3. استقبال القبلة:
قال صاحبي: والله ما كنت أفهم للشروط هذه المعاني، وماذا يعني استقبال القبلة؟
قلت هذا أعظم الشروط وأقواها أثراً في حس المؤمن فهو أولاً تعبير عن وحدة الأمة حول مقصد واحد واتجاه واحد ليس للبشر فيه صنعة ولا للنفس القاصرة الهمة فيه مطلب فهو من موانع الفرقة والاختلاف، وجوالب الألفة والوفاق. وثانياً مقصود القبلة في الصلاة ليس مراده توجيه البدن، وإن كان البدن هو الضابط للنية والمعين على تحقيقها إلا أنه يقدم في الفكر وفي النفس معنى قوياً مؤداه أن البدن لم يتجه نحو القبلة إلا بانفتاله عن سائر الجهات وتخليه عن كل الجواذب والشواغل إلا وجه الله ولذلك فإن الله تبارك وتعالى أمر عباده المؤمنين بالتوجه إلى البيت الحرام الذي هو أول بيت وضع للناس في الأرض لعبادة الله فهو بهذا ملتقى أفئدة المؤمنين وأنظارهم مما يحقق المعنى أفضل تحقيق. وموضع نظر الرب سبحانه وتعالى قلب البعد فلا بد من تخليه من كل الجواذب، وتوجيهه إلى الله واستحضار هيبة الله والمذلة بين يديه والفقر إليه.
4. ستر العورة:
قال صاحبي: نفعك الله، فماذا يعني ستر العورة؟
قلت: ستر العورة يا أخي هو الحد الأدنى من مظاهر التجميل، فالقرآن الكريم أمر بني آدم بأخذ الزينة وهي حسن السمت وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم التطيب للصلاة ونهى من أكل ثوماً أو بصلاً أو اكل شيئاً ذا رائحة كريهة من إتيان المساجد.
وهذه الأوامر والسنن ذات أثر فعال في التلذذ بالمقام في معية المؤمنين وجوار الصالحين ومنها تستطيع أن تفهم ما درج عليه أصحاب الحرف من اتخاذ ثياب خاصة للصلاة.
ولعلك تتشوش في صلاتك حين يجاورك في صف الصلاة شخص تقذرت ملابسه بالزيت والطين، هذه الصورة الظاهرة حث عليها الشرع الحكيم مع أنها محط أنظار وحواس الخلق، ومحط نظر الخالق سبحانه وتعالى هو الباطن فلابد من الحرص على ستر عورات الباطن فحين تعجبك ثيابك وعطرك وتشعر أنك ظفرت برضى من جاورك من المصلين، أقبل على الباطن واستر عوراتك التي لا يطلع عليها غير الله.
كيف نستر عورة الباطن؟
قال صاحبي: وكيف لي بستر عورة الباطن؟
قلت: بالندم على التفريط في حقوق الله، والحياء من الله وهو مطلع على قبائح السريرة، والخوف من لقائه مع ما أنت عليه من العيوب والبوائق فهذه ولا شك كفارات وسواتر لعورات الباطن. ولا يزال يدقق في سوءات سلوكه ويمحوها حتى يخلص لله باطنه ويصفو من الأكدار ضميره فإن رافقه هذا الشعور وهو ينظر في أحوال نفسه لاشك سيظفر بمعاني الخشوع في استكماله لشروط صلاته.
قال صاحبي – وقد انفرجت أسارير وجهه – أفهم من كلامك أن المرء إذا اعتنى بستر عورة الجسد وهي من حق الخلق أوجبه الخالق، فعليه أن يبالغ في ستر عورة باطنه الذي هو موقع نظر الخالق.
قلت: وهو كذلك.
|