جزاك الله خيرا يا أخ رسلان على هذه المقالة...
وأحب أن وأوضح مسألة مهمة جدا في العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام...وهي أن تلك العلاقة لم تحدد تشريعيا ونهائيا إلا في أواخر العصر النبوي...ففي أواخر العصر النبوة حرمت الخمر وحرم الربا ونزلت تشريعات العلاقات الاجتماعية مثل الزواج والطلاق وغير ذلك...فسوف نجد قبل انتهاء الشرع من تحديد تلك العلاقات الاجتماعية في أواخر العصر النبوي، ما يخالف تماما تلك التشريعات...فنجد أن بعض الصحابة كانوا يشربون الخمر قبل الصلاة ثم نزل النهي عن شربها قبل الصلاة فكانوا يشربونها في أوقات لا تقترب من وقت الصلاة..وكذلك كان بعض الصحابة يتعاملون بالربا حتى نزلت آيات الربا في سورة البقرة وتم الإعلان بتحريم الربا نهائيا في حجة الوداع.."ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين وأول ربا أضعه ربانا ربا العباس "أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ....في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع...وكذلك العلاقة بين الرجل والمرأة…قبل أن تشرع آيات وأحاديث فرض الحجاب وهي معروفة مثل :"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" وتحريم الاختلاط: كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"إياكم والدخول على النساء"، قبل أن تشرع هذه الأحكام كان هناك اختلاط بين الرجال والنساء، وكانت النساء تسير في الشوارع سافرات...ولكن بعد تشريع هذه الأحكام تحددت علاقة الرجل بالمرأة في أواخر زمن التشريع قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم...وهذه العلاقة تتلخص في مسألتين: الأولى: الحجاب التام وتغطية جميع جسد المرأة إلا عين واحدة لترى بها...والثانية:منع الاختلاط نهائيا بين الرجال والنساء بما في ذلك النظر والكلام والمحادثة...ويأتي المبيحون للاختلاط أو المحاربون للحجاب فيستدلون بروايات تدل على جواز أن تكشف المرأة وجهها وأن تختلط بالرجال، وهذه الروايات إنما كانت طوال العصر النبوي قبل أن تنزل آيات الأحكام وتحريم الاختلاط...
وأيضا فإن تحريم الاختلاط والنظر والكلام هو الأصل إلا لحاجة شرعية واستثناءات..فيأتي هؤلاء فيستدلون بالاستثناءات وروايات قد حصلت للضرورة أو لحاجة شرعية فيجعلونها أصلا من الأصول، وتكون دليلهم على جواز كشف المرأة شيئا من بدنها أو جواز اختلاطها بالرجال..كما في قصة المرأة التي كلمت عمر بن الخطاب في مسألة المهر في المسجد، فإن ذلك خلاف الأصل ولكن حصل لحاجة شرعية مثل تعليم العلم أو طلب الفتوى أو شراء أو بيع، مع أمن الفتنة بأن تكون المرأة كبيرة في السن...ولكنهم يجعلون الاستثاء من القاعدة: أصل القاعدة…
ففي عصرنا يستدلون بتلك النصوص التي هي استثناءات من القاعدة في جواز الاختلاط في الجامعة والمدارس بين الشاب المراهق والفتاة المراهقة، وكلام بعض ببعض واستئناس بعضهم ببعض وجلوس بعضهم بجوار بعض وصحبة بعضهم لبعض وغرام بعضهم لبعض...
ملوحظتان مهمتان في التشريعات: الأولى أن الشرع إذا أراد أن يحرم أمرا فيه خطورة على المجتمع الإسلامي، حرم جميع مقدماته، وأغلق جميع أبوابه….يعني إذا حرم الخمر لم يحرم شربها فقط، وإنما لعن شاربها وعاصرها وجليس شاربها وحاملها وشاريها وبائعها….وكذلك إذا أراد تحريم الربا فإنه يلعن آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه وهم جميعا سواء في الإثم….ونفس القاعدة على مسالة الزنى، فلم يقل تعالى:"لا تفعلوا الزنى" ولكن قال:"ولا تقربوا الزنى"، فلم يحرم فعله فقط، وإنما حرم قربانه أيضا..كما فصل ذلك بتشريعات آخر العصر النبوي بحرمة كشف المرأة أي شئ من بدنها، وحرمة النظر والكلام والمخالطة والدخول على النساء وغير ذلك….
والملحوظة الأخرى: وهي أن الله عز وجل بعد أن يغلق جميع مقدمات المعصية وجميع الأبواب التي تفتح على المعصية، فإنه كذلك يفتح أبواب التوبة لمن يقع في هذه المقدمات أو في المعصية الكبيرة نفسها…"إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما"…..لأن العاصي إذا كان عنده ظن أنه يمكن أن يكون صالحا يوما ما فإن ذلك يشجعه على ترك المعصية والتوبة…وإذا ظن العكس أنه لن يفلح أبدا، فإنه لا يرى في ترك المعصية فائدة فيتمادى فيها….
أما منهج الغرب والماسونيين والصحفيين والإعلاميين فهو يعكس هاتين القاعدتين تمام المعاكسة…فهم أولا يفتحون جميع أبواب المعصية، ويحاربون أي محاولة لإغلاقها..فإذا أراد أحد أن يمنع الاختلاط بين البنين والبنات في المدارس والجامعات، قامت الحرب عليه ولم تقعد:متطرف، متزمت، متخلف، رجعي، يريد أن يرجع إلى عصر الحمير،إلخ…..ويعلنون عن الفن الهابط والمعصية في جميع الصحف والمجلات ووسائل الإعلام، ويظهرون الفتيات العاريات في جميع وسائل الإعلام، وإذا اعترض معترض ظهر سلاح: التخلف والرجعية….
وبالطبع يقع أفراد الشعوب في المعصية، بعد أن يدفع أصحاب الصحف والإعلاميين الماسونيين: الشعوب والشباب دفعا نحو المعصية….ثم بعد ذلك يغلقون عليهم جميع أبواب التوبة والرجوع والإنابة، فينشرون معصيتهم في صفحة الحوادث، ويطلقون عليهم ألفاظا تدل على أنهم قد هلكوا ولا فلاح لهم أبدا….
__________________
أبو سعيد
|