القوة عند الابتلاء
يبين إيمان المؤمن عند الابتلاء ، فهو يبالغ في الدعاء ولا يرى أثراً للإجابة ، ولا يتغير أمله ورجاؤه ولو قويت أسباب اليأس ، لعلمه أن الحق أعلم بالمصالح .
أو لأن المراد منه الصبر أو الإيمان فإنه لم يحكم عليه بذلك إلاَّ وهو يريد من القلب التسليم لينظر كيف صبره ، أو يريد كثرة اللجأ والدعاء.
فأما من يريد تعجيل الإجابة ويتذمر إن لم تتعجل ، فذاك ضعيف الإيمان . يرى أن له حقاً في الإجابة ، وكأنه يتقاضى أجرة عمله.
أما سمعت قصة يعقوب عليه السلام : بقي ثمانين سنة في البلاء ورجاؤه لا يتغير ، فلما ضم إليَّ فقد يوسف فقد بنيامين لم يتغير أمله { عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً}
وقد كشف هذا المعنى قوله تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}
ومعلوم أن هذا لا يصدر من الرسول والمؤمنين إلا بعد طول البلاء وقرب اليأس من الفرج.
ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يزال العبد بخير مالم يستعجل ، قيل له: وما يستعجل . قال : يقول : دعوت فلم يستجب لي]
فإياك أن تستطيل زمان البلاء ، وتضجر من كثرة الدعاء ، فإنك مبتلى بالبلاء متعبد بالصبر والدعاء ، ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء.
صيد الخاطر . ابن الجوزي.
|