]]

وهل الذين أمروا المرأة بالحجاب والحشمة هم رجالات العرب ...؟؟؟؟

وهل الذين أمروها بالحشمة والحجاب هم حاقدون ...؟؟؟

إن كان الأمر كما تقول ....
فالله تعالى ورسوله الكريم ... من رجالات العرب الحاقدين الذين أمروا المرأة بالحجاب والحشمة

تعالى الله عما تقوله علواً كبيرا
وقد إتضحت الصورة تماماً [[ حشفٌ وسوء كيل ... ]]
حسبنا الله ونعم الوكيل ....

ودمتــــم ،،،،،
__________________

عين الرضى عن كل عيب كليــلة
لكن عين السخط تبدي المساويا
  #13  
قديم 30-08-2001, 11:08 PM
politicsdarkness politicsdarkness غير متصل
المحايد
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 196
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى politicsdarkness
Question

تمنيت ان تفهم الحوار قبل الرد الثائر........لا تحاول الامير ابدا با سلوب الجهلاء ان تاخذ الحوار الى جانب الدين لتكسب قناع زائف تريد به اضافة القليل من سمات الجمال علو اسمك وحوارك.......رجاءا انت تكون اقوي في حواراتك بدلا من اسلوب الاعتماد على مغالطة الاخرين......وشكرا لك
__________________
فـــكـــري حر بلا قيد....
مــحــأيد..........بلا انحياز.
(سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)
  #14  
قديم 31-08-2001, 12:13 AM
makkah makkah غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2001
المشاركات: 86
Post

اختي اليمامة:
اعتقد ان حرب الخليج كان سيناريو سابق التجهيز من قبل امريكا. فبعد هذه الحرب ضمنت امريكا التواجد الدائم في منطقة الشرق الاوسط بحجة الخطر العراقي. كما انه بعد حرب العراق مع ايران, خرجت العراق كقوة عسكرية لا يستهان بها حيث كانت رابع قوة عسكرية في العالم و هذه القوة كان من الممكن استخدامها لصالح الامة العربية مما كان من الممكن ان يؤثر في ميزان القوى في المنطقة لغير صالح اسرائيل مع ملاحظة ان امريكا كانت قادرة في حرب الخليج على ابادة الجيش العراقي و لكنها كانت حريصة على هزيمة الجيش العراقي دون ابادته لانه جزء من التوازن السياسي و الاستراتيجي في الخليج و الذي سيكون اختلاله في صالح ايران. و ارجو يا اختي ان تلاحظي ان حرب الخليج كانت سببا في زيادة مبيعات السلاح الامريكي لدول مجلس التعاون الخليجي و هو امر له اهميته بالنسبة لدولة تعتبر اكبر مصدر للسلاح في العالم. و يقوم المركب الصناعي- العسكري بدور رئيسي في رسم ملامح سياستها الخارجية. و على ضوء هذه الخلفية يمكن فهم تاكيدات وزير الدفاع الامريكي السابق "وليم كوهين" خلال زياراته المتعددة لدول المنطقة خلال السنوات الاخيرة على ان الولايات المتحدة لا تعتزم تقليص وجودها العسكري في المنطقة. و صدق اسعد بن طارق ال سعيد, امين عام اللجنة العليا للمؤتمرات بسلطنة عمان, اذ قال: " الطلبات الامريكية لم تتوقف و لن تتوقف للحصول على قاعدة تمويل او هيمنة غير مباشرة, فاذا كان العراق هو السبب في ذلك اليوم, ففي اليوم التالي ستكون ايران, و في اليوم الثالث باكستان او افغانستان او السودان . و الزمن يمضي و لن ترفع يدها عن الشرق الاوسط ما دامت هناك ثروات".
كما اريد ان الفت نظرك الى نقطة اخرى. السعودية دولة اسلامية تطبق شرع الله, فلماذا لم تطبق قوله تعالى: ( و اعدوا لهم ما استطعتم من قوة) . لماذا لم نسمع عن جيش سعودي يدافع عن الاراضي السعودية او جيش كويتي يدافع عن الكويت؟؟!!
سيتهمني البعض باني مريضة بنظرية المؤامرة, و لكن هذه هي وجهة نظري.
ارجو عدم الاستماع لمن يثبط الهمم بادعاء ان امريكا هي القوة العظمى التي لا تهزم. ادعو الجميع ان يسال نفسه: من الاقوى الله ام امريكا؟؟؟ و اقرؤا قول الله عز و جل: " الذين امنوا يقتلون في سبيل الله و الذين كفروا يقتلون في سبيل الطغوت فقتلوا اولياء الشيطن ان كيد الشيطن كان ضعيفا, الم ترى الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم و اقيموا الصلاة و ءاتوا الزكوة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية"
و اذكروا ان كوبا الشيوعية هزمت امريكا في Bay of Pigs فما بالنا بالمسلمين اصحاب العقيدة و الايمان.
-----------------------
لا تصالح
و لو قال من مال عند الصدام
ما بنا طاقة لامتشاق الحسام
عندما يملا الحق قلبك
تندلع النار ان تتنفس
و لسان الخيانة يخرس
لا تصالح
و لو وقفت ضدك كل الشيوخ
و الرجال التي ملاتها الشروخ
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد
و امتطاء العبيد
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق اعينهم
و سيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
و لو قيل ان التصالح حيلة
انه الثار
تبهت شعلته في الضلوع
اذا ما توالت عليها الفصول
ثم تبقى يد العار مرسومة
فوق الجباه الذليلة
Guevara said: while envisaging the destruction of imperialism, it is necessary to identify its head, which is no other than the United States of America

[ 31-08-2001: المشاركة عدلت بواسطة: makkah ]
  #15  
قديم 31-08-2001, 03:02 AM
ARGOUN ARGOUN غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
الإقامة: MAMA ALGERIA
المشاركات: 164
إرسال رسالة عبر  AIM إلى ARGOUN
Cool

لو شككت هذا البالون...لفزعت أختي الصغرى...و كسرت الزهرية...فعاقبتني أمي و لم تعطني الحلوى...

إذن لا أشكك هذا البالون...كي لا تغضب أمري...عفوا أمي

في الحلقة القادمة من مغامرات Argoun في بلاد العجائب ستكتشفون هل حقا له دبوس و هل البالون بالون حقا و هل العقوبة هي الحرمان من الحلوى فقط...
تابعونا في الحلقة القادمة...
  #16  
قديم 31-08-2001, 03:04 AM
sahraan sahraan غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 16
إرسال رسالة عبر ICQ إلى sahraan إرسال رسالة عبر  AIM إلى sahraan
Post

السلام عليكم
الاخت اليمامة

اعتقد ان امريكا لايهمها التواجدالعسكري في
المملكة , لانة وبسبب مكانة المملكة الدينية
سيجلب لها معارضين هي في غناء عنهم .
كما ان الحكومة السعودية لاترغب بذلك
لحساباتها الداخلية .

لكن المملكة والخليج مهمة لامريكا ونفوذها العالمي

فكان البديل الامريكي عن وجود قواعد عسكرية
امريكيةثابتة في المملكة يديرها امريكان
كما هو الحال الان

ان قامت وبموافقة الحكومة بجعل تسليح الجيش
السعودي
ومنشاتة ونظم التدريب والقيادة
مطابقة للجيش الامريكي

وقام سلاح المهندسين الامريكي بتصميم والاشراف
على تنفيذ كثير من المشاريع العسكرية

بحيث لو احتاجت امريكاللتواجد السريع في منطقة
الخليج يتم الامر بسهولة وكفاءة وباقل تكلفة

فمثلا القواعد الجوية حضائر الطائرات والمدارج
وانظمة الامداد والصيانة
مطابقة لمواصفات الجيش الامريكي
عندما نشرت امريكا ( u2وB1 ) في ازمة الخليج
لم تواجة صعوبةبالرغم من ان هذة الطائرات
تحتاج مدارج طويلة للاقلاع والهبوط
ايضا انظمة القيادة والسيطرة
المواصلات
الاتصالات , كلها مطابقة للمواصفات الامريكية


فالولايات المتحدة لم تحاول التواجد العسكري
في المملكة في الحرب الباردة والثورة الايرانية
اوعلى الاقل لم تضغط في هذا الاتجاة

والرواية الرسمية تقول ان التواجد الامريكي
هو لتنفيذ القرارات الدولية

ومادام المملكة مستهلكة للسلاح وقطع الغيار
ولا تتوفر لديها القاعدة العلمية والصناعية
لتوفير منتجات بديلة
ونظامها السياسي قوي ومستقر .

ونفوذهافي الخليج والشرق الاوسط في حدود
المسموح بة
وتوجهاتها السياسية لاتتعارض مع التوجهات الامريكية

فالوجود العسكري الامريكي في المملكة
لااعتقد انة يشكل ضرورة امريكية في الوقت الحالي

لكن في المستقبل .... اللة اعلم

وشكرا
  #17  
قديم 31-08-2001, 05:01 AM
عندي أمل عندي أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 54
Post

الاخت اليمامه
اخوتي في الله جميعا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لليمامه على هذا الموضوع الجيد،والذي اتوقع له ان يرشح كموضوع الاسبوع.
(مبروك لليمامه مقدما) .كان في نيتي ان اشارك في هذا الموضوع بمشاركه مختصره، ولكن لأهمية هذا الموضوع وحيث انه كتب فيه الكثير من الكتاب قرارت ان تكون مشاركتي طويله نسبيا حيث انني سوف اقوم بنقل (قص ولزق؟؟؟)احد اهم ماكتب عن حرب الخليج (يبدولي ان هناك الكثير من الاخوه لم يتسنا لهم الاطلاع على مسوف انقله من قبل) ....ومن بعد نناقش هذا الموضوع ان بقي لنا ما نقول!!!!!!! ولن اذكر لكم اسم كاتب هذه الماده في الوقت الحالي وارجوا من الاخوة الذين سبق وان اطلاعوا عليها عدم ذكر اسم الكاتب ليتم النقاش على ضوء المعلومات دون اي تحيز

ملاحظه...هذه الماده كتبة عام 1991
____________________

-1- النفط والسيطرة الدولية

لا ريب أن أساس هيمنة الغرب على العالم المعاصر هو تفوقه الصناعي واحتكاره للقوى وتطفيفه في التعامل، ولا ريب أن النفط هو السلعة الضرورية الحيوية للصناعة والحياة الغربيتين، ليس لأنه مصدر الطاقة الرئيسي في العالم بعد انتهاء عصر الفحم الحجري فحسب، بل لأن استخدام النفط في الطاقة على أهميته أصبح هدفاً من جملة أهداف أخرى مهمة كثيرة، فلا يكاد يخلو مجال من مجالات الصناعة الحديثة من استخدام النفط حتى الأدوية والعطور والملابس والأواني والصناعات الحربية... الخ.
ومع هذه الأهمية العظمى فإن العالم الغربي (وأمريكا خاصة) الذي يخطط إلى ما بعد 500سنة من الآن بالنسبة لبدائل الطاقة واحتياطي المعادن وجد نفسه أمام تراجع كبير في احتياطيه من النفط كما أن توابعه (اليابان مثلأ) لا تنتج النفط أصلاً.
وتشير آخر الإحصائيات إلى أن احتياطي الولايات المتحدة الأمريكية سينفد سنة 2000 وسينفد احتياطي الاتحاد السوفيتي سنة 2003.
أما أكبر مخزون للنفط في العالم فهو منطقة الخليج عامة والمملكة العربية السعودية خاصة حيث لا يقل هذا الاحتياطي عن 60% من الاحتياطي العالمي كله وإذا استمر الإنتاج في معدله الحالي فإن المخزون السعودي سوف يستمر 125سنة والكويت 144سنة والعراق 98سنة والإمارات 120سنة (انظر مجلة الأسبوع العربي عدد 22/ 10/ 1990).

يضاف إلى ذلك الفرق الهائل جداً في تكاليف الإنتاج وكميته فالبئر الأمريكية تنتج18 برميلاً في اليوم في حين أن البئر السعودية قد تنتج 18000 برميل لمدة تزيد عن 45 سنة !!

ومن هنا برز الخليج العربي باعتباره أهم منطقة في العالم على الإطلاق وأصبح محط شراهة القوى الطامعة، وبذلك تكون القوة المسيطرة على الخليج هي القوة المتحكمة في شرايين الحياة في العالم الغربي ويمكن لها أن تخنق الغرب إلى أن يموت.

يقول الرئيس نيكسون: "أصبحت الآن مسألة من يسيطر على ما في الخليج العربي والشرق الأوسط تشكل مفتاحاً بيد من يسيطر على ما في العالم" المذكرات ص 105 وقال : "إن منطقة كانت ذات يوم تنعم إلى حد كبير بخيال رومانتيكي أصبحت الآن تمسك مصير العالم بذراعيها أو برمالها بتعبير أدق" ص100.

أما الرئيس كارتر فقد عبر أحد مستشاريه عن مشاعره قائلأ: "لو أن الله أبعد النفط العربي قليلاً نحو الغرب لكانت مشكلتنا أسهل" (التدخل العسكري في منابع النفط ص 12). فهو يتمنى لو أن الله جعل النفط في محيط سيطرة الدولة اليهودية التي هي جزء من الغرب دينياً وعرقياً، وهذه العبارة الصليبية ليس أسوأ منها إلا ما قاله أكثر من مسؤول أمريكي ومنهم السفير السابق في السعودية :
"إننا ذهبنا لتصحيح خطأ الرب حيث جعل الثروة هنا بينما العالم المتحضر في مكان آخر" (قاتله الله وأخزاه).

ومع هذه الأهمية الحيوية البالغة فإن لهذه المنطقة أهمية من جوانب أخرى فهي مهد الحضارات وملتقى الطرق العالمية (كما أن لها حساسيتها الدينية والتاريخية التي لا يتجاهلها أحد) ومن هنا كانت محط التنافس الضاري طوال القرون (البيزنطيون، التتار، العثمانيون، البرتغاليون، الإنجليز) كما أن تركيبتها العرقية والطائفية تجعلها منطقة قابلة للالتهاب بسرعة (عرب، فرس، أكراد، ترك، بلوش، سنة، شيعة، خوارج، يهود في إيران، نصارى في العراق... الخ.)
ولهذا ظلت هذه المنطقة بؤرة للتناقضات والحروب والصراع الفكري، وبعبارة أصح للفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تأتي من قبل تلك الجهة. وأصبح لزاماً على كل من يتعامل معها أن يراعي هذه الحساسيات البالغة والأوضاع المعقدة

***************

-2- الخليج هدف السيطرة

والغرب الصليبي حاول منذ أربعة قرون تقريباً السيطرة على المنطقة (كمحاولات البرتغاليين) وفي القرن الماضي اشتد التنافس بين فرنسا وبريطانيا عليها ثم تفرد الإنجليز بالهيمنة المطلقة وسلم لها سائر الغرب بذلك حتى بعد اكتشاف النفط وقدوم الشركات الأمريكية إلى المنطقة(1*).

وابتدأ أفول شمس الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية واستقلال أكثر مستعمراتها ومع ذلك ظلت متشبثة بمنطقة الخليج وجنوب الجزيرة. إلا أن هذا لم يمنع حليفتها الأقوى ومنافستها الكبرى (الولايات المتحدة) من الاضطلاع بدور ما في المنطقة وبداية السعي لاحتوائها. فكان ما سمي "مبدأ ترومان" الذي أمر في منتصف عام 1948 بتشكيل القوة الخاصة السادسة التي كانت سابقاً تدير الأسطول السادس الأمريكي... وبدأت الطائرات الأمريكية على الفور باستخدام قواعد في ليبيا وتركيا والعربية السعودية (ضمن قانون الإعارة والتأجير الذي سعى الرئيس روزفلت إلى إدخال المملكة فيه كدليل على حسن النية تجاهها) وهكذا تشكل وجود عسكري أمريكي في الشرق الأوسط لأول مرة). (مذكرات نيكسون ص 104).

وبعد سنوات حدثت أحداث كبرى منها النزاع العربي الإسرائيلي واشتداد المنافسة السوفيتية وهو ما استدعى وجوداً أمريكياً أقوى وأكثر تمركزاً إلا أن الأوضاع السائدة في المنطقة كانت لا تسمح بوجود عسكري أمريكي مباشر فكان التركيز الأمريكي على أن تتم السيطرة على البحر الأبيض من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى. ومن هنا كانت القواعد الأمريكية تحيط المنطقة من بعيد ولكن باهتمام شديد "فى أسبانيا، تركيا، اليونان، كينيا، الصومال، تايلند، فيتنام" على أن أهمها اتخذ الجزيرتين الاستراتيجيتين مقراً له وهما:
"دييغو غارسيا" في المحيط الهندي وهي من أرخبيل موريشس وتبعد 3700 كم عن منطقة الخليجومع ذلك يعلق الأمريكيون، عليها أهمية كبرى ويعدونها أهم قاعدة لهم لحماية الخليج! فكيف نتصور ابتهاجهم اذا أصبح لهم وجود فعلي في الخليج نفسه.

والأخرى جزيرة "كريت" في البحر الأبيض وكلاهما رغم البعد النسبي تجعلان منطقة الخليج ضمن دائرة هيمنة الطائرات الأمريكية الحديثة (مثل بي 52، إف 14، 15، 16) التى تنطلق من حاملات طائرات متطورة.

وفي سنة 1387 هـ- 1967م، كانت الحرب المعروفة بين العرب واليهود وصحبها إغلاق قناة السويس وما هو أعظم منه وهو الاستياء الشديد الذي عم العالم الإسلامي كله والعرب خاصة من الموقف الأمريكي المنحاز جدأ إلى اليهود، مما فسح المجال للمنافسة السوفيتية وأعطى الأنظمة والأحزاب الثورية الاشتراكية الموالية للسوفييت الوقود لإشعال العداوة ضد الأمريكان ليل نهار، حتى شهدت المنطقة ثورات ومظاهرات تتغذى بشعار "بترول العرب للعرب" (وقد شملت هذه المظاهرات عمال آرامكو العرب)، وأعقب هذا إعلان بريطانيا عام 1389هـ (1969م) تخليها عن منطقة الخليج بعد عامين أي سنة 1971م مما أحدث قضية كبرى بالنسبة للعرب أسموها "الفراغ الأمني في الخليج) وكان طبيعياً أن تكون الولايات المتحدة هي المهتم الأول بالأمر. وكان المفترض أن يكون لها وجود مباشر في الخليج وخاصة في مضيق هرمز ولكن "لسوء الطالع"، كما عبَّر نيكسون، حدث ذلك عندما كانت صرخات الشعب الأمريكي تتعالى ضد الحرب في فيتنام، وهنا برزت أعقد مشكلة داخلية حيال الوجود الأمريكي المباشر في الخليج وهي عقدة فيتنام التي ظلت أمريكا تحسب كل حساب لتلافيها (وهذا ما هيأ له ريجان ونجح فيه بوش إلى حدٍ كبير).

- هذا وفي أثناء ذلك كانت المملكة السعودية بيد الملك فيصل الذي أجمع ساسة العالم على حنكته ودهائه والذي كان يدرك مخاطر المنطقة كلها فكانت سياسته تسعى إلى إبعاد الوجود الأجنبي كله سوفيتياً أو أمريكياً عن المنطقة ومن أعماله في ذلك:-

1- نزع الفتيل الذي أراد الغرب تفجير المنطقة به وهو النزاع على واحة البريمي وذلك بالصلح مع الإمارات، بل السعي إلى قيام الاتحاد بينها وحث قطر والبحرين على الدخول في الاتحاد ولما لم تدخلا سعى إلى ربطهما بالمملكة بأقوى الروابط الممكنة.
2- إقامة علاقة متينة مع شاه إيران -الذي سيأتي الحديث عنه- وقد أعلنا ومعهما الرئيس الصومالي ثم أبو رقيبة فكرة "التضامن الإسلامي" لتجابه الفكر الثوري (الناصري والبعثي).

وما أن هلك عبد الناصرسنة 1390 هـ- 1970م وجاء السادات حتى انضمت مصر إلى الفكرة وقام ما يشبه التحالف القوي في المنطقة بين "إيران، السعودية، مصر" وكان الكل يعلن رفض الوجود العسكري الأجنبي، وإن كانت هناك بعض التسهيلات للقوات الأمريكية وخاصة في مصر وعمان وإيران.

وفي سنة (1393 هـ-1973م) وقعت حرب رمضان واستطاع الملك فيصل فيها تحقيق هدفين كبيرين:-

* الأول : سلب القوى الثورية شعارها القديم حيث أعلن هو حظر النفط عن الغرب الذي وقف مع الدولة اليهودية في حرب صليبية سافرة.
* الثاني : إثبات أن أمر المنطقة بيد أهلها وأن التحدي للغرب ممكن ولو جزئياً. ومع أن الحرب نفسها كانت حرب تحريك للقضية لا تحرير لفلسطين "كما اعترف السادات" فإن الغرب استجاب للتحدي بأقوى ما يمكن ولم ينس وزير الخارجية الأمريكي اليهودي- هنري كيسنجر- إهانة الملك فيصل له وتحديه لأمته حين قال: (نحن نستطيع أن نعيش على اللبن والتمر كما كان أجدادنا من قرون!!).
وأعقب تلك الحرب بروز منظمة الأوبك كقوة عالمية وارتفاع أسعار النفط بشكل لم يسبق له نظير (مع أنه سعر عادي للغاية) وهو ما كانت له آثاره الواضحة في الاستراتيجية الغربية كما سنرى، كما أعقبها اغتيال الملك فيصل واختفت تماماً فكرة حظر النفط ودخلت المنطقة في دوامة فك الاشتباك ثم الحلول والمبادرات السلمية (التي منها معاهدة كامب ديفيد) وبرز شرطي الخليج "الشاه" ليكون أقوى قوة في المنطقة وقام بإذلال العراق (اتفاقية شط العرب التي وقعها صدام) وتهديد دول الخليج الأخرى!!

وحاول إحكام قبضته على الخليج بل سعى إلى تزعم المنطقة بكاملها إلا أن الغرب أدرك في النهاية أنه وضع ثقته في غير موضعها وأخذ يعيد النظر في تقديراته بشأنه، وهنا نعود قليلاً إلى الوراء ثم نتابع سقوط الشاه ونتائجه.
(1*) انظر مثلاً السلام البريطاني في الخليج و كتاب تاريخ الخليج العربي و كلا المؤلفين انجليزي !

***************

-3- برامج لاحتلال الخليج والجزيرة


أثناء ذلك كان أيضاً المعسكر الشرقي يعيش أقوى مرحلة في تاريخه فقد سيطر على دول ومناطق وممرات استراتيجية "القرن الأفريقي، عدن، إثيوبيا، أنغولا، ليبيا".

وكادت منظماته الثورية تسيطر على أندنوسيا ثم السودان وعمان وأخيراً اليمن الشمالي، وحاولت أكثر من مرة الانقلاب على حكومة العراق، وقل مثل ذلك عن تركيا وإيران وغيرهما، هذا فضلاً عنالتنين الشيوعي الآخر الصين! لقد كان زحفاً شيوعياً هائلاً اجتاح العالم ابتداء من أوروبا الشرقية وانتهاء بأفغانستان المسلمة التي أراد الله أن تكون بداية النهاية وله الحمد والمنة.. وكان هذا من أعظم الأسباب لزيادة المخاوف الأمريكية إلا أن عقدة فيتنام الكبرى لم تنحل بعد، وفي هذه الحقبة اتسمت السياسة الأمريكية بشيء من التخبط والتناقض واختلاف الرأي بشدة بين الإدارة والكونجرس والمجالس المتخصصة واللجان الاستشارية... الخ رغم ثبات الأهداف الاستراتيجية التي من أهمها: تحجيم الوجود السوفييتي، وضمان تدفق النفط. ووجدت أمريكا نفسها مرغمة أكثر من ذي قبل على انتهاج سياسة الحوار مع الاتحاد السوفييتي والاعتراف له بكثير من المطالب إلى درجة أقلقت الشعب الأمريكي وكادت تفقده الثقة في تفوق أمريكا وسيادتها.
والواقع أنه مع الضعف الأمريكي الواضح أيام "فورد وكارتر" فإن أمريكا ومعها حلفاؤها الغربيون يخططون في الخفاء لإقحام المعسكر الشرقي في مآزق كثيرة تجعله ينساق لهم في النهاية مستغلين في ذلك الاستبداد والظلم ومجافاة الفكر الماركسي للفطرة الإنسانية أصلاً.
ويهمنا هنا المنطقة الإسلامية حيث عمد الأمريكان إلى سياسة"اللقاح والشراء" إذ تركوا كثيراً من الشعوب تقع في شباك الشيوعية وسرعان ما وجدت هذه الدول نفسها في ضوائق إقتصادية كبيرة ولم يكن في إمكان موسكو نجدتها إذ كانت تعاني هي الأخرى مثل ذلك وخاصة مع القيود الإقتصادية الأمريكية عليها وهنا جاء دور الدول الموالية لأمريكا التي اشترت ولاء أكثر تلك الدول وحولتها تلقائياً إلى المعسكر الغربي بعد أن نالت لقاحاً يعتبر حصانة أبدية من الشيوعية، ولم تخسر أمريكا شيئاً.

(ولم يقتصر ذلك على الدول بل تعداه إلى الحركات التحررية أيضاً).

وفي ظل تلك الأوضاع المتقلبة والإدارة الأمريكية الضعيفة ظهرت دعوات قوية في أمريكا تنقد ضعف بلادها وتنذر أمتها بالخطر المحدق إن لم تعد العدة كاملة لإحتلال الخليج. كما صرح بعضهم أو لحماية أمن الخليج كما يعللها الأكثرون. ونشير هنا إلى بعض المُتَرجَم المتداول في الأوساط العربية منها، ونوجز ما احتوت عليه مما لا تخفى دلالته على مثلكم:-
1- دراسة عسكرية استراتيجية نشرتها مجلة فورتشون الأمريكية في مايو 1979م بعنوان "التدخل العسكري في منابع النفط، الاحتمالات والخطط " ومما ورد فيها ص 4: "إن نزاعاً بين العراق والكويت أو السعودية نابعاً من الخلافات القائمة منذ زمن حول الأراضي هو خطر حقيقي".
ثم تقول الدراسة :-
"لقد أوضح كل من براون وبريجينسكي - مساعدا الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي - مؤخراً أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات من بينها استخدام القوات العسكرية لحماية مصالحنا في العربية السعودية".
وتجمل الدراسة الاستراتيجية الأمريكية العسكرية في شقين قائلة :-

الشق الأول: تعزيز الأمن الداخلي في دول الخليج ضد ما تشعر إدارة كارتر أنه مد متنامٍ من عدم الاستقرار السياسي، ويرى المسؤولون في واشنطن أن عدم الاستقرار هذا يتفاقم من خلال الفساد المنتشر والتفاوت الكبير في الثروات، ووجود أعداد هائلة من العمال الفلسطينيين واليمنيين والأجانب الآخرين.. ويتمتع العمال المهاجرون بقليل فقط من الامتيازات التي يتمتع بها المواطنون.

أما الشق الثاني من تلك الاستراتيجية: فيقضي بإيجاد طرق من أجل زيادة حجم الوجود الأمريكي في دول الخليج أو على الأقل التحرك بسرعة أكبر في أوقات الأزمات. ص 6.

وبعد أن تشير الدراسة إلى الصعوبات الإمدادية وعدم تملك أمريكا لقواعد في أراضي الخليج تقول: "أحد الاحتمالات هو محاولة التوصل إلى اتفاق مع السعودية من أجل توسيع القواعد القائمة حالياً في تلك البلاد حتى تستطيع استيعاب قوات أمريكية، وهناك خيار آخر هو الحصول على إذن للسماح بإيداع مسبق للمعدات والإمدادات في السعودية للاستخدامات الطارئة"(2*) ص 7.

وتقول الدراسة :-
"أظهر استفتاء للرأي، أُجري مؤخراً بين سفراء الولايات المتحدة في المنطقة، أن هناك إجماعاً على القول بأن تمركز قوات برية، أو زيادة القوات البحرية (الأمريكية) في المنطقة قد يؤدي الى إضعاف الدول التي ستتمركز فيها هذه القوات، بدلاً من أن تقويها. فمن شأن المجموعات المتطرفة أن تستغل العواطف "المعادية للاستعمار" المتبقية منذ الأيام التي كانت فيها الأراضي العربية مستعمرات أو محميات لبريطانيا وللدول الأوروبية". (التدخل العسكري في منابع النفط ص 7).
واُذكِّر سماحتكم وأصحابَ الفضيلة أن هذا الكلام نشر قبل إحدى عشر سنة وأحيلكم إلى الخرائط العسكرية التي اشتملت عليها الدراسة عن الاحتمالات والخطط وهي مرفقة هنا.

2- دراسة استراتيجية بعنوان "تحديات الأمن القومي في العربية السعودية في العقد المقبل" ( أي الثمانينيات الميلادية ) كتبت سنة 1978م قبل نجاح الثورة الإيرا نية.
وحين تحدثت الدراسة عن النزاعات المحتملة قالت: "من المحتمل أن تصبح العراق وإيران أعداء للسعودية في منطقة الخليج فالرياض قلقة بشأن المطالبة القديمة بالكويت وبشأن حوادث إطلاق النار المتفرقة على طول الحدود المبهمة بين هاتين الدولتين".
ويعود الصراع بين العراق والكويت إلى ما قبل حصول الكويت على استقلالها التام في عام 1961م. وتدعي العراق أن لها الحق في المناطق التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية التي تدعي أنها وريثتها القانونية، ولو قبلنا هذا المنطق لأصبحت الكويت جزءاً لا يتجزأ من العراق.
أما الكويتيون فيقولون إنهم كانوا دوماً محافظين على وضعهم ككيان مستقل....
وقد تقرر العراق أن تحل مشاكل الحدود عسكرياً فتلجأ إلى الاستيلاء على البلاد بأسرها وهو أمر يمكن إنجازه بسرعة إلا إذا تدخلت دول أخرى لتساند الكويت.
والسعودية لا تستطيع أن تفعل الكثير من وجهة النظر العسكرية لإيقاف أي غزو عراقي للكويت، ويتم الآن إنشاء مركز عسكري سعودي قرب الحدود العراقية العسكرية (يقصد مدينة حفر الباطن العسكرية). لكن السعوديين قد لا يستطيعون أن يتحدوا قوة بغداد العسكرية. (ص 6، 7.(
وفي موضع آخر تتحدث عن الخطر العراقي أيضاً واحتمال إقدام العراق على اتخاذ بعض الإجراءات الجوية لمعاقبة المملكة لأسباب ذكرت منها "دعمها للأنظمة التقليدية" أو لأنها تنتج النفط أكثر مما ينبغي أو لأنها تعرقل الحصول على أسعار أعلى للنفط، أو من جراء دعم السعودية المحدود للكويتيين في نزاعهم الإقليمي مع العراق... "يلاحظ أيضأ هذا الكلام كتب قبل 12 سنة" ومع ذلك فإن الأسباب الأولى الواردة هنا هي ما تضمنته مذكرة الاحتجاج العراقية ضد الكويت والإمارات المقدمة لجامعة الدول العربية والتي أعقبها الغزو العراقي ثم تقول: "أما احتياط النفط السعودي فمن المحتمل أن لا يلعب دوراً في أي هجوم تشنه العراق. إذ أن احتياط النفط العراقي قد لا يفوقه سوى احتياط النفط السعودي، والصراع العراقي الكويتي يرجع على الأرجح إلى رغبة العراق في تسهيل الوصول إلى البصرة وهي مرفأ العراق الرئيسي على الخليج لا إلى الحصول على موارد الكويت النفطية الكبيرة" ص 22-23.

