مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 31-08-2005, 08:55 PM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي قصتى

سأنشر هذا الكتيب الذى قمت بترجمته بناء على طلب صاحب موقع "رجال ونساء أسلموا" ، وهو شاب نشط يزيد فى العمر عن السابعة عشر بقليل ، وهذا الكتيب سيضمه إلى كتاب يقوم بإعداده ، شاركت فى ترجمة بعض مقالاته ، وقد استأذنته فى نشر هذا المقال ، فأذن لى مشكورا ، وهذا هو موقعه للرجوع إليه .

كما علمت ، بأن هذا المهتدى كان بكتاباته ، سببا فى إسلام الكثيرين ، ويتضح هذا من هذا الكتيب ، ففيه من العمق وشرح خلجات نفسه طوال حياته ما يريح الباحث عن الحق .





هذه قصتى ... جاى إيتون Gai Eaton




كإبن حرب ، ولدت فى سويسرا من أبوين بريطانيين . وفى وقت ولادتى ، تم توقيع معاهدة السلام التى أنهت الحرب العالمية الأولى ، المعاهدة مع تركيا ، التى وقعت فى لوزان . العاصفة الكبرى التى غيرت وجه العالم ، ولكنها أجهضت نفسها ، غير أن آثارها واضحة المعالم فى كل مكان . تلقت الحقائق القديمة والمبادئ الأخلاقية التى اعتمدت عليها ضربة قاصمة . وتلطخت خلفية عائلتى بالدماء نتيجة هذا الصراع . أبى الذى كان عمره 67 عاما حينما ولدت ، كان من مواليد الحروب ضد نابليون بونابرت . وكلاهما كانا مجندين ......

رغم ذلك ، فمن المفروض أنه كان عندى وطن ، ولكن لم يكن عندى شئ . بالرغم من أنى ولدت بسويسرا ، إلا أنى لست سويسريا ، أمى نشأت فى فرنسا ، وأحبت الفرنسيين أكثر من أى شعب آخر ، ولكنى لم أكن فرنسيا . هل كنت إنجليزيا ؟؟؟ لم أشعر بذلك مطلقا . لم تمل أمى من تذكيرى بأن الإنجليز لديهم برود ، وغباء ، وضعف جنسى ، وليس لديهم فكر أو ثقافة . فأصبحت لا أرغب فى أن أكون مثلهم . إذا إلى أين ... وإلى أى مكان ... يمكن أن أنتمى ؟؟؟ يبدو لى عند التفكير فى وضع طفولتى ، أنها كانت لا شك تمهيدا لاعتناقى الإسلام . أينما تولد وأى جنسية تحمل فوطن المسلم هى دار الإسلام أينما وجدت ، البيت الكبير للمسلمين . جواز سفره فى الدنيا والآخرة مجرد النطق بالشهادتين "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ... هو لا يَتوقّعُ - أَو يَجِبُ أَلا يَتوقّعَ - أمن أَو إستقرار في هذا العالمِ ويَجِبُ دائماً أَنْ يَتذكّرَ الحقيقة بأنّ الموتَ قَدْ يَأْخذُه غداً. هو لَيْسَ لهُ جذورُ قويّةُ هنا علي هذه الأرضِ الهشّةِ. جذوره هناك في المكان الذي يمكن أن يتحمله .

ولكن ماذا عن النصرانية ؟؟؟ لم يكن عند أبى أى اتهامات دينية ، لم يعبر عن أى شئ منها ... وهو على فراش الموت فى سن التسعون ، قال "ياترى هل هناك مكان أسعد فيه ؟؟؟" ... تركت تربيتى كاملة لأمى . بالسليقة هى لم تكن ... كما أعتفد ... غير متدينة ، فقد نشأت فى إطار الدين ، ولكنها لم تكن تحب الدين الملتزم المنظم . والشئ الوحيد الذى كانت متأكدة منه ، هو أن تترك لابنها أن يفكر لنفسه بحرية ، ولم تكن تجبره بأى شكل على قبول أفكار الآخرين . كانت حريصة كل الحرص على ألا أتلقى الدين بواسطة الملعقة . كانت تحذر أية مربية تأتى عندنا وتصحبنا إلى فرنسا فى العطلات ، بالطرد فورا ، لو ذكرت الدين لى . وأتذكر وأنا فى سن الخامسة أو السادسة ، أن تعليماتها خرقت بواسطة مربية كانت تعد نفسها للذهاب إلى البلاد العربية للتبشير ، ولتبشر أرواح هؤلاء الذين يعيشون فى الظلام ... هذا ما قالته لى ... والذين يتيهون فى الوثنية ، الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين . هذه كانت أول مرة أسمع فيها عن العرب ، وقد أرتنى خريطة عن هذه البلاد العجيبة .

وفى أحدى المرات كنا نتنزه بالقرب من سجن "واندسورث" ، حيث كنا نسكن فى هذه المقاطعة . وربما أكون قد أسأت الأدب بعض الشئ ، لأنها قبضت بعنف على ذراعى ، وأشارت للسجن ، قائلة "هناك يوجد شخص ذو شعر أحمر فى السماء ، وسيضع الأطفال الأشقياء داخل هذا السجن" ... كانت هذه أول مرة أسمع فيها عن الله ، وكرهت ما سمعت ، فقد كنت أخاف الرجال ذوى الشعر الأحمر (كما كانت تعلم منى ذلك) ، وهذا الذى أشارت إليه بالذات . وعند عودتى للمنزل ، سألت والدتى عن هذا الرجل . لا أتذكر ما قالته لى لتطمئننى ، ولكنها طردت المربية فورا .

