هزيمـــــــــــــــــــة الفكـــــــــــــــــــــر التكفيــــــــــــــــــري ( 1 )
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ....
أما بعد :
فإن وجوب الحكم بما أنزل الله وصلاحية الشريعة الإسلامية الغراء وأحقيتها بالتطبيق في كل زمان ومكان لا يختلف فيه مسلمان ولا يتمارى فيه مؤمنان فهو أوضح من أن يوضح وأبين من أن يبين ...
وأظلم أهل الظلم من حال بين الأمة وبين التحاكم إلى ما شرع الله لها من قوانين وأحكام تكفل لها السعادة والاطمئنان والفوز والأمان وألزم الرعية بالقوانين الوضعية والأحكام الجاهلية فأحيا معالم الجور وأمات سنن العدل بيد أن هذا الجرم المستبين لا ينبغي أن يخرجنا عن قواعد أهل العلم وأصول أهل السنة في النظر والاستدلال وإيجاد الحلول لهذا الواقع الأثيم ....
ومن أهم قواعد أهل العلم الثابتة المستقرة قولتهم الذهبية ( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها ) فيجب علينا - والحالة هذه - أن نعض على كتاب الله وصحيح سنة رسوله – عليه الصلاة والسلام – بفهم السلف الصالح بالنواجذ ..
ومن أهم ذلك ما نحن بصدده في مسالة الحكم بغير ما أنزل الله فقد سقط أتباع السلف دعاة منهجهم في تأويل قوله تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " المائدة 44 . وكذا قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " المائدة 45 . وقوله : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " المائدة 47 . على المقولة الذهبية المنقوله عن الخبير الخرّيت الذي دعا له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالفقه في الدين والعلم والتأويل فكان حبر الأمة وترجمان القرآن فهدؤوا إلى قوله واطمأنوا إلى تفسيره ولذلك لم يزل أهل العلم الأكابر على ذلك لأن الحق سلسلة ذهبية مترابطة الحلقات متراصة الصفوف منضبطة الأحكام دقيقة الإحكام لا يعتريها زيغ ولا يفسدها تردد ولا يقطعها إنحراف بل الثبات نورها والهدى سبيلها والصواب واسطة عقدها .. وتناقل أخيار الخلف هذا الفهم عن أئمة السلف وورثوه كابرا عن كابر وتسليم كفّ بكف !
..... وقد كنت كتبت فيما كتبت مقالة حشدت فيها أقوال أئمتنا المعاصرين الأعلام زين كل مكان في هذه المسألة الجليلة الخطيرة وكانت – والحمد لله – كلماتهم وتحريراتهم منبثقة من مشكاة واحدة وتصدر عن رأي واحد آخذ بعضها بزمام بعض وإذا ببعض إخواننا – هداهم الله – يغيرون – بلا هوادة !– على هذه النصوص السنيّة العليّة متهميننا بعقيدة الإرجاء الخبيثة ضاربين نصوص أعلامنا بعضها ببعض فأدى ذلك منهم – ولا حول ولا قوة إلا بالله – بالطعن في ثوابت هذه المسألة تحت دعاية براقة من التجديد وباسم صياغة العقل السلفي .. وأحيوا بذلك – شعروا أو لم يشعروا وأحلاهما مرّ ! – معالم مدرسة ذي الخويصرة التميمي ونسله ممن نبغت على أيديهم فتنة التكفير في صدر هذه الأمة ..
ولذا رأيت لزاما عليّ أن أنبري للصد والرد على أهم ما استدلوا به من حجج واهيات ضعيفات لا تصمد أمام النقد العلمي الذي شعاره : ( فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ) ...