3- دراسة استراتيجية بعنوان "خيارات السياسة الأمريكية في إيران والخليج"
نشرت أيضأ في أوائل عام 1979م وهي تشمل المساحة الزمنية التي أشرنا إليها أي فترة إدارة كارتر الضعيفة وتخبط الآراء الأمريكية حينئذ قبيل سقوط الشاه وقد وضعت ثماني خيارات للسياسة الأمريكية واهتمت جداً بموضوع الخليج كالعادة ومما أوردته بشأنه (عقب الحديث عن مشكلة شط العرب
"يمكن لإيران أن تتورط في عداوة ضد الكويت وقد وقعت حوادث على الحدود العراقية الكويتية، وإذا ألحت العراق في مطالبتها بتلك الدولة الغنية بالنفط بأساليب عسكرية سيكون من المدهش بعض الشيء أن تتخذ إيران موقف المتفرج. وحتى مع خروج الشاه عن السلطة قد لا يتغير تصور إيران لأمنها القومي بشكل ملحوظ على الأقل في الخليج الفارسي إلا إذا تغيرت الحكومة الإيرانية بدرجة متطرفة إما إلى اليمين وإما إلى اليسار.
وعلى افتراض أن توجهات إيران العسكرية الحالية ستظل ثابتة في الخليج حتى مع رحيل الشاه فقد تتحرك إيران عسكريأ إذا هدّد الاضطراب المحلي في الكويت بتولي السلطة نظام متطرف، ومن الصعب التكهن بما يمكن أن تفعل بغداد أو موسكو ولكن يجب عدم استبعاد احتمال القيام برد عسكري، وربما تم تدخل أمريكي لدعم إيران بشكل مباشر سواء رداً على تدخل خارجي أو بدونه. (ص 18،19(.
( من الدلالات المهمة لهذا الكلام استعداد أمريكا للنزول في إيران أيضاً لو حكم الكويت نظام متطرف وعجزت إيران عن القضاء عليه بسبب تدخل العراق أو غيرها لدعمه وذلك لأن إيران هي شرطي الخليج آنذاك والمهم أن التدخل العسكري المباشر وارد وأن الكويت هي الطعم في أي سيناريو قد يتم تنفيذه).
وتقول الدراسة :-
إن بعض الأدلة على أن السياسة الأمريكية كانت تتحرك بدقة نحو وقف تدخل عسكري مباشر في الخليج الفارسي ظهرت في التقرير السنوي المقدم إلى الكونجرس من وزير الدفاع هارولد براون يوم 2/2/1978م، هو يعتبر "حالة طوارىء" ترتبط بالعمل العسكري الأمريكي في الخليج الفارسي حالة ملائمة للتخطيط الأمريكي لاستخدام القوة. ويستمر قائل اً:
إن هذه الطوارىء ليست مجرد أوضاع ملائمة منهجية نستخدمها قاعدة لتطوير موقف دفاعي غير نووي إنها حالات طوارىء جدية حقيقية يجب أن نستعد لها بشكل محدد.
وأهم ما في الدراسة هو الخيار المشار إليه وقبل عرض ما يهمنا منها نذكر ما جاء في ديباجتها بشأن المملكة:-
"مالت الولايات المتحدة إلى الربط بين مصالحها في إيران وعلاقاتها مع السعودية، وهو ما وصف أحياناً بسياسة - العمودين- رغم أنه اسم لاينطبق على الحقيقة، إن أقدم حليف لأمريكا في الخليج الفارسي هو السعودية، ففي السعودية وليس إيران قامت شركات النفط الأمريكية بزعامة أرامكو بعمل رائد في إرساء القوة الاقتصادية الأمريكية في الشرق الأوسط... ومن الواضح أنه مع اعتماد الولايات المتحدة والغرب عموماً بهذا القدر على النفط السعودي يصبح من الضروري بحث الدور المحتمل للمملكة السعودية فيما يتعلق بأمن أمريكا القومي في الخليج الفارسي، خاصة في إطار المصاعب الإيرانية (يعني قلاقل الثورة الإيرانية حينئذ) إن جميع الخيارات الثمانية المقدمة هنا للسياسة الأمريكية في إيران لها علاقة بالسعودية أيضاً، وهي تتراوح من علاقات عسكرية وثيقة بين واشنطن والرياض إلى انسحاب عسكري كامل من الخليج واستخدام إسرائيل كقوتنا الوكيلة في هذه المنطقة. ص 52.
وهذا موجز للخيارات- مع الاقتضاب فيما أسقطه الواقع منها:-

الخيار الأول:

موجزه استمرار السياسة الأمريكية في الخليج كما هي-أي الاعتماد على ايران- حتى بدون نظام الشاه، واستمرار العلاقة مع النظام البديل أيَّاً كان نوعه "ويعني هذا الخيار أيضاً عدم تغيير العلاقة الأمريكية السعودية القائمة وسيستمر برنامج التحديث العسكري في المملكة بنفس السرعة المعتمدة الحالية، ولن تكون ثمة خطة لاستخدام التسهيلات العسكرية السعودية من جانب أمريكا - ص 52،53.

الخيار الثاني:

موجزه التحول من الاعتماد على إيران إلى الاعتماد على السعودية، وتقول الدراسة "وتحت هذا الخيار ستغيِّر الولايات المتحدة علاقتها العسكرية بالسعودية من المساعدة غير المباشرة إلى نوع من الوجود المباشر، وبكلمة أخرى ستقوم واشنطن بأكثر من التركيز على الدفاع عن المنطقة الأساسية المنتجة للنفط (الشرقية) وعن العاصمة ومجمع جدة – مكة - المدينة كما تفعل سياستنا الحالية....
"وقد تقوم الولايات المتحدة ببناء تسهيلات للسعودية بدعم مالي من الأخير ويمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تستخدم هذه التسهيلات للحفاظ على إمكانات عسكرية غير متوفرة الآن في المنطقة بقصد استعمالها في وقت الأزمات، وسيتطلب هذا مطارات متسعة كثيراً وتسهيلات أكثر في الموانيء ومناطق تخزين عسكرية أكثر اتساعاً كما سيؤدي إلى وجود المزيد من المستخدمين العسكريين الأمريكيين " .

الخيار الثالث:

" بإمكان الولايات المتحدة مضاعفة و جودها العسكري المباشر في السعودية بدون إقامة علاقات أوثق بالضرورة وقد يكون هناك المزيد من الزيارات من قبل القوات البحرية الأمريكية والقوات الأخرى " .
وضمنه "ويمكن أيضاً بذل جهود لزيارة دول أخرى في الخليج كالعراق وستظل الفكرة الأساسية هي وجو عسكري أمريكي ثابت ولكن غير مخيف وبحري بصورة أساسية وهذا الاستعراض المتزايد للعلم الأمريكي في الخليج الفارسي(3*) يمكن توسيعه ليشمل الشواطئ الجنوبية لشبه الجزيرة العربية حتى البحر الأحمر ثم حتى قناة السويس شمالاً.
" ويتطلب هذا الخيار تسهيلات في الموانئ خارج تلك التي نستخدمها في إيران والبحرين ومرة أخرى تظهر أهمية السعودية بوضوح من حيث الفوائد والتكاليف فالتسهيلات الجديدة في -جدة- على البحر الأحمر كتلك التي في-الجبيل- على الخليج الفارسي سيكون بمقدورها في النهاية استقبال السفن البحرية حتى حجم الفرقاطة" ص ه ه.
وهنا تلتفت الدراسة إلى موضوع في غاية الأهمية فتقول:
وسيؤدي الوجود المتزايد تحت هذا الخيار إلى جمع معلومات استخبارية أفضل نتيجة لتحسن نشاطات جمع المعلومات من قِبَل الولايات المتحدة ونتيجة للاتصالات المكثفة مع القوى المحلية بشأن التهديدات الخارجية.
بل إن الولايات المتحدة قد تقرر أن التسهيلات المشتركة في جمع المعلومات الاستخبارية ستكون مفيدة.
وفي الحقيقة إن العمليات الحالية لجمع المعلومات الاستخبارية في إيران قد يصبح من الضروري إيجاد مكان جديد لها وإعادة النظر فيها وإذا حدث ذلك فسيكون للسعودية أهمية كبرى من جديد أو من المحتمل أن يكون نظامها أكثر استقراراً في المستقبل من الأنظمة الأخرى في منطقة الخليج" ص ه ه، 56.
ثم ترجع الدراسة لتواصل الحديث "ويمكن دمج الخيار الثالث مع الثاني طالما أن أية زيادة للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة قد تعتمد على التعاون السعودي " .

الخيار الرابع:

موجزه العمل من أجل إرجاع الشاه ولكن مع سلطة أقل، ومن الواضح استبعاد هذا الخيار لأن الشاه قد رحل. ص 56.

الخيار الخامس:

موجزه الجمع بين قوة مقلصة للشاه العائد إلى إيران وبين تعويضات متزايدة في السعودية، وقد سقط هذا الخيار كسابقه. ص 56.

الخيار السادس:

موجزه إعادة الشاه قوياً بواسطة قوات عسكرية أمريكية بالتعاون مع الجيش الإيراني أو غيره من الجهات، وفائدة هذا الخيار إظهار أمريكا بموقف الملتزم الوفي لحلفائها، لكن سلبياته كثيرة. ص 56، 57.

الخيار السابع:

موجزه التخلي عن المنطقة بسبب الوجود العسكري، ووقف مبيعات الأسلحة وعدم التدخل بشؤونها الداخلية، إلا أن الدراسة تستبعد هذا الخيار وإيراده هو من باب الاحتمال العقلي المجرد. ص 57.

الخيار الثامن:

موجزه الاحتلال المباشر الصريح لحقول النفط والإطاحة بأنظمة الخليج الفارسي بمساعدة الحليفة إسرائيل !! .
وفي النهاية توصي الدراسة بأن مزيجاً من الخيارين الثاني والثالث هو أحكم سياسة تتبعها الولايات المتحدة مع إعادة التأكيد على أهمية الدور السعودي ص58.

4- دراسة للدكتور بيتر تبزجر حول خطط التدخل العسكري الأمريكي في منابع النفط:
نشرها الأستاذ أحمد المصري في شئون فلسطينية العد 112 آذار مارس 1981م ذكر فيها أنه في بداية السبعينيات وخاصة بعد حرب رمضان "بدأت المصادر العسكرية الأمريكية تتحدث بوضوح عن أنه إذا تعاظم اعتمادنا على النفط الخارجي أو تدهورت سيطرتنا في السياسة الخارجية والنفوذ الدولي فإن البديل قد يكون إرسال حملة عسكرية إلى الشرق الأوسط تجعل فيتنام تبدو بالمقارنة كنزهة" الفكر الاستراتيجي 3/ 76 يناير 1982م.

5- مذكرات الرئيس نيكسون أو الحرب الحقيقية:-
وهو كتاب ألفه نيكسون الذي يتميز بمقدرته التنظيرية وتُرجم للعربية سنة (1403هـ –1983م) تحدث نيكسون عن أهمية النفط والخليج وعن قضية الفراغ الأمني وحظر النفط العربي عام 1973م وخطر الزحف اليساري الموالي للسوفييت ومما قال:
وبدلاً من أن تبدِّل الوجود البريطاني بوجود أمريكي مباشر عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتماد على قوى محلية وهي إيران والعربية السعودية بالدرجة الأولى لتوفر أمناً للخليج وذلك عندما قمنا بتقديم المساعدات والعون العسكري، وقد سارت سياسة العمودين بشكل معقول إلى أن إنهار أحدهما وهو إيران (عام 1979 م)- ص 113.
ويتحدث عن الشاه قائلأ:-
( إضافة لرفضه المشاركة في فرض حظر النفط عامي 1967 و 1973- واصل الشاه اعترافه بإسرائيل وتزويد أسطولنا في البحر المتوسط بالوقود ومنع العراق من القيام بأي دور هام في حرب الغفران وذلك بتحريك قواته إلى الحدود الإيرانية العراقية ) ص ه11.
ويستمر في تعداد مآثر الشاه على أمريكا والغرب إلى أن يقول: (فالشاه كان يشكل الزند الذي حمى السعوديين الأغنياء المعرضين للخطر وقام بتسوية النزاعات الإقليمية مع البحرين والعراق وشجع على قيام الترتيبات من أجل الأمن الإقليمي مع دول الخليج الأخرى وانتهت الآن تلك الجهود بكاملها بعد أن طار حكم الشاه) ص 116.. وينقل عن أحد مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية في أوائل عام 1979م قوله :

(إن تفكك الجيش الإيراني أصبح حقيقة واقعة سببت تغييراً هائلاً في ميزان القوى في المنطقة بأسرها فقد ظل جيش إيران لسنوات عديدة يقوم بدور وضع المطامح العراقية ضد إسرائيل والكويت تحت المراقبة وقام بحماية سلطان عمان ضد عصابات ظفار الذين تزودهم اليمن الجنوبية بالسلاح وأكد ضمان السادات في مصر والأمراء السعوديين وقد حدث الآن فراغ مُغرٍ حيث كان جيش الشاه واقفاً بالمرصاد) ص116.
وتتلخص نظرة نيكسون إلى المستقبل (أي في الثمانينات) لضمان مصالح أمريكا والغرب المتسترة بغلاف أمن الخليج في أمرين :-

الأول: استمرار سياسة العمودين مع إحلال العراق محل إيران وهذا ما سيأتي تفصيل الحديث عنه.

الثاني: الوجود العسكري المباشر حيث يقول : (وبما أن النفط ضرورة وليست حاجة كمالية للغرب فإن على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا واليابان أن يجعلوا تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لحكومات المنطقة أفضلية ويولوا هذا الأمر أولوية في اهتماماتهم وذلك لصد أي عدوان عليها داخلياً كان أو خارجياً وينبغي علينا أن نكون على استعداد وراغبين في اتخاذ أي إجراءات -بما في ذلك الوجود العسكري القوي وحتى العمل العسكري- من شأنها أن تحمي مصالحنا وينبغي علينا أن نكون على استعداد لتأييد أقوالنا بالأفعال.
وإعلان مبدأ العظمة بأن الولايات المتحدة ستقاوم أي تهديد للمنطقة بالرد العسكري لن يعدو أكثر من كونه مدفعاً فارغاً ما لم يكن لدينا قوات في موقعها لكي تجعل تعهدنا محطاً للثقة به... وإنه لمن الضرورة بمكان أن يكون للولايات المتحدة وسائل أساسية بحيث تساعدنا على عرض قوتنا بشكل مقنع في المنطقة وأن ترد بشكل سريع على أية تهديدات مفاجئة)ص 131 إلى أن يقول:

(وفوق كل شيء يجب أن نؤكد بشكل واضح لا غموض فيه لزعماء العربية السعودية وعمان والكويت والدول الرئيسة الأخرى في المنطقة بأنه في حال تهديدها من قبل القوات الثورية سواءاً كانت تهديداً من الداخل أو الخارج فإن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبهم بكل حزم وهكذا لن يعانوا المصير الذي لقيه الشاه...

وعلينا أيضاً أن تكون لدينا القوات التي يمكننا أن نستخدمها، فقد نركب المخاطر في الدفاع عن مصالحنا في الخليج العربي لكننا سنعرض أنفسنا لركب مخاطر أكثر جسامة إذا ما أخفقنا في الدفاع عن تلك المصالح) ص 132..
وهذه الخطة من نيكسون التي كانت عماد سياسته هي ما يسميه البعض "مبدأ نيكسون" القائم على الجمع بين المشاركة الإقليمية المدعومة، والاستعداد للتدخل المباشر) -انظر الوجود العسكري الغربي في الشرق الأوسط ص 30 ) .
ومن المؤلم المثال الذي ضربه نيكسون للمملكة نقلاً عن مسؤول أمريكي كبير وهو قوله: (والخطاب موجه لإحدى الصحفيات) : -
"افترضي أنكِ إمرأة ثريَّة تعيشين لوحدك في بلدة صغيرة محاطة بالمداخن كل واحد يدري أن تحت وسادتك مجوهرات بالملايين وليس من شرطة تحميكِ فلا بد أن يأتي "الشريف" من حين لآخر ويعطيك قبلة كبيرة ويولي أدباره أفلا يشعرك هذا بالأمان" ص 19 (ويعني بالشريف: الولايات المتحدة ) .

إن ما ذكرناه آنفاً بإجمال قد دفع مخططي السياسة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات متعددة لضمان الأهداف الاستراتيجية ومن هنا شرعت أمريكا في إنشاء قوة عسكرية خاصة مهمتها الانتقال السريع إلى الخليج والانتشار فيه سبقاً لأي حدث وفي الوقت نفسه استمرت سياسة العمودين المتساندين كأمر واقع في المنطقة.
والكلام عن هذه القوة كثير جداً وأكثره مترجم متداول ولذلك سأقتصر على ذكر المعالم البارزة عنها والإشارة إلى بعض المصادر فقط.

- يرجع كثير من الباحثين تكوين هذه القوة إلى التوجيه الرئيسي "رقم 18" الصادر في أغسطس 1977م (أي قبل 13 عاماً من الغزو بالضبط) بعد تولي كارتر بمدة وجيزة (انظر مثلاً قوة الانتشار السريع عبد الهادي ناصف ص 91 ) .
- ثم كان التقرير السنوي لعام 1977م المقدم في أوائل عام 1978م من وزير الدفاع المتضمن أن حالة طوارىء حقيقية مفتعلة من أمريكا هي المبرر للتدخل العسكري في الخليج وقد سبق نقله.
- وفي نوفمبر 1979م تم اعتقال الرهائن الأمريكيين في طهران الخميني وبعد ذلك بستة أسابيع اقتحم الروس أرض أفغانستان المسلمة وهذا ما عجل بإظهار قوة الانتشار السريع ورصد الميزانيات الضخمة لها، (ص 91 قوة الانتشار...).

(2*) و بالفعل أنشئت قواعد عسكرية لا نظير لها في أكثر دول العالم ، و فوجئ الأمريكيون عند مزولهم فيها بتطورها و استيعابها و مضاهاتها لأكبر القواعد في بلادهم ، و المؤلم أن أحد خبراء البنتاجون قال : " يجب أن تكون هذه القواعد مناسبة لنزول قواتنا و إنه ينظر إليها كقواعد أمريكية لأننا سننزل فيها إن بطلب من السعودية و أن بغير طلب"!
(3*) كل الدراسات الأجنبية تصر عمداً على تسميته بالخليج الفارسي !!

[ 31-08-2001: المشاركة عدلت بواسطة: عندي أمل ]

[ 31-08-2001: المشاركة عدلت بواسطة: عندي أمل ]
  #18  
قديم 31-08-2001, 05:03 AM
عندي أمل عندي أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 54
Post

-4- تشكيل قوات التدخل السريع

في 20 يناير 1980م ورداً على العدوان السوفييتي على أفغانستان ألقى الرئيس كارتر خطاباً مهماً للشعب الأمريكي قال فيه:-

" إن أية محاولة من جانب أية قوة أجنبية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي سوف تعتبر بمثابة عدوان على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ولسوف يقابل مثل هذا العدوان بكافة الوسائل الضرورية بما في ذلك القوة العسكرية " (4*) .

هذا الإعلان الذي أطلق عليه المحللون "مبدأ كارتر" هو الترجمة العملية والواضحة للخطط الأمريكية السابقة، وعليه جرى تشكيل القوة من فيلق مستقل وقوات أخرى منتقاة من فروع القوات الأمريكية المختلفة.

ومع أنه لا يهمنا كثيراً تشكيلات هذه القوة فسوف أذكر بعضه لنتذكر جميعاً أنها هي التي سمعنا الأنباء عن وصولها في الأيام الأولى من الحملة الغربية على المنطقة:-

أ- الفرقة 82 المنقولة جواً وتُعدُّ 15.200 فرد. ويحتاج نقلها من "فورت براغ " إلى السعودية -كما قدروا- 11 يوماً لتصل الدفعة الأولى " 2000 جندي " من المظليين خلال 24ساعة.

ب- الفرقة 101 المنقولة جواً وتُعدُّ 17.900 فرد ومقرها فورت كامبل بولاية كنتاكي.

ج- فرقتان بحريتان يتألف كل منها من 000،20 فرد تقريباً.

د- الفرقة 24 مشاة "ميكانيكي" .

هـ- الفرقة 9 مشاة.

و- اللواء المدرع 194.

ز- اللواء 6 فرسان.

ح- كتيبتا كوماندوز.

ط- قوة مشاة برمائية.

ويبلغ مجموع التشكيلات حوالي 200,000فرد بالإضافة إلى 100,000فرد احتياطي، ونسبة النساء لا تقل عن 10% أي 30,000امرأة.

وقد خصص لهذه القوات عدد هائل من الطائرات يتراوح ما بين 600-1000 طائرة، هذا عدا القطع البحرية الكثيفة التي تتفاوت ما بين حاملات الطائرات الضخمة إلى الزوارق السريعة.(5*)
(وهنا نتوقف لنذكر أصحاب السماحة والفضيلة بأن هذه القوات بعينها هي التي جاءت إلى المملكة وبالعدد نفسه حيث المقرر اكتمال وصولها للمملكة في 15 أكتوبر الموافق 26 ربيع الأول وقد تستغرق حوالي شهراً تقريباً لتعزيزها، ولهذا أعلنوا أن المواجهة -إن كانت- ستكون في منتصف نوفمبر أي نهاية شهر ربيع الثاني تقريباً!!) .

وقد ظل الحديث عن قوة التدخل السريع هو الشغل الشاغل للصحافة الخليجية خاصة في أواخر عام 1979م- 1399هـ وشاركت في ذلك الصحف السعودية وبعض الصحف الإسلامية أيضاً، وعلى المستوى الرسمي عبرت بعض الدول عن رفضها للفكرة بصراحة في حين اكتفى بعضها بالتلميح.

- ولعل أكثر حكومة رفضت ذلك صراحة هي الكويت ثم العراق، وقد كان لشجب الكويت صداه في الصحافة السعودية، فقد علقت جريدة الندوة على ذلك قائلة: "إن الرفض الكويتي للتهديدات الأمريكية باستخدام القوة في منطقة الخليج ليس تعبيراً عن موقف الكويت فحسب بل عن موقف العرب كلهم" وقالت: إن الأمة العربية على استعداد لمواجهة هذه التهديدات واحتمالاتها المختلفة بكل ما أُوتيت من قوة وقالت: إن الحديث المكرر عن المصالح الحيوية في منطقة الخليج (وهو تعبير أمريكا) تذكير بقانون الغاب الذي كنا نظن أن العالم قد نسيه وطواه إلى الأبد. أما العراق فقد حذر صدام حسين (الذي كان نائباً للرئيس حينئذ) من أن أي شروع في محاولة للاعتداء على أي بلد عربي أو بترول من شأنها أن تشعل النار في بترول المنطقة وتحرق في المقام الأول المعتدين أنفسهم!! .

وقد أعقب ذلك فتور في العلاقة بين المملكة العربية وأمريكا خاصة وأنه جاء عقب تحفظ المملكة على اتفاقية كامب ديفيد وقطع علاقاتها مع مصر.

- وقد اهتمت أمريكا كثيراً بردود الفعل العربية الواقعة والمحتملة وأهم المخاوف كانت كما عبّر جون كولينن الذي أعد دراسة كاملة عن قوات التدخل هي أن "قوة عراقية مشكلة من عشر فرق ومدعومة بأسراب من المقاتلات يمكن أن تمثل تحدياً لهذه القوات الأمريكية في حال تدخلها " (السياسة الكويتية -العدد 3897 في 4/ 5/ 1979م ) .

- ولعل من دواعي السخرية المرة أن الصحافة الكويتية (القومية خاصة) عبّرت كثيراً عن اعتزازها بالقوة العراقية التي يخافها الأمريكان!!. (تماماً كما فعلت هي والصحافة السعودية عندما أعلن صدام أنه سيحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج) .

- أما الصحافة الأمريكية والغربية فقد أخذت القضية من جوانب عدة لعل أبرزها ما يتعلق بخطط التنفيذ وكيفيته فقد شرعت في نشر كثير مما يسمى "سيناريوهات" التدخل منذ بداية الفكرة وقبل إعلان كارتر لمبدئه أي عقب حظر النفط مباشرة من ذلك ما نشرته صحيفة صاندي تايمز في عددها الصادر في 9/2/1975م و فيه :

"أنجز مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة دراسة تفصيلية لخطة سرية للغاية وضعتها وزارة الدفاع لغزو حقول النفط السعودية في حال نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط ينجم عنها حظر نفطي عربي جديد، وقالت: إن هذه الخطة واسمها بالشيفرة "الظهران الخيار الرابع" قد وضعها البنتاغون لهجوم أمريكي على حقل الغوار النفطي الذي يحوي 40% من احتياطي العالم المعروف من النفط وتقود هذا الهجوم تسع كتائب مشاة محمولة جواً من قاعدتها في ولاية نورث كارولينا وبحماية جوية إلى الظهران في الخليج عن طريق القاعدة الجوية الإسرائيلية في "حتسريم" وتستولي كتائب المشاة على حقل النفط في الظهران حيث تعمد إلى إجلاء الرعايا الأمريكيين ومن ثم تتابع سيرها إلى الداخل حتى حقل الغوار بعد أن تستولي على أرصفة الموانئ ومستودعات التخزين في رأس تنورة وبعد ذلك بثلاثة أيام تتبعها فرقة مشاة بحرية قوامها 000،14 رجل يتم إرسالهم إلى الخليج بطريق البحر (النفط العربي والتهديدات الأمريكية بالتدخل 1973- 1979م مروان بحيري ط 1980 ) .

- وقد تحدثت هذه الخطط عن خلو المنطقة من السكان وخلوها من الأشجار (أي بعكس فيتنام) ونحو ذلك من العوامل المشجعة على التنفيذ الضامنة للبقاء، وفي الوقت نفسه تحدثت عن العوامل المضادة التي يمكن تلخيصها بأنها فنية وتقنية بالدرجة الأولى وقد تكون تخريباً للمنشآت تقوم به القوات السعودية.

- وفي شهر مارس 1976م أي قبل 15سنة إلا قليلاً نشرت جريدة الأنباء الكويتية ترجمة لمقال نشر في إحدى المجلات الأمريكية، عنوان الترجمة "خطة أمريكية لاحتلال السعودية وتسليم إيران للسوفييت".

ابتدأ المقال بتأكيد أنه: ليس أمام الحكومة الأمريكية إلا خياران:

إما الانهيار الإقتصادي، وإما الاستيلاء على المملكة العربية السعودية ثم قال:

"لا تضحكوا فلدى البنتاغون خطة جاهزة لتنفيذ هذه الفكرة التي كانت موضع بحث وتمحيص بين عدد من الخبراء الاقتصاديين والمتخصصين في شؤون الشرق الأوسط داخل الحكومة وخارجها بصورة جدية ومفتوحة.
لكن لم لا؟ ليست هذه مجرد فكرة جيدة بل إنها ضرورة مطلقة بالنسبة للولايات المتحدة ولباقي بلدان العالم غير العربية إذا أرادت استعادة التحكم بحياتها الخاصة.

ففي الشرق الأوسط يقطن 10% من مجموع سكان العالم بينما تحتوي أراضيه على 75% من الاحتياطي العالمي للنفط ولا بد من تصحيح هذا الخطأ. لن يتأتى هذا التصحيح إلا عن طريق استخدام القوة، فلم نسمع حتى الآن أن أي عربي تخلى عن بئر نفطية عن طيب خاطر، والولايات المتحدة هي الوحيدة التي تملك قوة تمكنها من تحقيق هذه الخطوة، وعليه فإن الاستيلاء على المملكة العربية السعودية لن يكون مشكلة، ويمضي المقال في الحديث عن إرضاء السوفييت بإعطائهم إيران، ويعدِّد المكاسب الكبرى للاحتلال الذي سيغيّر اسم البلاد إلى "الولايات المتحدة السعودية" كما قال، وأفاض في الحديث عن بذخ شيوخ النفط وإسرافهم مع الفقر المدقع لشعوبهم وشعوب العالم الثالث ويمضي المقال متهكماً:

"لو استولينا على السعودية وأعطينا كل واحد من سكانها -8 ملايين نسمة- مساحة قدرها 45 فداناً من الرمال وجملاً، وألفي دولار في العام أي ما مجموعه 16 مليار دولار في السنة لأحبنا بما فيه الكفاية"!! .

ثم يقول:

بعد الاستيلاء على السعودية ستبدأ محاكمات مجرمي الحرب وسنطبق قوانين العقوبات التقليدية في البلاد، إن السارق تقطع يده والقاتل يُقتل ولا شك أنه ما من شيخ سيفلت من هذه العقوبة أو تلك، وسيحاكم معهم مساعدوهم من مديري شركة النفط العربية السعودية !! ...
"إن إقتصادنا وسياستنا الخارجية ومستقبلنا أصبحت جميعها مرهونة -بجدة- وليس بواشنطن لكن الاستيلاء على السعودية سيغيّر هذا الوضع كلياً.
وأخيراً ستتاح لنا فرصة الذهاب إلى الحرب بأهداف ثابتة.
وإذا كنّا قد أزهقنا أرواح 50 ألف نسمة لضمان أمن "فان خيو" و "كاوكي" في فيتنام، فبوسعنا خوض حرب آمنة من أجل أنفسنا!!.

وصدق الله العظيم [ قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر] .

ولعل مما يجدر ذكره أن بعض هذه الخطط إقترح احتلال ليبيا بدلاً من السعودية ومما يدل على أنه هذه القضية وُضعت موضع الجد أن الولايات المتحدة عرضت الفكرة على دول أوروبية كثيرة وكذلك اليابان وبعض الدول التي يهمها شأن النفط، وذلك بغرض تكوين رأي عالمي موحد ومشاركة عالمية ولو رمزية لتكون غطاءاً للاحتلال الأمريكي، وقد صدرت بهذا الشأن وثيقة في غاية الأهمية هي عبارة عن تقرير شارك في إعداده أربعة من أكبر معاهد الدراسات. التي تتمتع بسمعة عالمية كبيرة وهي- المعهد الملكي للشؤون العالمية في لندن والمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية والمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ومعهد الأبحاث الألماني للسياسة الخارجية- وهذه المعاهد الأربعة معاهد جادة والدراسات التي تقوم بها تتحول عادة وتصبح الخط العام لسياسة دولها وفي بعض الأحيان تقوم بدراسات بتكليف من حكوماتها مباشرة، تتحدث المعاهد الأربعة في تقريرها عن قوة الانتشار السريع وأمن الخليج وضرورة حماية منابع النفط والتدخل في القلاقل الداخلية في دول العالم الثالث من خلال منظور العلاقات الأمريكية السوفيتية والأمريكية الأوروبية وتوصي بوجود قوة أمريكية في الخليج بدعم من أوروبا واليابان... (القبس العدد 3175 فى 16/3/1981م) .

والتقرير نشرته صحيفة القبس الكويتية في أعداد متوالية من تاريخ 16-26/3/1981م ونشره في السنة نفسها مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة، وإذا ما تابعنا الخطوط الأمريكية فإننا سنجد أنه إضافةً إلى استمرار قوة التدخل السريع في تطوير قدراتها وإجرائها تدريبات عالية في مناطق مماثلة تقريباً لأجواء الخليج والاستعداد المستمر بما في ذلك تعليم اللغة العربية بلهجاتها المحلية، لم تغفل السياسة الأمريكية الجوانب الأخرى الموازية أو المكملة للخطة ومنها:-

إيجاد قوة إقليمية موالية تقوم بدور الوجود الأمريكي المباشر مع تلافي سلبيات هذا الوجود، وهو ما يعني الاستمرار في سياسة العمودين المتساندين مع وضع بديل لإيران وهذا ما اقترحه الرئيس نيكسون بعد سقوط الشاه مباشرة حيث يقول: (السؤال الذي يدور في خلد كل إنسان الآن هو: ترى من سيحل محل إيران؟). ويجيب: (يُعتبر العراق –الراديكالي حالياً- أقوى قوة عسكرية في منطقة الخليج، فقوته العسكرية تعتبر كاسحة على الصعيد الإقليمي، فهو يمتلك أربعة فرق مدرعة وفرقتين ميكانيكيتين بثلاثة الآف دبابة سوفيتية وفرنسية وعربات مصفحة، بالإضافة إلى أربعة فرق مشاة وهكذا وبدون دعم سوفيتي يمكن للعراقيين أن يتحركوا بقوة إلى أي مكان يقررون التحرك إليه سواء كان في الكويت أو في العربية السعودية أو إيران) .

وبعد أن يشير إلى الخلافات الحدودية والمطالبة بالكويت يرجع فيقول: "إن الأغلبية العظمى من خزانات النفط الخام في الخليج العربي تقع على بعد بضع مئات الأميال عن الحدود العراقية -في المناطق القريبة من إيران والكويت والعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والفائدة التي يحققها العراق لقاء أي تحرك ناجح إلى أيٍّ أو إلى جميع تلك المناطق سيكون تحويلاً هائلاً للموجودات. ويقوم العراق اليوم بصفقة عراقية مقررة تهدف إلى السيطرة السياسية في منطقة الخليج وعلى الرغم من أن نظام الحكم اليساري فيه كان مناوئاً لأمريكا فهو لا يريد رؤية الهيمنة السوفيتية على الخليج قائمة ولذا فقد يرغب في تعديل موقفه السابق نحو اتخاذ موقف أكثر إعتدالاً، ومن هنا يمكننا القول بأننا على صواب حين نسعى نحو تحسين العلاقات مع العراق". (المذكرات ص 117- 118 ) .

