د, الأهدل: التكفير والنفاق (5) إطلاق كلمة الكفر..
التكفير والنفاق ومذاهب الفرق فيهما (5)
إطلاق الكفر على غير معين..
ويجب التنبيه على أن ما علم شرعاً بأنه كفر، يطلق عليه ذلك، فيقال: من فعل كذا.. فقد كفر، ومن قال كذا.. فقد كفر، مع استحضار أمرين:
الأمر الأول:
أن الكفر يطلق على الكفر الأكبر المخرج من الملة، وعلى الكفر الأصغر، وهو كبائر الذنوب التي لا يخرج مرتكبها من الملة كما سبق، والفقهاء في الدين هم الذين يميزون بين الكفرين..
الأمر الثاني:
أن الكفر يطلق إطلاقاً عاماً، ولا يطلق على كل معين فعل أو قال ما هو كفر؛ لأن المعين قد يفعل الكفر أو يقوله، مع جهله بذلك أو تأوله أو نسيانه، فيكون معذوراً، لعدم توفر شروط تكفيره ووجود موانعه..
ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله:
"وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع، يقال: هي كفر قولاً يطلق، كما دلَّ على ذلك الدلائل الشرعية، فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم..
ولا يجوز أن يُحكَم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر، حتى تثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه..
مثل من قال:
إن الخمر أو الربا حلال، لقرب عهده بالإسلام، أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاماً أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، وما كان الصحابة يشكون في أشياء، مثل رؤية الله وغير ذلك، حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ومثل الذي قال:
إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم لعلي أضل عن الله ونحو ذلك..
فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقام عليهم الحجة بالرسالة، كما قال الله تعالى: (( لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل )) [النساء (165)].
وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، وقد أشبعنا الكلام في القواعد التي في هذا الجواب في أماكنها".. [مجموع الفتاوى: (35/165)]..
وقصة الرجل الذي قال:
"إذا أنا مت فاسحقوني......" رواها أبو هريرة رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه، فقال إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه به أحداً..).. قال: ( ففعلوا ذلك به، فقال للأرض أدى ما أخذت، فإذا هو قائم فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له بذلك ) [صحيح البخاري (3/1283) رقم (3294) وصحيح مسلم (4/2110) ورقم (2756)]..
وقال ابن تيمية في موضع آخر:
"والأصل الثاني: أن التكفير العام - كالوعيد العام - يجب القول بإطلاقه وعمومه.. وأما الحكم على المعين بأنه كافر، و مشهود له بالنار: فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه..
وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم - بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار - لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم الحجة الرسالية التي يتبين بها بأنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر.. وهذا الكلام في تكفير جميع المعينين.. فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة".. [مجموع الفتاوى (12/497-501)، (523)]..
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..
|