وقبل البداءة بالكلام وسرد شبه القوم أود أن نكون على ذكر من كلمة فقيه الزمان – عليه رحمة الله – ابن عثيمين حيث قال : ( التكفير ليس بالأمر الهين ما هو مجرد إن الإنسان كافر حتى تكون كلمة عابرة هي ستتضمن حل دمه .. دم المكفر .. وحل ماله وجواز قتله وإذا كان وليا فلا بيعة له .. [[[[[ والمسألة خطيرة جدا ]]]]] وهؤلاء الذين ابتلوا – والعياذ بالله – في الآونة الأخيرة بالبحث في هذه الأمور ومحاولة أن يكفروا ولاة الأمور من أجل أن يستبيحوا بذلك الخروج عليهم .. ) [[[[[ هؤلاء هم ورثة الخوارج ]]]]] ... ) وقال – رحمه الله – في موضع آخر من نفس كلمته هذه : ( أما التسرع والهوج واللغط وإقامة الفتن [[[[[ فهذا ليس من شأن المسلمين ]]]]]
[[[[[ هذا من شأن الخوارج ]]]]]
[[[[[ إرث من طريق الخوارج – والعياذ بالله - ]]]]]
( الشرح المختصر لبلوغ المرام شرح كتاب اللباس الشريط رقم : 16 . الوجه الثاني )
فإلى المقصود من عرض شبه القوم ونقضها من أسّها فأقول – وبالله وحده أصول وأجول وحسبي الله ونعم الوكيل وهو الهادي إلى سواء السبيل وهو بكل جميل كفيل - :
أ- إن من أهم شبههم التي يدندنون حولها طعنهم وتشكيكهم في أثر ابن عباس في تفسيره لقوله تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " حيث قال – رضي الله عنه - : ( كفر دون كفر ) وفي رواية : ( ليس الكفر االذي تذهبون إليه )
فانظر – رحمك الله – ماذا يقول حمود الشعيبي - رحمه الله - المقدّم عندهم في الطعن بهذا الأثر - وحق لعيون الإسلام أن تبكي لما قال - : ( وقالوا أيضا المرجئة!!! قد روي عن ابن عباس [ وساق الأثر ] ثم قال : ( هشام بن حجير راوي هذا الأثر عن طاووس عن ابن عباس متكلم فيه من قبل أئمة الحديث كالإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما ... ) إلــخ نقلا عن رسالته التي أملاها بتاريخ 10/2/1422 .
وانظر كذلك ما قاله محمد إبراهيم شقره – طاعنا في هذا الأثرومشككا به – كتابه " إرشاد الساري " ص 189 ط 8 حيث قال : ( وقد شغف الناس قديما وحديثا !! بالمقولة المنسوبة !! إلى ابن عباس – رضي الله عنهما - : ( كفر دون كفر ) وهي لو صحّت !! ولم يتطرق لإسنادها أو لمتنها وهن ترد به إإ ) إلـخ .
ويكفي القارئ الكريم أن يعلم أن أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والأثر أتباع السلف الصالح متفقون على تلقي هذا الأثر عن حبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنهما – بالقبول ومجمعون على صحته فهم عاملون به داعون إليه وإليك صدق ما ذكرت - وأنبه أنه ما كان بين العلامتين << >>> فهو زيادة مني - :
1- قال الحاكم – رحمه الله – في المستدرك ( 2/ 293 ) ما نصه ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي .
2- ونقل الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره (2/64) عنه قوله : ( صحيح على شرط الشيخين ) واحتج به .
3- قال شيخ المفسرين الطبري – رحمه الله – في جامع البيان ( 6/166-167) : ( وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب : قول من قال : نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات فيهم نزلت وهم المعنيون بها وهذه الآيات سياق الخبر عنهم فكونها خبرا عنهم أولى .
فإن قال قائل : فإن الله – تعالى ذكره – قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله فكيف جعلته خاصا ؟!