وهذا ما حدث فعلاً فقد اقتضت الخطة الأمريكية بعد سقوط الشاه تدمير قوة إيران العسكرية وبذلت أمريكا جهوداً ضخمة على جميع المستويات لكي لا تقع ترسانة الأسلحة الضخمة التي كدسها الشاه في أيدي أعداء حقيقيين لأمريكا، ومن ذلك العمل على تحديد الجيش الإيراني واستدعاء الخبراء العسكريين والفنيين الأمريكيين الذين تقول بعض التقديرات إنهم كانوا يزيدون على ثمانين ألفاً، ومنع قطع الغيار بل ومحاصرة إيران إقتصادياً وحمل دول الأطلسي على ذلك، وتجميد الأرصدة الإيرانية في البنوك الأمريكية، وأخيراً وكما تدل وثائق كثيرة ومؤشرات واقعية لا مجال لعرضها الآن -دفعت بالعراق إلى الحرب معها أو على الأقل ساعدت في تهيئة ذلك.
وكان طبيعياً أن تقوم دول الخليج بمساندة العراق لأسباب كثيرة منها تحديات قادة الثورة الرافضية بتصدير الثورة، ومنها الدوافع القومية والوطنية، ومنها تشجيع الغرب والولايات المتحدة خاصة -لذلك- التخوف من قيام تحالف إيراني سوري يشمل رافضة لبنان ومنظمة التحرير!! مما قد يشكل خطراً -ولو جزئياً- على إسرائيل أيضاً.
وهناك أسباب أخرى لهذه الحرب لا ينبغي إغفالها منها: حرص شركات السلاح الغربية على استنزاف الثروة الهائلة لهذه المنطقة وحرص الغرب عموماً شرقه وغربه على تعويق التنمية فيها وبقائها منطقة اشتعال وميداناً للتنافس الضاري:

وفي كتابه المهم الذي أصدره نيكسون قُبيل توقف الحرب العراقية الإيرانية وهو: "1999 نصرٌ بلا حرب" (6*)

يقول:-
" إذا كانت هناك حرب يستحق كل من طرفيها أن يخسرها في الحرب العراقية الإيرانية وإذا كانت هناك حرب لا يمكن فيها أن تجازف الولايات المتحدة بأن يخسرها أي من الطرفين فهي الحرب العراقية الإيرانية" ص 133.
والواقع أن الغرب لم يضع العراق بديلاً لإيران في مهمته "شرطي الخليج" وملء الفراغ الأمني وإنما أراد استمرار توازن القوى في طريق الانحدار إلى أن تنهار الجبهتان كليهما (إيران من جهة والعراق ودول الخليج من جهة أخرى ) .

وبذلك يحدث "الفراغ الأمني الكبير" الذي هو ستار الغرب للسيطرة المباشرة على المنطقة بأي شكل كان (ومن ثمرات ذلك بالنسبة لإسرائيل إحلال تحالف سوري إسرائيلي بمباركة أمريكا محل التحالف الإيراني السوري وإمكانية قيام إسرائيل الكبرى وسورية الكبرى على أنقاض العراق والأردن ولبنان !! ) .

ومن هنا نرى بوضوح استمرار الحرب العراقية الإيرانية مدة الخلافات والمفاوضات بين روسيا وأمريكا ثم توقفها المفاجئ عند وصولهما إلى الخطة المبدئية للوفاق الدولي والنظام العالمي الجديد الذي يريدان تعميمه على العالم كله وخاصة على منطقة الخليج.

إن أحداث المنطقة هي كما يعبرون "الانعكاس الواضح" للعلاقات بين العمالقة الدوليين وقد كان العالم منذ الحرب العالمية الثانية يتنازعه القطبان المتنافسان "أمريكا وروسيا" ولكن العقد الماضي شهد سباقاً عاجلاً بين فكرتين نقيضتين: الأولى -تعددية الأقطاب وهو ما تسعى إليه فرنسا واليابان وألمانيا والصين وكوريا والهند وأهم جبهاته بالطبع هي فرنسا التي تمردت على الحلف "الناتو" منذ أيام ديجول والتي ترفض الدخول تحت المظلة الأمريكية، وتريد أن تتزعم أوروبا من جهة وتسيطر على أكبر قدر ممكن من العالم الثالث من جهة أخرى. والأخرى
- هي فكرة المطب الواحد وهو ما تريده أمريكا الساعية دوماً إلى التفرد بزعامة العالم(7*) .

وهذا ما سنرجع إلى الحديث عنه قريباً إن شاء الله، والمقصود هنا هو أن فرنسا خاصة كان لها دور واضح في المنطقة مع الخميني أولاً ثم في تبني العراق ومساندته ثانياً وكانت روسيا تطمع في أن تجعل إيران "أفغانستان الثانية".
وخاصة أن حزب "توده" احتفظ بوضع ثابت خلال الثورة وبعدها وهو ما استعصى فهمه على كثيرين!!... والمهم الآن أن هذه العوامل وغيرها (ومنها فشل محاولة استنقاذ الرهائن عسكرياً) جعلت أمريكا تضع خطة بعيدة المدى تقوم أولاً على التفاهم بين المتنافسين على الفريسة ثم الهجوم عليها فيما بعد، وتوارت عن الأنظار -إلى حد ما- فكرة التدخل المباشر وظهر ذلك جلياً في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 1984م حيث تنافس الطرفان في التعهد بعدم إرسال قوة أمريكية للقتال في الخليج!! (انظر كتاب 1999 نصر بلا حرب ص 133 ) .

ومع ذلك فإن أمريكا كانت تستغل كل حدث في المنطقة من شأنه أن يزيد وجودها العسكري أو يتيح لها نوعاً من التدخل المباشر مثل قضية الرهائن، وقضية الألغام، وطلب الكويت الحماية الأمريكية برفع العلم الأمريكي على ناقلاتها... والزيارات (كما يسميها الأمريكان) التي تقوم بها بوارجهم وطائراتهم للمنطقة بين حين وآخر!!...

والخطة البعيدة المدى يمكن إيجازها في "وضع نظام أمني للمنطقة يجعلها تابعة أو جزءاً من حلف الأطلسي" حيث يمكن الجمع بين وجود قوة إقليمية تشارك في الدفاع والنفقات وتخفف من وطأة ما يمكن أن يسمى الاحتلال من جهة وبين الدور القيادي المباشر والمتحكم للولايات المتحدة وهذا هو موضوع الفقرتين التاليتين:-
(4*) هذا النبأ ذكرته مصادر كثيرة جداً منها ما يأتي في الصفحة التالية .
(5*) انظر قوة الانتشار و التدخل السريع الأمريكي ، جيفري ويكورد / ترجمة عبدالهادي ناصف ، مصر 1403 هـ والوجود العسكري الغربي في الشرق الأوسط ، حسين آغا و زميلاه ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت 1982 .
(6*) إعداد و تقديم المشير عبدالحليم أبو غزالة – ط 1- 1409هـ مركز الأهرام للترجمة و النشر و قد كتبه أواخر سنة 1988).
(7*) أما المعسكر الشرقي فإنه منذ إحساسه بالتقهقر الواضح لجأ إلى فكرة أوروبا الموحدة شرقاً و غرباً ليكسر حدة الهيمنة الأمريكية و ليحقق مكاسب أخرى تحدثنا عنها في محاضرة " الشيوعية و إعادة البناء" التى أُلقيت في الرياض شهر رجب 1410هـ .

-5- النظام الأمني المؤقت
في الثمانينات الميلادية - العشريات الهجرية.

إن من أهم العقبات إن لم تكن أهمها للسيطرة الفعلية المباشرة على المنطقة أن الاحتلال العسكري المكشوف أصبح مرفوضاً على الصعيد العالمي كله، حتى داخل أمريكا نفسها له معارضة قوية. لكن أقوى معارضة له بالطبع من دول المنطقة وشعوبها التي ستثور على المحتل وإن طال الزمن، ومع أن الروابط القوية التي تربط حكومات المنطقة بأمريكا لا تخفى فإن رفض الوجود الأمريكي الصريح هو ما تعانيه هذه الحكومات دوماً بل لا تريده أصلاً.
ولهذا لم يَلقَ الإلحاح الأمريكي للسماح بقواعد عسكرية في المنطقة أذناً صاغية كما رفضت دول المنطقة الدخول في حلف مباشر مع أمريكا، بل رفض بعضها وخاصة العراق والمملكة فكرة الفراغ الأمني نفسها، وهذا الأمر بالإضافة إلى اتفاقية كامب ديفيد وذيولها أدى إلى وقوع خلاف واضح بين أمريكا والمملكة وصل إلى درجة أن كلاً منهما بدأ يفكر في بديل لعلاقاته مع الآخر.

فأما المملكة فقد لوحت مراراً بإقامة علاقات مع الاتحاد السوفيتي، ووطدت فعلاً علاقاتها بفرنسا، وشرعت في علاقات مع الصين، وأهم من ذلك أنها وجدت في العراق الجار القوي الذي يتفق معها في هذا الهدف فوطدت العلاقات بين البلدين بشكل لم يسبق له نظير من قبل، وغضت أمريكا الطرف عن ذلك لأسباب منها: أنه عمل قومي بحت لا تريد الإثارة حوله، ومنها أن ذلك يساعد على توازن القوى مع إيران كما سبق، ومنها أن العراق تخلى عن راديكاليته تجاه الغرب. بل ضرب الحزب الشيوعي العراقي بقوة.

أما أمريكا فقد استبدلت بالسعودية سلطنة عُمان (الدولة العربية التي وقفت مع مصر السادات حينئذ) ولها في ذلك مبرر استراتيجي واضح وهو أن مضيق هرمز تابع للسلطنة، وهو الممر المائي الوحيد للخليج الذي يمر منه (حينئذ) 95% من نفط الخليج كله والسيطرة عليه سيطرة على الخليج كله في الواقع وتجنباً للقول بأن أمريكا تتحكم في المنطقة ومضاعفات ذلك دولياً.

أشركت أمريكا معها حليفتيها الطائعتين بريطانيا وألمانيا الغربية، وسعت إلى إقناع دول الخليج أيضاً لتكوين حلف عالمي (يضم الدول الثلاث ودول الخليج ومصر وإسرائيل!!) لحماية أمن المضيق من السوفييت والإرهابيين(8*)..!! وتبنَّى السلطان قابوس المشروع الذي سُمي (المشروع العُماني) وعرضه على دول المنطقة فرفضته كلها، وحسب ما نشرته مجلة إقرأ السعودية رفضه العراق بعد وصول مبعوث قابوس بساعات ثم رفضته الكويت والسعودية والإمارات. وكان العنوان الذي وضعته المجلة هو (تحاول أمريكا دخول الخليج العربي، لماذا رفضت الدول الخليجية المشروع العُماني؟)(9*). على أن فشل المشروع أدى –فيما أدى- إلى التفكير في إقامة تعاون إقليمي بين دول المنطقة وخاصة بين العراق والسعودية من جهة وبين السعودية ودول الخليج الأخرى من جهة أخرى.
هذا الحلف الذي سُمي "مشروع براون" نسبة إلى -هارولد براون- وزير دفاع أمريكا حينئذ. كان له صدى واسع في الصحافة العربية والغربية، يهمنا منها موقف المملكة الذي أشرنا إليه ونكتفي بإيراد مثالين عليه:-
1- المقابلة الصحفية لوزير الدفاع السعودي الأمير سلطان في النمسا، وننقل عنها ما جاء في مجلة إقرأ بقلم عامر الجابري بعنوان: "الخليج ولعبة الفراغ الأمني" وهو:
أ- إذا تركنا جانباً الحديث عن قوة التدخل السريع التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الماضية وأجمعت كل الأوساط والمصادر السياسية في العالم على أن منطقة الخليج هي محور الغاية من وراء تشكيل هذه القوة الأمريكية، أو قل إذا تركنا هذا الحديث جانباً مع التسليم بخطواته وضرورة التصدي له، خاصة بعد أن أعلن وزير الدفاع الأمريكي هارولد براون عن تأييده القوي لتشكيل قوة التدخل الأمريكي السريع فإنه ثمة أحاديث أخرى تجاوز رواجها وانتشارها حدود الظن ودوائر الحدس والتخمين وأصبح تداولها من واقع الفعل والتخطيط والتدبير... (يعني الأحلاف).
(وقبل أسابيع كان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في زيارة للنمسا وعقد أثناء الزيارة لقاء سريعاً مع رجال الصحافة، وفي ذلك اللقاء أجاب سموه بمنتهى القوة والإيجاز على أخطر سؤال يتعلق بمنطقة الخليج، إذ أثار السؤال مسألة الفراغ الأمني في المنطقة بعد الأحداث الإيرانية وزوال ما يوصف بمظلة الشاه الأمنية، لقد قال سمو الأمير سلطان حول هذه النقطة القديمة -الجديدة: إن الأحداث الإيرانية لم تترك أي فراغ وإنه لا يوجد فراغ إلا في أذهان وضمائر الذين يتحدثون عنه فهم لا يعرفون أوضاع المنطقة، وقال إن مسألة الأمن في منطقة الخليج من شأن دولها لا غير) (10*).
وفي عدد آخر من المجلة نفسها كتب بشير العوف بعنوان رئيسي "خطوط واضحة وصريحة للعلاقات العربية الإيرانية" وكان العنوان الجانبي "صيانة أمن الخليج وحمايته وحماية منابع النفط تتحقق بتعاون عربي إيراني سليم وإلا فإن الأخطار ستكون كبيرة والخسائر شاملة خصوصاً وإن المتنطعين كثير والمتلهفين كبار!!".
والمقصود بهذه العبارة واضح.
ب- وفي مقابلة مهمة أجراها سليم اللوزي مع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية دار الحديث فيها عن الموضوع نفسه وكانت المقابلة بعنوان "سعود الفيصل لسليم اللوزي" (لم يكن هناك شرطي للخليج والسعودية لا تدخل في أحلاف) .(11*)
يقول اللوزي في مقدمتها:-
"روى لي سفير دولة غربية أن هارولد براون وزير الدفاع فوجيء بهدوء أعصاب المسؤولين السعوديين عندما زار المملكة قبل عشرة أيام... كانت التقديرات الأمريكية أن أحداث إيران لا بد أن تكون قد أثارت مخاوف السعوديين وجعلتهم أكثر استعداداً لقبول ترتيبات أمنية تعوض ما خسره الأمريكيون من قواعد وتسهيلات (يعني في إيران) فإذا بوزير الدفاع يجد نفسه مركوناً لمدة ساعتين وهو ينتظر موعد اجتماعه مع الأمير فهد ولي عهد المملكة".
وأول المقابلة:-
(قلت: عشية زيارة هارولد براون -وزير الدفاع الأمريكي لكم- قال: إنه يحمل أفكاراً لاستراتيجية أمريكية عريضة لمواجهة الأخطار التي تهدد منطقة الخليج فهل صحيح أنه درس معكم إمكانية إنشاء اتفاق دفاعي إقليمي تشترك فيه السعودية ومصر وأمريكا كما نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وجريدة لوماند الفرنسية؟
قال:-
ج- نحن لا ندخل في أحلاف خارج الإطارين العربى والإسلامي فهما الوحيدان اللذان يحكمان السياسة الخارجية للمملكة).
( يلاحظ أصحاب الفضيلة أن أمريكا أرادت تخويف المملكة بالثورة الإيرانية واحتمالات غزو سوفييتي لتدفعها إلى النظام الأمني المقترح وأنه لم ينف الأمير في جوابه العرض الأمريكي).
ومنها:
س: إذاً لم يجر الحديث في أية ترتيبات دفاعية مشتركة كالمعلومات التي تقول: "إن هناك خطة أمريكية لإرسال ثلاثة الآف خبير عسكري أمريكي برئاسة الجنرال -سيمون- لحماية المنطقة الشرقية من احتمال قيام عمليات تخريب في حقول النفط" (يقصد من الشيعة الموالين للخميني).
ج- الخطط الأمريكية والسوفيتية موجودة في واشنطن وموسكو أما نحن فليست لدينا خطة من هذا النوع. أمن المملكة واستقرارها يعتمدان على سواعد أبنائها.
"يلاحظ أيضاً أن الأمير لم ينف ذلك ".
س: هناك فراغ عسكري أوجده سقوط نظام الشاه فما هي الترتيبات الأمنية التي ستتخذ في المنطقة؟
ج: "عندنا قناعة كاملة في أن أمن المنطقة يعتمد على عنصرين:-
الأول: عدم التدخل الأجنبي في شؤوننا.
الثاني: الحرص على علاقات التفاهم بين دول المنطقة وتعاونها فيما بينها ونحن لا نرى تهديداً على أمن الخليج من دوله، وليس هناك أي خطر من التغيرات الداخلية طالما ليس هناك تدخل خارجي فيها"(12*).

(يلاحظ التلميح بأن الخطر هو من أمريكا نفسها وليس من دول الخليج كما يزعم الأمريكان) .

ولعل من المفيد هنا أن نسجل موقف الاتحاد السوفييتي من الموضوع وارتياحه للموقف السعودي فقد كتب أحد الكتاب الشيوعيين قائلاً: "أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في آذار- 1981- تصريحاً أدانت فيه بشدة خطط الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى في حلف الناتو لتدخلها في شؤون أقطار الخليج العربي. وفي نفس الوقت ضمنت الملاحة الحرة في مضيق هرمز باسم- جمهورية إيران الإسلامية، وقد صرحت أيضاً القيادة السياسية العراقية أنها ضد جر أقطار الخليج العربي المباشر في نظام القواعد العسكرية الأمريكية ومنذ سنة بُوشِر ضغط أمريكا على الدوائر الحاكمة في السعودية لأجل أن توافق على الدخول في حلف خليجي بالاشتراك المباشر لأمريكا ودول إمبريالية أخرى وأعلن مراراً ممثلون رئيسيون في حكومة السعودية أن بلدهم سيشارك فقط في إطار عربي أو إسلامي ونظراً للرفض الحاسم لأحلاف عسكرية إمبريالية من قبل بلدان عربية وإسلامية وحيادية، فقد خافت السعودية أن تفقد تأثيرها الخاص إذا دخلت مباشرة تحت أغراض الهيمنة الأمريكية.
وقد زادت هذه الأحداث والتصريحات من ضرورة التعاون الإقليمي خاصة بين السعودية والعراق وتحمس العراق لذلك كثيراً ونددت بالقوتين العظميين، وطالبت دول المنطقة بالتعاون معها ومع السعودية في هذا الشأن، ومن الأمثلة على ذلك مقال طويل نشرته مجلة الوطن العربي اشتمل على سخرية لاذعة من الرئيس بريجنيف والمشروعات السوفيتية لتطويق الخليج عن طريق عدن وأثيوييا... الخ. وكذلك من المشروع الأمريكي وقالت:
يبدو أن مسرح الأحداث في الخليج يتهيأ لمواجهة ثلاث تنظيمات تتعلق بإجراءات الحفاظ على سلامة وتأمين سلامة مواصلاته ومرافقه البترولية وهي:
1- التنظيم الأمريكي عبر سلطنة عُمان.
2- التنظيم السوفيتي عبر عدن.
3- التنظيم الخليج -السعودي- العربي.
وكان مما قالت:
( كانت الحملات الإعلامية المستوردة والمكشوفة من جانب إيران والولايات المتحدة وعديد من المصادر تعمل على إذكاء نيران المخاوف في آن واحد من السعودية والعراق) - يعني لدى دول الخليج الصغيرة: الكويت، البحرين، والإمارات..-

قالت: "وبصبرٍ عالج كل من الطرفين العراقي والسعودي هذه المخاوف مقيماً الدليل على أنها وهمية ولا تستند إلى أساس موضوعي، وبينما لجأ العراق إلى مبادرات الانفتاح نحو دول الخليج عبر وفود رسمية أرسلها تحمل عروض ومشاريع التعاون في جميع المجالات والانطلاق من المفهوم القائل:
إن المهمة القومية الاستراتيجية للعراق تستوجب منه أن يتجه جنوباً لصد محاولات السيطرة الإيرانية والأجنبية على الخليج، وفي وقت واحد مع اتجاهه غرباً لتأكيد استمرار دوره الأساسي في أي مواجهة مع إسرائيل(13*). وبينما بدأت تتجلى ثمرات هذه السياسة في تسوية المشكلات العالقة مع الكويت وتسوية قضية اقتسام المنطقة المحايدة مع السعودية مما ساعد على إيجاد بداية انفراج حقيقي كانت السعودية تعالج نتائج مؤتمر مسقط... الخ.
وذكرت المجلة "أن الفراغ الإستراتيجي الذي حصل بدأ يغري على إحياء المحاولات الأمريكية والسوفيتية للتحكم في الخليج في سباق للسيطرة على منابع النفط ومصبَّاته ".
وبعد أن فخرت المجلة وأشادت بالعرض العسكري السعودي الذي أُقيم في خميس مشيط حينئذ قالت "وكتطور طبيعي منطقي تجددت الاتصالات من أجل تفاهم دفاعي إقليمي وشددت هذه الاتصالات بشكل خاص على العراق بالنظر لأن القوى المتوافرة لديه تجعله الديدبان الفعلي للخليج، وهكذا فإن الأبحاث المتعلقة بإيجاد تنظيم عربي مشترك تؤلف مؤشراً على زوال عهد الشكوك والمنافسات العقيمة لمصلحة عهد التعاون والتضامن على جميع الأصعدة(14*).
ولا يخفى عليكم أن هذا التنظيم قد تم فعلاً ونعني به (مجلس التعاون الخليجي) وأن العراق وإن لم ينضم إليه فإن الموقف العراقي والخليجي كان موحداً خلال السنوات العشر في أكثر القضايا وخاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية. ونذكِّر هنا ببعض الأمثلة:
1- كانت إذاعات دول مجلس التعاون تذيع أخبار الانتصارات العراقية بحماس زائد وتقول كل ليلة تقريباً (وقد تكبدت القوات الإيرانية كذا قتيلاً بينما فقدت القوات العراقية كذا شهيداً) هذا غير التأييد الدائم في الأمم المتحدة والمحافل الدولية وإصرار دول الخليج على أن إيران هي البادئة بالحرب!! وإشاداتها المتكررة بمبادرة صدام لإنهاء الحرب وتعنت إيران في ذلك.
2- كانت الصحافة العراقية والسعودية كأنهما نسخة واحدة خلال العشر سنوات جميعاً والفرق بينها أن مجلة "المجلة" السعودية تبدأ بالحديث أو الأخبار عن المملكة مقرونة بصور الملك فهد ثم تعقبه بحديث مماثل أو أخبار عن العراق مقرونة بصور صدام.. في حين أن المجلات العراقية -مثل الوطن العربي والتضامن- تبدأ بالعراق وصدام. حتى إننا كنا نستغرب أن المجلات العراقية تبدو وكأنها ملتزمة بنفس التعليمات الصحفية السعودية مثل -عدم نشر الصور الفاضحة ومثل عدم نشر أي مقالة إلحادية واضحة. (كما هو الشأن في صحافة الخيلج!!) وفي الوقت نفسه نجد أن الصحف السعودية تكاد تكون ملتزمة بالخط القومي في تحليلاتها وآرائها، أما المهرجانات الثقافية والأندية الأدبية وأشباهها فإنها كانت متماثلة النهج والفكر إلا قليلاً (التعاون الحداثي خير مثال على ذلك).
في هذا الوقت كان الدعاة الذين يعرفون حقيقة البعث وصدام- ولأعبر عن نفسي شخصياً- أقول كنت أشعر بالغرابة وأحياناً بالإحراج عندما أسأل عن عقيدة البعث أو عن رأيي في دعاوى صدام حسين الإسلامية لأنني أعلم علم اليقين كفره وكفر عقيدته وحزبه مهما ادَّعى وستر أو صرح بذلك، وكثيراً ما يجهدني اللوم من جهتين: من جهة أنني مخالف لما عليه ظاهر الحال من سياسة الحكومة بشأنه، ومن جهة أن احتمال أن يكون الرجل تاب أو استتاب أمر وارد!! كما يقول بعض المشايخ!! وأذكِّر المشايخ الأفاضل وخاصة الشيخين- محمد بن عثيمين وصالح الفوزان- بما قلته عقب كلمتيهما القيمتين في إجتماع دعاة القطاعات العسكرية وغيرها في موسم الحج الماضي ليلة الخامس عشر من ذي الحجة بالعزيزية الجنوبية عن خطر البعثيين والأخطار الأخرى المحدقة بهذا البلد عامة.
وهكذا استمر ذلك التحالف الوثيق إلى وقوع الحادث الأخير باجتياح الكويت، ولا يعني هذا أنه لم توجد خلافات مطلقاً، لكن ما وجد بين بعض دول مجلس التعاون كان أكبر مما وجد بين السعودية والعراق وأبرز فتور حدث في العلاقات هو عند إعلان المجلس الرباعي (العراق- مصر- اليمن- الأردن) ومع ذلك قيل إنه خطوة أخرى نحو الوحدة العربية الشاملة ثم كان مؤتمر بغداد الأخير في ذي القعدة 1410هـ الذي أشعر الناس لأول مرة بأن العالم العربي يمكن أن يتفق ويتوحد ( ماعدا سوريا) والمقصود أنه خلال هذه السنوات العشر لم يكن يدور في إعلامنا أي كلمة عن كفر البعثيين وانحرافهم وغدرهم بل سكت إعلامنا عن مجازر "حلبجة" المأساوية، وعن الإعدامات التي تعرض لها الاتجاه السلفي في العراق، والحق أنه لم يكتف بالسكوت بل شن مع الإعلام العراقي حملة مضادة على الصحافة الغربية التي كانت تهاجم صدام، ولا أريد أن أذكر أمثلة على ذلك لأنها أكبر وأظهر من أن أمثل لها بآحاد أو عشرات من المقالات والتحليلات.
وبصراحة أقول إن إعلامنا -بل إن حبنا وبغضنا عامة- لم يكن ملتزماً بما أمر الله، وأن المليارات التي اُعطيت لصدام لم تكن مشروطة بأي شرط من شأنه التخفيف من الحرب الشعواء التي يشنها الحزب وزبانيته على الدعاة وخاصة السلفيين منهم، حيث أن حيازة كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية تعد تهمة في العراق، والذي يحصل عليها من السفارة السعودية يأخذها كالسارق اللائذ بالفرار، وكذلك يعاني الدعاة الآخرون كالإخوان العراقيين (وللعلم نقول إن العقيدة السلفية منتشرة بين الإخوان العراقيين أكثر من غيرهم كالسوريين مثلاً)
ومع ذلك سكتنا – والله - يغفر لنا - متأولين أن قيام صدام في وجه الطاغوت الرافضي "الخميني" يجعل هذه المساعدات الهائلة داخلة ضمن مصلحة الإسلام العامة.
ولقد استطرد بنا القلم فلنعد إلى موضوع النظام الأمني ولنرجع إلىأوائل الثمانينات فنقول:
عندما رفضت دول المنطقة الوجود الأمريكي المباشر والأحلاف العسكرية مع أمريكا وأعلنت مراراً وتكراراً وعقب كل اجتماع تقريباً أن أمن الخليج مسؤولية أبنائه، جاءتها أمريكا من الباب الآخر من الثغرة التي لم نسدها بعد وأعني بها التخلف التقني ومخالفة أمر الله بالإعداد الذاتي مع التوكل عليه وحده، وذلك حين لجأت دول المنطقة إلى شراء صفقات هائلة من الأسلحة المتطورة جداً والأنظمة الحديثة للقيادة والسيطرة والاتصالات بغرض الدفاع عن نفسها طبعاً ولكن أيضاً بغرض إقناع أمريكا بأنها قادرة على حماية نفسها، واسترضاء لها من ناحية أخرى، هذا مع رفع إنتاج النفط بما يناسب مصلحة الغرب وإن كان مضراً بإقتصاد هذه الدول وثروات أجيالها... وغير ذلك مما لا مجال لذكره.
ومن هنا خططت أمريكا والغرب لاستنزاف ثروات المنطقة من جهة واستخدام هذه الأسلحة المتطورة لتكون مجرد مقدمة للوجود العسكري الأمريكي من جهة أخرى.
ولعل الغريب حقأ أن الصحافة الأمريكية نشرت هذا المخطط الخطير البعيد المدى ومما نشر سنة 1981 أن عام 1990- الذي هو عامنا هذا- سوف يكون عام الربط المتكامل بين القوات المحلية المتسلحة بهذه الأسلحة وبين القوات الأمريكية في المنطقة وفق تلك الأنظمة المتقدمة للسيطرة والقيادة والاتصال!! وإليكم بعض ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 1/11/1981م وترجمته بعض المجلات العربية في حينه مع التوطئة له، وموضوعه -طائرات الأواكس والنظام المتطور للاتصالات-.
على أساس الفرضية القائلة أن الولايات المتحدة تتهيأ لمزيد من التورط وأن إمكانية استخدام قوات التدخل السريع تصبح يوماً بعد يوم إمكانية حقيقية يصبح من الممكن البحث في معنى صفقة "الأواكس" إلى السعودية جاء كمحاولة لسد الثغرات في إمكانيات قوات التدخل السريع وخاصة بسبب عدم وجود إمدادات كافية من المياه العذبة للقوات والمعدات وعدم وجود نفط مكرر وعدم وجود تسهيلات مناسبة للمواصلات والنقل في القواعد التي حصلت عليها إدارة كارتر، إذ أن "دييغو غارسي" مصر والصومال وكينيا وعمان (باستثناء البحرين) كلها تبعد بين 500 و 2300 ميل عن النقاط الحساسة لتواجد القوات الأمريكية. أما الثغرة الأساسية الثانية فقد تمثلت في النقص في طائرات النقل للقوات والمعدات، وعلى هذا الأساس خططت الإدارة الأمريكية منذ عهد كارتر لسد الثغرات من خلال تطوير نظام أمني إقليمي جديد بقيادة السعودية التي تشكل النقطة المركزية فيه. وكان روبرت كومر. (الذي كان مساعداً لوزير الدفاع في إدارة كارتر والمخطط الأساسي لتطوير قوات التدخل السريع) قد لعب دوراً هاماً في تطوير الاستراتيجية السعودية - الأمريكية المشتركة والتي بدأ البحث فيها بين وزير الدفاع في إدارة كارتر هرولد براون والأمير سلطان وزير الدفاع السعودي في خريف عام 1985م والتي بموجبها كان على الطرف السعودي إعطاء تسهيلات ومنشآت للتخزين لصيانة المعدات العسكرية المتمركزة في المنطقة والخاصة بقوات التدخل السريع مقابل حصول السعودية على نظام قيادة وسيطرة واتصالات متطورة (سي 3) بالإضافة إلى عتاد آخر مثل طائرات الأواكس وعلاقات القنابل للطائرات "إف- 15" وقد صرَّح كومر (أن بعض الناس يدَّعون بأن قوات التدخل السريع مبنية على أسس واهية) وكان ممكناً اعتبارها كذلك حسب رأيه في حال عدم تطوير النظام الدفاعي المشرك مع السعودية.
( وتكمن الخطة الأولية لتطوير هذا النظام الدفاعي في برمجة أحدث الأساليب في مجال تكنولوجيا العقول الإلكترونية للتنسيق بين إمكانيات الدفاع الجوي السعودي وإمكانيات الدفاع الأمريكي في المنطقة. كما قدمت دراستان أخريان حول إمكانيات التنسيق بين القوات الأرضية والبحرية السعودية وإمكانية دمج القوات الثلاث في نظام قيادة واتصالات وسيطرة موحد) .
ويبدو أن هناك اقتراحات أخرى لدمج نظام القيادة والسيطرة والاتصالات (سي-3) فيما بعد مع نظام إلكتروني لرصد المعلومات مما سيشكل نظام قيادة وسيطرة واتصالات استخبارت (سي-31) وسيرتكز العمود الفقري لنظام (سي- 31) على أكثر الأساليب تطوراً في مجال تنظيم المعلومات وعرضها، ويأمل القادة السعوديون والأمريكيون بأن يتمكن نظام (سي- 31) من الربط بين الأجزاء الأخرى من البرنامج المشترك في عام 1990 في إطار شبكة قتال موحدة. وتشير المعلومات أن البنتاغون قد قام بدراسات لعملية تركيب نظام (سي 31) القادر على الربط بين القوات السعودية والقوات الأمريكية وقوات محلية أخرى. وقد قدرت تكاليف تطويره بنحو مليار دولار... ومن المهم هنا أن نذكر أن هدف الصفقة النهائي كان سراً حتى عن الكونجرس. تقول المقالة: (وقد عبَّر أحد المحرّضين من أجل الحصول على تأييد الكونجرس للصفقة عن صحة عملية إخفاء المعلومات الأساسية عن الكونجرس قائلاً "نحن مجبرون لاطلاعهم على المعدات التي نبيعها ولكننا لسنا مجبرين على شرح معنى هذه المعدات "!! .
( ومن مهمات نظام القيادة والسيطرة والاتصالات التي ستحصل عليها السعودية تنسيق عملية دخول القوات الأمريكية بشكل موسَّع إلى المنطقة عند الحاجة وسيشمل النظام عدداً من الاعتدة الأخرى المتطورة ستبيع الولايات المتحدة البعض منها على شكل صفقات جزئية والبعض الآخر ستدخلها مع النظام نفسه. هذا بالإضافة إلى بعض الأسلحة التي ستشتريها بعض الدول الخليجية الأخرى بإسمها وبتمويل سعودي بهدف دمجها في هذا النظام وقد بينت "ورقة عمل" محدودة التوزيع وخاصة بالبنتاغون وُزِّعت على أعضاء الإدارة لتحضيرهم لمناقشة قضية الأواكس في الكونجرس أن الصفقة " تهيئ الأوضاع لتطوير نظام إقليمي للدفاع الجوي لكل منطقة الخليج بدعم أمريكي" كما بينت هذه الدراسة "أن السعوديين قد أبدوا رغبتهم للعمل باتجاه نظام دفاعي إقليمي موحد" وأن الولايات المتحدة وافقت على دعم هذا النظام الإقليمي.