لاحقا ، ومتأخرا عن معظم الأطفال ، أرسلت للمدرسة ، أو بالأصح سلسة من المدارس بانجلترا وبسويسرا، وذلك قبل وصولى لسن الرابعة عشر ، والتحقت ببيوت الطلبة . ومن الطبيعى ، فإن
كانت الصلوات فى المدارس وفصول الكتاب المقدس ، فهل ألقت النصرانية ببعض الظل على ؟؟؟ ... أبدا لم أتلقى منها أى صدى ، ليس على فقط بل وعلى زملائى أيضا بالمدرسة . وهذا الوضع لم يشكل أى استغراب عندى . الدين لا يعيش ، ككل وله تأثير إذا انغلق فى منحى واحد من التعليم والحياة . الدين إما أن يكون كل شئ ، أو لا شئ ؛ إما أن يقزم كل الدراسات التكفيرية ، أو أنه هو يقزم بها . مرة أو مرتين فى الأسبوع كنا ندرس الإنجيل ، كأى درس آخر ندرسه فى الفصول الآخرى . لم تكن الدراسات الدينية تشكل الكثير فى العمود الفقرى مما كنا ندرسه . لم يتدخل الله فى الأحداث التاريخية ، لم يحدد الظواهر التى درسناها فى العلوم ، كم أنه لم يتدخل فى الأحداث الجارية ، وأن العالم يحكم بالصدفة ، وبقوة المادة ، وكنا نفهم بأن كل شئ يجرى ذاتيا ، ولا دخل لما وراء الطبيعة فى أى شئ ... الله زيادة عن إحتياجاتنا ..... ( مداخلة : أستغفر الله العظيم من هذا القول ... الذى يصور فترة كان يعيشها كاتب القصة فى مرحلة التيه ) . ولذلك ما على إلا أن أفهم معنى وجودى الآنى . أما أؤلئكم الذين يجدون أنفسهم فى فترة من حياتهم يبحثون على الحق بشغف ، لا يقارنون بأؤلئكم الذين لا هم لهم إلا شهوة البطن والفرج ( مداخلة : أولئك كالأنعام بل هم أضل أؤلئك هم الغافلون )
... لا أستطيع أن أضع قدما أمام قدم قبل أن أعرف أين أنا ذاهب ، ولماذا ؟؟؟ لا أستطيع فعل شئ ، ما لم أفهم موقع العمل الذى سأعمله فى المنظومة التى من حولى . كل ما أعرفه فى الحقيقة ، هو أنى لا أعرف شيئا ... بالأحرى ... ذو أهمية ، كما أنى مشلول بجهلى أعيش مسلوب الإرادة فى ضباب كثيف .

أين أبحث عن المعلومات ؟؟؟ حينما كنت فى الخامسة عشرة من عمرى ، علمت أنه يوجد علم اسمه"الفلسفة" ، وتعنى هذه الكلمة "حب الحكمة" . الحكمة هى التى كنت أبحث عنها ، إذا فقناعتى ستكون موجودة فى هذه الكتب التى سطرها رجال حكماء . وبشعور جارف كالمكتشف حينما تقع عينه على الأراضى المكتشفة ، أخذت أحرث فى الأعمال التى تركها كلا من ، ديكارت ، وكنت ، وهيوم ، وسبينوزا ، وشوبنهور وبرتراند رسل ، وقرأت تعليماتهم وما سطروه . ولم يمض وقت طويل ، حتى تبين لى أن هناك شئ خطأ . وأحسست أنى آكل من الرمال وأتغذى عليها ، وأنا أبحث فى هذا الجانب . هم فقط كانوا يخمنون ، ويلقون بأفكارهم التى تخرج من أذهانهم الضعيفة ، وأى شخص ، حتى الطالب فى سن الخامسة عشر ، يستطيع أن يخمن . ولكن كيف لطالب فى الخامسة عشر أو السادسة عشر ، أن تكون له الجرأة على رفض الفلسفة العلمانية الغربية ، ونعتها بأنها لا تغنى ولا تسمن من جوع ؟؟؟ لا يحتاج الإنسان لنضج كبير ، حتى يعلم أن ما جاء به القرآن الكريم من مفاهيم هى العلم الصحيح . وفى نفس الوقت ، فإن إصرار أمى على ألا ألتفت إلى ما يقوله الآخرون أو يفكرون فيه ، جعلنى هذا المنهج أعتمد على ما أقرره أنا . الثقافة الأوروبية ، عملت من هؤلاء الفلاسفة رجال عظام ، وكذلك فعل الطلاب فى الجامعات وانكبوا على دراسة أقوالهم بشغف . ولكن ما هو الموقف بالنسبة لى ؟؟؟

