فوائد المرض
أن للمرض فوائد عظيمة وما يترتب عليها من مصالح ومنافع قلبية وبدنية ، وقبل الشروع لابد من مقدمة قبل الدخول في المقصود 0
إن الله لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة ، إما على المبتلى أو على غير المبتلى ، ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمته عليهم ولجهلت كثير من النعم ، ومن هنا خلق سبحانه الأضداد لحكم كثيرة منها معرفة النعم ، فلولا المرض لما عرف قدر الصحة .
بعد هذه المقدمه البسيطه إليكم بعض فوائد المرض والتى حاولت أن أختصرها لكم كي لا أطيل عليكم :
-1ـ من فوائد المرض ، أنه تهذيب للنفس ، وتصفية لها من الشر الذي فيها (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ))
2ـ ومن فوائد المرض : أن ما يعقبه من اللذة والمسرة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض ، فإذا نزل بالعبد مرض أو مصيبة فحمد الله بني له بيت الحمد في جنة الخلد ، فوق ما ينتظره من الثواب .
3ـ ومن فوائد المرض : قرب الله من المريض ، وهذا قرب خاص ، يقول الله : (( ابن آدم ، عبدي فلان مرض فلم تعده ، أما لو عدته لوجدتني عنده))، واثر : (( أنا عند المنكسرة قلوبهم )) 0
4ـ ومن فوائد المرض : أنه يعرف به صبر العبد ، فإذا وجد الصبر وجد معه كل خير ، وإذا فات فقد معه كل خير ، فعن أنس : (( إن عظم الجزاء من عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط)) ، ، فإذا أحب الله عبداً أكثر غمه ، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه ،(( فالمؤمن يؤجر في كل أمره )) فالمؤمن لابد وأن يرضى بقضاء الله وقدره في المصائب .
5ـ ومن فوائد المرض وتمام نعمة الله على عبده ، أن ينزل به من الضر والشدائد ما يلجئه إلى المخاوف حتى يلجئه إلى التوحيد ، ويتعلق قلبه بربه فيدعوه مخلصاً له الدين .
6-ومن فوائد المرض : أن الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر ، فلو دامت للعبد جميع أحواله لتجاوز وطغى ونسي المبدأ والمنتهى .
7-ومن فوائد المرض : انتظار المريض لفرج ، وأفضل العبادات انتظار الفرج ، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده .
8-ومن فوائد المرض : أنه إذا كان للعبد منزلة في الجنة ولم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل ، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها )) .
9- ومن فوائد المرض : أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته ، فإنه إذا تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة ، فإذا ابتلي العبد كان أكثر همه وأمانيه وآماله العودة إلى حالته الأولى ،
(( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم )) [ البقرة :216] ، ولهذا روي أن آدم لما نشر الله له ذريته رأى الغني والفقير وحسن الصورة ، ورأى الصحيح على هئيته والمبتلى على هيئته ، ورأى الأنبياء على هيئتهم مثل السرج ، قال : يارب ألا سويت بين عبادك ؟ قال : إني أحب أن أشكر ، فإن العبد إذا رأى صاحب البلاء قال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك ، فيعافيه الله من ذلك البلاء بشرط الحمد ، والمبتلى إذا صبر حصل على أجر عظيم 0
10-ومن فوائد المرض : أنه إحسان ورحمة من الرب للعبد ، فما خلقه ربه إلا ليرحمه لا ليعذبه ،ويقول الناس : ألا ترحمه يارب ؟ فيقول الله : (( كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟ )) ،
فلا يتهم العبد ربه بابتلائه وليعلم أنه إحسان إليه 0
لعــــــل عتبك محمود عواقبه ...........وربما صحت الأجساد بالعلل.
11-ومن فوائد المرض : أنه يكون سبباً لصحة كثير من الأمراض ، فلولا تلك الآلام لما حصلت هذه العافية ، وهذا شأن أكبر الأمراض ، ألا وهو الحمى وهي المعروفة الآن بالملاريا ، ففيها منافع للأبدان لا يعلمها إلا الله ، حيث أنها تذيب الفضلات وتتسبب في إنضاج بعض المواد الفاسدة وإخراجها من البدن ، ولا يمكن أن يصل إليه دواء غيرها، يقول بعض الفضلاء من الأطباء: إن كثيراً من الأمراض التي نستبشر فيها الحمى ، كما يستبشر المريض بالعافية ، فتكون الحمى فيه أنفع من شرب الدواء الكثير ، فمـــن الأمراض التي تتسبب الحمى في علاجها مرض الــــرمد والفالج واللقوة ـ وهو داء يكون في الوجه يعوج منه الشدق ـ وزيادة على الصحة فهي من أفضل الأمراض في تكفير الذنوب ، ففي مسلم عن جبران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب ، فقال : (( مالك ؟)) فقالت : الحمى ، لا بارك فيها ، فقال : (( لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد )) وعند أحمد بسند صحيح (( حمى يوم كفارة سنة )) [ عن ابن عمرو ] وفي الأدب للبخاري عن أبي هريرة : (( ما من مرض يصيبني أحب إلى من الحمى )) لأنها تدخل في كل الأعضاء والمفاصل وعددها 360 مفصلاً ، وقيل إنها تؤثر في البدن تأثيراً لا يزول بالكلية إلا بعد سنة 0
أخيراً ملخص لذلك المرض نعمه وليس نقمه ، وأن في المرض لذائذ :-
1 - منها: لذة العطف الذي يحاط به المريض والحب الذي يغمره من أقاربه ومعارفه 0
2ـ ومنها : اللذة الكبرى التي يجدها المريض ساعة اللجوء إلى الله ، هندما يدعوه مخلصاً مضطراً.
3- ومنها : لذة الرضا عن الله عندما تمر لحظات الضيق على المريض وهو مقيد على السرير .
4ـ ومنها : لذة المساواة التامة ، فهي سنة الحياة ، فلا يفرق المرض بين غني أو فقير ، فلو كان المرض سببه الفقر أو نقص الغذاء لكان المرض وقفاً على الفقراء ، ولكان الأغنياء في منجى منه ، لكنه لا يعرف حقيراً أو جليلاً ، الناس سواء 0
ختاماً أستسمحكم عذرا على الإطاله ، وأتمني أن ينال الموضوع على إستحسانكم .
__________________
|