وقد جاء في هذه الورقة: "أن المملكة السعودية قد اتخذت المبادرة في تكوين مجلس التعاون الخليجي مع البحرين وعُمان وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت وأن إحدى الأهداف الأساسية لهذا المجلس هي تطوير الدفاع المشترك في منطقة الخليج" وبينت أن الأواكس والنظام الدفاعي الأرضي المرتبط بها "سيسمح بربط شبكات الدفاع الجوي لهذه الدول في نظام موحد".

ويبدو واضحاً أن البنتاغون يأمل أنه في حال استطاعة السعودية تنظيم هذا النظام الدفاعي الموحد لدول الخليج فالخطوة التالية هي المطالبة بتواجد عسكري أمريكي دائم مما سيؤدي إلى خلق تحالف محلي عسكري جديد ضد الإتحاد السوفيتي، وعلى حدوده الجنوبية مكمل لدفاعات حلف الأطلسي في الغرب.
وبينما لا يبدو واضحاً بالنسبة للمخططين في الولايات المتحدة عدد دول الخليج التي ستوافق على الدخول في هذا النظام الإقليمي الذي ستسيطر عليه السعودية إلا أن السعودية سائرة في خططها على أساس دخول عدد من هذه الدول. وهذا واضح من خلال بناء السعودية لمنشآت عسكرية معقدة وأكبر بكثير من حاجاتها الذاتية، ومن المنتظر أن تصل قيمة هذه المشاريع خلال العقد الحالي إلى ما بين 35 و 60 مليار دولار.

ويطمح بعض أوساط المخططين العسكريين في الولايات المتحدة أن يضم هذا التحالف مصر في المستقبل وينسق لدورها العسكري في المنطقة، وبالفعل تمت عملية إرسال طائرات الأواكس إلى مصر بعد مقتل السادات، وصرَّح أحد العسكريين الأمريكيين بأن (هدف البعثة الموجودة في مصر هو القيام بتدريبات بهدف تعريف عناصر المراقبة الأرضية المصرية والذين يعملون على أجهزة الرادار عادة على طائرات الأواكس ويتابع قائلاً ونأخذهم (العناصر) على طائرات الأواكس ونطلعهم على أنواع أجهزتها ثم يقومون بتطبيق نفس الأساليب التي يستخدمونها على الأرض- اهـ.

وهكذا نجد أن سياسة "العمودين" وكذلك صفقات الأسلحة الضخمة المتطورة لم تكن حلاً نهائياً بل وسيلة مؤقتة ومموهة لما تحقق في سنة 1990 عقب الغزو العراقي!! وسوف تكشف الأيام المزيد.

(8*) المقصود هم جبهة ظفار الشيوعية و بعض المنظمات الفلسطينية التى كانت تهديدتها الجوفاء بنسف الناقلات فيه بحيث يؤدي ذلك إلى تعذر الملاحة فيه مبرراً لأمريكا بالتحكم فيه .
(9*) مجلة إقرأ العدد 242 في 11/10/1979 م – ص من 20إلى 21 .
(10*) المصدر السابق .
(11*) من المهم هنا نذكر أن الحلف المقترح هنا يسمى حلف [ ميتو ] اختصاراً من ميدل إيست تربتي أورقانزيشن . و هو الذي يمكن يُعاد الآن بعد الأزمة .
(12*) الحوادث العدد – 1165 – 2 / مارس / 1979م .
(13*) مزاعم البعثيين في مواجهة اسرائيل كلها لا أساس لها من الصحة و نذكر هنا ما قله حسن العلوي رئيس تحرير أهم مجلة عراقية سابقاً في مقابلته مع مجلة المجلة عدد56 الماضي حيث قال : " لم أقرأ و قد أمضيت في الحزب ربع قرن كتاباً لمؤلف عراقي و لم اسمع محاضرة لمحاضر عراقي عن فلسطين " .
(14*) العدد – 143 في 1/11/1979م .
  #19  
قديم 31-08-2001, 05:05 AM
عندي أمل عندي أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 54
Post

الفصل الثاني

الوفاق الدولي والصحوة الإسلامية

1- الوفاق الدولي والنظام العالمي الجديد.
2- إرهاصات ونذر الأزمة .
3- الإخراج أوالإنفجار .
4- ..... وبعد .

-1- الوفاق الدولي والنظام العالمي الجديد (في التسعينات)

لن نتحدث هنا عن الوفاق الدولي ونتيجته الكبرى "النظام العالمي الجديد" من جميع جوانبه وإنما سنعرض له من جهة علاقاته بالصحوة الإسلامية والمنطقة موضع الحديث.
وعليه سيكون عرضنا للموضوع في شكل متوازٍ أو متداخل بين القضيتين "الوفاق والصحوة" وإلى أي مدى يؤثر كل منهما في الآخر باعتبارها العنصر الجديد في المعادلة ونصل من ذلك إلى معرفة ما إذا كان صدام قد فعل ما فعل صدفة أم استباقاً للأحداث أم ماذا؟
إن فكرة الوفاق الدولي ليست وليدة العصر الحاضر ( أي مؤتمر يالطه كما يقال) بل هي نموذج معاصر للأحلاف الأوروبية في مطلع العصر الحديث (القرن 17 و 18) هذا إن لم نقل أن أصلها هو التحالف الغربي الكبير في الحملات الصليبية الأولى.
والواقع إن جوهر القضية في هذه التحالفات قديمها وحديثها واحد وهو أن مصلحة الغرب تقتضي تناسي خلافاته الداخلية والتوحيد لمقاومة الخطر الخارجي الذي يَعُدُ الإسلام رأس الحربة فيه. فقد تحالفت أوروبا المتناحرة ضد الدولة العثمانية فيما سُمي (الحلف المقدس) كما ظلت تركيا -رغم إنها دولة أوروبية من جهة الموقع- خارج الاتفاقيات الدولية الأوروبية إلى عهد قريب لسبب واحد هو أنها مسلمة، ومنذ أسابيع فقط سُئل الرئيس التركي-أوزال- عن سبب عدم قبول تركيا عضواً في الوحدة الأوروبية رغم أنها عضو في حلف الناتو - فأجاب بأن السبب هو أن الغرب لا يزال ينظر إلى تركيا باعتبارها دولة إسلامية!!.

- إن الحرب العالمية الأولى انتهت كما هو معلوم بالنقاط الأربعة عشر للرئيس الأمريكي "ولسُن" التي أصبحت أساس مبدأ عصبة الأمم، والتي بمقتضاها اتفق الغرب على وضع العالم الإسلامي تحت الوصاية الدولية أي تحت السيطرة الغربية، مع أن الأجزاء المهمة منه كانت قد وضعت من قبل تحت سيطرة الغرب باسم "الحماية" ومنها عدن والكويت ومشيخات الخليج وبقيام الحرب العالمية الثانية انهارت عصبة الأمم كما انهارت القوة الاستعمارية التقليدية وبرزت قوتان جديدتان هما أمريكا وروسيا وكان وفاق المنتصرين فيها المتمثل في مؤتمر -يالطه- وفي التحكم في العالم من خلال الهيئة الدولية الجديدة "هيئة الأمم المتحدة" إذ احتفظ الطواغيت الكبار بحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي كما يسمى!!..
- وكان أيضاً التنافس الحاد بين القوتين في السيطرة على العالم وخاصة المناطق الحيوية منه. (ومنها بالطبع العالم الإسلامي الذي تفككت مجتمعاته ودوله ومنظماته مِزَعاً بحسب التبعية لأي من المعسكرين) وكان السباق الهائل على امتلاك أشد الأسلحة فتكاً ودماراً لكن دون مواجهة عسكرية شاملة وهذه هي المرحلة التي سميت "مرحلة الحرب الباردة".

وقد حدثت أزمات كثيرة كادت أن تجعلها ساخنة "مثل أزمة كوبا" إلا أن التفكير في الوفاق واقتسام مناطق النفوذ ظل ينمو باستمرار وخاصة من الجانب الأمريكي الذي كان يعلم أن القوة العسكرية هي كل ما يملكه الخصم من أسباب القوة، وعندما برزت الصين لتكون القوة الثالثة في العالم سارعت أمريكا إلى مد الجسور إليها وكان الوفاق السريع بينهما الذي قسم الكتلة الشيوعية، وكان الرئيس نيكسون مهندسه (وبوش سفيراً له فيها) .

ولأسباب يطول ذكرها أظهرت كل من القوتين استجابة أكثر للوفاق ودارت المفاوضات الطويلة ببطء وكانت نتائجها محدودة، غير أن المفاجأة الكبرى حدثت في السنوات الأخيرة فقط حيث ظهر للعالم كله أن الغرب قد أعد العُدَّة لوضع كوني جديد وأنه سائر في طريق تنفيذه بسرعة مذهلة وقد تجلت مظاهر هذا الوفاق في الخطوات العُجلى لتوحيد أوروبا الغربية في دولة واحدة سكانها - 325 مليوناً- مع التمهيد لتوحيد أوروبا كلها ومنها روسيا وكتلتها وهو ما يُطالب به جورباتشوف نفسه ابتداءً بتوحيد شطري ألمانيا وصار من المتوقع أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه-35 دولة- أوروبية دولة واحدة بل ربما أصبح لها مقعد واحد في مجلس الأمن والأمم المتحدة!!...

وستكون لهذه الدولة أقوى الروابط بالولايات المتحدة التي تبارك هذا التوحيد وتطمح من خلاله إلى زعامة الغرب كله، فمن المتوقع أن تشهد السنوات القليلة القادمة تجمعاً غربياً يزيد سكانه على 1000 مليون نسمة ويملك ما يزيد على 75% من اقتصاديات العالم، أما قوته العسكرية فهي بمثابة غول هائل لا يفكر أحد في مقاومته!!..

- لقد تساقطت أنظمة المعسكر الشرقي كما يتساقط ورق الشجرة الجاف عند هبوب الرياح وتهاوت صروح الأنظمة التسلطية في أكثر العالم، وبشكل درامي مثير تم الإعلان عن حل حلف وارسو والسعي ليكون الغرب كله حلفاً واحداً نواته حلف الناتو وبسرعة أيضاً سحبت القوات من أوروبا الوسطى وظهرت آثار ذلك سريعاً على العالم الثالث حيث شهدت كل مناطق الصراع النهاية نفسها أو هي في الطريق إليها (أنجولا، أثيوبيا، السلفادور، نيكاراجوا، كمبوديا، كوريا، لبنان وأخيراً نذكر أفغانستان التي لها وضع متميز ومع ذلك فمن المتوقع أن تتم التسوية قريباً) .
والمشكلة الوحيدة التي لم تُحل هي مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي وليس ذلك لأن الوفاق أهملها أو تناساها فهي لب المشكلات ومحور القضايا كلها ولكن لحساسيتها البالغة- كما يعبِّرون- ومن هنا إقتضى الأمر أن يكون الإخراج من نوع خاص جداً، كما سنرى.

والشعار الذي يرفعه الوفاق الدولي للنظام الجديد هو "السلام" وإبعاد شبح الحروب عن العالم كله وحل كل القضايا سلمياً عن طريق الأمم المتحدة وتوظيف إمكانيات العالم الإقتصادية لرفاهية الشعوب وضمان لقمة العيش بدلاً من تبذيرها على التسليح خاصة في العالم الثالث الجائع المَدِين!!

لم يكن غريباً أن يسود تفاؤل كبير معظم أرجاء العالم وأن تداعب الأحلام المعسولة أكثر الشعوب المنكوبة إلا أن الساسة وكثيراً من المفكرين في العالم كانوا حذرين أو متشائمين من المستقبل المزعوم!!..

فقد أدرك كثيرون أن السلام القادم معناه "بقاء القوي قوياً بدون تكاليف جديدة وإبقاء الضعيف ضعيفاً إلى الأبد لسد أي منفذ له ليكون قوياً".

إن الوفاق الغربي لم يسقط من حسابه تلك القوى الإقليمية الصاعدة بل حسب لها بكل دقة وهو موقن أن سيطرته الأبدية لن تتم إلا بإجهاض هذه القوى ولكن كيف يتم ذلك؟ هذا هو لب المشكلة ولوعرفنا ذلك لعرفنا إلى أين ستنتقل القوات المسحوبة من أوروبا وأين ستتحول القواعد المغلقة في خطوط المواجهة والصراع بين الحلفين المندمجين؟

لا شك أن من بين القوى التي يحسب الغرب حسابها "الصين واليابان والهند وكوريا واستراليا" ولكن ما مدى خطورة هذه الدول على الغرب وبعبارة أخرى أليس من الممكن استدراجها للإنضمام إلى التحالف الغربي وإعطاؤها مكاسب محدودة؟

وإذا كان هذا الأمر وارداً بل واقعاً فأين هي إذاً القوى المتوقع تمردها ونفوذها؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من التنبيه إلى معادلة مهمة وهي:-
إنه إذا كان بديهياً أن مصدر قوة الغرب وغيره هو امتلاك السلاح النووي فإن هذا هو أيضاً مصدر مشكلة الغرب تجاه القوى الإقليمية....!!
أي أن القوى النووية بقدر ما تردع العدو عن مهاجمة صاحبها، تردع صاحبها أيضاً عن استعمالها وهكذا تم الوفاق الغربي في ظل التكافؤ في تملكها، أما حين تدور المعركة بين طرفين أحدهما نووي والآخر مغامر من العالم الثالث فإن الحسم سيكون لصالح الأقدر منهما على استخدام الأسلحة التقليدية والأكثر عزماً وتدريباً... الخ. لأن اللجؤ إلى الخيار النووي هو بمثابة انحدار علمي!!...

قد لا تكون هذه المعادلة صادقة 100% ولكنها حق إلى حد كبير ومن هنا لم يخف الغرب أن أخطر ما يواجهه هي القوى الإقليمية ذات التسلح التقليدي الكبير وخاصة إذا حكمتها زعامات متطرفة ذات طموح عال، أو عداوة تاريخية للغرب !!..

وعندما يتحدث الغرب بصراحة أكثري يقول إن أخطر منطقة تواجهه هي منطقة الشرق الأوسط، وإن أخطر منافس لمستقبله هو الصحوة الإسلامية، وهنا نأتي على بعض الشواهد التي نجتاز منها إلى إرهاصات الأزمة الحالية.

فعن موضوع نظرة الشرق والغرب إلى المنطقة بعد سقوط "يالطا" وعقد قمة "مالطا"(15*) . كتب أحد المحللين في جريدة الحياة بتاريخ الإثنين 9/3/1990م فكان مما قال:
(الانتقال من يالطا إلى مالطا بدأ يكون متجمعاً دولياً، أخذ يوماً بعد يوم يستكمل ملامحه الجديدة... ولكن من خلال الابتهاج بالاتجاه إلى نزع التسلح والأمل بعدم اللجوء إلى النزاع المسلح هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب، ومن هذه الأسئلة مثلاً: ما هي وظيفة الجيوش في المستقبل؟ وما هي الأخطار التي يتوقعها الشرق والغرب؟...).
وللإجابة على الأسئلة نقل الكاتب إجابة رئيس الأركان الفرنسي لأحد المجلات: (والسؤال هو: "سيدي الجنرال: تقولون بأن الأوضاع تتطور بسرعة جنونية فهل يُحتمل أن يكتشف الغرب والشرق خلال العشرين عاماً القادمة أعداء آخرين من خارج أنفسهم؟).
وهذا هو جواب الجنرال: عندما افتتح المسيو –شيفارنادزه- وزير خارجية الاتحاد السوفيتي ندوة فيينا في مارس 1989 قال ما نصه يجب علينا من خلال مناقشاتنا أن ننظر بعين الحذر إلى أمر واقع وهو أنه في جنوبي أوروبا وفي الجنوب الغربي من آسيا توجد قدرات عسكرية يمكن أن تصبح أعظم من قدراتنا.اهـ

(إنني – المتكلم هو الجنرال الفرنسي- أشاركه وجهة نظره هذه، إن ابتهاج الشرق والغرب بالاتجاه نحو نزع التسلح لا يجب أن يجعلنا نتغاضى عن الأخطار في وقت من الأوقات أن تأتي من تلك المناطق، إن الأوضاع الراهنة في إيران، العراق، سوريا، الأردن، إسرائيل، مصر، ليبيا، لا توحي بالاطمئنان وبكل أسف فإن الأخطار تبدو الآن وكأنها جديرة بالإهمال لا يؤبه لها، ولكننا في الشرق والغرب قدمنا لهذه الدول السلاح والتكنولوجيا والتقنيين مما جعلهم يتعلمون النتائج بأنفسهم، إنني أعتقد بأن هذه البلاد ستشكل عنصر عدم الاستقرار، إنها جميعاً تتمتع بالقدرة على التوسع الديمغرافي (زيادة عدد السكان) وتعاني من أوضاع إقتصادية صعبة، والديانة تجنح إلى التطرف، كل ذلك يضاف إلى قدرات عسكرية بالغة الخطورة ولا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الأخطار.
وفي عدد آخر بتاريخ 21/12/1410هـ يقول كاتب آخر هو مدير المركز العربي لبحوث- التنمية والمستقبل بالقاهرة عن تحديات أوروبا:-

(يتزايد القلق في أوروبا الغربية وجنوب أوروبا بشكل خاص وفرنسا تحديداً من تطور يطلقون عليه المد الإسلامي، وتطور آخر يسمونه التغيير الديمغرافي والتطوران حادثان في شمال أفريقيا).

وهنا نذكر بأن هذا الكلام قيل خلال الحديث الغربي عن تصنيع عسكري قامت به مصر والعراق بمساعدة الأرجنتين، وأفاد من الفخر الأحمق الذي كان صدام يعلنه والاستعراضات العسكرية والإعلان عن قدرات عسكرية مبالغ فيها مع التهديدات الكاذبة بحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج، وصاحبه أيضاً الحملة على مصنع الدواء في ليبيا، فالسلاح الكيماوي هو بديل المستضعفين عن السلاح النووي، وفي الوقت نفسه حدثت تطورات أخرى أشار إليها هؤلاء وستؤكدها النقول الآتية وهي بعض فرص النجاح التي حظيت بها الصحوة الإسلامية المعاصرة ومن أبرزها:-
1- ظهور حركة الجهاد أو التمرد الفلسطينية التي قلبت المعايير والخطط رأساً على عقب.
2- تحقيق انتصارات عسكرية في أفغانستان وظهور حركات جهادية مماثلة في أرتريا وكشمير، وغيرها.
3- فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، وتمكن الجبهة القومية في السودان، وحصول الإسلاميين على نسبة من المقاعد في الأردن، وظهور مؤشرات مهمة في بلدان أخرى(16*)
والغرب يحسب حساباته على المدى البعيد جداً وعليه نعود الآن للإجابة على السؤال نفسه: ما وظيفة الجيوش الغربية في ظل الوفاق؟ ولكن من وجهة النظر الأمريكية:
نشرت جريدة الحياة في 26/12/ 1410هـ أي قبل غزو الكويت بحوالي –17 يوماً- فقط موضوعاً بالغ الأهمية بعنوان كبير هو: (وظيفة جديدة للقواعد بعد تحول دورها من شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط!) ومنه:
(وفي نظر جميع المراقبين والمحللين فإن منطقة الشرق الأوسط تأتي في مقدمة المناطق العالمية التي تزداد أهميتها وترتفع سخونتها وهي مرشحة إلى أن تكون منطقة اصطدام واحتكاك مع أمريكا...).

وعلى هذا تحولت القواعد الأمريكية في جزيرة كريت من موقع المراقبة والرصد لدول حلف وارسو سابقاً إلى مراقبة دول الشرق الأوسط وضفاف المتوسط الجنوبية التي تموج بمختلف التفاعلات والتطورات الحادة وتنذر باضطرابات وانفجارات عنيفة لذلك لم تتضاءل أبداً أهمية هذه القواعد بل ربما زادت بسبب القرب الجغرافي من الهدف الجديد وقلة القواعد الموجهة نحو الشرق الأوسط والخليج عموماً وشمال أفريقيا خصوصاً...

ولما كان هذا الموضوع كتب تعليقاً على الاتفاقية الجديدة بين أمريكا واليونان بشأن قاعدة كريت تعرضت الجريدة للآراء المعارضة والمحللة فقالت: (أما البيان الذي أصدره تحالف اليسار المعارض فقد قال- إن الاتفاقية الجديدة ستجعل من اليونان طرفاً مباشراً في المخططات الحربية الأمريكية ضد الدول العربية وحذر من ردود فعل الدول العربية على اليونان!!).

ووقف المحللون عند بند جديد يتضمن السماح (لأي طيران حربي آخر باستخدام القواعد بموافقة أمريكا فقط) وقالوا إن هذا إشارة إلى الطيران الإسرائيلي!!.
(ورأى المحللون العسكريون اليونانيون أيضاً... أن الاتفاقية تعني حق أمريكا في استخدام -كريت- من قِبَل قوات التدخل السريع التي شُكِّلت لحماية منابع النفط ) ا هـ.

كما نشرت مجلة الأمل في عدد ذي الحجة 1410هـ مقالاً بعنوان (إلى أين ستذهب الأسلحة التي كانت تُصنع لحساب أوروبا وذكرت منها مثلاً -930- دبابة من طراز - إم60- وقالت: (الإجابة سهلة في واشنطن حالياً هي أن تُرسل هذه الأسلحة إلى العالم الثالث وبخاصة إلى الشرق الأوسط).
وفي هذا المسار نشرت مجلة البلاغ الإسلامية الكويتية في 16 ذي الحجة 1410هـ أي قبل الغزو بحوالي 25 يوماً مقالاً مؤثراً بعنوان: هل انتهت الحروب الصليبية؟
قالت فيه: اليوم تتوالى الأخبار التي يخيل للسامع أنها ليست إلا بيانات عسكرية في معركة طاحنة تدور رحاها بصمت عجيب.
وتعرضت فيه للفكرة التي طُرحت في الغرب ونشرت عنها الفايننشال تايمز وهي: إقامة عمود دفاعي أوروبي ضد العالم الإسلامي!
بل نشرت الصحافة الأمريكية أن دول البلقان مثل اليونان وبلغاريا قد تصبح (دول مواجهة في أوروبا ضد انتشار التطرف الإسلامي).
وأنذرت صحافة أمريكا عدوها النووي "الاتحاد السوفيتي" باحتمال وقوع الأسلحة الذرية في الجمهوريات الإسلامية السوفيتية في أيدي متطرفين مسلمين وأن ذلك يعتبر تهديداً خاصاً للبشرية والعالم المتمدن.
وقالت: إن المتطرف يأتي من الصحراء والمبدع يأتي من الغابات وربما كان هذا هو الفارق الأكبر بين الشرق والغرب.
وقد علَّق المحامي الأمريكي الذي أورد هذه النصوص بعنوان "إعلام أمريكا وخطر المسلمين" قائلاً: (17*)
( بالترويج لخطر المسلمين لا بالنسبة إلى الدول الغربية فحسب بل حتى إلى الاتحاد السوفيتي يرى المرء تقارباً بين مصالح الأعداء القدامى الذين كانوا يشتبكون في الحرب الباردة، ويُحتمل أن تتردد القضية الجديدة عن الخطر الإسلامي على العالم المتمدن أكثر فأكثر في المستقبل).

وفي الوقت نفسه جرى الإعلان أيضاً عن وظيفة جديدة للمخابرات الأمريكية في ظل الوفاق (وهي قديمة في الواقع) فقد أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية في برنامج عالم الظهيرة في أواخر ذي القعدة الماضي ما نصه تقريباً:
" إن الجهد الرئيسي للمخابرات الأمريكية الذي كان منصباً لمراقبة إمبراطورية الشر -يعني الاتحاد السوفيتي- سيتجه أساساً لمراقبة الجماعات الأصولية في العالم الإسلامي ووضع العقبات والعراقيل أمامها".

وأذاعت تعليقاً لصحيفة الفايننشال تايمز قالت فيه:
إذا كانت أمريكا تشجع الاتجاهات الديمقراطية في شرق أوروبا ودول العالم الثالث فإنه يجب عليها ألا تشجع تلك الاتجاهات في العالم الإسلامي لأنها بذلك تدفع –دون أن تدري- بالأصوليين إلى تسلم زمام السلطة في ذلك العالم!!!
وفي أثناء الإعلانات والشعارات المعسولة عن السلام العالمي القريب وحرية الشعوب في الحرية والاستقلال والديمقراطية... الخ. فجَّر الرئيس ميتران قنبلة صليبية مذهلة حين قال: إذا نجح الأصوليون في حكم الجزائر فسوف أتدخل عسكرياً كما تدخل بوش في بنما(18*) .!!
والواقع أن مثار الذهول ليس مجرد تهديد بالتدخل فقد تدخلت فرنسا فعلاً في دول كثيرة منها (زائير ووسط أفريقيا وساحل العاج وتشاد والجابون) ولكنه في الجراءة على إعلان بعض مخططات الغرب السرية وإشهار الحرب الصليبية الذي يزيد الصحوة الإسلامية اشتعالاً، ومن هنا كان تراجع ميتران الحاد في موقفه إلا أن ذلك لم يمنعه من التصريح بأن (الانتفاضة الفلسطينية خطر يهدد المنطقة كلها بوباء التطرف)(19*).
وفي هذا المسار تأتي تصريحات ميتران وغيره من المسؤولين الفرنسيين في معرض الدفاع عن الموقف الفرنسي المؤيد للعراق وهي تصريحات متكررة مضمونها:إننا كنا نساعده لأنه يحارب الأصولية الإسلامية التي تمثل تحدياً أكبر لمصالحنا.
وقد ورد عن مسؤوليين أمريكيين قبل الأزمة الحالية قولهم:

إن أمريكا ترى في العراق عاملاً قوياً في صد التوسع الإسلامي في المنطقة (إذاعة صوت أمريكا).
وفي غمرة هذه الإعلانات والتصريحات التي اجتاحت الإعلام الغربي في الشهور الأخيرة جاء الحديث المكشوف للأمير حسن ولي عهد الأردن(20*) لصحيفة نيويورك تايمز الذي قال فيه:

إنه ينبغي إجراء محادثات بين المعتدلين العرب والإسرائيليين لأن الخطر الحقيقي للسلام يكمن في تنامي الأصوليين. وقال: إن العدو الحقيقي هو تصاعد الأصوليين والتطرف حيث المتطرفون اليهود من جهة والمد الإسلامي الذي يؤثر على السياسات الممتدة من عبر أفغانستان ولبنان وشمال أفريقيا، وقال: (يتصاعد نشاط المتطرفين في الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة)(21*)

أصحاب الفضيلة

لا نريد التطويل وإلا فالشواهد كثيرة جداً غير أنه لا بد من التنويه بظاهرة جديدة في السياسة الغربية تدل على أن الغرب يعد العدة لأمر عظيم وهي استنفار كل ذوي الخبرات السابقة في الميدان السياسي أو العسكري أو الفكري لإحكام خطة الوفاق ودراسة الاحتمالات بكل دقة وبذل الجهود في أكثر من سبيل للوصول إلى فرض السيطرة الغربية الكاملة على العالم الإسلامي واستئصال الصحوة الإسلامية.
أقول هذا عندما رأيت الحشد الكبير من الساسة القدامى والجنرالات المتقاعدين والسفراء السابقين ورجال الاستخبارات وقادة الفكر وعلماء النفس والاجتماع... الخ. كلهم يتحدثون عن مستقبل الغرب وصراعه مع الإسلام بل يقومون بجهود عملية مكشوفة لم يشهد تاريخهم المعاصر من قبل مثلها.
ورغبة في الاختصار أضرب مثلاً فقط- بالرئيسين الأمريكيين السابقين ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر- وبنذر يسير من جهودهما:-
1- نيكسون: له نشاط تنظيري استراتيجي بارز وخاصة فيما يتعلق بالوفاق ومستقبل أمريكا والغرب، يدل على ذلك كتابه الضخم "1999 نصر بلا حرب" وبحوثه الأخرى ومشاركاته المباشرة كما حدث أثناء زيارة جورباتشوف الأخيرة لواشنطن.

وهو مع تحذيره وتهويله من الاتحاد السوفيتي عامة وشخصية جورباتشوف خاصة(22*) أطلق سنة 1985م- أي سنة تولي جورباتشوف صيحة صليبية نشرتها مجلة استراتيجية متخصصة هي مجلة الشؤون الخارجية قال فيها: يجب على روسيا وأمريكا أن تعقدا تعاوناً حاسماً لضرب الأصولية الإسلامية(23*).
وفي كتابه المذكور يؤكد نيكسون بكل صراحة وجراءة أن واجب الولايات المتحدة ورسالتها في الحياة هي زعامة العالم الحر الذي يجب بدوره أن يتزعم العالم وأن الوسيلة الوحيدة لهذه الزعامة هي القوة، وأن العدو الأكبر في العالم الثالث هو الأصولية الإسلامية ويؤكد ذلك قائلاً:

إن مأساة فيتنام قد جرحت كبرياء أمريكا ولم يكن ذلك راجعاً إلا إننا ذهبنا إلى هناك بل إننا خسرنا.

ويؤكد- لكن الكبرياء القومي الذي لا يتطلب من خلال المعارك كبرياء عقيم... إن الكبرياء الحقيقي لا يأتي من تفادي النزاع بل يأتي من أن نكون في معمعته نحارب من أجل مبادئنا ومصالحنا وأصدقائنا .

ومن أجل بناء ثقة جديدة ودائمة في الولايات المتحدة بين الأمريكيين أنفسهم وبين أصدقائنا وحلفائنا في الخارج فإن الأمر يقتضي ما هو أكثر من القيام بعدد غير قليل من المهام العسكرية الناجحة وإن كانت صغيرة نسبياً مثل غزو- جرينادا،وشن الغارات على ليبيا(24*).
ويسخر نيكسون من دعاة السلام قائلاً:-
يؤمن كثير من هؤلاء الذين يندفعون في الشوارع رافعين اللافتات الداعية إلى السلام ونزع السلاح الشامل بأن الحل الوحيد لتجنب خطر الحرب هو إقامة نظام عالمي ترعاه منظمة دولية.

لقد دحض القرن العشرون كثيراً من الأساطير، لكن ليس هناك أشد تدميراً من الفكرة القائمة على التمني القائلة بأن المنظمات الدولية يمكن أن تحقق السلام الكامل. ص 30.

ففي عالم الواقع يتوافر لأُمَّة بالغة الصغر لديها ستة دبابات أو ستة إرهابيين وضعاء لديهم قنبلة صغيرة قدر من القوة الحقيقية يزيد عما للجمعية العامة للأمم المتحدة مجتمعة بكل أبهتها الرفيعة في- أيست ريفر -.
إن القوة هي التي تدفع العالم صوب الخير أو الشر ولن تتخلى أية أمة ذات سيادة عن أي من سلطاتها وقوتها للأمم المتحدة أو أي هيئة أخرى لا الآن ولا في أي وقت.
وكلما سارعنا لمواجهة هذه الحقيقة وسارعت شعوب الأمم العظمى خاصة في الغرب بالكف عن الإحساس بالذنب لأنهم أقوياء سارعنا بإقامة نظام دولي حقيقي... ص 31.

ويقول عن منطقة الخليج:
إن الولايات المتحدة هي الآن الدولة الوحيدة التي يمكنها حماية المصالح الغربية في الخليج الفارسي، وليس هناك أي دولة من دول الخليج الموالية للغرب قوية بالقدر الكافي للقيام بذلك كما لا تتوافر لأي من حلفائنا الأوربيين القوة أو الرغبة في أن يقوم بذلك...
وينبغي لنا أن نعمل على الجبهة العسكرية لتحسين قدرتنا على إبراز القوة الأمريكية في الخليج، وقد حققنا تقدماً هاماً في هذا المجال، فقد أنشأ الرئيس كارتر قوة الانتشار السريع وعزز الرئيس ريجان وضعها بتحويلها إلى قيادة مركزية،واعتمد الكونجرس مليارات الدولارات لقوتها .

وبعد أن بين أن الهدف- هو أن تكون قادرة على دفع أربعة فرق من قواتنا في
الخليج خلال ثلاثين يوماً. قال : إننا لا نستطيع أن ندافع عن مصالحنا في الخليج -أو نرد أي تحرك سوفيتي ضدها- إذا لم نستطع إرسال قواتنا إلى هناك. وينبغي لنا أيضاً أن نعمل على الجبهة الدبلوماسية لتشكيل روابط أوثق مع بلدان المنطقة(25*).
ويستحيل على الولايات المتحدة أن تتدخل في الخليج الفارسي بدون أن تتوفر لها إمكانية الحصول على قواعد جوية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى الأصغر. إننا في حاجة إلى وضع قوات جوية في قواعد هناك حتى يمكن أن نحمي قواتنا البرية عند قيامها بإنشاء رأس جسر، وبدون تفوق جوي ستصبح أي عملية إنزال أمريكية في الخليج الفارسي تكراراً لعملية الإنزال البريطانية في غاليبولي أثناء الحرب العالمية الأولى.