بعد مضى بعض الوقت ، وأنا فى السادسة عشرة ، قال لى أحد الأساتذة الذين يهتمون بى ، تعليقا غريبا لم أفهمه حينئذ ، قال " أنت الشكاك العالمى الوحيد الذى عرفته " . لم يكن يشير بالذات إلى الدين . كان يعنى أننى أشك فى كل شئ يأخذه الآخرون كمسلمة بديهية . كنت أود معرفة ، لماذا يفترض أن تكون كل إهتماماتنا هى فى البحث عن الطعام ، والمأوى والرفيق ولا نفكر فيما بعد هذا العالم الدنيوى . كنت فى حيرة من أمرى ، لماذا تمتد إحدى الوصايا " لا تقتل " ، لتطبق على غير اليهود والنصارى ، كما أنى كنت أيضا أحتار ، لماذا فى عالم ملئ بالنساء الجميلات ، تكون القاعدة المطبقة فى العالم ، هى الزواج من واحدة . كما أنى كنت أشك فى وجودى . وبعد فترة طويلة ، قرأت قصة صينية للمؤلف شوانجتزو "Chuangtzu" يقول أنه رأى وهو نائم أنه أصبح فراشة ، وحينما استيقظ اختلط عليه الأمر ، هل هو الذى رأى نفسه فراشة ، أم أن الفراشة هى التى رأت نفسها هو . لقد فهمت ما يرمى إليه . ( مداخلة : هل يمكن أن نفهم من هذا أن الإنسان بدون تكريم الله سبحانه وتعالى له ، لا يختلف عن أى مخلوق تافه آخر ؟؟؟ ) .

رغم ذلك ، حينما ذكر المدرس ملاحظته ، فقد اكتشفت مفتاحا لما يؤدى إلى المعرفة الأكيدة . وبالصدفة ... ولو أنه لا يوجد شئ اسمه الصدفة ... وقعت على كتاب اسمه "محيط البريموردايل The Primordail Ocean " ، بقلم البروفسور بيرى ، عالم الآثار المصرية . يتبنى البروفسور فكرة ثابتة ، بأن المصريين القدماء سافروا إلى أنحاء من العالم فى سفنهم المصنوعة من ورق البردى ، ناشرين دينهم ، وأساطيرهم طولا وعرضا . وليثبت هذه الفكرة ، فقد أمضى عدة سنين يدرس الأساطير القديمة ، وكذلك أيضا ، الأساطير والرموز البدائية فى عصرنا هذا . ما اكتشفه كان مدهشا حقا ، فقد اكتشف التشابه فى الإعتقاد ، ولو أنه مختلف فى صوره المعبرة عنه . لم يثبت نظريته عن مراكب البردى ، ولكنه ... كما أتصور ... أثبت شيئا مختلفا تماما رائعا . أثبت أنه من وراء المنقوشات والصور ، هناك حقائق عالمية تتعلق بالطبيعة ، وخلق العالم والإنسان ، بالإضافة إلى خبرات البشرية ، حقائق بنفس القدر ، كدمائنا وعظامنا .

إحدى الأسبابِ الرئيسيةِ لعدم الإيمانِ في العالمِ الحديثِ تعددُ الأديانِ الذي تَبْدو متناقضة فيما بينها . وبالرغم من أن الأوربيون مقتنعون بتفوقهم الحضارى ، إلا أنه ليس لهم الحق فى إعتقاد أن النصرانية التى يعتنقوها هى الإيمان الصحيح . الفكرة التى يتبنونها ، بأنهم مطورى الحضارة ، جعلتهم يعتقدون فى سذاجة الأديان الأخرى ، وأنها ليست إلا محاولات بائسة للإجابة على أسئلة مصيرية . هذه الثقة بالنفس العنصرية ، هى السبب فى تبنى هذه الفكرة . هل من الممكن لإله حكيم أن يجعل عالما من البشر يعيشون ويموتون فى ضلال ؟؟؟ ألم يأن للنصارى ألا يعتقدوا بأنهم هم فقط الذين سينقذوا ؟؟؟ آخرون أيضا يقولون عن أنفسهم ذلك ... المسلمون كمثال ... إذا كيف يعرف المرء من هو الصادق فى قوله ومن هو المخطئ ؟؟؟ وهناك الكثيرون ، وأنا منهم قبل أن أقع على كتاب "بيرى" ، كنت أعتقد ، بما أن الكل لا يمكن أن يكونوا جميعا على حق ، إذا فالجميع على خطأ . الدين وهم ، وهو ناتج من الأمنيات . آخرون وجدوا البديل الممكن وهو أن تحل "الحقائق العلمية" بدلا من الأساطير الدينية . أما أنا فلا أستطيع تبنى هذا الإفتراض ، لأن العلم مبنى على فرضيات وليس على عصمة السبب ، كما أن الحقيقة ، هى خبرة حسية ، لا يمكن إقامة الدليل عليها .

حينما قرأت كتاب "بيرى" ، لم أكن أعرف شيئا عن القرآن الكريم . هذه المعرفة جاءت متأخرة ، لقد كان ما سمعته عن الإسلام مشوها ، وهذه التشوهات متراكمة نتيجة التحامل عليه عبر مئات السنين من المواجهة . وبالرغم من ذلك ، ومعرفتى حينئذ به ، فقد أخذت خطوة تجاه هذا المنافس العظيم للنصرانية . يؤكد لنا القرآن الكريم أن ما من امة إلا خلا فيها نذير ، يكلمهم بلغتهم وينقل لهم ما أوحى إليه من ربه ، فالله سبحانه وتعالى لم يترك أمة إلا تكلم لها على لسان نبيه ، الذى يعرف أحوالهم وحاجاتهم . وحقيقة أن رسالة الرسل كانت تشوه مع مرور الزمن لا تحتاج لدليل ، ولا يتعجب أحدا من هذا التشويه من جيل إلى جيل ، بل العجب يكون إن لم تبق آثار منها مع مرور القرون . يتبين لى الآن مستندا للإسلام ، أن أعتقد بأن هذه الآثار مغلفة بالأساطير والرموز "لغة الأقوام فى العهود السحيقة" ، هى متوارثة من الحقيقة المنزلة وتؤكد صدق الرسالة الخاتمة .