قيل : إن الله - تعالى – عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه [[[[[ جاحدين ]]]]] فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرين وكذلك القول في [[[[[ كل ]]]]] << كل كما هو معلوم من صيغ العموم وبهذا نعلم أن من يفرق بين من يحكم بغير ما أنزل الله في واقعة والحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله جملة والذي سموه الحاكم المستبدل لشرع الله قد جانب الصواب بلا شك أو ارتياب لأن العمدة في ذلك كله على الجحود والاستحلال ومن عجب !! أن الشيخ حمود الشعيبي – رحمه الله – قال في رسالته الآنفة الذكر عن هذه الآية : ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإذا نزل حكم على سبب معين فإنه لا يقتصر على سببه بل يتعداه فيشمل كل من يدخل تحت اللفظ و( من ) في الآية صيغة عموم فلا يكون الحكم مقصورا على سببه إلا إذا اقترن به نص من الشرع يقصر الحكم على سببه ) ا.هـ وإذا به يكر بنفسه – على نفسه ! – ويفرق بين القضية المعينة والتشريع العام بلا أثارة من علم أو دليل ويقصر حكم التكفير على التشريع العام ويكفي بهذا نقضا لهذه الشبهة وشهد شاهد من أهلها !! وسأفرد هذه الشبهة بالذكر وأرد عليها إن شاء الله >> من لم يحكم بما أنزل الله [[[[[ جاحدا به ]]]]] << تنبه لهذا القيد >> هو بالله كافر كما قال ابن عباس ) .
4- قال الإمام أبو مظفر السمعاني – رحمه الله – في تفسيره (2/42) : ( قال ابن عباس : الآية في المسلمين وأراد به كفر دون كفر واعلم أن [[[[[ الخوارج ]]]]] يستدلون بهذه الآية ويقولون من لم يحكم بما أنزل اله فهو كافر [[[[[ وأهل السنة ]]]]] قالوا : لا يكفر بترك الحكم .
وللآية تأويلان :
أحدهما معناه : ومن لم يحكم بما أنزل الله [[[[[ ردا وجحدا ]]]]] فأولئك هم الكافرون .
والثاني معناه : ومن لم يحكم بكل ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والكافر هو الذي يترك الحكم بكل ما أنزل الله [[[[[ دون المسلم ]]]]]) .
5- وذكر الإمام البغوي – رحمه الله – في ( معالم التنزيل 3/61 ) وثبته جازما به بقوله : ( وقال ابن عباس وطاووس : ليس بكفر ينقل من الملة بل إذا فعله فهو به كافر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر ) .
6- وقال ابن العربي – رحمه الله – في ( أحكام القرآن 2/624 – 625 ) : ( اختلف فيه المفسرون فمنهم من قال : الكافرون والظالمون والفاسقون كله لليهود ومن قال : الكافرون للمشركين والظالمون لليهود والفاسقون للنصارى وبه أقول : لأنه ظاهر الآيات وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وابن شبرمة .
قال طاووس وغيره : ليس بكفر ينقل من الملة ولكنه كفر دون كفر هذا [[[[[ يختلف ]]]]] إن حكم بما عنده على أنه [[[[[ من عند الله ]]]]] فهو تبديل له يوجب الكفر وإن حكم به [[[[[ هوى ومعصية ]]]]] فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين ) .
7- وقال القرطبي – رحمه الله – في ( الجامع لأحكام القرآن 6/190) : ( فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة . وقيل: فيه إضمار أي : ومن لم يحكم بما أنزل الله [[[[[ ردا للقرآن وجحدا ]]]]] لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – فهو كافر . قاله ابن عباس ومجاهد ) .
8- وقال البقاعي – رحمه الله – في ( نظم الدرر 2/ 460 ) : ( ولما نهى عن الأمرين وكان ترك الحكم بالكتاب إما لاستهانة أو خوف أو رجاء أو شهوة رتب ختام الآيات على الكفر والظلم والفسق .
قال ابن عباس – رضي الله عنهما - : ( من [[[[[ جحد ]]]]] حكم الله كفر ومن لم يحكم به وهو [[[[[ مقر ]]]]] فهو ظالم فاسق ) .
9- وذكره الواحدي في ( الوسيط 2/ 191) : ( وقال طاووس : قلت لابن عباس : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ؟؟ ) قال : ( هو به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله ) .
10- وقال صدّيق حسن خان - رحمه الله – في ( نيل المرام من تفسير آيات الأحكام 2/472) : ( وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم – وصححه – والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله - تعالى - هذا قال : ( إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه وإنه ليس كفرا ينقل من الملة بل كفر دون كفر ) .
|