فبالنسبة لأصدقائنا في المنطقة تعتبر إيران تحت حكم الخميني تهديداً يفوق في خطورته حتى الاتحاد السوفيتي. لذلك يجب أن نؤكد لهم أن عملية إيران الفاشلة كانت انحرافاً لن يتكرر (يعني عملية استنقاذ الرهائن) وينتقد بشدة (المفهوم الذي شجعه المرشحون الليبراليون للرئاسة عام 1984م، وهم يعدون بعدم إرسال قوات أمريكية للقتال في الخليج الفارسي .

إن أي شخص يصدر عنه هذا النوع من التعهد بعدم اللجوء للقوة في عام 1988م سوف يفقد صلاحيته لأن يكون محل تفكير كزعيم مسؤول للولايات المتحدة وللعالم الحر- ص 132- 133 .

هذا الكلام يوجهه نيكسون إلى المتنافسين على الرئاسة الأمريكية قبل ثلاث سنوات ومعلوم أن الذي فاز فيها هو جورج بوش المعروف بانتمائه لخط نيكسون. كما في التعريف بالكتاب على الغلاف الأخير له(26*).

وعن إسرائيل والصحوة الإسلامية يقول نيكسون:
وفي الشرق الأوسط نرى صراع العرب ضد اليهود يتطور إلى نزاع بين الأصوليين الإسلاميين من جانب وإسرائيل والدول العربية المعتدلة من جانب أخر. وما لم تتغلب هذه الأمم على خلافاتها وتعترف بأنها تواجه تهديداً أشد خطراً بكثير من طهران فربما سيظل الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر إحتمالاً للإنفجار في العالم كله ... ص 284 -أي كما قال ولي عهد الأردن.

ويقول : (لقد أمرت في حرب 1973 ببدء جسر جوي ضخم للمعدات والمواد التي مكنت إسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصر على جبهتين، وكتبت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في مذكراتها خلال حرب يوم كيبور (الغفران) تقول :

لقد كان الجسر له قيمة لا تقدَّر، فهو لم يرفع معنوياتنا فحسب بل أفاد أيضاً في جعل موقف أمريكا واضحاً بالنسبة للاتحاد السوفيتي وساعد بلا شك في جعل إنتصارنا أمراً ممكناً.
إن التزامنا ببقاء إسرائيل التزام عميق فنحن لسنا حلفاء رسميين وإنما يربطنا معاً شيء أقوى من أي قصاصة ورق، إنه التزام معنوي، إنه التزام لم يخل به أي رئيس في الماضي أبداً وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص.

وصدق الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ).

إن أمريكا لن تسمح أبداً لأعداء إسرائيل الذين أقسموا على النيل منها بتحقيق أغراضهم. ويتابع نيكسون مفاخراً بإسرائيل كأشد يهودي في العالم تعصباً:-
لقد بهرت إسرائيل العالم كله بكل ما أنجزته خلال 40 عاماً من الحرب وستدهش العالم بما تستطيع أن تنجزه في 40 سنة من السلام ص-292.

وينبغي أن نوجه لأنفسنا بعض الأسئلة عن بعض القضايا الأساسية.

كم تستطيع الحكومتان المعتدلتان في الأردن ومصر أن تبقيا صامدتين في مواجهة التهديد المزدوج للنزعة الجذرية وللنزعة الأصولية في غياب حدوث تقدم في مسيرة السلام؟
كم ستظل هاتان الحكومتان راغبتين في انتهاج سياساتهما الحالية الموالية للغرب...

ينبغي لإسرائيل أن تعترف بأن مصلحتها هي نفسها تقتضي أن تقيم الولايات
المتحدة علاقات وثيقة مع الدول العربية المعتدلة- وأن هذه الدول ستظل شريكاً مستقراً في السلام ...

لذا ينبغي للولايات المتحدة أن تتبنى سياسة أكثر واقعية في الشرق الأوسط. . ينبغي لها أن تسعى لإقامة علاقات طيبة مع الدول العربية المعتدلة، خاصة الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية. كما ينبغي لها أن تضغط بنشاط لدفع مسيرة السلام للأمام..

إن سياستنا ينبغي أن تهتدي بملاحظة أبداها- دافيد بن جوريون - فقد قال:
إن المتطرفين الذين نادوا بالاستحواذ على الأرض العربية سيحرمون إسرائيل من رسالتها...
ولو نجحوا فلن تكون إسرائيل يهودية ولا ديمقراطية- فالعرب سيفوقوننا عدداً، وسيقتضي الأمر إتخاذ إجراءات قمعية غير ديمقراطية للبقاء عليهم تحت السيطرة ...

وإن مصلحة إسرائيل تتطلب تسوية سلمية لقضية الأرض المحتلة في 1967م.
فلو ضمت إسرائيل هذه الأرض فستصبح دولة لحامية عسكرية مكونة من قوميتين يشكل فيها العرب المحرومون من حقوقهم نحو نصف سكانها، وبالإضافة إلى ذلك ففي ضوء معدلات المواليد المرتفعة للشعب الفلسطيني سرعان ما يصبح الشعب اليهودي أقلية. في الدولة اليهودية، ولو استمرت إسرائيل في إحتلالها العسكري واستيطانها التدريجي لهذه الأراضي فإنها ستوحد العالم العربي في النهاية في العداء لها وتزيد فرص موسكو في دخول المنطقة أكثر من أي وقت مضى ...

إن من يبتعدون عن الخط المتشدد من بين أكثر مؤيدي إسرائيل تطرفاً لا ينبغي أن نصفهم بأنهم معادون لإسرائيل بصورة تلقائية، لقد حدث هذا بالنسبة لي ولأصدقاء آخرين لإسرائيل عندما أيدنا قيام إدارة ريجان ببيع طائرات الأواكس للمملكة العربية السعودية في 1981م وخططها لتوريد طائرات مقاتلة للأردن في 1986م، ينبغي للجميع أن يدركوا أن كون المرء صديقاً لجيران إسرائيل لا يجعل منه عدواً لها، ذلك أن مصلحة أمريكا وإسرائيل تقتضي أن ترتبط الولايات المتحدة بعلاقات الصداقة مع الدول العربية المعتدلة... ص 294.

وفي العالم الإسلامي من المغرب إلى إندونيسيا تخلف الأصولية الإسلامية محل الشيوعية باعتبارها الأداة الأساسية للتغيير العنيف... ص 307.

ويؤكد أن الرؤيا الثورية التي يقدمها الرديكاليون على أطراف العالم الإسلامي جذابة مثل الشيوعية تماماً ومدمرة مثلها أيضاً، إن الثورة الشيوعية تضرب على أوتار إحتياجات الإنسان المادية، والثورة الإسلامية تضرب على أوتار الاحتياجات الروحية فالإيديولوجية الشيوعية تَعِدُ بالتحديث السريع والإيديولوجية الثورية الإسلامية هي رد فعل ضد التحديث، والشيوعية تَعِدُ بتدوير ساعة التاريخ للأمام والأصولية الإسلامية تعيدها للوراء .

إن الثوريين الإسلاميين يدينون إلحاد الشرق الشيوعي والعلمانية المادية للغرب الرأسمالي...

إن الثوريين الشيوعيين والإسلاميين أعداء إيديولوجيين يتبنون هدفاً مشتركاً: الرغبة في الحصول على السلطة بأي وسيلة ضرورية بغية فرض سيطرة دكتاتورية تقوم على مُثُلهم التي لا تحتمل، ولن تحقق أي من الثورتين حياة أفضل للشعوب في العالم الثالث.

بل سيجعلون الأمور أسوأ، لكن إحداهما أو الأخرى، ستسود ما لم يضع الغرب سياسة موحدة لمواجهة الأبعاد الاقتصادية والروحية على حد سواء للصراع الدائر الآن في العالم الثالث.

إن رياح التغيير في العالم الثالث تكتسب قوة العاصفة، ونحن لا نستطيع إيقافها لكننا نستطيع أن نساعد في تغيير إتجاهها... ص 307.

ويتحول نيكسون في نهاية الكتاب وفي نهاية عمره من ذلك السياسي الانتهازي إلى قسيس متعصب فيقول: لقد نهض بتأسيس أمريكا أفراد كانوا ينشدون الحرية الدينية وأرادوا أن يكون لهم حق عبادة الله بطريقتهم الخاصة وأن يبحثوا عن معنى للحياة حسب شروطهم الخاصة، وعلينا ألا نغفل عن هذا المبدأ الموحي من مبادىء بلادنا.

وعلينا ألا نسمح بمنافستنا مع موسكو بأن تنحدر فتصبح سباقاً بين الطرفين على أيهما يستطيع إنتاج أكبر عدد من القنابل وأطول العمارات وأعلى معدل للدخل الفردي من الناتج القومي الإجمالي، فإن كانت الثروة المادية هي هدفنا الوحيد لم نختلف في شيء عن الشيوعيين ...

والشيوعيون ينكرون وجود الله ولكن ليس هناك من ينكر أن الشيوعية عقيدة، وفي إعتقادنا أنها عقيدة زائفة ولكن الرد على العقيدة الزائفة لا يمكن أبداً أن يكمن في إنكار العقيدة. وعندما كانت أمريكا ضعيفة وفقيرة منذ مائتي سنة مضت كانت عقيدتنا هي المبقية علينا، وعلينا ونحن ندخل قرننا الثالث ونستقبل الألف سنة المقبلة أن نعيد اكتشاف عقيدتنا ونبث فيها الحيوية... ص 332.

الحياة التي تقتصر على طائفة المقتنيات المادية هي حياة تعاني من الخواء. فلنتذكر حكمة الإنجيل القائلة: (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان) ص 333 .


2- جيمي كارتر:من المعلوم عن كارتر تدينه بل تعصبه لمذهبه الكنسي وهذا ما ظهر عليه أثناء رئاسته ثم تحول بعدها إلى داعية دؤوب يتنقل بين أفغانستان وأثيوبيا وإسرائيل وسوريا مروراً بالسعودية وغيرها من دول الخليج حاملاً معه مشروعات كثيرة لوأد الجهاد الإسلامي والصحوة الإسلامية، وقد أفاد الرئيس بوش من خبرته ووظفها لصالح الوفاق الدولي كما أفادت منه القوى اليهودية في أوروبا الشرقية وإسرائيل والاتحاد السوفيتي فضلاً عن إسرائيل، والمهمة التي يقوم بها كارتر من نوع خاص تتناسب مع اهتماماته الشخصية والتزامه الديني ومضمونها استقطاب المعتدلين من الإسلاميين والإسرائيلين وإيجاد تحالف سوري إسرائيلي تنضم له الدول العربية المعتدلة (كما تسمى) وضرب المتطرفين من الإسلاميين(27*) بالمعتدلين مع إقناع أو تحجيم المتطرفين من اليهود.

نشرت جريدة الأنباء الكويتية قبل أقل من شهر من غزو الكويت مقالاً بعنوان:

بعد التغييرات في أوروبا الشرقية وموسكو هل يستمر دور إسرائيل كحليف استراتيجي لواشنطن؟
وهو مترجم عن مقال لأحد الكتاب الإسرائيليين المتخصصين في الشؤون العربية أبرز فيه جانباً من مهمة كارتر ، وهذه مقتطفات منه:
إن إسرائيل القوية التي يقدم إليها الأمريكيون المساعدات هي نفس إسرائيل التي تضع العراقيل أمام استراتيجيتهم- الشرق أوسطية وبالتالي فإن من المتوقع أن تسهم في إفشال الإجراءات الأمريكية المعقدة داخل العالم الإسلامي والرامية إلى تهدئة الحماس الديني اللاهب.

والتهديد الوحيد الآن في أعقاب التراجع السوفيتي في الشرق الأوسط على المصالح الأمريكية هو الإسلام المتطرف ولا يقتصر التهديد الإسلامي على المصالح الأمريكية فقط بل يتجاوزها إلى تهديد الأنظمة العربية أيضاً والولايات المتحدة لن تسمح بنشر ثورة إسلامية جديدة في أي دولة عربية من الدول ذات الأهمية الكبيرة.
والأمريكيون يعتبرون الإنتفاضة بمثابة خطر يهدد المنطقة العربية بأسرها وخصوصاً من حيث الطابع الإسلامي المشارك فيها بشكل واسع وعلى أرضية تراجع المد الشيوعي.
وبعد أن ذكر أن التصلب الإسرائيلي يفسد الخطة الأمريكية لاحتواء المعتدلين وضرب المتطرفين قال:

لقد بدأت مفاوضات في عمَّان بين منظمة التحرير والإخوان المسلمين بتشجيع المعتدلين حول انضمام حركة حماس إلى المجلس الوطني الفلسطيني مع الموافقة على برنامج المنظمة السياسي الذي يربط جميع الحلول السياسية بالإعتراف بإسرائيل.
ورغم الستار الكثيف المسدل حول تلك الاتصالات إلا أنه اتضح أن الشروط التي تطالب بها حماس ليست سهلة فهي ترفض برنامج المنظمة السياسي وفي نفس الوقت تطالب بالتمثيل في مؤسسات المنظمة بنسبة 40%.
يضرب الكاتب أمثلة لبعض الشخصيات المعتدلة، كما أن صورة مقابلة بعضهم لكارتر منشورة في نفس الصحيفة ثم يقول :

وقد شاءت (سخرية الأقدار) – هكذا ! أن يكون الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر هو أول من يؤيد مطالب حماس خلال الجولة الأخيرة التي قام بها في الشرق الأوسط ، فقد نشرت صحيفة المحرر الباريسية مقطعاً من الحوار الذي أجراه كارتر مع الرئيس السوري حافظ الأسد حين سأله الأسد عن موقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحركات الإسلامية، فرد كارتر ... واشنطن تأمل أن تحظى الحركات الإسلامية والإخوان المسلمين على نصف الأصوات خلال الانتخابات التي ستجرى في المناطق المحتلة .

ويعلل كارتر ذلك بأنه سيدفع مسيرة السلام مع إسرائيل، ويُعلِّق الصحفي ذاكراً الفروق بين منظمتي حماس والجهاد بالنسبة للغرب وإسرائيل .

ثم يقول:

ومنظمة التحرير لن تقبل بأي حال من الأحوال مطالب حماس بمنحها 40% من المقاعد في مؤسساتها، كما أن إعلان كارتر بأن الولايات المتحدة تؤيد مطلب حماس سيثير الكثير من الخواطر وردود الفعل الشديدة في أوساط المنظمة غير أن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن هناك تقارباً فعلياً بين الإخوان المسلمين والولايات المتحد ة، وحماس لا تحرص على إخفائه، كما أن تجديد العلاقة بين دول عربية والإتحاد السوفيتي(28*) . حينما سيحدث يمكنه أن يُحدث تحولاً دراماتيكياً في العلاقات بين الفلسطينين والوطنيين العلمانيين والإخوان المسلمين. ويمكننا القول إن الأمريكيين يرمون في خطواتهم إلى تغيير الوضع الراهن في المناطق المحتلة ودفعه بإتجاه تهدئة الإنتفاضة ويعتبرون هذا التغيير بمثابة أساس مركزي في استراتيجيتهم الهادفة لتقليص الحماس الثوري الإسلامي.
وقد نشرت جريدة الحياة بتاريخ السبت 20/8/ 1410 هجري على لسان كارتر عقب زيارته لسوريا:

لقد اتفقت مع حافظ الأسد (يعني أيام رئاسته) على إعطائه الجولان وأنه لا حق لإسرائيل فيها ولكن بشرط أن تكون منزوعة السلاح وأن يعيش البلدان في سلام دائم وآن الأوان لأفي بوعدي.

وتتضمن خطة كارتر الإعتراف لإسرائيل بجنوب لبنان وإنهاء مشكلة الضفة الغربية بإيجاد حكومة تحالف فلسطينية مع المنظمة وحماس تعترف بإسرائيل ويعترف بها الغرب واستبعاد منظمة الجهاد لتطرفها . وقيام تحالف استراتيجي بين سوريا وإسرائيل تمهيداً لقيام دولتي إسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى على أنقاض العراق والأردن ولبنان، وترى بعض الأوساط بعد أزمة الخليج أنه يمكن بقاء العراق على أساس شروط قاسية وتكون التركيبة هكذا :
1- لبنان دولة مستقلة ترتبط بعلاقات مميزة مع سورية.

2- فلسطين دولة مستقلة ترتبط بعلاقات مميزة مع إسرائيل.

3- الكويت دولة مستقلة ترتبط بعلاقات مميزة مع العراق(29*)

أي وضع كيانات صغرى تحت كيانات كبرى تكون هي الأخرى ضمن منظومة الحلف الدولي الذي تتزعمه أمريكا.

وبالنسبة للاتحاد السوفيتي نجد أنه اتجه مع المسار نفسه ولكن من زاوية أخرى، ففي عهد إعادة البناء وعلى يد جورباتشوف حصلت إسرائيل على (أكبر صفقة بشرية في التاريخ) إنهم مليون يهودي جرى ترحيلهم من الاتحاد السوفيتي لا إلى حيث يريدون بل إلى إسرائيل بالذات منهم على أقل تقدير مائة ألف إما مجندون أو جاهزون للتجنيد، وقد عادت العلاقات بين إسرائيل وأوروبا الشرقية ونشرت جريدة ليموند على لسان بعض الإسرائيلين البارزين:
إن عودة العلاقات بين إسرائيل ودول أوروبا الشرقية هو بمثابة العودة إلى قطاع من العالم تربطه بإسرائيل منذ وقت طويل روابط عاطفية وثقافية وروحية قوية ومتعددة.

وذكر أن (أوروبا التي تضرب في أعماقها جذور الشعب اليهودي هي أوروبا الشرقية لا الغربية)!!
وليس سراً أن نقول إنه بعد التغييرات في أوروبا الشرقية حصل اليهود على مناصب عليا في دولها أكثر مما كانوا عليه أيام الحزب الواحد. وبعد أزمة الخليج اجتمع قطبا الوفاق فيما سمي "قمة هلسنكي" وتناقلت كافة الوسائل الإعلامية أنباء عن قيام حلف دولي جديد تشترك فيه دول المنطقة وقد علَّق جورباتشوف قائلاً:

إن أزمة الخليج هي اختبار لقدرة النظام العالمي الجديد على حل مشاكل العالم وأكد أن هذا العالم يدخل مرحلة جديدة لِما بعد الحرب الباردة وأضاف أنه لولا مالطا ولولا واشنطن (يقصد زيارته الأخيرة لأمريكا) وكامب ديفيد لكُنَّا الآن في وضع صعب ونحن نواجه أزمة الخليج، وحقيقة كوننا اتخذنا موقفاً مشتركاً يعني أننا نسير في الطريق الصحيح.

ومن جهته أكد بوش تماسك الوفاق الدولي وأن موقف صدام لن يجعلنا ننقسم على أنفسنا(30*) -على حد تعبيره- وهنا نورد ما جاء في مقابلة مع الأمير سعود الفيصل عمَّا تأمله المملكة من قمة هلسنكي حيث قال:

إن تنفيذ قرارات مجلس الأمن هي السبيل الأضمن لنزع فتيل الإنفجار عن المنطقة وتجنيبها مضاعفات حرب مدمرة ، وإن المملكة العربية السعودية التي ربطتها وشائج عميقة بالعراق على مستوى القيادة والدولة والشعب وشاركته السراء والضراء طيلة ثماني سنوات حريصة كل الحرص على أن لا يمس العراق الشقيق أي ضرر.

وعند سؤاله عن فكرة الحلف العربي والدولي قال:

إن المسؤولين في أمريكا نفذوا ذلك لكن ما حصل من أحداث يجعل التفكير في نظام الأمن الدولي حاضراً ومستقبلاً مسألة حيوية ويجب أن يتركز هذا المنظور على فكر دول المنطقة نفسها خاصة وأن مسألة الأمن القومي نوقشت في قمة بغداد والمفترض الآن أن يوفر العرب لأنفسهم في إطار جامعة الدول العربية الأسس والقواعد الكفيلة لقيام هذا النظام(31*)
وعن الوفاق وقمة هلسنكي نشرت جريدة الحياة بتاريخ السبت 3 ربيع الأول 1411هـ كتب صلاح الدين حافظ نائب رئيس تحرير الأهرام الدولي مقالاً مهماً بعنوان:

هل تمت الصفقة الكبرى في هلسنكي؟ وكان مما قال:

وأخيراً انفجرت أو فجَّرت أزمة الخليج المرسومة أو طبقاً للسيناريو البارع الذي جرى إعداده وتجهيزه من قبل…. ما الجديد إذن في الصفقة؟ وما هي تأثيراتها على العرب عموماً والخليج خصوصاً؟
بداية نقول من باب التسجيل والتذكير- إن يد أمريكا في معظم أرجاء الوطن العربي كانت مطلقة منذ سنوات، تعود بدايتها إلى عام 1947م. الجديد أن أمريكا لم تعد تخشى رد الفعل السوفيتي العنيف- سياسياً أو عسكرياً كما كانت تخشاه قبل 10 سنوات إذا ما تحركت عسكرياً. الجديد أن الإتحاد السوفيتي لم يعد يلعب دوراً منافساً أو مناهضاً للنفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة العربية ولم يعد يخشى وجوداً عسكرياً أمريكياً أو غربياً كثيفاً في المنطقة كالحشد الهائل للأرمادا(32*) الموجود الآن...

الآن تتحدث واشنطن علناً وبأشد درجات الصراحة والوضوح عن خطتها لإقامة ترتيبات أمنية في المنطقة ترقى إلى درجة "الحلف" على نموذج حلف الأطلسي -كما قال كل من بيكر وتشيني وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين في الأسبوع الماضي- بحجة ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة وحتى لا يتكرر غزو جديد كغزو العراق للكويت، ومع ذلك، وعلى الرغم من صراحة كلماته المعبِّرة عن وضوح الخطط الأمريكية وأهدافها لم ينفعل الإتحاد السوفيتي أو يرتعد، ولم يرفض العرب أو حتى يتململوا ... إن تغيرت كل الأشياء. وكان مفتاح التغيير في يد الرئيس العراقي صدام حسين الذي أقدم على فتح الباب واسعاً أمام رياح التغيرات— الطارئة :-
فهل كان صدام حسين بقراره الطائش باغتيال الكويت وإحتلالها ودمجها تحت الدعاوى التاريخية، مدركاً لكل ذلك، ضالعاً في سيناريو المتغيرات، مشاركاً في اللعبة، أم كان ضحية السذاجة السياسية والتفكير البدائي الذي يتحكم في معظم سياسي المنطقة، ويوجه قراراتهم ويتحكم في أمزجتهم المتقلبة؟!!

قد يبدو التساؤل ساذجاً، لكن المؤكد أن تفجير الصراع في الخليج منذ الثاني من أب –أغسطس- الماضي لم يكن اعتباطاً ولا رمية طائشة في بحر ساكن، الأرجح عندي أن اللعبة متكاملة القواعد والأهداف ومحدودة الأساليب والوسائل سواء كان صدام حسين ضالعاً متواطئاً أو كان ساذجاً مخدوعاً فهو في الحالتين قام بالدور وأدى المهمة، وفتح الباب أمام الأرمادا التي لم تأت بهذه الكثافة إلى المنطقة إلا لتبقى - طويلاً طويلاً طويلاً -. هكذا كررها الكاتب كثيراً .

ستبقى طويلاً سواء اشتعلت الحرب أو لم تشتعل، سويت الأزمة سلمياً اليوم أو طال بها الزمن- -كغيرها- ودخلت في مراحل البيات الشتوي، ستبقى الآن إعادة تركيب المنطقة في المقياس الأمريكي تحتاج إلى إعداد طويل وجهد مكثف وإقناع صعب ومن لم يقتنع طوعاً، يقتنع بالضغط والتأديب، ساعة تحتاج المسألة إلى قمع وتأديب !!

(سواءاً ارتكب الجميع جيافة الحرب أو استسلموا لإغراء تجميد الموقف على حاله، فإن الأزمة التي فجرها غزو العراق للكويت ستطول لأنها أزمة تحول استراتيجي عالمي وليست مجرد أزمة عسكرية عاجلة أو مؤقتة بين طرفين محدودين، ولأنها وقعت في منطقة لها أهميتها الجيوبوليتيكية التي لا تخفى على أحد، إلا على أصحابها النائمين في بحور العسل، عفواً في بحور الوهم ...).
ونختم موضوع الوفاق ببيان الموقف الأوربي من الحلف أو النظام الدولي الجديد فنقول: لقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على تطويق الاتحاد السوفيتي والعالم الإسلامي بسلسلة من الأحلاف العسكرية والسياسية منها حلف ( الناتو) الذي يشمل أوروبا الغربية وحلف (السنتو) الذي شمل دول الشرق الأوسط
عقب إلغاء حلف بغداد وحلف (السياتو) الذي يشمل دول جنوب شرق آسيا وحلف (الريو) الذي يشمل دول أمريكا اللاتينية، والهدف الأمريكي الآن- بعد انهيار حلف وارسو هو دمج هذه الأحلاف وزيادة ضمن منظومة واحدة تتقنع بستار الأمم المتحدة وتتحكم فيها أمريكا وفق النظام الجديد وأهم طرف في هذا النظام هو حلف الناتو بطبيعة الحال.

فما موقف الحلف وأوروبا خاصة من الخطط الأمريكية التي عرضناها؟
يمكن الإجابة باختصار شديد بأن الدول الأوروبية ومن خلال التوجيه الأمريكي قد سلكت الخطوات نفسها فقد قررت أوروبا الغربية عقب حظر النفط المذكور وبالتحديد في اجتماع أركان دول الحلف في مطلع عام 1980.
(إن الخطر الأساسي على الغرب لا يقع في أوروبا بل في المناطق النفطية الحيوية وخطوط المواصلات إليها).
وجاء على لسان وزير الدفاع البريطاني:

إن منطقة الخليج هي من أهم مناطق العالم وهدفنا الأساسي يجب أن يكون إعادة الاستقرار إليها. (الوجود العسكري الغربي في الشرق الأوسط ص 12)(33*).
وقامت دول أوربا بتشكيل قوات تدخل سريع على غرار القوات الأمريكية بل أن فرنسا قد شكلتها عام 1977 أما بريطانيا فقد احتفظت بلواء"جرذان الصحراء" منذ الحرب العالمية الثانية .

وقد قامت داخل الحلف دعوات مختلفة إلى توسيع رقعة الحلف ليشمل المنطقة العربية ومن أبرز هذه الدعوات فكرة إيجاد قوات تدخل غربية مشتركة تنفصل قيادياً عن الناتو .
وتشمل على عناصر غير أوروبية من اليابان واستراليا وغيرهما وذلك تفادياً للإشكالات الدستورية داخل الحلف. ص22 (وكان ذلك سنة 1980).
وبعد الأزمة وفي شهر صفر 1411 اجتمع المجلس الأوروبي في بروكسل وقرر إقامة نظام أمني يشمل الرقعة الممتدة من إيران حتى موريتانيا !!

- وإجمالاً تتفق كل المصادر على أن القوات الأوروبية تقوم بدور المساندة للقوات الأمريكية وأن مغزاها السياسي هو الأهم- وبعد أزمة الخليج تم تجاوز العقبات الدستورية حتى أن ألمانيا عدَّلت دستورها للسماح بالمشاركة في القوة الدولية، وبالفعل وصل إلى المملكة وبقية دول الخليج حتى الآن ما يزيد على 500,000 جندي أوروبي !!

وقد صرَّح وزير الدفاع الأمريكي في 30/2/1411هـ أن الولايات المتحدة قد أغلقت 150 قاعدة في أوروبا نهائياً ونقلتها إلى الخليج بعد أن ظلت هناك 45سنة(34*).

وعندما سُئِل عن مدَّ ة بقاء القوات في السعودية قال:

لسنا على استعداد أن نأتي كل 10 سنوات لحل مشكلات المنطقة؟ وأضاف أن ذلك مرهون باستقرار المنطقة!!

كما أطلق بيكر وزير الخارجية تصريحات مماثلة منها ما نشر في جريدة الشرق الأوسط في 13/2/1411هـ، وأعقب هذا إعلان بوش عن إرسال 150 ألف جندي أمريكي آخرين إلى السعودية إضافة إلى ربع المليون الذين وصلوا من قبل متذرعاً بالحجة نفسها- ضمان الردع والاستقرار .

ومن العجب أن يجري هذا ويزداد الموقف الأمريكي تصلباً مع الإعلان عن تراجع العراق ولين موقفه ومع تعاطف فرنسا وروسيا التظاهري- معه واستبعادهما لفكرة الحرب- دون اعتراضهما على الحشود العسكرية الهائلة!!

إنها أدوار موزعة والضحية واحدة!!


وهنا نسأل أصحاب الفضيلة:

أمن أجل استعادة الكويت أو إعانة السعودية يتم كل هذا؟
أمن أجل إختلاف العراق والكويت على الحدود توضع خارطة جديدة للمنطقة من إيران حتى موريتانيا؟ خارطة عسكرية وإقتصادية وسياسية- وتسحب الجيوش من أوروبا وتوطن في هذه المنطقة؟
أم أن ذلك جرى وفقاً لمقتضيات النظام الدولي الجديد الذي رسمت صورته قبل غزو العراق بسنتين وتحت ستار استقرار المنطقة؟
ثم ألا ترون أن الحملات الإعلامية بين دول المنطقة وافتعال المشكلات وتضخيم المؤامرات المتبادلة يصب نحو الهدف الأمريكي، أعني عدم استقرار المنطقة ويُعطي الغرب المبرر للبقاء طويلاً لضمان استقرارها بزعمه؟
وإذا كان كذلك فما دوركم مع علماء المسلمين الآخرين في هذا؟
وكيف ترون الحل؟ وهل يسع علماء الإسلام السكوت وأمتهم تنحدر إلى الهاوية؟
وهل يليق بعلماء الإسلام أن ينقسموا بحسب حكوماتهم فيفتي علماء الدول المستعينة بالكفار بجواز الاستعانة، ويفتي علماء الدول المخالفة لذلك بتحريمها؟ وألف وخمسمائة مليون مسلم يتساءلون: الحق مع من إذاً؟
وقد تسألونني عن تصوري لهذا النظام وهذه الترتيبات الأمنية فأقول: إن الغرب يبني أموره عادة وفق خطط ذات احتمالات عدة ويحسب الحساب للمفاجآت وما يجدّ في صعيد الواقع وعليه يصعب التحديد الدقيق المجزوم به، لكن نستطيع استنتاج الملامح العامة والأهداف الكبرى، ومنها:-
1- سحق أي قوة إقليمية في المنطقة سواء كانت قوة عسكرية كالعراق أو إقتصادية كدول الخليج أو سكانية كمصر، وفق خطط مرسومة وبإجماع غربي مستتر بالإجماع الدولي .

2- ربط دول المنطقة ضمن منظومة تحالف أمني قد يشمل إيران وتركيا وباكستان.
فقد صرحت مصادر استراتيجية أمريكية أن "سياسة العمودين" لم تعد كافية حتى مع تغيير العمودين الحاليين إلى العمودين المقترحين "سوريا وإسرائيل" وأن المستقبل سيشهد سياسة "القوس الكبير" الممتد من باكستان حتى مصر إن لم يصل إلى موريتانيا كما عبَّر بعضهم، وهذا القوس يدمج مع الوضع النهائي الذي سيكون عليه حلفا وارسو والناتو بشكل ما أي سيكون مرتبطاً بالتحالف الغربي عامة وتحت الهيمنة الأمريكية خاصة.
- فأما إسرائيل فهي حليف استراتيجي قديم وهي مع مقتسمي الغنيمة لا مع الضحايا، وسوف تظل محتفظة بكل قوتها حتى الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية بل سوف تكون مستودعاً آمناً للمعدات العسكرية الغربية مع إتاحة الفرصة لها لاستخدام الأسلحة نفسها.

- وأما تركيا فقد أعلنت أنها بصدد إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية باعتبارها عضواً في الناتو لكي تصبح الأولوية موجهة إلى الشرق الأوسط بدلاً من الاتحاد السوفيتي(35*) - ومع أن في تركيا ما يقارب 20 قاعدة لحلف الناتو ملأى بأحدث ما توصلت إليه التقنية الأمريكية من أجهزة الرصد والإنذار والاتصال والطائرات بل وحتى المستودعات النووية (كما نشرت الحياة في 29 شعبان 1410هـ).. الخ.

