بلـقيس تـشكو لخالـقها ظلم العـباد/خالك المشـفق: السنوسي

[بنغازي]

كأني أرقبها والوجوم يعلو وجهها، والحيرة تربك عقلها الصغير الذي لا يستوعب ما يجري حوله. ما للفرحة انقلبت حزنا! ما للأفواه التي علتها الابتسامة بالأمس تشهق اليوم! وما للعيون التي كان ملؤها الأمل تغرق في الدموع!!

ما الذي أصاب أمها؟ وما الذي عصف بقلبها فجعلها كطفل انفلتت يده من يد أمه في غمرة زحام شديد لم يعرف منه مخرجا إلى حضن أمه الحاني فأنفجر باكيا بمرارة تقطع قلوب الوحوش الضارية؟
الأم تبكي بكاء حارا، والجدة تئن أنينا حزينا، لو أنفلق له صدرها لأنكشف عن قلب ممزق من لوعة الألم وشدة المصاب. وتُرجع زوايا البيت أصداء العويل والنحيب.. الحزن في كل ناحية يضج مع ضجيج الزفرات والآهات التي لا تكاد تعرف لها الصغيرة مصدرا من شدة الزحام.
تتقدم بلقيس نحو أمها بحركة عفوية تعبر عن ذهولها. تهز كتفها، تنادي: "ماما، ماما.. ليش تبكي؟" وتتعاظم حيرة الصغيرة البريئة حين تلفها ذراعا أمها وتضمها إلى صدرها بقوة تكاد تتكسر لها عظامها الهشة وتغيب لها أنفاسها المتقطعة، وهي تشهق وتشرق وليقطع دوي بكائها صمت المكان الذي هزه الموقف الرهيب. ثم ينفجر الجمع الحاضر بالبكاء متناغما مع ملحمة الحزن المسترسل ومع لحظة الكرب المفزع.
يا لله يا بلقيس !! هل يعي ويدرك الجناة ماذا فعلوا بك؟ لقد تأثرت الصغيرة لهذه المشاهد المؤلمة، إنه بكاء ليس كالبكاء، وحزن ليس كالحزن. إنه شئ أخر أعظم. شئ يلسع كحرارة شمس الصيف في رابعة النهار. ويحرق كألسنة اللهب المتقد كالأوار، فلماذا كل هذا؟!
في لحظة مؤثرة، تجذبها يد الجدة المحطمة، وهي تجهش بلوعة وتقول "بابا مات يا بلقيس"، بابا مات يا بلقيس”. تحاول إحداهن أن تواسي الأم الثكلى فينطلق لسان المصدومة "نار في جوفي يا خيتي نار أيش يطفيها"!! لا تتمالك الصغيرة نفسها، ويسيل الدمع منهمرا من تلك المآقي البريئة، وتحتبس الأنفاس وتضطرب في مساحات صدرها النقي الصغير.
ربما هي لا تبكي لموت أبيها الذي لم تره في حياتها، ولم تعرف عنه إلا بعض خيالات لخلاصات قصص وأحاديث حاولت أمها أن تحشرها في ذاكرتها علها تلقى الأب يوما فتأنس ولا تنفر للقيام. لكنها لم تتمالك نفسها وهي ترمق كل من تحبهم يتطاغون ألما وحزنا. تبكي وتبكي وتبكي، ويتلعثم اللسان، وتشخص العينان، وتزداد الحيرة، ويتسلل الحزن، ويطبق الألم ليضيف حلقات إلى سلسلة البكاء المرير. تجري بلقيس إلى خالتها، تهتف "خويلة، خويلة"... "كنها ماما، كنها جتي، ليش أنتو كلكم تبكو؟"
وترتفع أصوات البكاء والتأوه فرقا على هذه الصغيرة البريئة التي نكبت بأبيها وهي لا تدرك من حقائق هذه الفاجعة شيئا. ولعلها تقول لنفسها إن أباها ميت في ذاكرتها منذ سنوات فما الذي تغير؟
لو أدركت بلقيس لتساءلت: لماذا يموت أبي؟ ولماذا تزهق روحه بهذه الطريقة الفظيعة وفي هذه الظروف الغامضة؟ لماذا حرمت لقاءه وحنانه طوال هذه السنين؟ لماذا يلتزم الجميع الصمت حيال ما يجري، وكأنها روح كلب ضال نلك التي أزهقت؟ هل دماء أبي رخيصة، أم أن ذنبه مشين يأنف منه القريب والبعيد؟ أم كتب عليه أن يحيا زمانا لا يعرف للقيم وللرجال قدرا؟
ما للجميع طبل وزمر وهتف ونعق وهدد وتوعد عندما أزهقت قذائف الأمريكان روح بنت القذافي بالتبني. لماذا عُرف حقها، ولم يعرف لبلقيس حق ولا ذمة؟ أم أنها أبنة مغمور مجهول، وتلك متبنية العظيم الجليل السيد؟
مأساتك ومن حولك توازي في بشاعتها ما اقترفته يد شارون وما خلفته وحشية الصهاينة. فما بال القوم تنادوا لكربهم ومصيبتك يتجاهلون؟ إن أقر الناس بذلك يابلقيس فإن الله بريء من هذا ورسوله. وإن تنكر الناس في الأرض فإن الملأ الأعلى يشهد والملائكة يشهدون. ويشهد الأنبياء والصديقون والصالحون يابلقيس أنك ضحية ظلم وقهر لن يفلت مرتكبوه من عدالة السماء إن أخطأتهم وأخطأتك عدالة الأرض.
لك الله يابلقيس ولكل ضحايا الظلم والقهر. "ولا تحسبن الله غافلا عما يعملون الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء". صدق الله العظيم.

sbsaikri@hotmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- بلقيس هي إبنة الفقيد خالد عبدالمنعم الزياني الذي قضى في مأساة سجن بوسليم. سجن والدها وهي بنت سبعة أشهر وهي اليوم تناهز السبع سنوات.




المصدر :
http://www.akhbar-libya.com/article...order=0&thold=0

[Tinhinan]

Dans le monde entier le ridicule ne tue pas(heureusement) sauf dans les pays arabes

[بنغازي]

Ich kann nicht lesen frankreich.... nur ich lesen arabisch und deutsch und english