يتبع

آخر تعديل بواسطة أبو إيهاب ، 31-08-2005 الساعة 10:21 PM.
  #2  
قديم 01-09-2005, 09:12 AM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي

انتقلت بعد ذلك إلى كيمبردج ، حيث نحيت جانبا دراساتى الرسمية ، التى ظهر لى ثانويتها ، وأصبحت أملها ، فى مقابل دراسة هذه الأمور الهامة . كنا فى عام 1939 . اندلعت الحرب العالمية الثانية قبل التحاقى بالجامعة ، ولمدة سنتين كان يجب على أن ألتحق بالجيش . وقد كاد الألمان أن يقتلونى ، كما كنت دائما أتوقع هذا . وكان لدى وقت قليل لأجد إجابات للأسئلة التى تعترينى من وقت لآخر ، ولكن هذا الوضع لم يجعلنى أتبنى أية ديانة منظمة . وكغالبية الزملاء ، كنت أحتقر الكنيسة ، وكل الذين ينطقون بأفواههم كلمات عن الله الذى لا يعرفونه ، غير أنى كنت مجبرا على التقليل من عداوتى هذه . وأتذكر المنظر بوضوح الذى حدث بعد نصف قرن . كان بعضنا يجلس فى قاعة كلية الملك . المناقشة بيننا تحولت إلى أمور الدين . وفى قمة المائدة كان يجلس طالبا جامعيا محترما على مستوى الجامعة لذكائه ، ولفطنته . ولأشاغله منتهزا فرصة بعض الهدوء ، قلت : " لا يوجد فى أيامنا هذه شخص نابه يعتقد فى آلهة الأديان " ... نظر إلى بحزن شديد قبل أن يجيب : "بل على العكس ، فى هذه الأيام لا يوجد شخص نابه لا يؤمن بالله " ، بعد أن سمعت هذا الرد كدت أن أختفى عن الأنظار تحت المائدة .

كان لدى صديق فطن ، رجل فى الأربعين من عمره ، قدوة ، وقد وجدته شخصا مقنعا فى مناقشاته . لقد كان الكاتب "ل . اتش . مايرز L. H. Myres " وُصف فى ذلك الوقت بأنه "القصصى الفيلسوف الوحيد ، الذى أنجبته إنجلترا" . لم يكن عمله الرئيسى فقط "الجذر والزهرة" ، الذى أجاب عن أسئلة كثيرة كانت تدور فى خلدى ، ولكن أعماله نقلت إلى الإحساس بالصفاء الممزوج بالتعاطف . فى إعتقادى أن الصفاء ثروة كبيرة يمكن للإنسان الحصول عليها ، وأن التعاطف مزية عظيمة . كنت أمام رجل لا تهزه العواصف ، ومسح بعين الحكمة الوجود الإنسانى المضطرب . كنت أكتب له ، وكان يرد على فورا . وخلال الثلاثة أعوام التالية كنا نتبادل الخطابات ، على الأقل مرتين فى الشهر . بثثت له كل ما فى قلبى ، فى حين أنه اقتنع أنه أخيرا وجد الشاب الذى يفهمه حقا ، وكأن الدماء واحدة فى عروقنا نحن الإثنين . وفى النهاية التقينا سويا ، وهذا دعم صداقتنا .

ولكن ، ما كل مايتمنى المرء يدركه ، فقد لاحظت فى رسائله التالية نبرة من الحزن المكتوم ، فكتبت له مستفسرا " هل وضعت كل ما تنشده من صفاء فى كتبك ، ولم تبقى شيئا لنفسك ؟؟؟ " ... كان رده على " أعتقد أن تعليقك كَانَ فطنَا ، ومن المحتمل أنه صادق " . لقد كرس حياته للمتعة وكذلك " للتجربة " ( فى الإتجاهين الحسن والقبيح ... لذا قال : " قليل من النساء سواء من المجتمعات الراقية ، أو المجتمعات الدنيا ، لم يقاومن ثروته وسحره ، ومظهره الحسن ، كما أنه لم يستطع مقاومة إغوائهن له " .

كان مولعا بالروحانيات والسحر ، لم يلتزم بأى دين ، وما أطاع أى قانون أخلاقى تقليدى .

والآن ، مع كبر سنه ، لا يستطيع مواجهة الأيام وتطورات الحياة ، حاول أن يغير من سلوكه ويتوب من غيه ، ولكن الوقت كان متأخرا . وبعد ثلاث سنوات من تبادلنا الرسائل ، انتحر .

لفد تحملت حزنى عليه ، وقد سميت ابنى الأكبر باسمه ، ولكن موت "ليو مايرز" علمنى أشياء لم أتعلمها من كتاباته ، بالرغم من أن ذلك أخذ منى سنين لأستوعب معناه كاملا . الحكمة التى كان يتبناها ، كانت فى رأسه فقط ، ولم تتشربها إنسانيته . قد يمضى المرء حياته فى قراءة الكتب الروحية والصوفية العظيمة ، ولكن إذا لم تختلط هذه المعلومات بروحه وكينونته ، فبذلك يكون عقيما لا خير فيه . ولهذا ، فقد تيقنت أن الرجل البسيط الذى يتوجه بقلبه إلى الله ، ويعبده ، هو أفضل من ذلك الذى ملأ رأسه علم الأولين والآخرين ، دون أن يتشرب قلبه هذه المعلومات .