فقد تضاعف الوجود الأمريكي فيها بعد الأزمة بالذريعة نفسها "تطويق العراق" وقام رئيسها بنشاط ملحوظ في الأزمة وما يزال، ويحرص الغرب على إثارة مشكلة مياه الفرات بينها وبين العراق وسوريا لتظل المنطقة غير مستقلة أيضاً.
وأما إيران التي لا يماثلها في مفاجآتها السياسية إلا صدام فقد فاجأ رئيسها العالم في خطبة الجمعة المشار إليها سالفاً (في أول شهر شعبان 1410هـ) بالموافقة على جدول أعمال السلام مع العراق والإقرار بحقوق العراق ومنها حق استخدام الخليج ثم "انتقد مواقف القوى الكبرى من محادثات السلام واصفاً إياها بأنها مواقف متضاربة وقال:
من ناحية تريد هذه القوى استمرار حالة السلام والحرب لتبرير وجودها العسكري وتواصل مبيعات الأسلحة للمنطقة ولكن من ناحية ثانية إن منطقة الخليج الغنية بالنفط مهمة إلى درجة أن وجود نار مشتعلة تحت الرماد فيها يثير قلق القوى الصناعية الكبرى".
فهي إذاً على علم باللعبة الدولية وصلحها مع العراق يأتي ضمن أطماعها من الغنيمة، ولذلك أعلن وزير دفاعها أن حكومته خصصت 10 مليارات دولار في السنوات الخمس القادمة لتحديث الجيش الإيراني لمواجهة ما أسماه "التغييرات الجارية ولا سيما في البلدان المجاورة"!!
إنها بداية تشكيل القوس خلفاً لحلف بغداد!!
لكن ليست المشكلة هنا فحسب بل لها جانب آخر خفي أشارت إليه بعض المصادر الأمريكية أثناء أحداث أذربيجان حيث تحدثت عن تفكيك الإمبراطورية السوفيتية مقترحة ضم المناطق الشيعية إلى إيران وضم المناطق السنية إلى تركيا وضم أفغانستان إلى باكستان!!
فإذا ضممنا هذا إلى عمود التحالف الذي يراد إنشاؤه وبين دول الخليج وأمريكا من جهة وبين عمود التحالف الآخر (مصر- اسرائيل- سورية) من جهة أخرى وضممنا إليه ما نادى به بعض مخططي السياسة الأمريكية من إعطاء إيران الثورة الأفضلية بدلاً من العراق ودول الخليج (كما ورد في الخيارات السابقة ص 26) مستندين في قولهم إلى أن مناطق النفط تسكنها غالبية شيعية.
إذا تصورنا ذلك أدركنا خطراً كبيراً يهدد المنطقة في حالة تدمير العراق وإحلال التحالف الشيعي محله (إيران-سوريا-العراق الذي سيصبح دولة شيعية بعد فصل الأكراد- ثم بقية المناطق الخليجية كالبحرين والإمارات وشرق السعودية- والوجود الشيعي واضح فيها، ولا ننسى أن نذكر أن كثيراً من الناطقين بالعربية في جنوب تركيا من النصيرية أيضاً، أما باكستان فكثير من قادة جيشها الكبار شيعة ومعهم إخوانهم القاديانية والبريلوية).
إنها مصيبة عظمى لو أصبح هذا القوس الكبير قوساً رافضياً يهودياً توجهه الصليبية الغربية المتحالفة.

وهنا يجب على علمائنا الكرام تنبيه وسائل إعلامنا إلى الخطر الرافضي القادم وبيان فداحة الخطر الذي تقع فيه عندما تؤيد المعارضة العراقية الرافضية وتسميها المعارضة الإسلامية وتصف آيات ضلالها بأنهم علماء الإسلام في حين تهاجم بلا هوادة جبهة السودان وجبهة الجزائر وأمثالها من الحركات الإسلامية التي مهما أخطأت فهي لا تقارن بخطر الرافضة!!

إن الرافضة هم أولياء اليهود والنصارى في قديم الدهر وحديثه، ولا أظن الغربيين إلا قد أدركوا الفرق بينهم وبين أهل السنة جيداً وأخشى -لا قدَّر الله- أن نصحو على إمبراطورية مجوسية تمتد من الهند إلى مصر!!
أما إن صحونا الآن فسنقطع عليهم الطريق بإذن الله.

(15*) مؤتمر يالطا بعد الحرب العالمية الثانية – و أما مؤتمؤ مالطا الذي وضع أسس النظام الجديد فهو قمة مالطا الأخيرة بين الرئيس الأمريكي و السوفيتي !! . .
(16*) هذا مع ملاحظة ما على بعض الحركات من المآخذ و لكن ليس المقام مقام نقدها و إنما هو بيان خطره بالنسبة للغرب.
(17*) و هو مايكل سابا و المقالة في الحياة – 10 شعبان 1410 هـ
(18*) و قد أحدث هذا الإعلان المكشوف ردة فعل قوية مما جعله يقول بعد إعلان نتائج الإنتخابات إنني أقدر حرية الناخب الجزائري.
(19*) انظر مجلة التذكير الجزائرية العدد –5- .
(20*) أعلن الأردن هذا الموقف عند رواج فكرة انهاء حكم الملك حسين و جعل الأردن هي الوطن البديل لفلسطين كنا سنعرض ان شاء الله .
(21*) الحديث أذاعته اذاعتا صوت أمريكا و لندن ، كما نشرتها أكثر من صحيفة عربية و إسلامية منها الإصلاح في عددها 146 ذو الحجة 1410هـ .
(22*) انظر الكتاب المذكور ، فصل كيف نتفاوض مع موسكو .
(23*) انظر الحرب الصليبة للدكتور أحمد شلبي و قد جعل العبارة تصديراً لكتابه .
(24*) ص – 29 و الكتاب أُلف في سنة 1988م قبل غزو بنما أيضا .
(25*) وضع نيكسون سبعة إرشادات و أربعة شروط للتعامل مع الدول الحليفة ص(136-140) ناقش خلالها مسألة الديمقراطية و حقوق الإنسان بخبث و دهاء.
(26*) و كما يظهر من كتاب جورج بوش : التطلع إلى الأمام : الذي لخص فيه سياسته بقوله : " المحافظة على مصالح أمريكا بواسطه – السلام عن طريق القوة – و بعبارة كيندي : " أن نكون أقويا بحيث إننا لن نتفاوض من الخوف بل نخاف من التفاوض " ص 268 – ترجمة جورج خوري هدفهم في تدميرها ص 291
(27*) من مجموع ما اطلعت عليه يطلق الغربيرن صفة المتطرف على هذه الفئات :
" سياف و حكمتيار : أفغانستان ، سلامات هاشم : الفلبين ، حركة الجهاد الأريتري ، جبهة الإنقاذ في الجزائر ، منظمات الجهاد في مصر و فلسطين و غيرها ، و في السعودية : المطاوعة ، أو البوليس الديني : و يقصدون به الهيئة ، و هم عموما يصنقون علماء السعودية و المتدينون فيها كلهم في صف المتطرفون . و يسمون المنحرفون فيها : المتحررين "او المتنورين " !!! .
(28*) معلوم أنه بعد الأزمة و مشاركة القوات السوفيتية للحشود الغربية أعادت العلاقات مع السعودية و تبعتها باقي دول الخليج التى لم يكن لها علاقة بموسكو . و نحن نوافق الكاتب على آرائه و لكن منها ما هو بالاهتمام و الغرض هو بيان دور كارتر .
(29*) انظر الوطن العربي عدد 188-714 ص 20 .
(30*) التعليقان عن جريدة الحياة – الإثنين 10 سبتمبر و قد نشرتهما كل وسائل الإعلام تقريباً.
(31*) انظر الصحف بتاريخ 21/2/1411هـ .
(32*) القوات البحرية .
(33*) ترجمة حسين آغا و زميليه – ط 1- بيروت 1980.
(34*) بت 5/2/1411 ذكرت إذاعة لندن عن إحدى الصحف البريطانية المعارضة قولها : ( من المحتمل أن تتحول الأزمة في الخليج إلى حرب مسيحية مسلمة و يكشف القناع عن نفاق الغرب ذي الوجهين !
(35*) صرح بذلك رئيس الأركان التركي كما في الدستور بتاريخ 19/3/1989- و مما يجب التذكرة به الزيارة التي قام بها رئيس وزراء تركيا لإيران قد أعلن فيها رافسنجاني ترحيبة بالزيارة و أكد على أهمية التحالف الثلاثي للجارات الثلاث باكستان و إيران و تركية (و ذلك في شهر رجب 1410هـ .

-2- إرهاصات ونذر الأزمة

قبل أقل من إسبوعين نشرت مجلة (EIR FEETURE) مقالات في غاية الخطورة ننقل ترجمة بعض ما جاء فيها:

أولاً: مقال بعنوان "القوى العظمى تعد لحرب شرق أوسطية. حل نهائي للمشكلة العربية".

قالت فيه:

تخطط حكومات أمريكا وروسيا وبريطانيا لحرب عربية إسرائيلية جديدة في الشرق الأوسط ويريد السوفييت والأمريكان والإنجليز قيام تحالف عسكري سياسي بين إسرائيل وسوريا ليكون أمراً واقعاً وقوة لا تنافس في المنطقة ويدور في أذهان السياسيين الانجلو أمريكيين والسوفييت ما مفاده أن الوسيلة المناسبة لقيام ذلك التحالف وتدعيمه كقوة إقليمية تهيمن على المنطقة هو نشوب حرب في المنطقة، ورغماً عن صدور بعض الإشارات والدلالات البعيدة عن هذا الهدف إلا أن السياسات الانجلو أمريكية والسوفيتية كانت تستهدف منذ مدة طويلة قيام دولتي إسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى وتهيئتهما لتصيرا قوى إقليمية كبرى في منطقة الشرق الأوسط.

وتعرضت المقالة لبعض أهداف الحرب فقالت:

إن هذه الدول تأمل في حدوث أزمة بترولية جديدة كتلك التي حدثت في عام 1976 وذلك لأن إرتفاعاً سريعاً في أسعار النفط سيفيد السوفييت فائدة عظيمة خاصة وهم يعتمدون على النفط مع بعض المنتجات القليلة الأخرى في تأمين إحتياجاتهم من العملات الصعبة، وسيجعل هذا الارتفاع الحاد في الأسعار مسألة تطوير وتنمية حقول النفط البريطانية في بحر الشمال ذا جدوى إقتصادية وفي المقابل سيضع ضغوطاً هائلة على ألمانيا واليابان البلدين المعتمدين إعتماداً كلياً على استيراد النفط(36*).

وربما كان أحد أهم أهداف الحرب هو خلق سابقة استخدام الأسلحة الكيماوية والنووية وفي هذا الخصوص يجب عدم تجاهل المؤسسات العنصرية السوفيتية والبريطانية والأمريكية التي تنظر بقلق شديد نحو التكاثر السكاني العربي وتعتبر هذه الحرب الناشبة حرباً سكانية ذات تأثيرات مأساوية مفزعة خاصة ما يصيب منها السكان المدنيين عقب الحرب.

وتمضي المقالة تقول:

الأهداف المحدودة لهذه الحرب كما وردت في اتفاقية تدعيم المحور الإسرائيلي السوري تتضمن إلغاء دور منظمة التحرير الفلسطينية والإطاحة بالملك حسين ملك الأردن وإذلال رئيس العراق صدام حسين وربما الإطاحة به، عندما تتحقق هذه الأهداف فإن سوريا وإسرائيل ستعملان على جعل الأردن وطناً للفلسطينين الذين سيطردون من الضفة الغربية والقطاع وستعمل سوريا إلى ضم لبنان إليها وستصبح الأردن مجرد دُمية يتم إدارتها من قبل المحور السوري الإسرائيلي، وستكون الأردن نقطة الانطلاق لمغامراتهم العسكرية المستقبلية. (يعني ضد العراق والسعودية).

ونحن نلاحظ في هذا المقال التناقض بين كونها حرباً عربية إسرائيلية وبين المكاسب السورية إذا علمنا ذلك وعلمنا أن سوريا لم تحضر قمة بغداد وكانت تعاني من عزلة شديدة عربياً ودولياً مع تقارب بينها وبين إسرائيل أشرنا إليه من قبل(37*).

نستطيع أن نقول:

إن الحرب لن تكون كذلك وقد ورد في ثنايا المقال ما يؤيد رأينا وذلك بعنوان: "العراق" تقول المجلة:

العراق وحده من الدول الموجودة لا تتناسب سياستها مع السياسة الإقليمية في المنطقة بالإضافة لعدائها مع كل من سوريا وإسرائيل ويقول الكثيرون إن من المحتمل أن يكون العراق أنسب نقطة لحرب شاملة، وبالرغم من تضخيم وسائل الإعلام الغربية للقدرة العسكرية العراقية فإن الجبهة الشرقية المكونة من قوات عراقية أردنية مشتركة ليست كذلك.

إذ تتمكن القوات الإسرائيلية من إختراق الخطوط العربية من فترة 2/3 ساعات بالمقارنة مع فترة 6 ساعات التي إستغرقتها القوات الإسرائيلية لإختراق الخطوط المصرية عام 1967م، وستعمد القوات الإسرائيلية في باقي الفترة إلى تطهير الإقليم الأردني، ولن تحاول القوات الإسرائيلية التجاوز إلى عمق العراق أو دخوله مطلقاً حيث من المتوقع قطع خطوط القوات الإسرائيلية في الأردن، إضافة إلى أن إسرائيل ليست لديها القدرة على التعامل مع المناطق العراقية المأهولة بالسكان، وربما ترى إسرائيل مناسبً توجيه ضربة عسكرية لحقول النفط العراقية شمال العراق.. الخ.

ثم انتقلت إلى الحديث عن الأردن فقالت:-

الأردن: أوضح بوش للملك حسين أنه لم يعد من المناسب وجوده حيث وصلت العلاقة بين الأردن وأمريكا إلى أدنى مستوى لها. ويحتج بوش في موقفه العنيف هذا ضد الملك حسين بعلاقته الأخيرة القوية مع صدام حسين إلا أن السبب الحقيقي هو حل المسألة الفلسطينية نهائياً والى الأبد.

وبالنظر بشكل عابر للصحافة الأمريكية والبريطانية يلاحظ أنه قد تم بناء الأساس الدعائي للحرب من خلال تصوير صدام حسين كبعبع في المنطقة وتولت وسائل الإعلام الغربية العزف على وتر التهديدات التي أطلقها صدام ضد إسرائيل وقامت هذه الوسائل في الوقت نفسه بالتغاضي عن التهديدات الإسرائيلية لمختلف الدول العربية.

وفي مقال آخر تقول المجلة نفسها:

إسرائيل تجهز لقيام حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط لإيجاد حل نهائي للمشكلة العربية... وهذا يعني فيما يبدو الحرب ضد العراق ودول أخرى وتدمير الأردن.

وتسخر من مزاعم بوش أنه يسعى للسلام في المنطقة قائلة:

هذا هراء فالولايات المتحدة ملتزمة بقيام حرب في الشرق الأوسط وربما كان الشيء الوحيد الذي لم يتحدد هو تاريخ إندلاعها، أما الإسرائيليون فهم مستعدون للحرب ولِما يُسمى بالحل النهائي.

وقالت ربما كانت هناك أو ستكون على الأرجح إتفاقات جديدة بين القوى في إسرائيل وحافظ الأسد(38*)، أو شيء من هذا، وإذا ما تم وضع القضايا الهامشية جانباً فإن إسرائيل مبرمجة حالياً باتجاه الحرب والذين يقولون غير ذلك إما أغبياء أو كاذبون، إن ذلك هو طبيعة المسألة وأصلها.

وفي الفايننشال تايمز نُشر ما يشبه ذلك وترجمته مجلة التضامن في عددها بتاريخ 3/12/ 1410هـ مع خارطة تفصيلية عن أحجام القوات في دول المنطقة وأوله:

(من المعهود أن الرئيس حسني مبارك هو رجل حذر وحريص وليس من أسلوبه المبالغة أو المزايدة ولذلك فهو حينما حذر في هذا الأسبوع من احتمالات وقوع حرب جديدة في الشرق الأوسط فإنه لفت أنظار العالم بأسره) ولم تنس الجريدة أن تذكر أن (التطرف الديني المصبوغ بمعاداة أمريكا) هو أحد المشكلات الكبرى في المنطقة، كما ذكرت أن من أهم موجبات الحرب:

تعهد الجناح اليميني الإسرائيلي بتحويل الأردن إلى فلسطين وبطرد الشعب العربي من الضفة الغربية إلى الشرق عبر نهر الأردن.

وقبل الغزو أيضاً بحوالي عشرين يوماً عقدت ندوة بعنوان: "المصالح الخارجية في الخليج العربي" في مدينة إكستر البريطانية نشرتها الحياة بتاريخ 24/12/1410هـ، نظمها مركز دراسات الخليج العربي التابع لجامعة إكستر وكان أبرز المشاركين فيها ريتشارد مورفي النائب السابق لوزير الخارجية الأمريكي ومستشار العلاقات الدولية حالياً، والبروفسور -فيتالي ناوومكين- وهو خبير سوفيتي بارز لشؤون الشرق الأوسط.

أما الخبير السوفيتي فإنه كما ذكرت الجريدة لم يستبعد أن إجتماعاً محتملاً مقبلاً بين الرئيس العراقي صدام حسين والإيراني على أكبر هاشمي رافسنجاني قد يعقد في موسكو لكنه دعا إلى عدم الإفراط في التفاؤل بأن منطقة الخليج ستكون في (مأمن من الصدامات في المستقبل المنظور) وأضاف:

"إن تصادم المصالح بين القوى الإقليمية والقوى السياسية قد يؤدي إلى تجدد صراعات قديمة في المنطقة وينتج من ذلك نشوء صراعات أخرى جديدة" ونفى الخبير السوفيتي إمكان وقوع حرب عربية إسرائيلية في هذه الظروف وبرر -ناوومكين- إستبعاده للحرب بين إسرائيل والعرب بسببين:


الأول: هو أن "من الغباء" بالنسبة إلى إسرائيل أن تشن حرباً في ظل الأوضاع الجديدة في المنطقة حيث تتراكم لدى طرفي النزاع كميات هائلة من الأسلحة المدمرة التي يمكن أن يؤدي استخدامها إلى كارثة بشرية تحل بإسرائيل وهي لا تتحمل ذلك.

والسبب الثاني: هو أن العراق الذي "يُعتبر الطرف العربي القوي الوحيد القادر على الدخول في حرب الند للند مع إسرائيل ليس مستعداً لشن حرب ضد إسرائيل لأنه على رغم إنتهاء حربه مع إيران لم يحل السلام بينهما بعد. كما أن العراق في حاجة ماسة إلى طاقته الإقتصادية والبشرية لإعادة إعمار البلاد"...

أما-مورفي- فقال: "إن شبح عام 1967 يطاردني "لأنه لم يكن هناك وقتها كثير من الخبراء توقع وقوع الحرب، واعتبر أن تراكم الأسلحة تحديداً هو الذي يجعل احتمال الحرب أكثر لأن الخطر ليس في الأسلحة في حد ذاتها! بل في الذين في أيديهم هذه الأسلحة!...

وقدم مورفي مجموعة من الطروحات عن السياسة الأمريكية في منطقة الخليج الآخذة في الاعتبار التغييرات في العلاقات الدولية.

وأكد أن من بين أهم المبادىء التي يجب أن تتبعها هذه السياسة التأكيد على الفهم المتزايد للعلاقة المتبادلة بين الولايات المتحدة ومنطقة الخليج، وإذا كان ممكناً إقامة علاقات جيدة مع العراق وإيران في آن.

كما نشرت مجلة الدستور مقالات مماثلة منها مقال بعنوان "من الحرب الباردة إلى الحرب الدافئة" تعليقاً منها على اجتماع حلف الناتو الأخير في لندن، ونُشر قبل الغزو بثلاثة أسابيع في 16/7/1990م وفي عدد سابق بتاريخ 19/3/ 1990 نشرت مقالاً عن الهجرة اليهودية، وأهداف إسرائيل لا يخرج عمَّا نقلنا من قبل إلا أنه يتضمن كلاماً لمحمد حسنين هيكل جدير بالتأمل وهو قوله:

" إن طرد العرب من المناطق المحتلة سيشكل أحد المطالب التي سيتقدم بها الكيان الصهيوني لقاء استعداده للتوصل إلى سلام مع الدول العربية، فضلاً عن المطالبة بثروات عربية مثل مياه النيل ونفط السعودية وغاز الجزائر وأن أقصى ما سيتنازل عنه مسؤولو هذا الكيان سيتمثل بموافقتهم على فكرة الحكم الذاتي عقب إجراء تعديلات هائلة على الحدود ".

وقبل 18 يوماً تقريباً من الغزو كان رئيس الأركان الأمريكية في إسرائيل وبحث مع نظيره اليهودي تزويد إسرائيل بصواريخ متطورة جداً من طراز "حيتس" و "أرو" وهي التي يقال إن إسرائيل تشارك فيها تقنياً وأمريكا مالياً (انظر السياسة الكويتية عدد 22/ 12/ 1410 هـ). وحينها صرح رئيس الأركان الإسرائيلي باروخ عن حتمية نشوب حرب أخرى في المنطقة. (انظر الحياة بتاريخ 22/12/ 1410 هـ).

وقد صحب هذه التصريحات بل سبقها تحركات عسكرية خطيرة من أبرزها الحشود العسكرية الأمريكية نحو المنطقة في كثافة لا مثيل لها من قبل، ومنها على سبيل المثال إرسال أكبر قاعدة متحركة في العالم وهي حاملة الطائرات (ايزنهاور) التي تسير بالطاقة النووية إلى شرق البحر الأبيض ومعها 27 سفينة، والغريب أن يصرح البنتاجون بأن إرسالها تبديل عادي (ولا تستنتجوا منه أي شيء). انظر الحياة 13/8/1410 هـ.

ولكن ما أن اندلعت أزمة الخليج حتى عبرت قناة السويس (رغم أن ذلك مخالف لنظام القناة نظراً لخطورة الطاقة النووية) واستقرت على ساحل جدة!!

كما اشتكت العراق رسمياً من استمرار قيام طائرات الإنذار المبكر (أواكس)بطلعات استفزازية على حدودها الجنوبية والشمالية!!

والأمثلة لإرهاصات الأزمة كثيرة جداً غير أن السؤال هنا هو: ما موقف دول المنطقة وخاصة العراق والسعودية؟

إن السعودية والعراق هما أكثر البلدان إهتماماً بهذه التحركات وتخوفاً منها بعد الأردن الذي أصبح مصيره في كف عفريت كما يُقال –ذلك أن اجتياح الأردن يعني فتح جبهة مباشرة معهما، وقد نددت إسرائيل بالدولتين على حد سواء زاعمة أن الصواريخ الصينية لدى السعودية والصواريخ العراقية المطورة تشكل أكبر تهديد لها، وفي أواخر رجب ألقى صدام حسين خطاباً بالغ الخطورة أعلن فيه إحتمال تفجير الوضع في المنطقة وقيام حروب بين الدول العربية ونزاعات إقليمية لكنه لم يسم الدول والأقاليم) وأكد على ضرورة تفاهم العرب، واجتماعهم لدرء الخطر الاسرائيلي!!

وعقب ذلك وأثناء هيجان الصحافة العالمية والإعلام العالمي عن نشوب حرب قام الملك فهد بزيارة حفر الباطن وأقام فيها ثلاثة أسابيع وهناك التقى بكل من صدام حسين والملك حسين وغيرهما، وفي تلك الأيام أعلنت الوحدة بين اليمنين، وبدا وكأن الأمة العربية -كما تسمى- في حالة تفاؤل، ووصل عدد من المسؤولين العسكريين الغربيين إلى المنطقة منهم وزير دفاع بريطانيا التي تنفذ مشروعاً ضخماً في المملكة وقام الأمير خالد بن سلطان (الذي أصبح بعد الأزمة قائداً للقوات) بزيارة لباكستان استغرقت أسبوعاً.

وأنذر عدد آخر من زعماء العرب باحتمال قيام حرب جديدة منهم حافظ الأسد والقذافي وياسر عرفات وولي عهد الكويت ووزير الخارجية السعودي، بل إن الصحافة العربية والمحللين والمراقبين السياسيين كانوا على معرفة بخطر قادم، فقد نشرت جريدة القبس الكويتية في 3/5/ 1990 مقالاً بعنوان "كيسنجر يسأل بوش: ماذا إذا وقفت الصواريخ العربية كلها في خندق واحد؟" جاء فيه:

إن التقارير التي ترد من واشنطن إلى وزارة الخارجية في إحدى الدول العربية تؤكد أن الخطة اليهودية تقضي بأن تكون إسرائيل وقبل عام (2010م) أكبر دول المنطقة بعد مصر من حيث الإمكانات الديمغرافية (السكانية)، فليس اليهود السوفييت وحدهم هم الذين يتدفقون على الدولة العبرية بل إن الفائض الأمريكي سيتجه نحوها أيضاً، والمهم هنا أن البنية الجغرافية والديمغرافية لأكثر من دولة عربية لن تظل على حالها. كيف؟

إن ما يحدث في لبنان هو النموذج، واليهود يعتقدون أنه كما تمت برمجة الانفجار في لبنان يمكن برمجته في بلدان عربية أخرى، فلا مشكلة هنا سوى رفع مستوى الفعالية اليهودية داخل الإدارة الأمريكية... الخ

وأكدت الصحيفة إن ما تريده إسرائيل تفكيك الصواريخ العربية بل تفكيك الدول العربية إلى دويلات.

ومن أغرب ما قرأته قبل نشوب الأزمة تصريح زعيم الرافضة "رافسنجاني" في خطبة الجمعة المنشور بجريدة الحياة 14/8/1410هـ الذي قال فيه:

يجب أن يستخدم العراق أيضاً الخليج عندما يسود السلام؟ فقد تساءلت يومئذ كيف يجب وعلى من يقع هذا الوجوب؟

أما الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فقد كانت تصرفاتها العسكرية تنذر بأمر خطير لم يخف على الصحافة العربية فضلاً عن الزعماء ولنأت على ذلك بمثالين:

1- جلسة للكونجرس حضرها قادة فروع الجيش الأمريكي:-

نشرت جريدة الحياة الصادرة يوم 23شعبان 1410هـ تقريراً عنها بعنوان "القوات الأمريكية تعيد تنظيم تشكيلاتها للتدخل الطارىء" جاء فيه: بدأت المؤسسات العسكرية في الولايات المتحدة عملية إعادة تنظيم رئيسية لقواتها في أنحاء العالم لمواجهة تهديدات غير متوقعة وبخاصة الخطر المحتمل من قوى متوسطة المستوى في الشرق الأوسط والعالم النامي، وفي جلسة أمام الكونجرس أخيراً وصف الجنرال-كولين باول- رئيس الأركان المشتركة وكذلك جنرالات كبار خططاً لصياغة المزج المناسب لقوات ثقيلة وخفيفة تحمي مصالح الولايات المتحدة في أرجاء العالم في عصر يتسم بخفض موازنة الدفاع وعدد أفراد القوات المسلحة(39*) .

وأبلغ الجنرال باول لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي أن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لمواجهة طائفة من التهديدات تتراوح بين عمل إرهابي فردي إلى حرب إقليمية، وأنها تحتفظ بقوات كبيرة في أرضها وفي أوروبا وأنحاء مختلفة من العالم على مستويات عالية من الاستعداد لمواجهة مثل هذه الطوارىء.

وعرَّف رئيس اللجنة -لي إسبين- الطوارىء بأنها (تلك النزاعات التي لا تحركها تهديدات سوفيتية ومن حلف وارسو). وأضاف "باول" أن الولايات المتحدة لجأت في الغالب في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى استخدام القوات العسكرية بأعداد صغيرة نسبياً وفي أوضاع واضحة المعالم وأساساً في حروب صغيرة مثل كوريا وحرب أكبر مثل فيتنام، أو تدخلات عسكرية سريعة مثل -جرينادا وبنما- إلا أنه حذر من أن التهديدات العالمية التي تواجه أمريكا اليوم تختلف تماماً وربما تتطلب منها أن تنشر قوات ضخمة في الجو والبحر في مواجهة بلدان حسنة التسليح في العالم الثالث في ظروف غير مستقرة. ووصف عمليات هذه القوات بأنها "عمليات متواصلة طويلة الأجل" وقال: "إن الكثير من هذه البلدان في الشرق الأوسط" وقال: "وبعض هذه الدول وإحداها على وجه التحديد تمتلك مخزوناً يضم أكثر من- 5000- دبابة". وعرَّف التقرير هذه الدولة بأنها العراق.

وأوضح قائد البحرية البلدان المستهدفة بأنها "المناطق الأقل تطوراً في العالم فهنا تكفن المعادن والموارد النفيسة.

لاحظوا كيف يظهرون طمعهم في ثروات العالم الفقير ومع ذلك يتضرعون بما يسمونه تهديدات تواجه أمريكا!!

على أن أهم ما في الجلسة هو وصف سيناريو التدخل الذي جاء على لسان أحد القادة إنه سيتحمل القدرة على الدخول القسري باستخدام القوات المحمولة جواً وقوات خاصة وجوالة ويمكن أن يستخدم أيضاً الإنزال البرمائي للمارينز التي تضم نحو 197 ألفاً من الرجال والنساء وتجهيزات نقل وإسناد من البحرية الأمريكية.. الخ. مضيفاً ما قيل عن الفرقة -82 المحمولة جواً-!!

يلاحظ قوله: الدخول القسري الذي يعني أن أية دولة ترفض هذا الدخول ستجده أمراً واقعاً، لعلم الأمريكان أن دول الخليج لا تريد هذا الوجود، وقد حرصت أمريكا على أن تطلب الكويت منها التدخل وأبلغتها عن الحشود العراقية على الحدود ولكنها لم تفعل فكان ما كان...!!

والمهم أن الأمريكيين قادمون وعازمون على الدخول لهذا السبب أو ذاك.


2- التقرير الأمني السنوي لمجلس الأمن القومي الأمريكي:-

وهو مكون من 32 صفحة وقد نشرت عنه جريدة الحياة بتاريخ 26 شعبان 1410هـ: أفاد تقرير أمني سنوي أصدره مجلس الأمن القومي الأمريكي أن المصالح الحيوية الأمريكية في الشرق الأوسط المتمثلة أساساً في مصادر الطاقة والعلاقات الأمريكية القوية مع بعض دول المنطقة تستحق وجوداً عسكرياً أمريكياً مستقراً وربما معززاً في المنطقة، وأضاف أن التهديدات التي تواجه هذه المصالح ازدادت على أثر التبدد السريع للتوتر بين الشرق والغرب.

لاحظوا وصف الوجود بالاستمرار، والمغالطة في دعوى أن التهديدات زادت بعد الوفاق!! وأضاف أن منطقة الشرق الأوسط (فيها صراعات ذات دوافع محلية مستقلة عن أعمال أو سياسات الاتحاد السوفيتي" وزاد: "أن التهديدات لمصالحنا بما في ذلك أمن إسرائيل والدول العربية المعتدلة وكذلك تدفق النفط بحرية تنبع من مصادر متنوعة" وبعد أن ضخّم كالعادة القوى الإقليمية وأسلحتها الكيماوية والبيولوجية والنووية "أكد التقرير أن الولايات المتحدة ستحافظ على وجود بحري لها في شرق البحر المتوسط وفي منطقة الخليج والمحيط الهندي وأنها ستنظم مناورات بحرية مشتركة بين فترة وأخرى وستسعى إلى دعم أفضل من الدول المضيفة للأسطول، وإلى خزن معدات سلفاً في مختلف أنحاء المنطقة" ويقول المُعلِّق بالجريدة:

وقد أكدت الولايات المتحدة خلال العام الماضي أنها مضت قدماً في تطبيق خطط لخزن معدات عسكرية قيمتها ملايين الدولارات في إسرائيل من أجل أن تستخدمها القوات الأمريكية في حال نشوب أزمة فضلاً عن منح إسرائيل حرية استخدام تلك المعدات في حال الطوارىء.

وهذا ما تريد أمريكا فعله أيضاً في الدول الخليجية إذا رأت تخفيف وجودها البشري في المنطقة، هذا وقد (توقف- التقرير- أمام العنف الناتج من صراعات دينية في الشرق الأوسط والذي يحظى باهتمام مسؤولي السياسة الأمريكية الذين يعتقدون بأن التطرف الديني سيستمر في تهديد حياة السكان الأمريكيين والدول الصديقة من الشرق الأوسط والتي يعتمد العالم على مصادر الطاقة فيها)اهـ.

والحاصل أن كل وسائل الإعلام العالمية خلال الشهور السابقة لانفجار الأزمة –قد نشرت أنباء نُذُر حرب جديدة وعن كون العراق هدفاً لها وعن تصريحات عراقية بالاستعداد لرد العدوان الأمريكي البريطاني الإسرائيلي كما تسميه!!

ومن أهم ما نُشِر بعد وقوع الكارثة ما جاء في صحيفة "اطلنطا كونستيوشن" بتاريخ 25/ أكتوبر 1990م الموافق 7 ربيع الثاني 1411هـ من مقال للفريق "جون بوسوك" الرجل الثاني بعد القائد العام نورمان شوارسكوف (كما وصفه المقال والذي شغل منصب كبير المستشارين بالحرس الوطني السعودي سابقاً كما ذكر أيضاً) والمقال بعنوان: العقل المدبر للجيش يقود تنفيذ الخطة.

وأوله "قيادة الجيش الثالث، المملكة العربية السعودية".

