تتفاوت التكهنات حول مصير بن لادن هل هو ميت فينعى أو حي فيرجى؟ وبقدر تضارب الآراء حول مصيره بقدر تحوله الى اسطورة. والأساطير تلعب دوراً كبيراً في حياة الأمم. ومنذ أيام الكلدانيين في الألف الرابعة قبل الميلاد سمعنا عن اسطورة جلجميش وانكيدو. وبن لادن تحول إلى اسطورة فإن كان حياً فهو مثل روبن هود في الاساطير البريطانية، وان تأكد خبر موته تحول الى شهيد يزور ضريحه الباكستانيون كما فعلوا مع الأفغان العرب فقتلوهم وبكوا عند أضرحتهم.
وكما فعل أهل الكوفة من قبل مع الحسين. فبايعوه وتركوه للنحر هو وآل بيته. وما زال أناس يحتفلون بجلد انفسهم حتى اليوم في الذكرى السنوية لذبح الحسين، بدون أن يرجع الحسين أو ينتصر على يزيد. والقضية التي لا يفهمها بوش وادارته وكثيرون في العالم الاسلامي ان المشكلة لا تقف عند بن لادن بل (فكر) بن لادن.
وطالما كانت الثقافة تعيد انتاج نفسها فسوف تفرخ الأرض مثل عشب النجيل أو أرانب استراليا (أبناء لوادن) مثل القصة التي جاءت في فيلم جودسيلا. فبعد القضاء على الوحش اكتشفوا عشاً فيه آلاف البيوض التي تفقس على مدار الساعة. وبن لادن (عينة) من وسط ثقافي مثل عينة الدم التي تؤخذ من مريض مصاب بالملاريا.
و(فكر) بن لادن هو افراز من وسط اسلامي مريض عاجز عن حل مشاكله يرى أن القتل سيد الأحكام. وبدراسة (فكر) بن لادن يمكن ان نتعرف على طبيعة المرض كما يفعل الأطباء عندما يقومون بتحليل مفرزات جسم المريض فيعرفون اصابته بالسكري والحمى المالطية وسرطان الدم، ومنذ أيام (سيد قطب) في مصر برز الى السطح كتاب (معالم في الطريق) وكان يمكن ان لا يترك اثره بهذا الشكل لو أن عبد الناصر لم يعدم سيد قطب. ولكن عبد الناصر اعدم صاحب المعالم فحوله الى اسطورة. ولو بقي حياً لأصبح رجلاً عادياً يؤخذ منه ويرد عليه ولكنه الآن (الشهيد) المعصوم، وبذلك قدم عبد الناصر هدية لا تقدر بثمن للفكر المتشدد، وزرعهم في الوقت الذي أراد حصدهم. وفكر (المعالم) يطل علينا بأفكار في غاية الخطورة. وأهمية تناولها اليوم أنها أدخلت البدن الاسلامي مرحلة (المضاعفات). فكما ان الحمى التيفية لا تكتفي بارتفاع درجة الحرارة بل قد تصيب شغاف القلب. كذلك فإن فكر المعالم امتدت سميته من مصر الى افغانستان، وتطور من مستوى محلي الى ظاهرة كونية. وانقلب الجهاد الافغاني الى خراج يصدر الجراثيم من كل نوع زوجان. وانتقلت (القاعدة الصلبة الواعية) حيث كان يتدرب الشباب على السلاح في صعيد مصر الى كهوف تورا بورا في افغانستان.
وتحولت من خلايا تنظيمية مسلحة تحت الأرض لقلب انظمة الحكم بالقوة المسلحة باعتبارها (قوى مادية) طاغوتية تحول دون انتشار الاسلام فيجب اسقاطها كي (يخلى بين الناس والعقيدة) الى فكر (الظواهري) الذي يمثل نقلة نوعية، خلاصتها ان الصراع مع الأنظمة المحلية يستهلك الجهد بدون طائل كمن يريد قتل الحية بقطع ذنبها. وأن الضربة الفعلية هي بضرب امريكا رأس الأفعى. كما يرد في بعض خطب الجمع عن تدمير امريكا وأن يجعلها (غنيمة) للمسلمين، في الوقت الذي سقط كل العالم الاسلامي (غنيمة) في يد أمريكا. إن الفكر الحدي في المعالم يؤكد على ثلاثة أمور:
(1) ان المجتمع جاهلي يجب اعتزاله.
(2) وأن أنظمة الحكم جاهلية فيجب مجاهدتها (بالسنان) وليس باللسان.
(3) وأن (الجاهلية) عمت الأرض فيجب عدم الثقة بـ(العلوم الانسانية) لأنها قائمة على (غبش في التصورات). كل هذا أدى الى ثالوث فظيع. ويبدو ان الأصوليات تتشابه في عللها. فيجب شن الحرب على العالم.
ويجب تربية شباب متشنج مغلق العقل يعيش حالة سبات شتوي مع نصوص فقهاء العصر المملوكي. ويجب الانقطاع عن مسيرة الحضارة لأنها كلها جاهلية في (التصور الاعتقادي والعبادي والتشريع).
منقول مختصر