الحمد لله الموجود بلا جهة ولا مكان
والصلاة والسلام على سيدنا محمد مَنْ قال عن نجد: [منها يخرج قرن الشيطان]
أما بعد
لماذا أراك مصرا على الولوج في نقاط أخرى قبل أن ننتهي من التي بين أيدينا؟ فهل تريد الهروب؟ ننتهي من هذه أولا ثم أذهب معك إلى الصين لو شئت.
أولا:
لقد أثبتنا بطلان طعنك بابن فورك وعلمناك أنه شيخ الإمام البيهقي وشيخ الإمام القشيري ونقلنا لك من ترجمة الذهبي ما فيه الثناء عليه، ولكن ليس هنا بيت القصيد، بل قلنا لك وبـ [الألوان] أن [فالحجة إثبات ابن حجر لها في الفتح] كما أن الحجة في إحتجاج الحافظ العراقي بهذه الرواية في تخريج إحياء علوم الدين [وهو من هو بين أهل الحديث] فأنت ذهبت بعيدا عندما حاولت أن تهرب بعيدا من مكمن الحجة التي أقمناها عليك في الاستدلال العلمي فهل ستطعن بابن حجر الآن! أم بالحافظ العراقي وهو من اكابر علماء السنة في علم الحديث! لماذا لم ترد على الحجة التي أقمناها عليك!
ثانيا:
ها انت تكشف نفسك مرة اخرى عندما تحدثت بهذه الطريقة عن الإمام القرطبي رضي الله عنه لمجرد كونه أشعريا فماذا ستفعل مع مئات علماء أهل السنة من الأشاعرة؟ هل ستضللهم كلهم؟ النووي والبيهقي والسيوطي والغزالي! هل كلهم عندك ليسوا علماء حجة؟ تتهم الإمام القرطبي في دينه! إذا، فليكن بعلمك أن مثلك هو المتهم في دينه وليس الإمام القرطبي! ولا أدري لماذا تعترض على هذا التفصيل علما أنه ليس في هذا تبرئة لك من ادعائك غير المدعم بأن حديث النسائي: [ضعيف] فلا زلت متهما عندنا بالكذب وتضعيف ما ثبت من الأحاديث.
ثالثا:
وها أنت تعترض على تأويل حديث النزول وأنا أعرض عليك أن يكون الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه حكما فيصلا بيننا في هذه المسألة لننتهي منها لأنه عالم معتمد ومعتبر عند عموم أهل السنة وهو من رؤوس علماء السلف الصالح رضي الله عنهم.
فماذا قال الإمام مالك في [النزول]؟ أجيبك فأقول:
قال الإمام الزرقاني المالكي في شرحه على موطأ مالك أن الإمام مالك رضي الله عنه إمام دار الهجرة أوَّل حديث: [ينزل ربنا]، بـ [نـزول رحمتـه]، وقوّى نسبة ذلك لمالك ابن حجر في [شرح البخاري] والنووي في [شرح مسلم]، فهل يقال عن سيدنا مالك، الذين هو من كبار علماء السلف الصالح إنه جهمي أو معتزلي؟! أو إنه ليس من الفرقة الناجية لأنه أوّلوا حديث النزول بنزول الرحمة؟! لمجرد أنني أقول بما قاله تسميني جهميا! موقفك صعب فيتبين مما نقلناه عن مالك من التأويل، أن حديث النزول يؤول ولا يؤخذ على ظاهره، فإما أن ترضى بقول مالك أو أن لا ترضى به وبقبولك لقول هذا العالم السلفي ننتهي من هذه المسألة وننتقل لغيرها إن شاء الله وإلا سيكون عليك أن ترد على علماء السلف لا على [ابن الوردي] لأنك لا تعاديني في هذه المسألة وحسب بل تعادي الإمام مالك.
رابعا:
ثم ها أنتم تعود لتطالب بسند رواية [النسائي] حتى بعد أن بينا لك أن ابن حجر أثبتها وأنت استغربت أن أعتبر أنا أن سكوته عليها إثبات لأنك لا تقرأ وإذا قرأت لا تفهم ما قصده الامام ابن حجر ولو أنك تراجع ستجد أنه رضي الله عنه التزم في مقدمة شرحه على البخاري بقوله: [إن ما سكتُّ عنه من الأحاديث فهو إما صحيح وإما حسن]، ولو أنك تفهم ما تقوله أو ما تدعيه من معرفة علم الحديث لأدركت أن الصحيح والحسن دليل وحجة ثابتة، ولكن على قلوب أقفالها.
وكان يكفي في الرد عليك أن يحتاج بها الحافظ العراقي في تخريجه إحياء علوم الدين أم انك تفهم أكثر من هذا الحافظ المحدث الجليل في علم الحديث! وإلى متى سأجد نفسي مضطرا أن أعيد طباعة كلامه امامك لتعقل وتَرْشُد! فها يحتج بها ويقول بعد ذكر النزول: [هذا من المتشابه الذي يسكت عن الخوض فيه، وان كان لابد فأولى ما يقال فيه ما في رواية النسائي: [إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له]. فهل تريد من المسلمين أن يقتنعوا بشبهاتك ويتركوا قول إمام من أئمة علم الحديث؟ وهو قرر أنه يُحتَجّ بها.
خامسا:
يقول الترمذي في سننه:
[وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ولا يتوهم ولايقال كيف]
فهذا صحيح وهو حجة عليك ليست لك، بدليل قول الترمذي: [ولا يتوهم ولا يقال كيف] بينما أنت تتوهم أن النزول صفة ذات الله وأنت تتوهم أنه نزول من فوق إلى أسفل وأنه نول من مكان إلى مكان، هذا هو الوهم والكيف الذي نص الترمذي على بطلانه، فالترمذي لم يقل ما قلته أنت من كلام يحتوي على التشبيه، فانظر إلى قوله:
[وما رُوِيَ جماعات من السلف في قولهم: أمروها بلا كيف]
ولو انك تلاحظ انهم قالوا: [أمروها بلا كيف] ولم يقولوا: [خذوها على ظاهرها]، فلماذا تأخذ أنت بالظاهر وتقع في التكييف والتشبيه، هم ما قالوا ينزل من مكان إلى مكان، وهم ما قالوا ينزل من اعلى إلى أسفل، ولا أحد منهم قال إن النزول صفة ذات الله. ولنتابع ما يقوله الترمذي:
[وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه]
فهو هنا يصف بـ [
الجهمية] أولئك الذين انكروا الروايات الثابتة، بينما لو تراجع كلامي ستجد أني منذ البداية أقول كل الروايات التي سقناها ثابتة، ونقلت ذلك عن أعلام من اهل الحديث النبوي الشريف، ولم انكر الروايات، والترمذي ما قال عن رواية النسائي [إنها ضعيفة]
كما تجرأتَ أنت وقلت. والترمذي ما قال إنه لا يجمع بين الروايات، فلا تدعي بجهل على عباد الله فتزل قدمك انت في النار.
سادسا:
أما استدلالك بابن عبد البر فمردود عليه، وإليك ما قاله في [
التمهيد] بعد ان روى عن نعيم بن حماد ما قاله في [نسبة النزول إلى ذات الله] فقال ابن عبدالبر في
(التمهيد) 7\144 إثرها: [
ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأن هذا كيفية!!، وهم يفزعون منها، لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عِيانا، وقد جَلّ الله وتعالى عن ذلك، وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر، ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا نَتَعَدَّى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير، فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير] اهـ كلام ابن عبدالبر، وهو متين.