وفي شهر مارس من عام 1989 ميلادي جلس الفريق جون بوسوك مع خمسمائة من ضباط تخطيط المعارك العسكرية والمتخصصين في معدلات استهلاك الوقود والمخططين الآخرين، جلسوا جميعاً بقاعدة جورجيا العسكرية يفكرون في وضع خطة لنقل: 200,000 من القوات العسكرية إلى المملكة العربية السعودية.

وقد وضعوا خطة سميث "اليوم س" وهو تاريخ افتراضي من المحتمل أن يقرر فيه أحد رؤساء الولايات المتحدة نقل قواته لمساعدة المملكة العربية السعودية ضد أحد أعدائها القادمين من الشمال –من المحتمل أن يكون العراق أو إيران ...

إن هذا التخطيط الذي أُعطي أعلى درجة من السرية والذي تمَّ بالمبنى 363 بقاعدة ماكفرسون بمدينة اطلنطا يشكل الدور المطلوب من أن يقوم به الجيش في هذا المشروع –وفي يوليو 1990م- أصبح الجنرال بوسوك ونظرائه من كبار القواد بالبحرية والطيران جاهزون لاختبار خطتهم، وقد تحركوا في مجموعات صغيرة هم وكبار مرؤوسيهم إلى القيادة المركزية بمدينة تامبا حيث استخدموا الحاسبات الآلية على مدى أسبوع في حرب وهمية بالصحراء السعودية أعطيت رمزاً هو (اويزيشن انترنال لوك90..)

بانتهاء التدريب كانت هنالك خطة تحدد الفرق التي يجب أن تتوجه إلى المملكة العربية السعودية، وذبذبات الراديو التي يتوجب استخدامها، والأماكن التي يمكن أن يتحصلوا منها على الماء الذي يحتاجونه، وكيف يعالجون إصاباتهم، وكيفية معالجة المسألة الإعلامية، وبعد شهر من ذلك كانت قوات الرئيس العراقي المحمولة جواً قد نزلت بمدينة الكويت مما دفع الرئيس بوش بإعطاء أوامره في السابع من أغسطس لتنفيذ الخطة.

الآن وقد مضت تسعة وسبعون يوماً من بداية العملية فإن الخطة التي وضعها –بوسوك- قد حققت أكبر وأسرع وأدق عملية نقل للجنود في تاريخ الولايات المتحدة.

وإذا علمنا هذه الإرهاصات والنذر واستيقنا أن الأمر مخطط له ومرتب بالنسبة لأمريكا فإن الأسئلة الملحة هي عن العراق لماذا فعل ما فعل؟

وهل كانت الدول العربية الأخرى على علم به؟

وما هي الدوافع الخفية لوقوف بعضها معه؟

وما هي صلة أمريكا بالغزو؟

وهي أسئلة مهمة نحاول الإجابة عليها في الفقرة التالية.
(36*) و هما البلدان المنافسان لأمريكا إقتصادياً و هي لم تخسر شيئاً لأنها ستحصل على ما تريد من النفط بأسعار معتدلة بموجب عقود طويلة الأمد مع الدولة المنتجة في الخليج ، أما مكاسبها العسكرية فهي ما يشهد له الواقع دون الحاجة إلى تفصيل .
(37*) لم يرد ذكر مصر لأن التطبيع قد إنتهى و عليه فسيكون المحور ( مصر – اسرائيل – سوريا ) و ستنضم إليه إيران و تركيا بسهولة و سيتم الضغط على دول الخليج للتدخل فيه أيضاً.
(38*) ربما دار السؤال هو : و أين دور حسني مبارك و الجواب أنه كان منضماً في الظاهر إلى صدام و مجلس التعاون العربي و أن له دوراً مزدوجاً ، فقد كان يريد أكبر المكاسب الإقليمة من جهة ، و أكبر المساعدات الغربية من جهة أخرى ، و في النهاية ارتباط بالطرف القوي !!!.
(39*) يعني عصر الوفاق الدولي حيث اتفقت الأطراف على ذلك ، و هكذا يكون الوجود العسكري المباشر مساعداً على تخفيف الموازنة لأنه سيحول دون نمو قوي تحتاج مقوماتها إلى تسلّح أكبر و نفقات أكثر و خاصة إذا تم إيداع الأسلحة بالمنطقة مع سحب قدر من الجنود يجري إعادتهم في حالات الطوارئ ففي ذلك ثبات لمستوى الأسلحة و حذف لتكاليف النقل و الإمداد.


-3- الإخراج أو الانفجار

صدام حسين رجل مصاب بداء العظمة- وهو مفتون مغرور لا يبالي في سبيل تحقيق أحلامه في الزعامة- بما يُسفك من دم أو يبدد من ثروة أو يدمر من أمة. وقد أتاح له الفراغ القيادي الهائل الذي يعيشه العرب فرصة للبروز زعيماً للأمة العربية التي من السهل بروز زعيم لها!!... كل ما في الأمر تهديدات مستمرة لإسرائيل، عنتريات جوفاء، انجازات وهمية: كما فعل جمال عبد الناصر من قبل.

والأمة على حق حين تقيس الزعيم بمدى صلابة موقفه من إسرائيل والغرب لكنها لا تفرق بين الصادق والممثل، كما أن هذا ليس هو المعيار الوحيد!! وصدام لم يكن خافياً عليه ما تخطط له الدول الكبرى بل هو باعتباره لاعباً يُدرك أن اللعبة الدولية الجديدة ستبدأ وأنه ليس أمامه وأمام كل زعيم آخر في المنطقة إلا أحد خيارين:-

إما أن يسير في ركب اللاعبين الكبار بلا اعتراض، وهذا ما يجزم صدام أن معناه خروجه من اللعبة نهائياً: إنه هو والملك حسين وياسر عرفات والبشير وبعض زعماء دويلات دول الخليج يعلمون تماماً أنهم سيطردون خارج الحلبة، لأن قواعد اللعبة الدولية ومصلحة المرحلة تقتضي ذلك مع إختلاف الأسباب بالنسبة لكل منهم.

وإما أن يعترض ويناطح اللاعبين وهي مغامرة، لكن لا بد منها وربما تحقق بعض المكاسب ومن ذلك:-

إذا كان غرض الغرب إيجاد حليف قوي له وتنصيبه شرطياً للمنطقة فصدام يرى نفسه أهلاً لذلك، وهو أول من يعلم أن شعاراته الرنانة بعداوة الغرب هراء وأن استعداده للقيام بهذا الدور وتخليه عن كل شعار ومبدأ لا يثير لديه أي مشكل بل عليه أداء الدور كاملاً مع بقاء الشعارات والتطبيل الإعلامي!!.

وأما إن كان الغرب يريد السيطرة المباشرة على المنطقة وتدمير العراق لإنهاء زعامته (أو إيجاد حليف غير عربي- إسرائيل أو تركيا مثلاً) فلا بد إذاً من دخول اللعبة من باب المعارضة التي ستحقق بلا ريب إلتفافاً جماهيرياً له وخسائراً أقل!! وعلى كلا الحالين يجب أن يكون قوياً وأن يُظهِر ذلك للغرب!!

وهكذا أبرز صدام نفسه زعيماً قوياً للعرب، فقوة العرب الاقتصادية تحت يده (عن طريق دول الخليج) وقوتهم المباشرة كذلك (عن طريق المجلس الرباعي وتوابعه) ومن هنا طمع صدام أن يكون شريكاً للغرب إن لم يرضوا به شرطياً. وهذه الشركة إن لم تحقق أرباحاً فربما قليلة الخسائر!!.

ومنطلق صدام هذا له ما يبرره في أسلوب التعامل الدبلوماسي عامة والغربي خاصة!! فالغرب يسير على قاعدة "لا تعط الموافق لأنه مضمون، ولكن أعط المعارض ليسكت" وقد استخدمها ديجول مع أمريكا وتركتها بريطانيا فلم يمر سنوات حتى صارت فرنسا قوة عالمية كبرى وبريطانيا كولاية أمريكية. واستخدمها كذلك كاسترو وتيتو وعبد الناصر فأصبحوا زعماء عالميين، أما الموافِقون مثل الشاه وهيلا سلاسي وأبو رقيبة فقد ذهبوا دون أن يشعر بهم أحد ومن هنا لا أستبعد في الجملة -لا على التفصيل- إذ بعضُ التفصيلات المنشورة مرفوضة بداهة - إقتناع صدام بفكرة الخروج على اللعبة وإقناع الأصدقاء الموثوقين بها، ومن السهل جداً إقناع الملك حسين والبشير وعرفات بها فأمريكا لا تخفي تبرمها بهم، وقريب منهم اليمن، أما مصر فربما كانت غلطة صدام التي أظن أنه نادم عليها جداً!!..

لقد زَيَّن لهم أن في الإمكان إستباق الأحداث وبدلاً من أن ننتظر الغرب حتى يرسم خارطتنا ويغير معالم المنطقة لِما لا نسبقه نحن ونضعه أمام أمر واقع إن لم يشل خططه فلا أقل من تعديلها لمصالح هؤلاء؟

وقد يُقال والسعودية؟

والجواب عند صدام سهل وهو: أن السعودية مدركة لخطط الغرب وأنها مستهدفة منه وسياستها الثابتة الإقرار بالأمر الواقع متى ما أصبح واقعاً وهي على أية حال ستجد أن تحالفاً يضم دولاً عربية خير لها من تحالف يضم وارسو الناتو... و... وأتباعهما!! ثم إن علاقتها بأمريكا لا تسمح لها بالمعارضة وهي لا تطمع في أكثر من حل معقول للقضية الفلسطينية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية!!...

ومن هنا لم ير صدام ضرورة إطلاع السعودية على الخطة!! دون أن ينسى دورها المؤثر مالياً وسياسياً وخوفها البالغ من ضربة إسرائيلية مفاجئة للعراق والأردن وربما لها!!

وهكذا طرح صدام مع حسني وحسين وغيرهما فكرة الاستيلاء على الكويت، وقد سمعتم تصريحاتهم بذلك بعد الغزو وأن ذلك هو أسهل طريق لإرباك اللعبة الدولية في نظره، وهو أمر له مبرراته عند هذه الدول، فما الذي ستخسر مصر؟… عودة المتعاقدين مثلاً؟ هذه سيعوضها صدام من ثروات الكويت الهائلة.

والأردن ستتخلص من مشكلة الفلسطينين، وكلما قويت العراق عسكرياً واقتصادياً فهو أفضل له من جهة ردع إسرائيل ومن جهة كون الأردن منفذاً للعراق إلى القناة والبحر الأحمر!! فارتباطه بصدام سيُطيل رمقه على الأقل!!

واليمن فوق كون بعض زعمائها بعثيين تابعين له لن تخسر أيضاً مساعدات الكويت وستتغذى وحدتها الهشة من شعارات جديدة من معاداة الغرب.

وأما البشير فماذا سيخسر وهو لا يُعطى أي شيء أصلاً، لقد قطعوا عنه الحبوب والديزل وكل شيء..!! ولم يمد له يد العون إلا صدام الذي يأخذ منهم ويُعطي من يشاء!!..

وياسر عرفات عصرته أمريكا حتى لفظته، وسوريا ضده فهو في حكم المفلس كلياً، فالتعلق بذيل صدام خير له من الإعدام!!.

ودول الخليج الأخرى يعلم صدام أن بعضها غير مرتاحة لحكومة الكويت ولن تندم عليها!!.. فهي تدَّعي الديمقراطية وصحافتها مقلقة وتتمركز فيها بعض أطراف المعارضة العربية!!..

ولسان حال الجميع يقول: على أية حال إذا فشل صدام فمن الأسهل أن ننفي أي معرفة بالأمر بل في إمكاننا أن نستنكره!! وهكذا السياسة الدائمة.

ثم إن المساعدات المالية من دول الخليج ستعود بمجرد صلح ظاهري هش!! فما المانع من المغامرة؟

أما كيف كان صدام يخطط للإخراج فقد اتضح كله تقريباً:

هجوم عسكري مباغت يهدف أساساً إلى القبض على الأسرة الحاكمة مما يؤدي إلى ما سمي الفراغ الدستوري، ثم يُملأ الفراغ بتشكيل سريع بحكومة موالية من قوى المعارضة التي بلغ بها السخط ذروته في الأيام الأخيرة، ثم انسحاب صوري للقوات العراقية، والحكومة الجديدة سوف تعلن فصل كل وزير أو سفير يؤيد الأسرة، وتصبح حكومة شرعية (كما يسمونها) بمجرد أن تمسك بالسلطة كالعادة في إنقلابات العالم كله وستعلن أن صدام ما هو إلا جار شقيق هب لنجدتنا وتخليصنا من الاستبداد!!

( وهكذا قبل أن يستطيع العرب أو العالم فعل أي شيء يكون الأمر قد إنتهى إلى طي الكويت تحت جناح العراق وسيطرته، ويستمر الحال ربما سنين معدودات حتى تهدأ المعارضة الدولية وتطلب الحكومة الاندماج في العراق) والغرب سيحتج ويستنكر ويقاطع ولكن كل شيء سيصبح طبيعياً مع الزمن وسيتعاملون مع الأمر الواقع مرغومين!!..

ولن يكون المهم لأمريكا والحال هذه موضوع الكويت، بل الموقف القوي لصدام في الخليج والمنطقة، بل في مجموعة الأوبك التي سيصبح زعيماً لها أيضاً!!...

وسوف تُشن معارك دبلوماسية وإقتصادية بين صدام والغرب، ولعلم صدام بالمخطط الكوني لإنهاء جميع المشكلات سوف يطالب هو بربط قضايا المنطقة جميعاً (وهو ما فعله في مبادرته المشهورة) فيحقق بذلك نصراً وهمياً عند الجماهير العربية ويطيل من أمد نهايته، لأن حل القضايا يستدعي وقتاً وجهوداً طويلة، وسوف يضرب صدام بعض الغرب ببعض بحكم مركزه القوي في الدول العربية ومنظمة الأوبك!!..

وسوف يبتز دول الخليج وخاصة الصغرى منها وسوف تستسلم لزعامته دون حاجة إلى أن يثير العرب والعالم عليه باحتلالها، لا سيما وأنها تختلف عن الكويت إذ ليس فيها مبرر تاريخي وليس بينه وبينها خلاف حدوي ولا يمكن ضمها جغرافياً، وأي فائدة تُرجى من إحتلالها ستحقق بغيره..!! حتى دولة الإمارات التي ارتبطت بالكويت في هجومه الإعلامي لم يفكر أن يحتلها ولو شاء لكفته ذلك فرقة واحدة قبل قدوم جيوش الغرب. كيف وقد غصَّ بالكويت وأخذ يناور للتخلي عن أجزاء منها!! وأعلن ثاني أيام الغزو إنسحابه منها وذكر مراسلو الإذاعات الغربية أنهم شاهدوا ذلك عياناً!!

والذي أصبح اليوم في حكم المقطوع به أن صدام قد تلقى من أمريكا إشارة خضراء للزحف على الكويت (كما سنوضح)، وأن غروره وحماقته قد أوقعته في شراك يصعب الخلاص منه، وأن مخططه هذا قد إرتبك جداً.

فآل الصباح هربوا قبيل (وصول دباباته) إلى قصورهم بقليل، والفراغ الدستوري لم يحدث والمعارضة رفضت التعاون معه، وضباطه لم يجيدوا التمثيل فيما وكل إليهم من أدوار للحكومة الحرة، ومن هنا تناقض وارتبك وأعلن آخر ما كان يمكن أن يفعله وهو ضم الكويت نهائياً عقب إعلان انسحابه منها وتشكيل الحكومة الحرة!!

وكل من يستذكر وقائع الحدث أو يعيد الاطلاع على الصحف سيجد هذا واضحاً.

وهنا نعرض لدور أمريكا في الإخراج مذكِّرين بما سمعه المتتبعون لوسائل الإعلام قبل الحادث:-

فأمريكا هي التي طلبت من دول الخليج رفع إنتاجها ليرخص السعر وتنهار العراق إقتصادياً، وهي التي أبلغت العراق عن سرقة الكويت لحقل الرميلة، وهي التي تحدثت وأنذرت من حشود عراقية باتجاه الكويت وهي التي أشاعت في بعض مصادرها الإعلامية أن الكويت مولت مؤامرة عسكرية للإطاحة بصدام، وأخيراً أعطت صدام الضوء الأخضر لاقتحام الكويت كما جاء في محضر لقاء السفيرة الذي سنعرضه ضمن الشواهد!!

عشية الغزو -ليلة الجمعة- أعلن بوش بالحرف (أن تجاوز العراق للكويت إلى غيرها هو أمر غير مقبول) هذا نص ما أعلنته الإذاعات ونشرته الصحف ومفهومه الواضح -وعاه صدام وحزبه فتوهموا إمكانية الاعتراف له بالكويت.

ولما أعلن صدام الحكومة الحرة رد بوش بإعلان أن أمريكا ترفض الإعتراف بحكومة دُمية، ومفهومه كان الإيغال في الشراك بإعلان الدمج وتقويض الدُمية!!!...(40*)

فلما استحكمت الأنشوطة وأصبح التراجع مستحيلاً تماماً أعلن بوش حملته التي لم تهدأ لإعادة آل صباح وفرض القانون الدولي ومعاقبة من خرقه... الخ. وشرعت أمريكا تساوم دول الخليج للتدخل العسكري وترددت الدول وحاولت الامتناع وأخيراً جرى الإعلان هنا عن "طلب المساعدة" من أمريكا في حين أعلنتها أمريكا "موافقة" على التدخل أي أنها هي الطالبة وهذه هي الحقيقة في نظري!!(41*).

ومنذ ذلك اليوم حتى اليوم والذي يتردد في وسائل الإعلام الأمريكية كافة هو أن أمريكا تدخلت لا أنها أعانت!! تدخلت لتحقيق استراتيجيتها وحماية مصالحها والقضاء على عدو يهدد هذه المصالح، لا أنها أعانت صديقاً لها يخشى أن يهاجمه جاره!!

ومن ذلك جواب بوش الشهير لما سُئل في مجلس الشيوخ الأمريكي " كيف ترسل أمريكا أبناءها من أجل شيوخ النفط المستبدين؟ فأجاب: نحن ذهبنا من أجل شيوخ أمريكا ومصالحها وليس من أجل شيوخ النفط!!

وبعد نزول الأمريكان أعلن طاغوت البعث "الجهاد المقدس" ورد بوش بالإعلان عن كفر صدام وإلحاده وأنه لا يمثل الإسلام، كما أعلنت تاتشر أنه لا وجه لمقارنته بصلاح الدين الأيوبي (رحمه الله وطيَّب ثراه)، وتحول هياج الرأي العام في العالم الإسلامي نتيجة الإعلام البعثي المركز من استنكار احتلال الكويت إلى استنكار دخول القوات الأجنبية.

ونتيجة هذا الغليان الذي لم يهدأ احتاجت الحكومة لصوت إسلامي مضاد فكان إعلان التأييد من مجلس القضاء الأعلى ثم من هيئتكم الموقرة، وتم طلب ذلك أيضاً من المحاكم الشرعية في المناطق كما تعلمون!!..

ومع تحفظي على صيغة التأييد من جهة أنه لم يشر إلى أسباب البلاء ووسائل دفعها ولو بإيجاز، ومن جهة أنه لم يُقيِّد الضرورة... وغير ذلك- فقد ارتحت من جهة أنه لم يذكر أدلة تفصيلية.

ثم ظهر بعض الخطباء بهيئة المستدرك عليكم فذكروا أحاديث لا تدل على المقصود لأن مناط الحكم مختلف تماماً، إما لأنها ليست في باب الجهاد أصلاً وإما لاختلاف الواقع اختلافاً كلياً.

فلم يسعني إلا إعلان رأيي كما سمعتموه، وكانت القضية الأساسية عندي وما تزال هي: تصور الواقع على حقيقته وتحذير الأمة من مخاطره في المستقبل لا سيما بيان أن ما أصابنا هو من عند أنفسنا وأن الرجوع إلى الله والضراعة له والاستكانة أساس الحل وضرورة التوكل على الله وحده وإعداد العدة للاستغناء عن كل ما سواه وإحياء فريضة الجهاد، وتدارك مفاسد وجود هذه القوات، وبيان تقصيرنا وتفريطنا في الإعداد وفي معاملتنا لصدام وغيره، وفتح المجال للدعوة وإنكار المنكر... وما أشبه ذلك.

هذا هو خلاصة ما كنتُ أردده ولا أزال وأكرر في كل مناسبة التحذير من التهور والإندفاع العاطفي وترك الحكمة في معالجة الأمور!!.

لقد قُضي الأمر وحلَّت الكارثة فلم يعد مجدياً الخلاف في المسألة فقهياً، بل الواجب تدارك آثار هذا الوجود المدمر وإعداد الأمة للخلاص من أسبابه ونتائجه بأفضل الأساليب وأحكمها ومنها ما أشرت إليه آنفاً.

ثم جاءت الوقائع لتُصدِّق التوقعات وظهرت الشواهد المؤيدة لما خِفتُهُ وحذَّرتُ منه، ولن أطيل عليكم بذكر مآسي الواقع المؤلم عقدياً وسلوكياً، معنوياً ومادياً بعد نزول القوات فكلكم يعلمه، وأنا أعلم أن كثيراً ممن لديهم حقائق جلية عن ذلك قد عرضوها عليكم، ولكنني سأقتصر على شواهد دالة على ما توقعته من خطط صدام كما ذكرت الشواهد الكثيرة على خطط الغرب:-

1) نشرت مجلة "المجلة" السعودية في عددها بتاريخ 14: 20 ربيع الأول مقابلة مع حسن العلوي!؟ والذي كان مسؤولاً إعلامياً وحزبياً بارزاً في العراق وكان في المقابلة سؤال (ما هي في نظركم الأسباب التي دفعت صدام حسين إلى غزو الكويت؟)

وكان من الجواب بعد أن نفى أن يكون الهدف إقتصادياً أو توسعياً كما تذكر الصحف المصرية وغيرها:

إن ضمَّ الكويت هدف قديم في سياسة صدام حسين وقد تناولت ذلك في دراسات عديدة أشير إلى بعضها (مقال في جريدة تشرين السورية- العدد الصادر بتاريخ 3- تموز-يوليو- 1982، مقال في جريدة الجهاد الناطقة بلسان حزب الدعوة الإسلامي العدد الصادر في 4 نيسان- إبريل- 1983، وفي جريدة التيار الجديد الصادرة في لندن بتاريخ 11 أذار-مارس- 1985) وقد أكدتُ في تلك المقالات على أن صدام سيضم الكويت بعد إنتهاء الحرب لكن توقيت العملية سيبقى مرهوناً بظروفها.

أما وقد تمت في الثاني من آب- أغسطس- 1990 أي بعد سبع سنوات على نشر أقدم مقال أشرت فيه إلى إحتمال الضم، فإن بالإمكان الآن الاستعانة لا بعلم السياسة بل بسايكولوجية صدام وأسلوبه في العمل لمعرفة السبب المباشر وهو سبب يرتبط بالمتغيرات الكبيرة وسقوط الدكتاتوريات في أوروبا الشرقية وما أعقب ذلك من مواجهة كتابات صحفية وتصريحات سياسية عن توقع هبوب الرياح الديمقراطية على المنطقة العربية وقد رشحت صحف عالمية ومصادر عربية (العراق الإسم الأول في قائمة من ستهب عليه رياح التغيير وكانت حتى الصحف العربية تتحدث عن وجود -شاوشيسكو- عربي بينما أشارت صحف غربية إلى أن -شاوشيسكو- يبدو (وزة) مسالمة بجانب صدام حسين).

صدام في أعماقه كان يحمل مخططأ آخر يستند إلى نظريته في الأمن الوقائي التي تستهدف ضرب الخصم وهو في مرحلة حمل النوايا قبل أن تترجم النوايا إلى أحداث (إنه ليس ذلك الذي يمنح خصمه الضربة الأولى، لقد اختار -وكان ناجحاً- بمعايير خاصة أن يهاجم المستقرات الدولية ويهدد المصالح الأمريكية والغربية مباشرة بعملية تستطيع أن تغير بؤرة الإهتمام وتجعل المطالب الديمقراطية على هامش مهمل ولم يكن أفضل من غزو الكويت ما يحقق له ذلك.

لقد هيأ لذلك بتهديدات تأكل نصف إسرائيل، وتحرش ببريطانيا حين أعدم صحفياً لها وأعلن بعد غزو الكويت أن العراق يقود العرب لمواجهة أمريكا... هل يعني أنه كان مضطراً؟ إنه لم ينفذ عمليته مختاراً أو من موقع القوة بل بتصرف المحكوم بالإعدام ولهذا فهو لن ينسحب. الحكم صادر عليه وهو ليس من هؤلاء الذين يثقون بوعود قد تقدم إليه باستمراره بالسلطة بعد الإنسحاب...

ولأن القرار العراقي لا يخضع لقوانين علم السياسة فقد تكبو توقعاتنا وينسحب صدام...اهـ.

2) نشرت جريدة الحياة بتاريخ 3 ربيع الأول مقالاً بعنوان: لماذ أمر صدام بتسريب محاضر جلسته مع غلاسبي- أي مع سفيرة أمريكا في بغداد جاء فيه :

واضح من تعارض الصيغ التي طرحتها حكومة العراق خلال شهر آب (أغسطس) إنها كانت ترتجل الحلول بطريقة عشوائية تدل على الضياع وعدم الثبات كأن هناك خطاً ما حدث أثناء تنفيذ عملية الاجتياح أدى إلى إرباك الخطة كلها، ويقول القادمون من منطقة "دسمان" أن الأمير وأفراد العائلة غادروا قبل 7 دقائق فقط من وصول الوحدة العراقية المكلَّفة بأسرهم أو إغتيالهم، وكان المطلوب على ما يظهر إحداث قرار دستوري نتيجة للعملية التي لم تتكامل، وبهذا يكون الرئيس صدام حسين حقق غرضه بالتخلص من السلطة "المتعبة" ووضع الكويت أمام احتمال الإتيان بصيغة التحالف تكون للمعارضة فيها حصة الأسد، لكن خروج الأسرة الحاكمة إلى السعودية أدى إلى الإقلاع في إتجاه معاكس ففي الأيام الأربعة الأولى تحدثت بغداد عن نية الانسحاب المشروط خصوصاً بعدما رفضت إدارة جورج بوش التجاوب مع بشارات الحوار أرسلت بواسطة شخصية عربية إلى مكتب -جون سنونو- رئيس أركان البيت الأبيض.

ومع صدور قرار الإنزال الأمريكي تغيرت صورة الأزمة ونقل موضوع التسوية إلى إنشاء -هونغ كونغ- كويتية كبوابة نظام "حر" يتمتع بحكم ذاتي، ثم سقط هذا الخيار أيضاً لأن المعارضة رفضت أي تعاون لتشكيل حكومة ثورية، ولكي تتحاشى بغداد الإشكال القانوني حول شرعية النظام الجديد، أعلنت ضم الكويت واعتبرتها امتداداً جغرافياً وتاريخياً للعراق.

ثم تحدث عن محضر الاجتماع بين صدام والسفيرة (المحضر الرسمي الذي سربه العراقيون) يفتح باب الاجتهاد على الاحتمالات المختلفة ويعطي الإنطباع بأن السفيرة التي اشتغلت في حل الأزمة اللبنانية تعرف جيداً ماذا كان يعني صدام حسين بقوله: عندما نجتمع في جدة ونرى أن هناك أملاً في التوصل إلى تسوية، فأنا على يقين بأن شيئاً لن يحدث، أما إذا فشلنا في إيجاد حل عندئذ يبقى من الطبيعي أن يرفض العراق الموت والهلاك!!

جاء هذا الكلام في معرض الاستيضاح عن الغاية من نشر قوات عراقية مكثفة على طول الحدود مع الكويت. وقالت السفيرة الدقيقة الحجم الخافتة الصوت، إن واشنطن طلبت منها -من موقع الصداقة لا التحدي- الاستفسار عن معنى هذا التجمع العسكري وإبلاغها الرئيس العراقي بطريقة رمزية أن اجتماع جدة ربما كان آخر حل دبلوماسي، وأكثر من هذا فإن وقائع المحضر تشير إلى إنذار واضح حول الخطوات العملية التي سيقدم عليها العراق -إذا فشلت المفاوضات وقال لها حسبما جاء في المحضر:

إذا كان بمقدورنا الاحتفاظ بكل العراق يعني الكويت أيضاً وشط العرب –فإننا لن نقدم أي تنازل أما إذا خيرنا على نصف شط العرب فنحن على استعداد للتنازل عن النصف الآخر لإيران شرط الاحتفاظ بكل العراق على النحو الذي نبتغيه(42*).

بعد إنقضاء أربعة أيام على الاجتياح استقبل صدام حسين القائم بالأعمال الأمريكي -جوزيف ويلسون- لأن السفيرة غلاسبي إنتقلت إلى باريس لقضاء عطلة الصيف وهي حالياً ملحقة في مكتب متواضع في وزارة الخارجية في انتظار مصيرها الدبلوماسي. وقال ويلسون:

-من المفيد استئناف الحوار إن هذه هي الطريقة المثلى لإزالة التوتر. ورد الرئيس العراقي عليه إن بلاده لنتتعرض بالأذى لأي بلد لا يعتدي عليها. وعاد ويلسون يسأل: والسعودية؟ أجاب صدام: إن هذا السؤال لم يخطر لي على بال!!.. إذا كنتم فعلاً قلقين على السعودية فإن قلقكم لا مبرر له. أما إذا كنتم تدفعون السعودية الى أن تقلق فهذا أمر آخر.

وفي ردها على هذا السؤال قالت السفيرة -غلاسبي- لصحيفة واشنطن بوست أنه لم يخطر على بالها "أن صدام حسين سيحتل كل الكويت". ومن هذه العبارة الصغيرة بنت المعارضة في الكونجرس حجتها للمطالبة بإقالة – بيكر وكيلي- لأنهما فشلا في فهم مخاطر هذا الموضوع" اهـ.

ولهذا المحضر رواية أخرى نشرتها مجلة –المجلة- السعودية في عددها المشار إليه عن مايلز كوبلاند –رجل المخابرات الأمريكي المشهور في المنطقة ومؤلف كتاب لعبة الأمم وغيره- يقول كوبلاند:

إن النص الذي نشر في هذه الصحف كمحضر للإجتماع غير كامل وإن النص الكامل موجود لدى وزارة الخارجية الأمريكية وقد اطلع هو على نسخة منه، والذي حصل فيه أن غلاسبي أبلغت صدام أن حكومتها على علم بخطته لغزو الكويت وحذرته من عواقب مثل هذا العمل بالنسبة إليه شخصياً وإلى النظام في بغداد وإلى البلاد ككل.

ونفى صدام من جهته وجود أي خطه لغزو الكويت. لكنه أضاف أنه "حتى لو حصل مثل ذلك فنحن مهيأون تماماً لردود الفعل الدولية التي لن تتجاوز الصراخ وحملات الغضب في الصحف الغربية. وسيصوت مجلس الأمن على قرار بفرض حظر على العراق ونحن قادرون على تجاهل ذلك مثل ما تجاهلت إسرائيل قرارات مماثلة في السابق، وستصوتون على عقوبات إقتصادية وما شابه ذلك. ومع الوقت سيهدأ كل هذا الضجيج وسيبقى العراقيون في الكويت.

ويرى كوبلاند أن -إيريل غلاسبي- لم تواجه صدام وأنها كانت مرنة معه خلال اللقاء حتى عندما هددها بنية مواجهة الإجماع الدولي ضده ومن هنا كان الانطباع لدى العراقيين الذين حاولوا تسريبه إلى الصحف الأجنبية وإلى عدد من الدبلوماسيين للإيحاء أنه كانت هناك لا مبالاة أمريكية حيال النوايا العراقية.اهـ

4- نشرت جريدة السياسة الكويتية الصادرة بجدة في 7 ربيع الآخر 1411هـ بعنوان رئيسي كبير -تقريراً عن الملف الأوروبي للقضية المسمى "جذور الصراع المقبل في الشرق الأوسط" وبالرغم مما في التقرير من أسماء وعبارات يمكن اعتبارها مقحمة أو موجهة توجيهاً خاصاً فإننا ننقل رواية الملف للقاء السفيرة وهي رواية تدل على معرفة صدام والغرب بتصميم خارطة جديدة للمنطقة وتؤيد ماسبق:

يقول الملف: "بعد إستماعه لفحوى الرسالة الأمريكية قال صدام حسين للسفيرة:

أنا لست معنياً بالسعودية ودول الخليج الأخرى ولست معنياً أيضاً بأي خارطة لتسوية جديدة في المنطقة: ولكنني معني بـ "ضرورة وضع حد للنزاع التاريخي بين الكويت والعراق".

وعقَّبت السفيرة الأمريكية قائلة: إن الرسالة التي اُبلغتُ بإيصالها لك أن حكومتي لا تقبل تنفيذ مثل هذا المخطط الذي اتفقتم عليه مع الأردن وإسرائيل(43*). واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية ويقول تقرير الملف أن صدام حسين يبدو أنه فهم تعقيب السفيرة الأمريكية بما يعني أن واشنطن يمكن أن تغض الطرف عن هجوم عراقي على الكويت.