تأثر مايرز بشكل كبير بالفيدانتا الهندوسيِ، المذهب الغيبي الهندوسى ِ. كما أن أمى كان لها إهتمام أيضا بمذهب "راجا يوجا" ، وقد وجهنى ذلك فى هذا الإتجاه . أصبحت الفيدانتا الآن محور اهتمامى ، وهى التى وجهتنى فى النهاية ، إلى الإسلام !!! ... قد يكون ذلك مستغربا من غالبية المسلمين ، ومحيرا لأى شخص يعرف المبادئ الأساسية للإسلام بأنها تُدين بشدة عبادة الأصنام ، وبالرغم من ذلك ، فإن حالتى لم تكن فريدة . ومهما كان ما يعتقده جماهير الهندوس ، فالفيدانتا ، هو مذهب الإتحاد الصافى ، الحقيقة الوحيدة ، وهو ما يسمى "التوحيد" عند المسلمين . فالمسلمون أكثر من غيرهم ، عندهم قليل من الصعوبة ، فى فهم أن مذهب الوحدة ، قد شمل كل الأديان التى غذت البشرية منذ البداية ، بالرغم من أوهام الوثنية التى غطتها "كالجوهرة فى زهرة اللوتس the jewel in the lotus " ، وكما يتراكم ران الوثنية على القلب . ( مداخلة : المؤلف غير موفق فى هذا التعبير ، فعلى العكس ، المسلمون هم أول من يعرف أن الوحدانية هى رسالة الرسل جميعا للبشرية من أول يوم هبط فيه سيدنا آدم إلى الأرض ، وإلى يومنا هذا ) . وكيف لا يكون الوضع غير ذلك ، والتوحيد هو الحقيقة ، وكما يقول صوفى نصرانى كبير "الحقيقة هى موطن للإنسان Truth is native to man" .

وبسرعة انتهت إقامتى بكيمبردج ، وأرسلت للكلية الملكية الحربية بساندهيرست ، لخمسة أشهر طوارئ ، كضابط صغير ، لأعد كى أقتل أو أقتل . ولأتعلم أكثر فى فنون الحرب ، بعثت مرافقا لفوج إلى شمال اسكتلندا . وهناك تركت لمخطاطاتى الشخصية ، وملأت فراغ وقتى ، إما بالقراءة أو بالمشى على المنحدرات الجرانيتية فوق بحر الشمال الهائج . وبالرغم من العواصف فى هذا المكان ، إلا أننى شعرت فيه بالأمان ، كما لم أشعر فى أى مكان آخر من قبل . وكنت كلما قرأت فى الفيدانتا ، وكذلك فى المذهب الصينى القديم ، "التاويزم Taoism " ، كلما تأكدت أكثر بأننى أخيرا قد حصلت على بعض الفهم فى طبيعة الأشياء ، وأن لدى لمحات خاطفة ... على الأقل فى الفكر والخيال ... عن الحقيقة المطلقة ، وكل ما عدا ذلك فهو وهم وخيال . ومع كل هذا ، لم أصل بعد ولم أكن مستعدا لتقبل حقيقة"God" ، ناهيك عن "الله& quot; .

(مداخلة : ورود كلمتى God و "الله" فى هذه الجملة ، قد يكون لها معنى الإله عند غير المسلمين ، و "الله" عند المسلمين ) .
بعد تركى للخدمة فى الجيش ، بدأت فى الكتابة ، لكى أرتب أفكارى وأجعلها منظمة . كتبت عن المذاهب التى درستها ، من صينينة وبوذية وهندوسية ، وكذلك عن بعض الكتاب ،الغربيين ، (بما فيهم "ليو مايرز) ، الذى تشبع بهذه المذاهب . وقد قابلت فى هذه الأثناء الشاعر "ت. س. إليوت T. S. Elliot "، الذى كان فى ذلك الوقت رئيسا لدار نشر ، وقد جمعت تلك المقالات تحت عنوان "أغنى عرق The Richest Vien" ، جملة مشتقة من مقولة أحد الأدباء . كما قابلت "رين جينون ٌRene Guenon " ، رجل فرنسى عاش فى القاهرة لمدة طويلة تحت اسم "الشيخ عبد الواحد" .

قوض جينون كل الفرضيات التى اعتبرها الرجل الغربى الحديث ، على أنها بديهيات . هناك كثيرون انتقدوا الحضارة الغربية ، بعد ما يسم بعهد النهضة ، ولكن لم يجرؤ أحد على أن يعريها بعمق كما فعل هو ، أو أن يصف مبادئها وقيمها والثقافة الأوروبية بأنها حثالة من قاذورات التاريخ . كان موضوعه هو "أصول التقاليد" ، وكما عبر عنها بأن الأساطير القديمة ، والمذاهب الغيبية ، نواتها هى الأديان العظيمة . (مداخلة : على ما أعتقد أنه يقصد ، بأنها أخذت من الأديان العظيمة ثم أضيفت إليها تصورات البشر) . كانت لغة هذه التقاليد ، هى اللغة الرمزية ، ولم يكن له نظير فى ترجمة هذه الرمزية .

والأكثر من ذلك ، فقد قلب نظرية التقدم البشرى رأسا على عقب ، واستبدلها بالإعتقاد ، بأن الحالة الروحية للعالم هى فى انحدار مع مرور الوقت ، ونحن الآن فى العهد المظلم الذى يسبق النهاية ، عهد رفضت فيه كل الثقافات السابقة ، ونبذت خارج العالم ، وحل الكم مكان الكيف، ووصل الإنحطاط إلى نهاية القاع . لم يقرأ احد له ، وفهم ما يقول وبقى كما كان قبل القراءة .

