حدثني رجل من المجاهدين، وهو معتقل الآن في بلدٍ من بلاد الله، قال : كنت أنظف سلاحاً شخصياً لي عندما شاهدت صديقاً لي قادم لم أره منذ أشهرٍ، فقمت لعناقه والسلام عليه، فقم أمير المعسكر بأخذ سلاحي خلسةً ووضعه في مكانٍ آخرٍ، وعندما عدت لم أجده مكانه، قمت بالبحث عنه والسؤال فلم يجبني أحد أو يفدني، ثم جاء الأمير فأمر بتكبيلي بالأصفاد ووضعي داخل السجن لأنني مهمل، ( ويشتمون النظام العسكري ) .
وحدثني ثالث، قال : عندما وصلت إلى معسكر التدريب كان المدرب من إحدى الجنسيات العربية، وكان يمر علينا فرداً فرداً يقررنا عقيدة تكفير الحكام ويتوصى بحكام الخليج على وجه الخصوص، حدثني رابع وخامس وعاشر، إضافةً إلى ما رأيته بعيني هاتين ولدي أشرطة صوتية في فضائح بعض الرموز الجهادية التي لو ذكرت اسم أحدهم هنا لقام الجميع بسبي ومقتي بلا استثناءٍ، الجهاد هو عمل بشري وجهد إنساني، وهو كغيره من الأعمال البشرية يخضع للخطأ والصواب، للحق والباطل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام عن رجلٍ خرج معه للجهاد وقتل هو في النار، لأنه غل شملة، وحكم على آخرٍ بالنار لأنه لم يصبر على ألم جراحه التي أثخن بها في المعركة فقتل نفسه .
لا أحد فوق النقد والكمال لله الواحد القهار، قمت بزيارة الشيخ عبد العزيز الوهيبي حفظه الله عام 1408 هـ تقريباً وهو من كبار طلبة الشيخ العلامة عبد العزيز بن بازٍ رحمه الله، وكان معي الممسوخين منصور النقيدان صاحب المؤخرة، ومشاري الذايدي بياع البرتقال المغشوش، وكان الشيخ يذكرنا ويعظنا ويوصينا أن نكف عن بعض الأمور من ضمنها القول بتحريم الدراسة، فكنت في قرارة نفسي أسخر من كلامه وأقول : هذا رجل ضال مداهن جبان، وكان يقول لنا ولا زلت أتذكر هذه العبارة حتى اللحظة : لقد كنت في مثل أعماركم وكنت أقول ببعض الأقوال التي تحمل مغالاةٍ في الرأي حتى وصلت إلى مرحلةٍ من النضج والتمييز أتاحت لي نقد بعض أفكاري التي خالفت فيها روح الشريعة ومصالحها .
قد يسخر زيد من مما أقوله الآن، غير أنني أقول ما أعتقده وأدين الله به، وهذه المقالة لا أقصد بها مغازلة النظام، بل هي رؤية شخصية خاصة، ما قامت به تلك الفئة الإجرامية في هذه البلاد أمر لا يمت للدين بصلةٍ، فوراء الأكمة ما ورائها من المصالح والأهواء وتصفية الحسابات الشخصية، وقد اطلعت على بيانات تلك الفئة المجرمة على مواقعهم، ولا أسميها الإرهابية، لأن لفظة الإرهاب شرف للمسلم، والوصف الصحيح أن يطلق عليهم المجرمون القتلة، أو الأوغاد، أو الجبناء، أو الخارجون على القانون، مبزرة، أقول اطلعت على أكثر أدبيات تلك الجماعة، فوجدتها تحمل نفس الفكر القديم الذي يتجدد في قالبٍ آخر، القتل في سبيل الله زعموا، التكفير، تمجيد المنحرفين عن صراط الله، تعليم شباب الأمة طريقة القتل والخطف والتفجير، وقد يتلقى منهم تلك المعلومات أحد الخارجين على القانون فيسرق وينهب ويخرب ويعيث في الأرض فساداً، والفضل كل الفضل لأدعياء الجهاد، فئة منحرفة خرجت على تعاليم الشرع ولم ترخي سمعها لجميع عقلاء الأمة، تخيلوا أيها السادة جميع أبناء الأمة من علماء وأدباء ومفكرين وعقلاء وأكاديميين كلهم على خطأٍ، وهؤلاء المبزرة على صواب، فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين .
ومن طريف ما قرأت من أكاذيب هؤلاء الأطفال، ما تلفظ به أحد الجبناء هنا في هذا المنتدى، والذي أراهنكم على أنه إذا سقط مثل الجرذ في قبضة رجال الأمن فإنه سيبكي حتى يلوث ثيابه بالنجاسة، يقول هذا القط : أصيب أحد المجاهدين ( زعموا ) في المواجهات التي دارت رحاها بينهم وبين رجال الأمن، يقول صاحبنا القط : فجاء رجال الأمن بهذا المجاهد المصاب يتهادى بين جنديين، فقال أحدهما لرئيسه الضابط هل أقتله ؟ فيلم هندي، أجابه الضابط اقتله، فأخرج الجندي مسدسه وأطلق عليه النار بين عينيه !
لا أكتمكم صناعة المؤثرات الجميلة من عرضٍ لصاروخ سام سبعة، والرشاشات وعملية الاقتحام مع وضع النشيد هبوا هبوا يا أصحاب، صناعة مؤثرة تداعب خيال كل محبٍ للجهاد في سبيل الله، وهي نفس الصورة التي داعبت خيالي قبل عقدٍ ونصفٍ عندما رأيت ذلك المندوب الهزبر بثيابه السوداء وشعره الثائر، وشتان ما بين الصورتين، صاحب الصورة الأولى صادق أحسبه والله حسيبه ولا أزكيه على الله، وأصحاب الصورة الثانية مجموعاتٍ ضالة، خارجة على تعالم الشرع وحسابها عند مولاها، صناعة تلك المؤثرات الجميلة تدغدغ المشاعر، غير أنها جوفاء لا تصمد أمام الحقائق، حقائق من قبيل قوله عليه الصلاة والسلام ( أول ما يقضي الله فيه يوم القيامة الدماء، وقوله عليه الصلاة والسلام ( لزوال الدنيا بأسرها أهون على الله من قتل رجلٍ مسلمٍ ) وقول الحق تعالى ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) حتى في الفتنة قال عليه الصلاة والسلام ( كن عبد الله المقتول ولا تكن القاتل ) ما أرخص النصوص عند مبزرة الجهاد، وما أشد استحكام الجهل والهوى لدى تلك الخلايا المنغلقة التي تضاربت مصالحها مع مصالح الشريعة، فداست على الشريعة وعلى نصوص الشريعة لأجل مصالحها الخاصة، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فأخزاهم الله في الدنيا وعند الله تجتمع الخصوم .
إقتباس:
الكاتب / الخفاش الأسود
من الساحات
|
تحياتي