وفي الوقت نفسه يبدو أن واشنطن أرادت عبر هذه الرسالة أن تدع الأمور تمضي كما قد يتصورها صدام حتى إذا ما ابتلع (الطعم) كان قد تورط بالفعل فيما تريد واشنطن. ذلك أن الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت كانت توصلت إلى قناعة بأن النظام العراقي قد أوشك على الدخول في "المنظومة النووية" بشكل يخل بالميزان العسكري الاستراتيجي في المنطقة.

ويعوق في نفس الوقت أساسيات النظام الدولي الجديد الذي إتفقت عليه واشنطن وموسكو بعد إنهائهما لفصول الحرب الباردة "ولهذا فإن واشنطن بدت وكأنها تستعجل إقدام صدام حسين على مغامرة من هذا النوع، تستوجب الضرورات بعدها أن توجه إليه ضربة عسكرية تقضي على البنية التحتية لكيان العراق وتدمر آلته العسكرية" اهـ.

ومن المهم هنا أن الجريدة نفسها نشرت في ص 3 تحليلاً عن نوايا صدام المبيتة وإشارات إلى الخطاب الذي ألقاه في فبراير 1990 رجب 1410هـ، وفيه تحدث صدام بوضوح عن "أفول نجم" قوة الاتحاد السوفيتي كما أن الرئيس العراقي تكهن بأن الولايات المتحدة سوف تتمتع في السنوات الخمس المقبلة بحرية الحركة في الشرق الأوسط وتوقع أن تستخدم واشنطن هذه الحرية لإيذاء العرب. مشيراً في هذا الصدد إلى المساعدات الأمريكية للمهاجرين السوفييت إلى إسرائيل واستمرار وجود القطع البحرية الأمريكية في الخليج على الرغم من إنتهاء الحرب الإيرانية العراقية.

ويستنتج صدام حسين من ذلك الآتي :-

الدولة التي ستتمتع بالنفوذ الأعظم في منطقة الخليج العربي ونفطه سوف تحافظ من خلال ذلك على قوتها العظمى من دون وجود قوة مماثلة تقف في وجهها.

وهذا يعني أنه إذا لم يعِ شعب الخليج وسائر العرب ذلك فإن رغبات الولايات المتحدة سوف تتحكم في الخليج العربي وبالتالي فإن أسعار النفط سوف تثبت عند مستويات تفيد المصالح الأمريكية وتتجاهل مصالح الآخرين.

ويخلص الرئيس العراقي بعد ذلك إلى الدعوة لإستخدام أموال النفط التي يستثمرها العرب لفرض تغيرات في السياسة الأمريكية، وربما يجب سحب هذه الأموال لإعادة استثمارها في الاتحاد السوفييتي وبلدان الكتلة الشرقية في أوروبا. ويرى أنه لا مكان في صفوف العرب الطيبين لأصحاب القلوب الضعيفة الذين يجادلون في أن الولايات المتحدة كدولة عظمى تمثل عنصراً حاسماً، وما على الأخرين سوى الخضوع لها. اهـ.

5) نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 19: 21/3/ 1411هـ ثلاث مقالات متوالية للأستاذ سلامة أحمد سلامة المقال الثاني منها بعنوان: مخطط أمريكي - والثالث:الوقوع في المصيدة. يقول :-

يعتقد أصحاب الرأي القائل بأن غزو العراق للكويت تم بتخطيط أمريكي مسبق... فإن لم يكن بتخطيط فعلى الأقل بعلم مسبق وذلك طبقاً لشواهد وأدلة سردناها أمس -أن أمريكا كانت بحاجة إلى ظروف وملابسات إستثنائية غير عادية تبرر لها العودة إلى فرض نوع من الوجود العسكري في منطقة الخليج.

أما لماذا تحتاج أمريكا إلى وجود عسكري في الخليج، فلأن مخططي الاستراتيجية الأمريكية يرون أن خط الدفاع الرئيسي عن مصالح أمريكا والغرب قد تزحزح من أوروبا إلى منطقة الخليج... وذلك في ضوء التطورات الدولية الأخيرة بعد أن انهار النظام الماركسي في أوروبا الشرقية. وتم التوصل إلى معاهدات واتفاقيات للحد من الأسلحة الاستراتيجية، ووضعت ضمانات تكفل عدم الاعتداء وعدم نشوب حرب بين أمريكا والاتحاد السوفيتي..

وبعد أن دخل الاتحاد السوفيتي نفسه تحت جنح الظلام الاقتصادي الغربي واشتدت حاجته إليه وأصبح التعاون بين القوتين العظميين أكبر من أي تناقض أو تضارب بينهما. هكذا لم يبق أمام أمريكا والغرب بعد أن اختفى التهديد الأيديولوجي والعسكري من جانب السوفييت إلا أن يتركز الاهتمام على مصادر التهديد الأخرى سواء كانت في صورة تهديدات للمصالح الإقتصادية ومصدر الطاقة كما هو الحال في منطقة الخليج أو في صورة حروب ومنازعات تأتي من الصراعات والمشاكل الإقليمية المزمنة كما هو الحال في مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي أو في صورة إنفجارات وثورات تأتي من دول العالم الثالث والشعوب الفقيرة كما هو الحال في التناقض الشديد بين الشمال والجنوب.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن التطورات التي أعقبت الحرب العراقية الإيرانية وبروز العراق بما لديه من أسلحة وقوات مدربة كقوة إقليمية مسيطرة في الخليج بدأت تثير مخاوف مخططي السياسة الأمريكية منذ عدة شهور. وكان تركها تنمو بدون تحجيمها معناه أن تتحول إلى قوة عالمية قد لا تحترم قواعد اللعبة في المنطقة.

ومنذ وقت طويل قامت السياسة الأمريكية على مبدأ أساسي هو الحيلولة دون أن تتعاظم قوة إحدى دول الخليج إلى درجة تمكنها من السيطرة على منابع البترول والتحكم في أسعاره وأسواقه...

فعندما حاولت إيران ذلك في عهد الخميني سلطت عليها العراق فأنهكتها وأوشكت أن تجهز عليها. والآن عندما ظن الرئيس العراقي أنه قادر على ذلك كان لا بد من تدخل السياسة الأمريكية لإعادة الأمور إلى نصابها... وبالأخص بعدما طالب بانسحاب الوحدات البحرية الأمريكية من مياه الخليج وهدد بضرب إسرائيل بالصواريخ ثم استدار إلى الكويت والإمارات ليرغمهما على تنازلات محدودة في أسعار البترول وديون الحرب التي على العراق لدول الخليج. ولكن هل معنى ذلك أن أمريكا هي التي دعت صدام إلى غزو الكويت؟

النظرية التي تقول إن أمريكا عرفت ولم تُبلِّغ أو أنها قرأت بعض المؤشرات ولم تتحرك لوقف عدوان صدام ضد الكويت… قد تكون صحيحة في بعض جوانبها، ولكن هذا لا يعني أن أمريكا قد خططت بالاشتراك مع الرئيس العراقي لغزو الكويت، أو أن الأهداف الأمريكية والأهداف العراقية قد التقت عند نقطة واحدة، أو أن صدام عميل أمريكي ينفذ عن علم واقتناع خطة شيطانية كبرى. مثل هذه الاستنتاجات قد تبدو من نسج الخيال..

ولكنها لا تبعد كثيراً عن الواقع إذا عرفنا أن لدى الدول الكبرى وسائلها التي تمكنها من دفع بعض القيادات التي يستولي عليها الغرور وجنون العظمة إلى ارتكاب أخطاء قاتلة والوقوع في مصيدة لا فكاك منها والسير في الطريق الذي رسمت له دون أن يدري... عن طريق إمداده بمعلومات موثقة ولكنها خاطئة ومسايرة في خطوط وتدبيرات تدفعه إلى مزيد من الشطط وسوء التقدير تقترب به من الهاوية دون أن يدري.اهـ.

6) ونشرت بعض الصحف كثيراً مما يؤيد ما سبق، رأينا الاستغناء عنه ولكن نشير إلى أحدها والعهدة فيه على راويته وهي "فُضَيلة الصباح" من الأسرة الحاكمة الكويتية تقول :-

عندما كنت طالبة بإحدى جامعات سويسرا كان ذلك على ما أذكره قبل سقوط شاه إيران... أعطاني أحد زملائي كتاباً مقطوعاً غلافه لأن "سي، آي، إيه" المخابرات الأمريكية تبحث عنه وقامت بتمشيط سويسرا في 24 ساعة لإعدام أي نسخة. وقد أعطاني فرصة لقراءته في أربع ساعات. كان الكتاب يتعرض لما يحدث في نهاية هذا القرن وكاتبه كان أحد أعضاء البنتاجون وكان عضواً في وفد القمة بين الرئيس الأمريكي والسوفيتي في ذلك الوقت... وفي الفصل الأخير من الكتاب وجدت هناك خريطة وليس عليها أي أثر للكويت على الإطلاق...وشاهدت دولة صغيرة في الشمال وهي مناطق البترول في العبيدات مكتوب عليها الدولة البترولية العالمية وأعلامها أعلام الأمم المتحدة.

لقد كانت هذه الرؤية مستقبلية لنهاية القرن. متفق عليها بألا يكون وجود لدولة الكويت... ويبدو أنه كان يتم البحث عن عميل ليقوم بهذا المخطط ويتم السيناريو... وقد كان... مجلة صباح الخير بتاريخ 30/2/ 1411هـ.

7) وأخيراً نذكر مقالة للسفير الأمريكي السابق في السعودية –جيمس أكينز- نشرتها صحيفة –لوس أنجلوس تايمز- بعنوان (الآن ومع تواجد القوات الأمريكية حول حقول النفط، هل ندع الفرصة تفوتنا؟..)

بدت هذه الفكرة جنونية في عام 1975م ولكن إحياءها يمكن أن يكون في تجاوز الترحاب الذي تلقيناه من الملك فهد.

يقول:

في شهر يناير من عام 1975م نشرت صحيفة كومنتري وهي نشرة يصدرها المحافظون الجدد مقالة تقترح غزو المملكة العربية السعودية وذلك كحل لمشكلة الغرب الأزلية، ولمشاكل الولايات المتحدة الإقتصادية، وتلت تلك المقالة العديد من المقالات الثائرة والتي اقترحت الاستيلاء على حقول النفط في شبه الجزيرة العربية ابتداءً بالكويت وانتهاءً بدبي (الإمارات) ومن ثم استغلال النفط إلى آخره، وفي غضون 50عاماً أو ما شابه ذلك تعود الممتلكات لمالكيها الأصليين. أي بعد استنزاف النفط كله!! ثم يقول:

وبالرغم من ذلك فهناك البعض في حكومة بوش والذين سوف يشيرون إلى أن الوقت ملائم الآن أكثر مما كان عليه الحال في عام 1975م وذلك على الأقل على مستوى احتلال عسكري لحقول النفط السعودية.

ويقول:

إنني لست المراقب الوحيد والذي يملك دراية واسعة في هذا الميدان ولديه القناعة بأن صدام حسين لم يكن ينوي مهاجمة المملكة العربية السعودية في أوائل الشهر الماضي، إن ذلك أمر غير منطقي... ومع ذلك فلقد قام وزير الدفاع الأمريكي -ديك تشيني- بإقناع الملك فهد بأن حدوث مثل ذلك الهجوم على المملكة العربية السعودية أمر وشيك الوقوع، ولدرجة أنه استطاع أن يقنع المملكة العربية بالتخلي عن سياسة معارضة وجود قوات عسكرية أمريكية. إنني أشك في أن الملك فهد كان يتصور وجود – 100,000- من الجنود الأمريكين، وربما ضعف هذا العدد، متواجدين على أرض المملكة العربية السعودية "ولمدة غير محدودة".

ولقد اتسعت مظلة الحماية الأمريكية منذ ذلك الحين لتشمل دولة الإمارات العربية المتحدة، وإذا لم يتم التخلص من صدام حسين، فإنه سيمثل خطراً محتملاً على المملكة العربية السعودية، وخطراً مؤكداً على أسرة آل سعود، وذلك إذا ما انسحبت القوات الأمريكية من المنطقة.

لذلك فمن المحتمل أن يكون وجود القوات الأمريكية في المنطقة أمراً مرغوباً فيه، ولفترة غير محدودة، وسواء كان ذلك الوضع مرضياً للجيش والشعب السعودي فإن ذلك يظل أمراً آخر.

إن هؤلاء الذين عملوا والذين لا يعملون حالياً في الحكومة الأمريكية ومن ضمنهم كيسنجر الذي كان جاداً في موضوع احتلال آبار النفط في عام 1975م لا بد أنهم يرون الآن عدم ترك هذه المصادر غير العادية بعد أن أصبحت تحت سيطرتنا.

ثم يقول:

وهناك خطة أكثر خيالية تتمثل في تدويل جميع الدول العربية المنتجة للنفط وبذلك يمكن تصحيح أحد الأخطاء -الإلهية- والمتمثلة في وضع هذه الثروة الثمينة في مكان لا تستحقه.!! قاتله الله وأخزاه...
(40*) من أغرب ما سمعته في هذه الأزمة على كثرة غرائبها تصريح طارق حنا في مؤتمره الصحفي بعمان بعد الغزو عندما ألح ّ عليه الصحفيون عن احتمالات ضربة أمريكا عاجلة قال : إننا في الحكم منذ عشرون سنة و نحن نتعامل نع الغرب و يفهمنا و نفهمه و بيننا و بينه مصالح مشتركة ، أو مترابطة !! .. و يذكر حسن العلوي مستشار الإعلام البعثي سابقاً أن أحمد حسن البكر كان يتهم طارق عزيز بالجاسوسية!! ..
(41*) يقول ما يكل كيلير " تفرض كل السيناريوهات الرسمية أن حكومة صديقة تتعرض لهجوم من جانب قوي معادية و تطلب المعونة الأمريكية " ص65 (اتجاهات التداخل الأمريكي ..) و ذلك لضمان احتلال آمن بل مدفوع الثمن من الدول المحتلة أنفسها.
(42*) هكذا تفوح رائحة عمل صدام لأمريكا كما تظهر تبعية إيران و الكويت فهو يفاوض السفيرة باعتبارها و كيلة على المنطقة .
(43*) لدي شك في كون هذه الكلمة في الأصل و أضيفت عمداً !! .
  #20  
قديم 31-08-2001, 05:07 AM
عندي أمل عندي أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 54
Post

ما زل الكلام هنا لكاتب الماده اعله...عندي امل
___________________

وإذا قال قائل –على ضوء ما سبق- إن استدعاء الحشود الغربية –أو إقرارها- كان تهيئة لعدو مترصد يتحين الفرصة لدخول المنطقة ويتلهف لذلك ولم يُخفِ عداوته وشراسته وأطماعه أفيكون مخطئاً؟

هذا بغض النظر عن كون السبب المباشر عدواً آخر لا جدال فيه!!..

ودفعاً للَّبس أقول: إن بيان هذه الحقيقة الجلية لا يعني اتهام المستدعي أو الموافق بالتواطؤ مع الأعداء، فأنا أقول جازماً إنه لا يوجد حكومة في العالم تريد أن يكون للقوى الدولية الكبرى تدخل في شؤونها أو وجود في أرضها لأن ذلك يعني المزاحمة على السيادة، حتى الحكومات التي أقيمت بمعاونة القوى الكبرى وتخطيطها تسعى متى ما استطاعت إلى الاستقلال عنها والتخلص من وصايتها، أو تتشوف إلى الإنفراد بالزعامة فكيف بغيرها من الحكومات؟

وهذا الملك حسين صنع الإنجليز عرشه بأيديهم وحملوه وأعانوه أكثر من مرة على مناوئيه ومع ذلك لا يحب من أحد قوله إن الإنجليز مشكورون على هذا الإحسان والإعانة!!..

ولهذا أسفت جداً لما قاله بعض المشايخ من كلام كهذا ظانين أنهم يدافعون عن الحكومة "ووصل الحال أن بعضهم قال لا تدعوا على الأمريكان، بل البعض دعا لهم".

وأعود لأقول: ليس في بيان الحقيقة إتهام لهذا أو ذاك، وإنما هو تجربة كبرى وأزمة عظيمة لا بد من دراستها بتجرد، وكل منَّا راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته وكلنا على ثغرة، والله الله أن يُؤتى الإسلام من قِبَلِه.

إن الأمر أكبر من أن يكون إتهاماً يُلقى على عاتق جهة ما وتنتهي القضية، كما هو أكبر من أن يكون خلافاً فقهياً يُقال فيه: أخطأ فلان وأصاب فلان، وإن الاكتفاء بالفتوى أو إبداء الرأي -تأييداً أو مخالفةً- تقصير بالغ وتخل عن الواجب، فالأمة الآن بين فكي هلاك ومضيعة، أحدهما صدام صديق الأمس الذي أعاننا على إيران والآخر دول الصليب وحواشيها صديقة اليوم التي نطمع أن تعيننا على صدام ولا نأمنها إلا كما أمِنَّا صدام!!..

وإنه مما يؤلمني ويؤرقني ليل نهار أن تتحول القضية إلى جدل فقهي بعيد عن الواقع ويصورها بعض الناس على أنها خلاف بين هيئة كبار العلماء وفلان وفلان..!!

ونتناسى المصيبة ونتغافل عن الكارثة التي لا يجوز أن نختلف في مسؤوليتنا تجاهها؟

ولهذا فإنني أطالب أطراف القضية الخلافية بالكَفِّ عن ذلك الجدل العقيم والانصراف للعمل الدؤوب للمرحلة الراهنة وقد بدأت بنفسي وأعلنت عن موقفي لما ورد في فتواكم -بشرط تقييدها بالضوابط التي ذكرها بعضكم كما جاء في محاضرة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- وسكوت عن رأيي الخاص الذي فيه تفصيل لا يتسع له المقام (أعني من الناحية العملية المجردة)- أما من جهة الواقع فالمناط مختلف جداً وعلينا معرفته ومدارسته والخروج بما يبرىء الذمة ويسقط المؤاخذة ويدفع عذاب الله عنَّا.

إن الأمر الآن والله جِدُّ خطير ويجب على كل فرد من هذه الأمة أن يتجرد لله وأن ينسى مركزه ومنصبه ويستعد لقبول الحق أياً كان قائله.

فنحن كركاب سفينة يهددها الغرق ولن يقتصر الهلاك على بعض دون بعض (والتعتيم والتخدير أو السكوت والتناسي جناية على الجميع).

يجب أن ندرس المشكلة -أبعادها ومخلفاتها- بكل وضوح وصدق ونستعرض إحتمالات الموقف ونضع لكل احتمال حله المأخوذ من مصدر الهدى والنجاة -كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين- ولخطورة القضية وتشعبها ولضرورة تكامل الحل وتحقيق مبدأ الشورى فيه أرى أنه لا بد من أن نفرغ لكل جانب منها مؤهلين مخلصين يدرسون ما يُوكل إليهم دراسة متأنية موثوقة عميقة، ومن ذلك مثلاً:

1- تخصيص مجموعة من المؤهلين ويكون من بينهم قادة عسكريون لدراسة مشكلة الضعف المخيف الذي فوجئنا به في جيشنا أهو حق أم باطل ولماذا؟... وكتابة صورة صادقة مستفيضة عنه.

2- تخصيص مجموعة أخرى مماثلة لدراسة أفضل وسيلة لاستقلالنا للدفاع عن أنفسنا، وهي خطوة للمرحلة الواجبة التي هي جهاد الطلب بإذن الله!!

وأرى أنه يجب عليكم يا أصحاب الفضيلة وأنتم السلطة العملية في البلد أن تنصحوا السلطة التنفيذية بأنه لا خطر على النظام من قوة الجيش فإنه ليس بقوة الجيش يقوى احتمال غدره بالقيادة السياسية، بل بحسب التربية والمنهج وأنه لا يجوز شرعاً كما لا يصح عقلاً وسياسةً أن يكون البديل عن جيش مسلم من أبناء البلاد المخلصين جموعاً متنافرة لحكومات متآمرة!!.

وإنها لحقيقة مؤسفة أن نقول إن ما يُسمَّى التطوع لا يعدو أن يكون إمتصاصاً للمطالبات وتفريغاً لشحنة التأثر، إذ كان المتوقع أن تتحول مدننا وقرانا وهجرنا إلى معسكرات دائمة (وأسوأ من ذلك أن يُفتح باب التطوع للنساء الذي استغله الهدامون في الداخل والخارج ليغمسونا في غضب الله واستحقاق عقابه أكثر فأكثر نعوذ بالله من الخذلان).

3- ومما يجب وضعه في الحساب كيف يكون التصرف حالما تُظهِر هذه الحشود غدرها وخيانتها، ماذا نفعل لو قررت -لا قدر الله- تقسيم البلاد أو تدويلها أو تغيير نظامها السياسي والاجتماعي، أو فعل أي شيء في جعبتها الملأى بالحقد والتآمر؟ أنبكي حينئذ ونقول صدق من حذرنا؟

إن احتلال الكويت- تلك القشة التي قصمت ظهر البعير- سينتهي بشكل ما وحينها ستلتفت هذه القوى لتصحيح وضعنا نحن كما ألمحوا مراراً وصرحوا، فماذا أعددنا لذلك؟ وهذا الإعداد لن يكلفنا ولن يضيرنا فإن كفى الله المؤمنين القتال فلله الحمد والشكر، ولنا منه الأجر إن شاء الله. وإن كانت الأخرى كان الجواب حاضراً والرد سريعاً.

4- يجب أن ندرس بكل صراحة ووضوح أن بلادنا قد تكون في أي لحظة ميداناً لحرب مدمرة لم تشهد الدنيا لها نظيراً -حرباً كيماوية وبيولوجية وربما نووية- ونرى هل تستحق إعادة حكومة ابن صباح التي لا تحكم بما أنزل الله- كل هذا؟

5- تخصيص مجموعة أخرى بينهم إقتصاديون وخبراء تخطيط مؤمنون لا علمانيون –لدراسة أثر هذه الأزمة على مستقبل التنمية في بلادنا والإفادة من ذلك لسحب الودائع المخزونة في بنوك الغرب وحث الأمة على الترشيد وترك الإسراف والتبذير اللذين لا يزالان كما كانا قبل الأزمة التي نخشى أن تطول فتستنفد كل شيء!!

... إن صداماً نهب ثروات الكويت غصباً وعلانية ونحن سوف تَستَنفِذ هذه المشكلة ثراوتنا رضاً وطواعية وسوف تتعطل حتماً مسيرة التنمية أو تقل بشكل حاد إلا إذا تداركنا الأمر بإذن الله، فمثلُنا في هذه الحال كمثل رجل اقتحم الذئب زريبة جاره وأخذ يعبث فيها، فخاف الرجل أن يقتحم زريبته فاستدعى الذئاب والأسود والنمور وسائر الوحوش وأسكنها زريبته، وأخذ يطعمها من غنمه وهي لن تخرج إلا إذا خرج الذئب من زريبة جاره وجاره قد هرب والذئب لن يخرج، ولو أنه اشترى ببعض غنمه بندقية لحرس غنمه بنفسه!!

6- لِمَ لا يضع علماؤنا الأجلاء مبادرة سلام تخفف مصيبة الكويتيين وتضمن شيئاً من حفظ ماء الوجه كما يقولون لطاغية العراق وتضمن رحيل جيوش الصليب عن بلادنا؟ وعلى الجملة أترك الرأي فيها لكم.


أصحاب الفضيلة


- إن لم تدرسوا أنتم وتشكلوا اللجان للدراسة وتتابعوا النتائج فمن يقوم بهذا الواجب إذاً؟ ومن ينصح للأمة لا سيما وأن غيركم إذا نصح احتجوا عليه بسكوتكم؟

-أما قول بعض الناس إن هذا ليس من شؤون العلماء فعجب والله أيما عجب ومن شؤون من هي إذاً؟ أنتركها للرويبضات من الصحفيين والمتملقين من الشعراء وعُمي البصيرة من العلمانيين؟ أهؤلاء من شأنهم يومياً أن يسودوا الصحف ويملأوا الأجواء بالاقتراحات وأنتم أصدرتم التأييد وسكتّم!!

كل الأطراف تتكلم عن الأزمة حتى (الفنانين والفنانات) والساكتون أو المُسكَتُون هم أهل العلم والدعوة إلا من أيَّد الواقع كما هو، دون الإشارة إلى أخطاء الماضي أو واجبات المستقبل.

فتداركوا -وفقكم الله- هذه الأمة وتداركوا سمعتكم وسمعة أمة التوحيد التي نالها ضرر بالغ في كل مكان بسبب هذا الموقف ولا تحتقروا أنفسكم عن عمل عظيم يرفعكم الله به في الدنيا والآخرة، فأنتم علماء خير الأمم وعلى منهاج السلف تسيرون ولله الحمد، والغرب نفسه ينظر إليكم وإلى هذه البلاد نظرة خاصة للغاية، ويحسب لكم ما لا تظنونه في أنفسكم من المكانة والتأثير.

وأذكر هنا مثالاً على ذلك ما أورده -جوزيف سيسكو- مساعد وزير الخارجية الأمريكي سابقاً وعضو "الهيئة الكونية"(44*) اليهودية ضمن أهداف التسوية الأمريكية في الشرق الأوسط الهدف الثاني ونصه: يجب أن تكون تسوية شاملة تقلل من إحتمال قيام الغليان داخل العربية السعودية نفسها (الفكر الاستراتيجي 3/ 79).فقد خصَّ هذه البلاد دون غيرها من دول المنطقة، ومثله ما عبر به أحد محلليهم في مقابلة له في قناة(CNN) تعليقاً على دعوة صدام للجهاد: (نحن لا نخاف من جيوش صدام وإنما نخشى من الأصوليين في الجزيرة العربية والجزائر ومصر).

وإنني إذ أُقدِّم الرسالة لتكون -إن شئتم- ورقة عمل لدراسة أسباب الأزمة وطبيعتها لأضعُ أيضاً بعض العناصر المهمة بين أيديكم وقد وردتني في شكل تساؤلات من كثير من المخلصين وعلى ضوئها وعلى ضوء ما تعلمونه من شروط الفقهاء لجواز الاستعانة بالكفار (مثل أن يُؤمَنَ غدرهم وأن يكون حكم الإسلام هو الظاهر عليهم، وأن نستطيع مقاومة الفريقين لو اتفقا علينا، أو أن تقتصر الاستعانة على الخدمة ويكونا للمسلمين كالكلاب....) نستطيع الوصول إلى الحقيقة التي تبرأ بها الذمة إن شاء الله:-

1- هل من الاستعانة أن يكون المُستعانُ به جيوشاً غفيرة وراياتٍ كثيرة لدول عظمى طامعة تتحين الفرصة لاقتحام المنطقة منذ سنين ويصبح عددهم ثمانية أضعاف الجيش المُستعين، أما العدة والآلة فلا نسبة بين الفريقين فيها!

2- هل من الاستعانة أن يُصبح زعيم الجيوش المتحالفة –بوش- وهو صاحب الأمر والنهي في القضية سلماً أو حرباً إن شاء وأن يرفض التنازل مطلقاً -مع رضى صاحب القضية-آل الصباح- به وكذا غيره من حكام المنطقة -وربما قَبِلَ الصلح مطلقاً مع صدام؟

3- كيف نوافق بين تقييد الضرورة زماناً ومكاناً وكماً وكيفاً وبين الواقع؟

فمن جهة الزمن لا تحديد لهم ولا يحده إلا هم، والناس يعلمون أن الأمريكان يستأجرون المجموعات السكنية وغيرها بعقود طويلة هذا مع قولهم إن الحرب قد تنشب.

ومن جهة المكان هل تركوا مطاراً أو قاعدة عسكرية لم ينزلوها؟

ومن جهة الكم يسمع الناس كلهم أنهم كل يوم في ازدياد ألوفاً مؤلفة، والأمريكان وحدهم سيزيدون عن 400،000؟

ومن جهة الكيف هم أصحاب القضية وبيدهم زمام الموقف فلا يُقال لهم كيف، بل لا ندري أيقبلون أن يستعينوا بالجيوش العربية ولو في بعض الأمور أم لا؟

4- هل من الاستعانة أن يكون الجندي المسلم شبه أعزل والجندي الكافر المستعان به مدججاً بأحدث الأسلحة من رأسه إلى أخمص قدميه وتُحسب الرصاصات على المسلم كلما دخل أو خرج؟

5- هل من الاستعانة أن يتحقق ما خطط له الأمريكان منذ عشر سنوات وهو أن يكون للقوات السعودية والأمريكية قيادة مشتركة ونظام إتصال موحد ونظام إنذار مبكر موحد بحيث أصبحتا وكأنهما شخصية معنوية واحدة؟

6- هل من الاستعانة أن تقوم الجيوش المستعان بها بعمل المتاريس والاستحكامات على المنشآت البترولية وشبهها ويبنون قواعد عسكرية داخل المدن ولسان حالهم يقول إنما نحرسها من أهلها؟ ولا يَهُمُّنَا من البلد إلا هيَ؟

7- هل من الاستعانة ما صرحت به بعض دول الحلفاء الكبرى كفرنسا وروسيا من أنها لن تدخل الحرب إلا بموافقة مجلس الأمن الدولي أي دون النظر إلى رغبة دول المنطقة ورأيها؟

8- هل من الاستعانة أن يصرح المُستعان به بأن مهمته هي تغيير البلد المسلم المستعين لتُصبح حياته على النمط الغربي سياسياً واجتماعياً وإقتصادياً وخاصة ما يتعلق بالمرأة؟ واسمعوا إن شئتم إذاعة صوت أمريكا واقرأوا صحفها كل يوم تقريباً؟

9- هل من الاستعانة أن تأتي إلى بلادنا جيوش لم نطلب نحن مجيئها وعونها وإنما طلبتها أمريكا، حتى إن الدولة التي تتلكأ تؤنبها أمريكا والدولة التي تريد سحب جيوشها أو تبديلها تستأذن أمريكا؟

10- هل من الاستعانة أن يكون من أغراض نزول القوات المستعان بها في أرض الإسلام حماية أمن دولة اليهود كما صرح بذلك زعماء أمريكا (وللعلم نقول أن القائد العام لجيوش التحالف- نورمان شوارسكوف- يهودي!!)

11- هل من الاستعانة أن تطالعنا صحافة الدولة المستعان بها كل يوم بإنتقاص هذه البلاد وتحقيرها والسخرية من دينها وشعوبها وعلمائها وحكامها وهو ما لم تكن تفعله بهذه الكثرة من قبل (ومن ذلك ما نشرت التايم في 3 سبتمبر الماضي من أنهم علقوا شعاراً على أحد الخطوط السريعة في أمريكا يقول: خذوا بترولهم واضربوا أدبارهم)؟

12- أيعقل أن يكون موقفنا أمام صدام أضعف من موقف إخواننا المجاهدين الأفغان أمام الروس ونحن أثرى بلد في العالم، وشعبنا معدن الشجاعة في الدنيا وأرضنا قارة؟

هذا وصدام لم يهاجمنا بل هو يردد أنه لم يفكر في ذلك. أما الروس فقد ملكوا البلاد كلها بالفعل وحاربوا بأسلحة الدمار المحرَّمة دولياً بكل أنواعها –ماعدا النووي منها- وكان مصيرهم ما يعلمه العالم كله؟

13- لقد استطاع المجرم صدام بناء أسوار هائلة من الرمال والحواجز والألغام تجعل اختراق الدبابات الأمريكية المتطورة صعباً للغاية- أكان يعجزنا أن نفعل مثله لنصد به دباباته؟ أما سلاح الجو فأستطيع الجزم بتفوق جيشنا فيه.

14- ألم تستسلم عشرات الدبابات العراقية للمملكة ولولا الحواجز لتدفق المزيد؟

فلوكنا صادقين مع الله معادين لأعداء الله فاضحين لحزب البعث مواسين لإخواننا المسلمين في العراق فيما يعانونه لاطمأنوا لنا ولما كان دخولهم حدودنا لو أمر به صدام إلا استسلاماً لنا بل ربما حولناهم إلى فاتحين للعراق محررين له من الكفر البعثي؟

15- وأخيراً نسأل: أليس وقوع ما حذر منه الناصحون وأخبر به الصادقون كما حذورا وأخبروا دليلاً على أن الرائد لا يكذب أهله؟ فلماذا لا يتاح لهم فرصة المزيد من النصح والتحذير؟

(44*) هي لجنة يهودية عالمية تُعد بمثابة الحكومة اليهودية السرية للعالم الغربي و توابعه، أسسها "ديفيد وركفلر" كبير المرابين في العالم سنة 1973، و من أهم مؤسساتها " بيكتل كورب " التى يتخرج منها كبار الساسة الأمريكيين و منهم – واينبرغر وزير الدفاع السابق ، و منها تخرج بوش أيضاً و بيكر . (انظر الفكر الاستراتيجي – 1982/ 3 ).
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م