وكالآخرين ، الذين تأثروا بقراءاتهم لجينون ، أصبحت غريبا فى هذا القرن العشرين . لقد كان هو نفسه تحت تأثير اتهاماته للعالم ، وقد دعاه ذلك لإعتناق الإسلام ، الوحى الخاتم ، والذى وجده يجمع كل ما سبق مما جاء من قبل . أما أنا ، فلم أكن بعد مستعدا لما وصل هو إليه ، ولكنى فورا تعلمت أن أخفى ما أفكر فيه ، وأضع عليه قناعا . لا يستطيع المرء أن يعيش سعيدا بصورة دائمة ، مع من حوله من رجال ونساء ، كما أنه لا يمكنه الدخول معهم فى مناقشات ، إن لم يشاركهم فى الإفتراضات التى يحملونها . الجدال والنقاش ، يفترض فيه قاعدة مشتركة بين المتحدثين . حينما لا تكون هناك هذه القاعدة ، فالتشويش وسوء التفاهم لا يمكن تجنبه ، إن لم يكن الغضب . الإعتقادات التى هى القاعدة الأساسية فى الثقافة المعاصرة لا تتحمل أقل من المشاركة العاطفية والإيمان الدينى الذى لا يناقش ، كما ظهر فى المناقشات أثناء الصراع مع قصة "سلمان رشدى الآيات الشيطانية " .

أحيانا كنت أنسى ما أخذته على نفس بألا أدخل فى مناقشات غير مثمرة ، منذ سنوات مضت كنت ضيفا على عشاء ديبلوماسى فى ترنداد . وكان بجوارى إمرأة شابة تتكلم مع وزير انجليزى نصرانى ، يجلس فى المقابل منا . لم أكن مهتما بالمناقشة ، غير أنى سمعتها تقول له أنها تعتقد أنها لا تؤمن بتقدم البشرية ، فكان رد الوزير وقح ونظر إليها باحتقار ، مما دفعنى للقول "السيدة على صواب – لا يوجد هذا التقدم الآن" ... فرد على الوزير بوجه مشوب بالغضب "ليتنى فكرت فى الإنتحار هذه الليلة" . وبما أن الإنتحار يعتبر جريمة كبرى فى النصرانية والإسلام ، ففهمت من هذه المقولة ولأول مرة ، تأثير الإيمان على التطلع "لمستقبل أفضل" ، وأن الجنة على الأرض ... وفى الآخرة ... استبدلت "بالإيمان بالله" .




يتبع
  #3  
قديم 01-09-2005, 09:21 AM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي

وفى الوقت الذى قمت فيه بنشر كتاب "أغنى عرق" ، تركت انجلترا إلى جاميكا ، فى جزر الهند الغربية ، حيث يوجد صديق لى من الدراسة ، لعله يبحث لى عن أى عمل هناك . وقد كنت ذكرت على الكتاب المنشور ، أنه من إنتاج "مفكر ناضج" ، كلمة "ناضج" هذه كانت غير ملائمة بشكل كبير : كرجل ، وكشخصية ، فقد كنت بالكاد متعديا سن المراهقة ، وجاميكا كانت بالنسبة لى مكانا خياليا لتخيلات المراهقة . يعرف أؤلئكم ذوى الخبرة ، ما تشكله جامايكا بعد الحرب العالمية من مسرات وإغراءات تزود بها ذوى الخبرة والباحثين عن المغامرات العاطفية . ومثل مايرز ، لم يكن عندى مبادئ أخلاقية توقفنى عن شئ . وقد أحرجت عندما بدأت أتلقى رسائل المعجبين لكتاباتى ، وهم يتصورون أنى رجل مسن ذو لحية كثيفة بيضاء ، حيث قد كتب لى أحدهم يقول "ملئ بالحكمة والعاطفة" . تمنيت لو كنت أستطيع أن أخلصهم بسرعة من تصوراتهم ، والمسئولية التى يضعونها على عاتقى . وفى يوم من الأيام جاء قس لجاميكا للبقاء مع يعض أصدقائه ، وقال لهم لقد وقعت على كتاب رائع "أغنى عرق" بقلم جاى إيتون ، فقالوا له إنه هنا موجود بجامايكا ، ففرح بذلك ، وقال لهم أريد أن أقابله ، فأخذه أصدقاؤه إلى حفل يعتقدون أنى موجود فيه . وقدموه إلى ، فرأى أمامه شخص غير الذى كان يتصوره بالمرة ، فهز رأسه مستغربا وقال بهدوء : قطعا أنت لم تكتب هذا الكتاب .
عدت لإنجلترا بعد سنتين ونصف السنة ، لأسباب عائلية . ومن ضمن من كتبوا لى بعد قراءة كتابى ، إثنان من الرجال اللذين تأثرا بعمق من كتابات جينون ، وتبعاه فى إشهار إسلامهم ، فى بعده الصوفى . قابلت هؤلاء الرجال . وكانوا قد قرؤا كتبى أيضا ، فقالوا لى أن ما تنشده ، لن تجده فى الهند أو فى الصين ، ولكنه أقرب من ذلك ، ستجده فى التقاليد الإبراهيمية ، فى البعد الصوفى للإسلام . وسألونى ، متى تبدأ فى ممارسة ما تدعو إليه وتبحث عن الجانب الروحى . قالوا لى ، هذا هوالوقت المناسب لذلك ، قالوها برقة ولكن بطريقة حاسمة ، ذاكرين أنه يجب أن تكون حياتى طبقا لما أعرفه نظريا . رددت عليهم متهربا ، وبأدب ، بأننى لا أفكر فى تنفيذ ما يقولون إلا عندما أكبر وأستنزف المغامرات الدنيوية . ولكنى بدأت فعلا فى دراسة الإسلام بشغف وإهتمام .

أثار اهتمامى هذا سخط صديق لى حميم يعيش فى الشرق الأوسط ، وقد ملء بكره شديد ضد الإسلام . ذاكرا لى ، أن هذا الدين الجاف ، القول بأن به أبعاد روحانية فكرة سخيفة . هذا الدين ، كما أكد لى ، ليس إلا مظاهر خارجية ، طاعة عمياء ، صلوات متكررة ، حرمان لا عقلانى ، تعصب ضيق ونفاق . وأخذ يسرد لى تصرفات بعض المسلمين محاولا إقناعى . وأتذكر أن مما ذكره ، أن إمرأة شابة كانت فى سكرات الموت ، فأخذت تهز سريرها كى تتجه نحو قبلة المسلمين "مكة" لتموت مواجهة لها . صديقى ، كان ينظر للموضوع أنها عانت وهى فى أشد حالات مرضها لتنفذ "خرافة غبية" ... بالنسبة لى ، كنت أنظر إلى الموضوع بالعكس تماما ، فقد رأيت أن هذه قصة رائعة معبرة . أكبرت إيمان هذه المرأة الشابة ، التى تصرفت تلقائيا بعيدا عن أى تأثير ذهنى يمكن تخيله .
وفى هذه الفترة ، كنت لا أجد عملا ، وكنت أعيش فقيرا . تقدمت إلى كل الأعمال المعلن عنها ، بما فيها وظيفة مساعد محاضر بجامعة القاهرة ، فى الأدب الإنجليزى . وكنت أعتقد بغباء هذه الفكرة ، لقد حصلت على مؤهلى بجامعة كيمبردج فى التاريخ ، وبعيد كل البعد عن الأدب الإنجليزى قبل القرن التاسع عشر . فكيف سيقبلون شخصا ليس مؤهلا ؟؟؟ ولكنهم قبلونى . وفى أكتوبر عام 1950 اتجهت للقاهرة ، فى نفس الوقت الذى بدأ اهتمامى للإسلام يتزايد .

كان من بين زملائى ، مسلم بريطانى "مارتن لينجز Martin Lings " ، وكان قد أثث له بيتا فى مصر . كان صديقا لجينون ، وكذلك للرجلين اللذين قابلتهما وتكلمت معهما فى لندن ، ولم يكن يشبه أحدا قابلته من قبل . كان صورة حية لما كان يدور فى ذهنى حتى ذلك الوقت ، من نظريات ، وهكذا قلت لنفسى ، أخيرا وجدت قطعة حية لتصوراتك ، كاملة ومطابقة . كان يعيش خارج المدينة فى بيت تقليدى ، فى منطقة هادئة ، وكنت أزوره وزوجته تقريبا أسبوعيا ، وكانت هذه الزيارة هى هروب من ضوضاء المدينة ، والبحث عن أنيس لا تحس معه بانفصال الداخل عن الخارج .

كنت فى حاجة لرفقة . وقد أحببت جاميكا ، كما كرهت مصر ، ببساطة لأنها ليست جاميكا . أين الجبال الزرقاء ، البحر القارى ، البنات الجميلات ؟؟؟ كيف تركت المكان الوحيد الذى شعرت فيه بأنه وطنى ؟؟؟ ولكن لم يكن هذا كل شئ وأنا بعيد عنها ؛ لقد تركت هناك امرأة شابة ، والذى بدونها الحياة أصبحت خالية وجوفاء وشاقة . لقد تعلمت حينئذ كلمة "الهوس" ماذا تعنى بالضبط ، درس فى منتهى القسوة ، ولكنه مفيد ليفهم الإنسان نفسه ويفهم الآخرين . لم يكن هناك شئ فى حياتى السابقة له أى قيمة ، الحقيقة كانت رغبتى للإنسان الذى احتل تفكيرى ليلا ونهارا ، وتظهر لى فى أحلامى . حينما كنت أقرأ لطلبتى شعر الحب ، كانت الدموع تنهمر من عينى ، على وجنتى ، وكان الطلبة يقول بعضهم لبعض ، أخيرا هذا رجل انجليزى له قلب . لقد كنا نظن أن الرجل الإنجليزى بارد كالثلج .

كنت أدرس لمجموعة من الطلبة يتكونون من خمسة أو ست طلاب ، وكنت أشعر معهم بألفة . كراهيتى لمصر كانت لأنها تبعد حوالى 8000 ميل من ذلك المكان الذى كنت أود أن أكون فيه ، ولكنى حبى لهؤلاء الطلبة عوضنى عن ذلك . تمتعت بدفئهم ، وتفتحهم الذهنى ، والثقة التى وضعوها فى لأعلمهم مايريدون معرفته ، وفورا بدأت أحب إيمانهم ، فقد كانت هذه المجموعة من المسلمين الملتزمين . لم تكن عندى شكوك . لو من الممكن أن ألزم نفسى بدين ... أسجن نفسى فى دين ... لن يكون هذا الدين إلا الإسلام . ولكن ليس بعد ! تذكرت صلوات "سانت أوجستين" : "يارب أسألك العفة ، ولكن ليس بعد" ، وكان من الواضح أمامى ، إن الكثيرين فى مختلف الأعمار يسألون العفة ولكن ليس بعد ، آملين بعمر مديد أمامهم ، ولكنهم يفاجئون بالموت يحل بهم قبل أن تصلهم العفة .

كل الأمور سواء ، ربما لم أتغلب على ترددى . ونيتى فى النهاية أن أعتنق الإسلام ، ربما أجلت القرار الحاسم سنة بعد سنة ، وما زلت أقول "فيما بعد" ، ولكن العمر يداهمنى ... الحقيقة أنه ليست كل الأمور سواء . الحنين إلى جاميكا والشخص الذى أتمناه ، مازالا يشتعلان فى صدرى بالرغم من مرور الشهور ، كأنها تتغذى بعضها من بعض . استيقظت ذات يوم على أن ما يمنعنى من العودة للجزيرة هو المال . وأجريت عدة اتصالات لأجد أنه من الممكن الذهاب إلى جاميكا بحرا ، على ظهر إحدى البواخر ، نوما فقط ، بمبلغ 70 جنيه استرلينى . كنت على يقين بأننى أستطيع توفير هذا المبلغ فى نهاية الفصل الدراسى الحالى ، وفورا تبدلت حياتى ، شاعرا بأن الخلاص قد حان ، وبدأت أتمتع بوجودى بالقاهرة . ولكن أطل سؤأل هام الآن ، والإجابة عنه لا تحتمل التأخير هذه المرة . فرصة إعتناق الإسلام قد لا تعود مرة ثانية . أمامى كان الباب مفتوحا ، وقد يغلق للأبد . وأنا أعلم ما هى الحياة التى تنتظرنى فى جاميكا ، وكنت أشك هل ستكون لى القوة لأعيش هناك فى هذا المحيط كمسلم ؟؟؟

اتخذت القرار الذى يجب أن أتخذه ، مستندا إلى أسباب واضحة ، وربما كان صدمة لمعظم الناس حولى ، وليس فقط للمسلمين منهم . قررت ... كما حددت لنفسى ... أن "أبذر البذرة" فى قلبى بأن أقبل الإسلام آملا أن تنمو هذه البذرة لتؤتى أكلها نباتا طيبا . لن أقدم أعذارا لهذا القرار ، كما أنى لن ألوم أحدا إذا اتهمنى بالنفاق وبسوء القصد . ولكنه هل من المحتمل أنهم يجرؤون فيقللون من استعداد الله سبحانه وتعالى من أن يعفو عن ضعف الإنسان ، وعن قدرته بأن ينثر النبات والفاكهة من هذه البذرة التى بذرت فى الأرض القاحلة ؟؟؟ (مداخلة : والحمد لله العلى القدير ، فقد حدث ما تنبأ به ، فهو الآن مستشار اللجنة الثقافية الإسلامية بلندن وقد أعتنق الإسلام نتيجة لكتاباته وأبحاثه الكثيرون من المشاهير) على كل حال ، فقد كنت فى وضع حاسم ، وأعرف تماما أنه يجب على أن أفعل ذلك . ذهبت إلى "مارتن لينجز" ، وقصصت عليه قصتى قائلا له أعطنى الشهادة لأنطق بها ، بمعنى آخر آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد نبيا ورسولا . كان أول شهر رمضان هو اليوم التالى ، فصمت ، وقمت بشئ لم أكن أتصور أنى سأقوم به . وقد نقلت هذا الخبر لطلبتى ، الذين عمتهم الفرحة العارمة ، وأخذوا يكبرون بصوت عال ، ويقبلون على يحتضنوننى بمنتهى الدفء . والآن تبين لى هذا الحاجز الذى كان بينى وبينهم ، فقد تحطم ، وقبلتهم كأخوة لى . وقبل ستة أسابيع من مغادرتى السرية (لم أذكر لرئبسى أننى سأغادر إلى جاميكا) ، كان أحدهم يأتى إلى يوميا يعلمنى القرآن الكريم . ونظرت لملامحى فى المرآة ، الوجه كان هو هو ، ولكنه مغطى بملامح شخص آخر . فقد كان وجه مسلم ! وتحت الإستغراب أبحرت من الإسكندرية إلى مستقبل مجهول .


المصدر : "الإسلام وقدر رجل" ... جاى إيتون
  #4  
قديم 01-09-2005, 03:47 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

والدنا الكبير أبو إيهاب

جزاك الله خيرا على إدراجك لهذه القصة الرائعة
ومع أننا نحمد الله صبح مساء على أن جعلنا نولد مسلمين
ولكن هذه النعمة للأسف لا يستشعرها ولا يعرف قدرها إلا القليل
فالحمد لله الذي جعلني مسلما ومن أبوين مسلمين
فالإسلام من أكبر النعم التي ينعم بها الله على عبده لو كان يشعر
وهؤلاء الذين دخلوا وقرأوا ودرسوا المذاهب والأديان الأخرى
لهم نصيب الأسد في التلذذ بنعمة الإسلام

نسأل الله أن يحيينا مسلمين وأن يميتنا مسلمين
ونسأل الله أن يجعل ما قمت به في موازين حسناتك

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #5  
قديم 03-09-2005, 01:01 PM
أبو خطاب الدلمي أبو خطاب الدلمي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 180
إفتراضي

جزيت الجنة أخي...



الحمد لله أننا مسلمين..
__________________


قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن أبتغينا العزة بغيره أذلنا الله..
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م